محمد الجاسم “أبو عمشة”: طفل تركيا المدلل
"رجل بسيط جداً. أمّي لا يعرف القراءة والكتابة" كما أنه "لا يفقه شيئاً في الأمور العسكرية، ولا ترى هيبته مزروعة إلا في قلوب عناصره الذين يسعون دائما لتبجيله مقابل المال".
26 أغسطس 2020
عمان- في حادثة غير مسبوقة على مستوى شخصيات المعارضة السورية المقيمة في تركيا، اعتقلت السلطات التركية العميد السوري المنشق عن نظام الأسد أحمد الرحال وأخيه يوسف، بعد مداهمة منزل الأول في 14 آب/أغسطس الحالي. وفيما أطلق سراح أخيه في ساعة متأخرة من اليوم نفسه، بقي العميد الرحال قيد الاعتقال. وقد تلقت زوجته عفاف شاكر، رسالة نصية منه بعد يومين من اعتقاله قبل أن يغلق هاتفه، يخبرها فيها: “تمت تبرئتي من التهم الموجهة ضدي، وسيفرج عني بعد خضوعي لحجر صحي مدته 14 يوما”، كما ذكرت لـ”سوريا على طول”. لاحقاً “أخبرني محام مقرب مني أنه تقرر ترحيله من تركيا. لكن حتى الآن لا معلومات مؤكدة حول ذلك”.
ورغم أن أسباب الاعتقال لا تزال مجهولة، اتهمت شاكر، قائد لواء السلطان سليمان شاه التابع للجيش الوطني، محمد الجاسم (أبو عمشة)، بالوقوف وراء اعتقال زوجها. إذ “وصل لزوجي”، كما كشفت، “العديد من التهديدات قبل اعتقاله، طالتني وطالت ابنتنا أيضاً. وأنا لا أستبعد أن يكون أبو عمشة قد رفع تقارير أمنية بحق زوجي إلى السلطات التركية، بعد انتقاده له، حتى تم اعتقاله”.
وكان الرحال خلال ظهوره على محطات التلفزة باعتباره محللاً سياسياً وعسكرياً، قد انتقد أكثر من مرة الفصائل التي تدعمها تركيا بسبب ممارساتها شمال غرب سوريا، وقد كان آخرها خلال مداخلته التلفزيونية على قناة “إي. إن. تي. كردستان” التي تبث من إقليم كردستان العراق، حين وصف الوضع في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المدعومة من تركيا، بأنها “مزارع”، وأن كل قائد فصيل يسيطر على بعض القرى والحواجز المخصصة للنهب والسرقات. مدللا على اتهاماته بما يقوم بها “فصيل أبو عمشة” تحديداً. وقد جاء الرد سريعاً من أبو عمشة عبر حسابه على موقع “تويتر”، إذ غرد مخاطباً الرحال: “… اتهامك المستمر “للجيش الوطني السوري” هي عمالة وخنجر مسموم في ظهر الثورة السورية والتحول المباشر للطعن في اسمي وعائلتي والجميع يعلم أنك تهاجم شخصي للطعن من تحت الطاولة بالدولة التركية الشقيقة … أنت تعيش في دولة العدالة والقانون “تركيا” وهذه المرة لن يمر الموضوع مرور الكرام وسيتم محاسبتك تحت عدالة القانون”.
وكان ما يمكن وصفها بـ”حرب التغريدات” بين الرحال وأبو عمشة لم تتوقف خلال الأشهر الماضية، بين اتهامات بالفساد من الأول وتهديد ووعيد من الثاني. إذ نشر الرحال، في 17 آذار/ مارس الماضي، تغريدة ضمنها فيديو يظهر فيه “أبو عمشة” وهو ينزل من سيارة فارهة ليلقي تحية العيد على عناصره في مدينة عفرين، معلقا الرحال عليها بالقول: “موكب سيارات أبو عمشة … الذي يقارن بموكب الرؤساء والذي تحدثنا عنه بالأمس كي لا يقال أننا نختلق الأحداث والروايات وردا على التهديدات … من أين لك هذا؟؟؟”. ليرد أبو عمشة بتغريدة: “مدلل دولة العاهرات أحمد رحال (الدنيا عرض وطلب)، أنت افتريت علينا بأني أملك سيارة مصفحة بـ8 مليون دولار وأنا أعرضها عليك للبيع بـ8 آلاف دولار”.
