6 دقائق قراءة

مجالس أهلية في درعا تراقب عمل البلديات: أين حكومة دمشق الجديدة؟

تميزت محافظة درعا بالعديد من المبادرات الأهلية، التي كان لها دور في تشغيل وإدارة الخدمات العامة، لكن ما يميزها اليوم في أنها تراقب عمل المؤسسات الحكومية وتدعمها، خلافاً لجهودها في فترة حكم الأسد، عندما كانت تسعى إلى تعويض غياب الدولة ومؤسساتها


9 يناير 2025

باريس- في السابع من كانون الثاني/ يناير الحالي، اجتمع عدد من وجهاء منطقة حوض اليرموك في بلدة الشجرة غرب درعا، بينهم قادة عسكريون، لتشكيل “مجلس إدارة خدمية” مهمته متابعة عمل مؤسسات الدولة في المنطقة الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي من المحافظة، في خطوة مشابهة للعديد من مدن وبلدات حوران، التي شكلت “مجالس أهلية” لمراقبة عمل المجالس البلدية ومؤسسات الدولة ودعمها.

المجالس الأهلية “غير حكومية وليست بديلاً عن مؤسسات الدولة”، وإنما هي مبادرات محلية هدفها “مساعدة الدولة ريثما تستقر أمور القيادة الجديدة في البلد، كوننا في مرحلة انتقالية، وكوادر الحكومة الجديدة ما تزال غير قادرة على تغطية الملفات كافة”. كما قال أكرم أبو حسام، معاون رئيس المجلس الأهلي في مدينة نوى غرب درعا لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن هذا الدور من شأنه “تسهيل حياة الناس وتحسين الخدمات ومراقبة عمل مؤسسات الدولة ومتابعتها”.

وفي مدينة إنخل، بريف درعا الشمالي، شكل الأهالي مجلساً أهلياً، الأسبوع الماضي، ضم عدداً من اللجان الفرعية، مثل: لجنة التعليم، اللجنة الطبية، لجنة الخبز، لجنة المياه، ولجنة الكهرباء، وتعنى كل لجنة بمراقبة ودعم الخدمات بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية ذات الصلة، كما قال حسان الشبلي، عضو المجلس الأهلي في مدينة إنخل، ورئيس المجلس المحلي السابق، الذي كان يتبع للمعارضة السورية قبل سيطرة النظام السابق على الجنوب في صيف 2018.

تميزت محافظة درعا بالعديد من المبادرات الأهلية، التي كان لها دور في تشغيل وإدارة الخدمات العامة منذ استعادة سيطرة النظام على المنطقة عام 2018 حتى سقوطه، إذ أسهم المجتمع المحلي وعشائر الجنوب في تمويل التعليم الحكومي، وتعويض غياب مخافر الشرطة، وكذلك سدّ الفراغ القضائي بإنشاء محاكم عشائرية، ناهيك عن دوره في مكافحة تهريب المخدرات

لكن ما يميز المبادرات الحالية أنها تراقب وتدعم عمل المؤسسات الخدمية والحكومية التابعة للحكومة المؤقتة التي كلفها قائد العمليات العسكرية، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، بتصريف الأعمال حتى آذار/ مارس من العام الحالي، خلافاً لجهودها السابقة -في فترة حكم الأسد- عندما كانت تسعى إلى تعويض غياب الدولة ومؤسساتها.

دور رقابي وداعم

في عام 2014، ولدت فكرة إنشاء المجلس الأهلي، في مدينة نوى غرب درعا، وتبلورت بشكل كامل على أرض الواقع بعد عامين، ومارس المجلس عمله حتى توقيع اتفاق التسوية بين فصائل الجبهة الجنوبية (المعارضة) والنظام السوري البائد بضمانة روسيّة عام 2018، بحسب المهندس بسام خطاب، عضو المجلس الأهلي الحالي في نوى.

“أعيدت الفكرة بعد تحرير سوريا، وتوسع المجلس، إذ وصل عدد الأعضاء الحاليين إلى 65 عضواً من وجهاء المدينة ورجالاتها”، قال خطاب لـ”سوريا على طول”.

وفي الأسبوع الماضي، انتخب الأعضاء رئيساً للمجلس ومعاوناً له وأمناء السر، مهمتهم “إدارة المجلس واللجان الفرعية التابعة له، التي تشرف على ملفات الخدمات العامة في المدينة”، كما قال أكرم أبو حسام، معاون رئيس المجلس الأهلي في نوى لـ”سوريا على طول”.

وفي مدينة إنخل، يتابع المجلس الأهلي دوره بالتعاون مع رئيس المجلس المحلي السابق (التابع للمعارضة قبل 2018) ومجلس المدينة الحالي، كما أوضح حسان الشبلي، لافتاً إلى أن “اللجنة المختصة في المجلس الأهلي تراقب عمل المخابز والمركز الصحي ومشاريع مجلس المدينة، وتجتمع معه لمناقشة عمل المؤسسات الحكومية ودعمها”.

ففي اليوم الأول لسقوط النظام، عقد وجهاء مدينة إنخل اجتماعاً عاماً في مبنى البلدية ووضعوا “خطة عمل”، تتضمن: الحفاظ على أمن وأمان المدينة، توعية الشباب بعدم إطلاق النار، ضرورة الإسراع بتسليم السلاح، المحافظة على مؤسسات الدولة والمرافق العامة، تشكيل لجان أهلية لتذليل الصعوبات في ملف الخدمات العامة، ودعوة أهالي المدينة للتسامح والتعاون للوقوف بوجه الصعوبات وسلبيات العمل الخدمي، كما قال رئيس مجلس مدينة إنخل مصطفى الرمان، لـ”سوريا على طول”.

القضاء على بقايا الفساد

المجالس الأهلية في درعا “غير مخولة بتعيين أو فصل موظفين حكوميين”، لكنها “تسأل المسؤولين الحكوميين عن أي خلل أو تقصير في عمل المؤسسات التي يديرونها بهدف القضاء على بقايا فساد النظام السابق”، قال أبو حسام من المجلس الأهلي في نوى.

قبل أيام، تدخل المجلس الأهلي في نوى “لاستبدال بعض الأشخاص الذين حاولوا عرقلة عمل مخبز المدينة، إذ لعبت لجنة المخابز في المجلس دوراً في حل المشكلة وتحسين جودة رغيف الخبز واستبدال بعض الموظفين”، بحسب أبو حسام، مشدداً على أنهم لن يسمحوا “بوجود أي فساد”.

وكذلك، اجتمع أعضاء من المجلس مع رئيس دائرة المياه ورئيس دائرة الحراج في نوى لتبادل التوصيات بين المجلس والدائرتين، كما “رفدنا دائرة المياه ببعض المتطوعين”، بحسب المهندس خطاب، لافتاً إلى أن مجلسهم “سوف يقدم توصيات للحكومة الحالية ويعطي تقييمات عن المسؤولين، فإذا كان المسؤول فاسداً يجب تغييره، وعلى الحكومة تنفيذ هذا المطلب على اعتبار أن المجلس يكتسب شرعيته بتمثيل المجتمع المحلي”.

عملية التقييم هي من مهام لجان المراقبة التابعة للمجالس الأهلية، بحيث “تراقب وتقدم تقارير لرئاسة المجلس”، بحسب خطاب، معبراً عن رضاه لأجواء التعاون “بين المجلس الأهلي ورؤساء المؤسسات الحكومية في نوى”، إذ “أي مسؤول حكومي يدعى إلى الحضور لاجتماع يلبي دعوتنا ويسمع مقترحاتنا”.

من جهته، أبدى رئيس مجلس مدينة إنخل الحالي، مصطفى الرمان، إعجابه بدور اللجان المحلية، نافياً أن تتسبب الجهود الأهلية بإعاقة عمل مجلس المدينة، الذي يرأسه.

منذ سقوط نظام الأسد، لم تجر حكومة تصريف الأعمال أي تعديل على “آلية عمل البلديات، كما أنها لم تنه عمل أي مجلس بلدي”، بحسب معاون وزير الإدارة المحلية في الحكومة، محمد غزال، الذي رحب في حديثه لـ”سوريا على طول” بـ”المبادرات الأهلية التي تساعدنا فيما يخص البلديات وعملها”.

وأضاف غزال: “قمنا بتعيين أشخاص لإدارة مجالس بلدية شاغرة في بعض المدن لتصريف الأعمال، وهؤلاء تنتهي ولايتهم بانتهاء ولاية الحكومة الحالية”، مؤكداً أن وزارته أوعزت للأشخاص الجدد بضرورة “التنسيق مع اللجان الأهلية في ملف الخدمات”. بموجب قانون الإدارة المحلية المعمول به في فترة حكم الأسد، تتألف المجالس المحلية من أعضاء منتخبين، ومن ثم يقوم هؤلاء بانتخاب رئيس المجلس وأعضائه، علماً أن مدة المجالس المحلية أربع سنوات ميلادية.

إلى أن يحين موعد انتخابات المجالس المحلية أو ما يصدر عن مخرجات المؤتمر الوطني، تجري الحكومة الحالية “تقييماً أولياً للموظفين، ولاحقاً سوف يكون هناك آلية جديدة للعمل بعد الانتهاء من التقييم”، بحسب غزال.

إدارة خدمات طارئة

بعد سقوط النظام السوري، أجرى أحمد الشرع تغييرات في مناصب المحافظين بعدة محافظات سورية، من قبيل تعيين حسن صوفان، القيادي السابق في حركة أحرار الشام محافظاً للاذقية، وعامر الشيخ القيادي السابق في الحركة ذاتها محافظاً لريف دمشق، بينما بقي منصب محافظ درعا شاغراً حتى الآن، بحسب ياسر الكفري، مشرف الخدمات في لجنة المجتمع المحلي بمدينة بصرى الشام، وهي لجنة تشبه “المجالس الأهلية” في المدن الأخرى، لكنها كانت تمارس دورها حتى قبل سقوط النظام السوري.

وبالتالي، حافظت بصرى الشام، شرق درعا، “على النهج السابق المتبع لإدارة المدينة قبل سقوط النظام، إذ ما تزال المدينة تدار بنفس رؤساء الدوائر والمجلس البلدي، إلى جانب لجنة أهلية تتابع عمل المؤسسات الحكومية وتقدم لها الكوادر البشرية والمساعدات المالية”، كما أوضح الكفري لـ”سوريا على طول”.

“يرفد أهالي بصرى الشام الدوائر الخدمية في المدينة باحتياجاتها الفعلية، من قبل سقوط النظام، لأن موارد الدولة كانت محدودة”، وبالتالي “يدير طاقم طبي محلي مستشفى بصرى الشام، بينما يدير طاقم آخر معمل إنتاج اسطوانات الأوكسجين، ويتحمل “المجتمع المحلي النفقات”، حتى يتم تقديم الخدمات للمواطنين “مجاناً”، وهي الآلية المعمول بها حتى الآن، بحسب الكفري.

وأكدت المصادر من اللجان الأهلية الثلاث في إنخل ونوى وبصرى الشام، عدم وجود قنوات اتصال مع حكومة تصريف الأعمال حتى الآن. عدم وجود محافظ والعشوائية التي تعاني منها الدوائر الحكومية في الجنوب “أدى إلى وجود حلقة مفقودة بين المديريات في درعا والأقسام في الأرياف”، وفقاً للكفري.

تأكيداً على ذلك، قال مصطفى الرمان أنه “لا يوجد تواصل مع الإدارة العامة بدمشق بشكل مباشر”، وإنما التواصل كان مع أعضاء من هيئة تحرير الشام من أبناء مدينة إنخل بعد أن عادوا “من أجل تنفيذ القرارات الواردة من القيادة العامة بدرعا، مثل أسعار الخبز والغاز والمازوت والبنزين وتسليم السلاح بعد أن تم تحديد مركز لذلك”.

وبالتالي، يقتصر دور المجالس المحلية في درعا حالياً على “إنتاج رغيف الخبز وجودته والوزن وتنظيم الدور والبحث على أفضل الطرق لإيصال وتأمين احتياجات المواطن، وتطوير المستوصف الصحي وتأمين احتياجاته خاصة مع افتتاح مجموعة من أطباء المدينة عيادات تخصصية في المستوصف”، كما هو الحال في إنخل بحسب الرمان، لافتاً إلى أنه “لا يوجد أي مشاريع حالياً تتعلق بإعادة تأهيل البنية التحتية والخدمات نظراً لعدم وجود ميزانيات كافية لذلك”.

وبدوره، يتابع مجلس مدينة بصرى الشام المشاريع التي كانت موجودة قبل سقوط النظام، مثل مشاريع ترميم المدارس، تزويد الآبار بالطاقة البديلة، وصيانة مضخات المياه، وكذلك العقود الموقعة مع المنظمات الدولية، من قبيل “عقد النظافة” الموقع مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). كما أوضح رئيس المجلس سليمان الشحمة لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن “المجلس يعتمد على المساعدات الأهلية لأن إيرداته ضعيفة”.

المهم حالياً بالنسبة لوزارة الإدارة المحلية أن “لا يتوقف عمل البلديات، وأن تواصل عملها في تنفيذ الأعمال الخدمية المعتادة من نظافة وصرف صحي ورخص ومتابعة مخالفات”، بحسب غزال، مشيراً إلى أن وزارته تحاول “تحسين الخدمات الحالية وتطويرها قدر المستطاع خاصة أن ميزانيات هذه الخدمات متوفرة”.

شارك هذا المقال