ما هي انعكاسات الحرب بين إسرائيل وحماس على سوريا؟
وسط مخاوف من أن تفضي الحرب بين حماس وإسرائيل إلى جحيم إقليمي، يقيِّم المحللون مدى تأثير اللاعبين الإقليميين على الملف السوري، واحتمالية فتح جبهة أخرى في سوريا.
13 أكتوبر 2023
مرسيليا- مع هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وهو الأكبر منذ حرب يوم الغفران (كيبور بالعبرية)، التي اندلعت في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 1973، أي قبل خمسين عاماً، بدأت التكهنات تدور مباشرة حول حجم مشاركة إيران، باعتبارها داعمة للفصائل الفلسطينية المسلحة.
ونفت طهران مراراً أن يكون لها يدٍ في الهجوم، فيما أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى ضلوع إيران في الهجوم. وقد أودت الحرب الحالية بحياة نحو 1,300 إسرائيلي، وأكثر من 1,530 فلسطينياً، وما تزال الحصيلة في تزايد متسارع مع فرض “حصار كامل” على قطاع غزة، وبدء إسرائيل هجومها البري التي تتوعد به.
قبل أشهر، توقع الخبراء أن الأمور تسير في طريقها إلى فترة جديدة من التهدئة، لاسيما مع التوجه نحو التطبيع الإيراني-السعودي، والإسرائيلي-السعودي، في العام الماضي. غير أنَّ المنطقة انجرفت إلى شفا الهاوية، ما دفع مجموعة من الجهات الفاعلة إلى صياغة استجابتها للأحداث المتسارعة في فلسطين وإسرائيل.
وسط مخاوف من اندلاع جحيم إقليمي، ما هي انعكاسات الحرب بين حماس وإسرائيل على سوريا، التي أسهمت إيران في اندلاعها؟
“الدراية الفنية بكيفية استخدام وصنع الصواريخ المستخدمة في غزة مصدرها إيران”، قال لـ”سوريا على طول”، جو ماكرون، زميل عالمي في برنامج الشرق الأوسط بمركز ويلسون. لذلك، لاشك أن إيران قدمت “على الأقل نوعاً من المشورة والدعم والتوجيه، ولكن ما مدى مشاركتها، هذا ما لا يمكن لأحد أن يجيب عليه إجابة حقيقية”.
وسواء شاركت إيران بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فإنه “يصب في مصلحة حزب الله وإيران”، بحسب جوزيف ضاهر، أستاذ في معهد الجامعة الأوروبية، قائلاً لـ”سوريا على طول”: “سترى دول المنطقة في هذا تزايد دور إيران في فلسطين وعلى نطاق أوسع”.
في سوريا، “تدعم طهران والميليشيات التابعة لها، بما في ذلك حزب الله اللبناني، نظام الأسد بقوة، وهذا يمكن أن يُكسِب إيران نفوذاً أكبر، غير أنّها تتمتع بالنفوذ هنا أصلاً”، وفقاً لضاهر.
خلال العامين الماضيين، ازداد النفوذ الإيراني في سوريا، نظراً لانشغال روسيا، الحليف الرئيسي الآخر للأسد، في الصراع الأوكراني، “لذلك رأينا كيف ملأت إيران الكثير من هذا الفراغ”، بحسب ماكرون.
أما عمر أبو ليلى، المدير التنفيذي لشبكة دير الزور 24، منظمة إعلامية وبحثية تركز على محافظة دير الزور، مسقط رأسه، على دراية بمدى انتشار النفوذ الإيراني في سوريا، حيث تنشط عدة الميشليات المدعومة من إيران في مناطق سيطرة النظام بالمحافظة الشرقية، التي تعرضت مراراً لغارات جوية إسرائيلية.
وفي مقارنة أجراها بين غزة ومحافظته، خلص أبو ليلى في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أنَّ المدنيين هم من “يدفعون ثمن” وجود الجماعات المسلحة النشطة في أماكن عيشهم.
جبهة أخرى؟
يستبعد ضاهر وماكرون وأبو ليلى بشدة مشاركة النظام السوري في العمليات التي تشنها حماس ضد إسرائيل. ويصف ضاهر دمشق بـ”اللاعب سلبي” و”الضعيف جداً”، قائلاً “هم يدركون أنهم يفتقرون إلى القوة العسكرية”.
علاوةً على ذلك، فإن العلاقة بين حماس والنظام السوري فاترة، ولم تستأنف دمشق علاقاتها الدبلوماسية مع الحركة إلا في العام الماضي، بعد قطيعة استمرت عقداً من الزمن، عندما غادرت القيادة السياسية لحماس سوريا على خلفية دعمها الأولي للثورة السورية في عام 2012.