من هو محمد الجاسم ؟
ينحدر “أبو عمشة”، المولود في العام 1985، من بلدة عمرين التابعة لمدينة السقيلبية بريف حماة الشمالي الغربي. وهو من التركمان في سوريا، متزوج من ثلاث نساء، ولديه خمسة أولاد، جميعهم مقيمون حالياً في تركيا.
قبل اندلاع الثورة السورية، عمل الجاسم سائق جرافة زراعية. كما يتهم بالعمل “بتجارة الأسلحة عبر طرق التهريب”، بحسب ما ذكر أحد أقاربه انضم لاحقاً لفصيله العسكري، منذر مصطفى (اسم مستعار)، لـ”سوريا على طول”.
بعد أشهر من الثورة، في أواخر العام 2011، أسس الجاسم لواء “خط النار” من أبناء عشيرته “بني جميل”، كفصيل منتم للجيش السوري الحر في ريف حماة. وقد تلقى الفصيل، بحسب المصدر السابق ذاته، دعماً كبيراً في تلك الفترة من عشائر متعددة في السعودية، عبر ضابط منشق عن النظام السوري برتبة رائد، يدعى ماهر النعيمي. كما انتقل في العام نفسه للإقامة مع مجموعته في بلدة حزارين في ريف إدلب الجنوبي، وكانت لهم بعض المشاركات في المعارك الدائرة هناك.
في العام 2015 كثرت المضايقات التي تعرض لها اللواء من عناصر “جبهة النصرة” التي باتت تعرف اليوم باسم هيئة تحرير الشام، حد ملاحقة الجاسم نفسه ومصادرة أسلحة لوائه وعتادهم وسياراتهم، ما اضطر الجاسم وعناصره إلى الهرب إلى تركيا. وهناك خضع اللواء لتدريبات عسكرية، وتمت إعادة تشكيله مع بداية العام 2016 تحت مسمى “لواء السلطان سليمان شاه”، نسبة إلى جد عثمان الأول مؤسس الإمبراطورية العثمانية. وتلقى اللواء دعماً عسكرياً ومالياً من غرفة عمليات “موم” التي تأسست في تركيا من قبل دول إقليمية وغربية لدعم فصائل المعارضة السورية.
الجاسم كان معروفاً بأنه “رجل بسيط جداً. أمّي لا يعرف القراءة والكتابة. كما كان محتفظاً بعادات البداوة من نخوة وكرم”، كما استذكر مصطفى، مؤكداً أنه “لا يفقه شيئاً في الأمور العسكرية، ولا ترى هيبته مزروعة إلا في قلوب عناصره الذين يسعون دائما لتبجيله مقابل المال”.
ويعد الجاسم، كذلك، مثيراً لتندر السوريين عموماً، إن لم يكن حنقهم، بما ينشره على حسابه الشخصي في “تويتر”. إذ بالتزامن مع كانت تشهده محافظة إدلب من هجوم من القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها، بدعم روسي، في شباط/فبراير الماضي، نشر الجاسم تغريدة ضمت صورتين لشابين سوريين أصيبا في معارك ليبيا، معلقا عليهما: “بفضل الله وبحمده، أبطالنا بصحة وهمة عالية مقاتلينا هم سيوف الحق ونبراس لطريق الحرية والعدالة”.
انتهاكات بالجملة يقودها الجاسم
في 22 آب/أغسطس 2018، ظهرت زوجة أحد عناصر لواء السلطان مراد، إسراء يوسف خليل (25 عاما)، من ريف حماة، في تسجيل مصور، متهمة الجاسم باغتصابها عدة مرات تحت قوة السلاح والتهديد بتصفية عائلتها، ما أدى إلى إجهاضها لجنينها وهو في شهره الثالث، كما قالت، ومن دون علم زوجها بحوادث الاغتصاب.
وفيما نفي الجاسم تلك الاتهامات، شكلت قيادات الجيش الوطني لجنة عسكرية قضائية تعهدت بحماية إسراء من تهديدات عناصر الجاسم. لكن “إسراء خطفت في ذلك العام ولا نعلم مصيرها منذ ذلك الحين”، كما ذكر مصطفى، مضيفاً أن “ما أعلمه جيدا هو أن الجاسم كانت له يد في اختفائها”.
أيضاً وجهت اتهامات للواء سليمان شاه بارتكاب انتهاكات تصب في سياق التغيير الديمغرافي لمدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، وابتزاز سكانها، فقد وثقت منظمة العفو الدولية سلسلة من الانتهاكات لحقوق الإنسان ضد المدنيين في مدينة عفرين، في أعقاب عملية غصن الزيتون، التي أفضت إلى سيطرة فصائل من المعارضة السورية، مدعومة من تركيا، إلى السيطرة على المدينة في 18 آذار/ مارس 2018. وتتراوح هذه الانتهاكات بين الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري ومصادرة الممتلكات. كما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2018، أن اللواء “منع أهالي قرية بعرافا بناحية شران في ريف عفرين من دخول أراضيهم لحصر الزيتون وأبلغهم أنه سيسمح لهم بحصاد موسم الزيتون مقابل حصوله -أي الفصيل- على 30% من المحصول”.
يضاف إلى كل ذلك تورط اللواء، بحسب مصطفى، في “عمليات خطف لشبان أكراد وابتزاز عائلاتهم بطلب فدية مالية بمبالغ ضخمة مقابل إطلاق سراحهم، أو مقايضة الإفراج عن المخطوف بإعطاء أراضي زراعية تعود لذوي المخطوف إلى عناصر اللواء”. مضيفاً أن “عناصر اللواء كانوا يفرضون أتاوات مالية على السكان المحليين تبدأ من 700 دولار أميركي وتنتهي بآلاف الدولارات على كل عائلة كردية بقيت في منزلها”.
الحرب في ليبيا
شارك الجاسم كقيادي في لواء سليمان شاه في أولى معاركه ضد النظام السوري عقب محاصرة الأخير لأحياء حلب الشرقية. لكن لم يلمع اسم اللواء إلا بعد مشاركته في عملية “درع الفرات” التي أطلقتها تركيا، عبر دعم فصائل من المعارضة السورية، ضد “تنظيم الدولة” (داعش) في 24 آب/أغسطس 2016 في ريف حلب الشمالي. بعدها انضم اللواء إلى الفيلق الأول في الجيش الوطني الذي تأسس في كانون الثاني/يناير 2017، وشارك في عملية “غصن الزيتون” ضد وحدات حماية الشعب الكردية في مدينة عفرين شمال غربي حلب، حيث يسيطر الفصيل حالياً على ناحية شيخ حديد فيها.
حالياً، يقتصر عمل اللواء على “فتح مكاتب تجنيد وتدريب لمقاتلين سوريين في مدينة عفرين، لنقلهم إلى ليبيا للقتال إلى جانب الجيش التركي هناك، مقابل رواتب شهرية تصل إلى 3000 دولار أميركي للمقاتل الواحد”، بحسب مصطفى. معتبراً أن هذا “أحد أبرز الأسباب التي وطدت العلاقات بشكل كبير بين الجاسم والسلطات التركية، لدرجة أنه يعامل كالطفل المدلل لديهم”.
في المقابل، لا يتوانى الجاسم عن إظهار ولائه لـتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان بشكل علني عبر حساباته الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي.