ما هي منافذ النظام السوري للتحايل على قانون “قيصر”؟
عمان- أثارت التطورات الأخيرة على صعيد العلاقات السورية-الروسية الأخيرة، فرضية محاولة دمشق وحليفتها موسكو الالتفاف على العقوبات التي يفرضها قانون "قيصر" الأميركي على المتعاملين مع الحكومة السورية، لحين انخراطها الجدي في جهود التوصل لتسوية سياسية للصراع في سوريا.
9 يونيو 2020
عمان- أثارت التطورات الأخيرة على صعيد العلاقات السورية-الروسية الأخيرة، فرضية محاولة دمشق وحليفتها موسكو الالتفاف على العقوبات التي يفرضها قانون “قيصر” الأميركي على المتعاملين مع الحكومة السورية، لحين انخراطها الجدي في جهود التوصل لتسوية سياسية للصراع في سوريا.
فمع اقتراب دخول القانون حيز النفاذ في 17 حزيران/يونيو الحالي، أعلن الكرملين تعيين السفير الروسي إلى دمشق، ألكسندر يفيموف، “ممثلاً خاصاً للرئيس الروسي لتطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية”، وتالياً تفويض “وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء مفاوضات مع الحكومة السورية بغية تسليم العسكريين الروس منشآت ومناطق بحرية إضافية في سوريا”.
الالتفاف على “قيصر” اقتصادياً وسياساً
يرى د. أسامة القاضي، مدير مجموعة عمل اقتصاد سوريا، أن “هامش مناورة النظام لتفادي العقوبات يضيق مرة بعد مرة”. وبالتالي فإن المناورة، كما يضيف لـ”سوريا على طول”، “لتجاوز العقوبات الاقتصادية [المفروضة] منذ العامين 2011-2012 لن تنفعه في تفادي العقوبات التي ستطبق هذا العام، خاصة الاقتصادية منها، والمفروضة على النظام والشخصيات المقربة منه، لاسيما بعد أن خسر منظومة رامي مخلوف التي كانت تساعد إلى حد كبير في غسل الأموال وتفادي العقوبات عن طريق لبنان”، فيما لن يستطيع المقربون “من النظام في لبنان مساندته ماليا، خاصة وأن حزب الله مدرج على لائحة الإرهاب، كما إن صندوق النقد الدولي [الذي يسعى لبنان للاتفاق معه حول برنامج للخروج من أزمته الاقتصادية]، يطالب بالشفافية والوضوح”.
من جهته، يعتبر الباحث الاقتصادي يونس الكريم أن “انهيار الليرة والاقتصاد في سوريا على مر السنوات السابقة، يعني أن قانون قيصر لم يعد له الأثر الكبير على النظام”. إذ “بالعودة إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي جميعها للعام 2019 /2020، نجد أنها تعاني من انهيار اقتصادي كامل، والدولة عاجزة عن القيام بواجباتها نتيجة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وانهيار مستوى سعر الصرف، وعدم القدرة على جذب الاستثمارات”.
مع ذلك، يلفت الكريم إلى قدرة “النظام على خرق قانون [قيصر] بوسائل كثيرة جدا”. وكما يوضح، فإن القانون “يطبق، على سبيل المثال، على أي جهة تقدم دعماً للحكومة، والنظام اتبع مبدأ الخصخصة [بيع مؤسسات القطاع العام للقطاع خاص أو منحه حق إدارتها]. وبالتالي، فإن كثيراً من الشركات تستطيع العمل عبر أسماء جديدة وتكون غير خاضعة للعقوبات الأميركية”.
كذلك، يضيف الكريم، فإن “قانون العقوبات لم يتطرق لشركة أجنحة الشام للطيران، والتي حصلت على ترخيص لخط طائراتها إلى أوروبا، بالرغم من الحديث عن تسييرها رحلات تحمل مليشيات روسية إلى ليبيا”. أيضاً، فإن “توقف المانحين، نتيجة جائحة كورونا والخوف من العقوبات [الأميركية والأوروبية] سابقا، عن تطبيق برامج اقتصادية في سوريا كانت تدعم النشاط الاقتصادي، سيؤدي بالتجار المحسوبين على النظام والذين يلبسون لباساً مدنياً، والمنظمات غير الحكومية، إلى استلام هذه المهمة وجلب الدعم. وبذلك ستكون كل هذه البرامج محمية من قانون قيصر، وتمثل أقنية يتحرك فيها النظام للتهرب من القانون، خاصة وأن الأخير ليس هدفه تكرار تجربة النفط مقابل الغذاء”.
كما إن “التهريب سيكون أيضا أحد أساليب التحايل لدى النظام”، وفقاً للكريم، و”ستتبعه شركات عملاقة تقوم بذلك عن طريق الحدود المفتوحة، إذ لا يمكن مراقبة هذه الحدود الكبيرة جدا، بحيث يستطيعون تصدير السلع إلى تركيا ولبنان والأردن، ومن ثم إدخالها بطريقة غير شرعية إلى سوريا”.
من ناحية أخرى، وبما أن هدف القانون هو الدخول في إجراءات جدية للوصول إلى حل سياسي في سوريا، فإن “النظام قد يلعب لعبته بالانخراط شكلياً في العملية السياسية”، كما يلفت يحيى العريضي المتحدث باسم هيئة التفاوض العليا (المعارضة). مستدركاً في تصريح لـ”سوريا على طول” بأنه “يجب ألا ينسى أن العملية السياسية هي التنفيذ الكامل والشامل لقرار [مجلس الأمن الدولي] 2254 وبيان جنيف، واللذين يؤديان إلى الانتقال السياسي، ما يعني نهاية النظام الذي سيكون في وضع مأزوم أكثر من أي وقت مضى”.
في السياق ذاته، يرى الكريم أن “هناك الكثير من الدول التي باتت على خلاف مع الولايات المتحدة المشغولة حاليا بحل مشكلاتها الداخلية بسبب سياسات [الرئيس دونالد] ترامب، وهي دول مستعدة لخرق العقوبات، كما الصين”.
دور حلفاء الأسد
يتفق العريضي مع الرأي القائل بسعي روسيا وإيران إلى تمكين النظام من الالتفاف على قانون قيصر عبر “التصرف بملكية قطاع اقتصادي معين من قبل النظام ووضع روسيا أو إيران يدهما عليه، وبذلك يخلي الأول مسؤوليته، ويزيح اسمه عن ذلك القطاع آملاً في توقي الاستهداف”. وهو ما يفسر برأيه “حركة روسيا الأخيرة في توسيع طيف الاتفاقات السابقة مع النظام لتشمل قطاعات جديدة، كالموانئ [البحرية]، ومؤسسات، وأراض”. لكن كيريل سيمينوف، الخبير السياسي وعضو المجلس الروسي للشؤون الدولية، يرى في المقابل أنه “لا ينبغي توقع أي نوع من المساعدة قد تقدمها روسيا لدمشق خارقة قانون قيصر، إذ لم تعد الشركات الروسية راغبة في العمل في سوريا، بعد تطبيق القانون”، ومتوقعاً “انخفاض الحضور الاقتصادي الروسي بشكل أكبر في سوريا خلال الفترة [المقبلة]”.
أما بشأن قرار الرئيس بوتين التواصل مع دمشق لتسلم منشآت ومناطق بحرية في سوريا، فلا يرى سيمينوف، كما يقول لـ”سوريا على طول” أن هذا الأمر “سيساعد روسيا على الالتفاف على القانون، بل ستعاقب الشركات الروسية إن حاولت تنفيذ أي مشروع يصب في إعادة إعمار الموانئ”.
في السياق ذاته، يدرج الكريم فتح روسيا لطريق حلب-اللاذقية الدولي، والمعروف بـ”M4″، في سياق “تخفيف [وقع] العقوبات عن نظام الأسد ومنع الانهيار الاقتصادي، مقابل وعود بتقديم تنازلات سياسية للأكراد”.
أما بشأن إيران في مواجهة قيصر، فيرى هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات في القاهرة، أن تجربتها “في التحايل على العقوبات أعطتها خبرة كافية وكبيرة في هذا المجال. وبالتالي يمكنها أن تفيد النظام السوري باتباعه نهجها، عن طريق وسطاء محليين من المليشيات الإيرانية في سوريا وأصحاب الولاءات الطائفية الذين ستحاول إيران من خلالهم استيراد السلع من بعض الدول كالعراق عبر التهريب، أو التعاون بشكل غير مباشر مع الصين وروسيا لمساعدة النظام السوري”.
مع ذلك، فإن “كل ذلك ليس كافيا ولن يحقق النتيجة المرجوة”، كما يضيف سليمان لـ”سوريا على طول”. إذ “لن تستطيع إيران إيقاف تأثير تداعيات “قيصر” على القطاع الاقتصادي، خاصة وأن الولايات المتحدة عازمة وبشدة على تطبيق القانون بشكل دقيق، ولا أعتقد أن الشركات الإيرانية ستغامر وتساعد شركات سورية في تحد للإرادة الأميركية”.
وتبقى المراهنة الأكبر للنظام وحلفائه على تغير الإدارة الأميركية مع اقتراب الانتخابات الرئاسة. إذ “يواجه ترامب ضغوطا شعبية، ما يمنح النظام السوري وإيران أملاً بأن يقلل ذلك من فرص فوزه في الانتخابات المقبلة، وبحيث يحاول النظامان السوري والإيراني التحايل قدر الإمكان على العقوبات، أملا في أن يتغير المشهد ويأتي رئيس آخر خلفاً لترامب”.