لكن في المقابل، تعمل الميليشيات المدعومة من إيران، التي تنشط في سوريا، باستقلالية عن النظام، إذ بحسب أبو ليلى: “بشار الأسد باع البلد للميليشيات الإيرانية والروس، ولايملك قرار إيقافهم أو إخبارهم بأي شيء”.
في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، عندما قصفت إسرائيل غزة بعد هجوم حماس بثلاثة أيام، تواردت الأنباء عن إطلاق فصائل فلسطينية مرتبطة بحزب الله صواريخ من محافظة القنيطرة، جنوب غرب سوريا، باتجاه مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. وردّّت إسرائيل بنيران المدفعية وقذائف الهاون في اليوم ذاته.
وبعد يومين، بالتزامن مع قصف حزب الله المتقطع لمواقع في إسرائيل عبر الحدود الجنوبية للبنان، استهدفت إسرائيل مطاري حلب ودمشق بغارات جوية. وجاء الهجوم قبل يوم واحد من زيارة مقررة لوزير الخارجية الإيراني إلى سوريا، وكأن القصف بمثابة تحذير لإيران ووكلائها من المشاركة المتزايدة.
وصف ضاهر الصواريخ التي أطلقت من جنوب سوريا بـ”الرمزية”، قائلا إن “الجبهة السورية هادئة”. فمنذ بدء حرب غزة، يتم إطلاق الصواريخ بين الفينة والأخرى من سوريا على مرتفعات الجولان، بما في ذلك خلال حرب غزة عام 2014، لكنها تعنون أول تبادل للقصف.
وبدوره، رأى ماكرون أنَّ الجماعات المدعومة من إيران في سوريا أضعف من أن تشكل تهديداً لإسرائيل، لأنها تفتقد إلى الكفاءة والتنسيق، كونها “غير منضبطة” وليس لديها “قيادة وسيطرة واضحة”.
كما أنَّ الديناميكيات الداخلية بين الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تعقيد المواجهة الفعالة لإسرائيل، بحسب أبو ليلى، موضحاَ أنَّ العناصر السوريين والأجانب في الميليشيات المدعومة من إيران، مثل حزب الله، “لا يثقون ببعضهم البعض”، كما أن “بعض المقاتلين المحليين يرفضون الانضمام إلى هؤلاء المقاتلين، كما يرفضون إرسالهم إلى جبهات أخرى” خارج مناطقهم الأصلية، فما بالك، بمجابهة إسرائيل.
لكن، لا ينفي ضاهر إمكانية أن تحشد الجماعات المدعومة من إيران في سوريا قواتها، في حال فتح حزب الله جبهة ثانية من لبنان، رغم أنه أمر لا يلقى الكثير من القبول الشعبي، من وجهة نظره.
“إذا فُتِحت الجبهة اللبنانية، فيمكن أن نشهد تعزيزاً لقوة حزب الله الإيراني، وتوسيع النفوذ في المناطق الحدودية الجنوبية [في سوريا]، وقد يتعدى الأمر إلى ما هو أكثر من الاقتراب إلى خط الجبهة، من قبيل إطلاق الصواريخ من هناك كأداة إضافية للضغط على إسرائيل”، بحسب ضاهر.
في حال وُجدت جبهة ثانية “سيكون حزب الله اللبناني وحده كافياً، من دون الحاجة إلى جبهة سورية” وفقاً لماكرون.
خلافاً للآراء الأخرى، رأت حنين غدار، زميلة في معهد واشنطن متخصصة في السياسة الشيعية، أن “جبهة الجولان قد تكون في الواقع جبهة أفضل لإيران من الجبهة اللبنانية، حيث توجد معظم أصولها”، معتبرة أن استخدام سوريا كقاعدة للهجمات سيسمح لإيران “باستخدام حزب الله واعتماد سياسة الإنكار”، لكن هذا لا ينفي وجود تداعيات كبيرة “لأن إسرائيل هددت فعلياً بقصف الأسد ودمشق”.
إذا دخلت سوريا أو الجماعات الرئيسية العاملة فيها في نزاع مباشر مع إسرائيل، “ستكون دير الزور الهدف رقم واحد”، بحسب أبو ليلى، مرجحاً أن تستهدف تل أبيب المواقع الإيرانية الواقعة غرب نهر الفرات، حيث تتجول الميليشيات المدعومة من إيران بُحرِّية في شرق سوريا وعبر الحدود التي يسهل اختراقها إلى العراق.
منذ هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، استأنفت إسرائيل هجماتها على دير الزور، بما في ذلك البوكمال والبوليل ومدينة دير الزور. وفي هذا الأسبوع، أُغلِقت المعابر النهرية بين قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية (قسد) على الضفة الشرقية لنهر الفرات وقوات النظام والقوات المدعومة من إيران على الضفة الغربية، وفق ما تواردت الأنباء.
واستشهد أبو ليلى بما حدث في كانون الثاني/ يناير 2021، عندما أطلقت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية، ما أدى إلى مقتل العشرات من قوات النظام والقوات المدعومة من إيران، في كانون الثاني/يناير 2021، في أعقاب اغتيال قاسم سليماني، قائد عسكري إيراني وما تلاه من عمليات انتقامية من قبل القوات العاملة بالوكالة. إذ استهدفت إسرائيل أكبر ثلاث مدن في دير الزور: البوكمال والميادين ودير الزور المدينة، بالإضافة إلى مواقع أخرى.
“إذا انتقلت الحرب إلى شمال شرق سوريا، سيكون الوضع مروعاً وسيئاً جداً بالنسبة للمدنيين وعموم شمال سوريا”، قال أبو ليلى، معبراً عن مخاوفه من تهجير المدنيين. تواجه دير الزور تقلبات داخلية، في أعقاب الاشتباكات الأخيرة بين قسد ومقاتلين من العشائر العربية المحلية.
وحتى إن لم تُفتَح جبهة سورية، يرجح أبو ليلى أن تصَّعد إسرائيل من هجماتها ضد حزب الله وغيره من الجماعات المدعومة من إيران بسوريا، في إطار حربها مع حماس وفي أعقابها أيضاً.
دور تركيا
مع توجه أنظار العالم إلى إسرائيل وغزة في خضم الحرب الجارية، تواصل أنقرة ودمشق عمليات القصف على شمال شرقي سوريا وشمالها الغربي، التي أطلقوها قبل أيام قليلة من هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر في فلسطين.
في البداية، وضعت تركيا نفسها كلاعب محايد ووسيط في الصراع بين إسرائيل وحماس، وحثت كلا الجانبين على ضبط النفس، وكان ذلك واضحاً في تصريح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عندما أبدى “استعداد تركيا الدائم لتقديم أي مساعدة ضمن إمكاناتها لضمان عدم تصعيد التطورات الجارية”، مضيفا ً “نواصل اتصالاتنا المكثفة مع الأطراف المعنية”.
وبعد ذلك، تصاعدت التعليقات التركية على الحرب، حيث أدان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 11 تشرين الأول/ أكتوبر، قصف غزة وحصارها، واصفاً إياها بأنها: “ليست حرباً، بل مذبحة”.
ومع ذلك، تواصل تركيا لعب دور في المفاوضات، وتسعى إلى إطلاق سراح “السجناء المدنيين الذين تحتجزهم حماس”، وفقاً لمسؤول تركي كبير. ونفت إسرائيل انخراطها في مفاوضات مع قطر، لكنها لم تنف التفاوض مع تركيا، وتتمتع الأخيرة بعلاقات وثيقة مع حماس، فضلاً عن علاقات رسمية مع إسرائيل.
وعليه، إن لعب تركيا دوراً فعالاً في الحرب الإسرائيلية الحالية يجعل من انتقاد الولايات المتحدة لها “أكثر تعقيداً”، بحسب ضاهر. وهذا بدوره، يمكن أن يزيد نفوذ أنقرة مقابل الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لـ”قسد”، لمواصلة حملتها الحالية ضد التحالف الكردي في شمال شرق سوريا، التي شنتها رداً على الهجوم الذي نفذه حزب العمال الكردستاني على المديرية العامة للأمن بأنقرة، مطلع الشهر الحالي. وتعتبر تركيا القوات الكردية، التي تشكل الجزء الأكبر من “قسد”، امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
خلال الحملة الجوية التركية الأخيرة على شمال شرق سوريا، أسقطت الولايات المتحدة، التي تدعم “قسد”، طائرة مسيرة تركية بعد اقترابها من قاعدة أميركية، لكنها لم تتخذ إجراءات أبعد لوقف الغارات الجوية ضد حليفتها، تاركةً الباب مفتوحاً لمزيد من التصعيد وعدم الاستقرار في المنطقة.
يتمحور التدخل الأمريكي الأخير على شمال شرق سوريا، مع التركيز على محاربة تنظيم “داعش”، واحتواء النفوذ الإيراني، ومن غير المرجح أن يتغير هذا الموقف.
“تكمن المشكلة الرئيسية في عدم وجود أي نوع من الاستراتيجيات الأمريكية عندما يتعلق الأمر بسوريا”، بحسب ضاهر، قائلاً: “لا يمكن التنبؤ كيف ستفضي الأحداث الأخيرة إلى زيادة احتمال قيام الولايات المتحدة بوضع استراتيجية من هذا القبيل”.
تم نشر هذا التقرير أصلاً في الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين