6 دقائق قراءة

مخافر الشرطة في درعا غائبة أو بصلاحيات محدودة تحت أنظار الفصائل المحلية

بعد مرور نحو ست سنوات على اتفاق تسوية درعا، ما تزال غالبية مدن وبلدات المحافظة من دون مخافر شرطة، وإن وجدت تكون بصلاحيات محدودة أو تحت أنظار فصائل التسوية.


8 يوليو 2024

باريس- في اجتماع جمع وجهاء مدينة إنخل بريف درعا الشمالي مع عضو مجلس الشعب السوري، فاروق حمادي، في نيسان/ أبريل الماضي، طلب الأخير من الحضور تنظيم حملة جمع تبرعات لترميم مخفر الشرطة في المدينة.

ليست المرة الأولى، التي يطلب فيها الحمادي وشخصيات أخرى محسوبة على النظام السوري من المجتمع المحلي في إنخل تنظيم حملة تبرعات لترميم المخفر، لكن مطالبهم تلقى رفضاً دائما من الأهالي، كما ذكرت مصادر مدنية لـ”سوريا على طول”، ولذلك لا يوجد مخفر في المدينة حتى اليوم.

بعد مضي ست سنوات على توقيع اتفاق التسوية (المصالحة) في محافظة درعا جنوب سوريا، بين النظام السوري وفصائل المعارضة برعاية روسية، في صيف العام 2018، ما تزال غالبية مدن وبلدات المحافظة دون مخافر للشرطة، وإن وجدت تكون ذات صلاحيات محدودة لا تؤدي المنوطة بها، وفي بعضها تعمل بطريقة مختلفة وتحت أنظار فصائل التسوية.

الشرطة (قوى الأمن الداخلي)، هي إحدى القوى الفرعية للقوات المسلحة، ويقع على عاتقها الحفاظ على الأمن الداخلي بالتنسيق مع وزير الداخلية، وتتبع مخافر الشرطة إدارياً لقيادة شرطة المحافظة، التي تتبع بدورها لوزارة الداخلية وتمثلها على مستوى المحافظة.

ومن المفترض أن تمثل مخافر الشرطة جهاز قوى الأمن الداخلي في مناطق وجودها، وتتولى دورها فيما يتعلق بحفظ الأمن والنظام العام، ومنع الجرائم وضبطها، وحماية الحريات العامة والشخصية، ومن ذلك استقبال الشكاوى من المواطنين وإيصال البلاغات الرسمية إليهم.

دون مخفر!

قبل خمسة أشهر، نشبت مشاجرة بين رامي (28 عاماً) ومجموعة من أقاربه في مدينة إنخل، بسبب خلاف على أرض زراعية، ولأن مدينته لا يوجد فيها مخفر شرطة، اضطر الشاب إلى تقديم شكوى لدى فرع الأمن الجنائي في مدينة الصنمين، بريف درعا الشمالي، التي تبعد عنه نحو 13 كيلومتراً.

خاطر رامي بسلامته، لأن ذهابه إلى الصنمين، القريبة نسبياً، يتطلب منه المرور عبر حواجز النظام، وهو “مطلوب للخدمة العسكرية الإلزامية”، ما قد يعرضه للابتزاز أو للاعتقال في حال تدقيق العناصر على الأشخاص، لكن لم يبق لدي حل آخر”، بعدما “رفض أقاربي الامتثال للحل العشائري والشرعي، وواصلوا إيذاء أفراد عائلتي”، كما قال لـ”سوريا على طول”

في عام 2013، انسحب عناصر شرطة مخفر إنخل مع قوات النظام المنسحبة آنذاك، بعدما سيطرت قوات المعارضة على المدينة، وكان من المفترض أن يعود المخفر بعودة مؤسسات النظام الرسمية إلى المدينة، بعد تسوية 2018، لكن نظراً لأن المبنى مدمر كلياً، يمارس العناصر عملهم في مدينة الصنمين، ويقتصر عملهم على “تسليم بعض الأوراق أو البلاغات لمخاتير إنخل، الذين يقومون بدورهم بإيصالها لأصحابها بالنيابة عنهم، كما أوضح أبو حسان، أحد سكان إنخل، لـ”سوريا على طول”.

“ليس لدينا دولة، وعناصر الشرطة يريدون من يحميهم”، قال أبو حسان بلهجة ساخرة، مشيراً إلى أن العناصر “يأتون في أوقات الصباح إلى منازل المخاتير لتسليم ما لديهم ومن ثم يعودون” إلى الصنمين.

تعمل العديد من مخافر مدن وبلدات حوران من مراكز المدن الرئيسية، خارج نطاق تواجدها الجغرافي، وبعيداً عن الشريحة السكانية المستفيدة منها، كما في قرية أم ولد، بريف درعا الشرقي، التي يعمل عناصر مخفرها في ناحية مدينة المسيفرة، التي تتبع لها القرية، وتبعد عنها نحو عشرة كيلومترات، وبالتالي “يضطر الأهالي إلى الذهاب للمسيفرة من أجل إجراء أي معاملة تتطلب ورقة من مخفر الشرطة”، كما قال إبراهيم محمد (اسم مستعار) لـ”سوريا على طول”.

يقتصر دور عناصر شرطة مخفر أم ولد في المسيفرة على “تنظيم الضبوط والشكاوى، والإجراءات الخاصة باستخراج بدل الأوراق الثبوتية الضائعة، والتعميم على الأشخاص المطلوبين”، لكن “المخفر لا يستطيع إلقاء القبض على أحد، وجميع الناس تعلم ذلك، وبالتالي الهدف من تقديم الشكوى هو التعميم على اسم الشخص وتقييد حركته”، بحسب محمد.

لا يمكن عزو مشكلة المخافر إلى البنية التحتية فقط، لأن هناك أسباب أخرى قد تكون الأهم، من قبيل “ضعف الكوادر والقدرات الشرطية باعتبار عناصر هذا السلك هم الأضعف في السلطة”، من وجهة نظر أبو محمد، قيادي عسكري سابق في فصائل المعارضة، لافتاً إلى أنه “في كثير من الأحيان يتم استخدام عناصر الشرطة كأداة للضغط على النظام لتنفيذ مطالب معينة للأهالي، مثل الإفراج عن معتقل أو فك حصار، أو لردعه عن شن حملة ينوي القيام بها”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اعتقلت الفصائل المحلية في مدينة جاسم عناصر مخفر الشرطة وعناصر مفرزة الأمن العسكري بالمدينة، رداً على حصار النظام للمدينة والتهديد بحملة عسكرية ضدها.

وكذلك، “يحاول النظام حالياً أن يكون له وجود سيادي بالمناطق الكبيرة والمدن، وهذا يتطلب منه سلطة أكبر لضبطها وتسيير أمورها”، ويكون ذلك على حساب “التجمعات السكانية الأصغر، التي ليست ذات أهمية بالنسبة له، فيكون تواجده فيها شكلياً أو شبه معدوم”، بحسب أبو محمد.  

وشبّه أبو محمد المخافر في درعا حالياً بـ”المؤسسات المدنية، مثل السجل المدني”، لافتاً إلى أن هذه المخافر “لا تمارس مهامها الحقيقية”، بينما 90% من المشاكل بين الناس تحل عشائرياً أو عبر الفصائل المحلية”، على حد قوله.

دور “محدود”

إبان توقيع اتفاق تسوية 2018، طلب أهالي درعا البلد من النظام السوري إدخال مخفر شرطة “لتسيير أمور الناس”، وهو ما حدث فعلاً، إذ يتواجد حالياً مخفراً للشرطة، لكن “النظام حاول سحبه عدة مرات نتيجة التوترات الأمنية التي كانت تحصل”، من قبيل العملية العسكرية التي شنتها قوات النظام على درعا البلد عام 2021، “وحاول على إثرها سحب المخفر نهائياً لولا تدخل الوجهاء ولجنة التفاوض المركزية”، كما قال أحد وجهاء درعا البلد لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

“يقتصر عمل المخفر على كتابة الضبوط الخاصة بالوثائق الرسمية الضائعة من أجل استخراج بديل عنها، أو تسقيط متوفي [من السجل المدني]، وغيرها من الإجراءات التي تحتاج لضبط شرطة، لكنهم لا يتدخلون في أي شيء خارج مبنى المخفر”، لدرجة أنهم “لا يستطيعون الخروج من المخفر لإلقاء القبض على شخص أو تبليغ أحد ببلاغ رسمي”.

لذلك، يعتمد سكان درعا البلد “على الحل العشائري” في حل الكثير من المشاكل، بينما يُحل جزء يسير منها “عبر المحاكم”، وفقاً للوجيه، ما يعني أن وجود المخفر في المدن والبلدات الرئيسية لا يلبي “الدور الحقيقي”، المنوط به.

الحال ذاته في مدينة جاسم، التي تبعد 57 كيلومتراً إلى الشمال من درعا البلد، إذ يقتصر دور مخفرها على “كتابة الضبوط القانونية للمعاملات الرسمية التي يحتاجها الأهالي لاستكمال معاملاتهم القانونية”، كما قال أبو حسام، قيادي سابق في المعارضة، لـ”سوريا على طول”، من مكان إقامته في جاسم.

وأضاف أبو حسام: “تمنع فصائل التسوية ولجان التفاوض عناصر المخفر من الخروج والتجول في المدينة، كما تمنعهم من استقبال الشكاوى أو توقيف شخص أو سجنه”، قائلاً: “لا صلاحيات لديهم للتدخل بشؤون المدينة”.

في إحدى العمليات، التي جرت العام الماضي، ضد النظام في جاسم، للضغط عليه من أجل المعتقلين، اعتقلت المجموعات العسكرية المحلية عناصر من فرع الأمن العسكري ومخفر الشرطة، فكان الرد من النظام على الضغوط أن “حاول سحب المخفر عدة مرات من المدينة”، كما فعل عندما سحب فرع الأمن العسكري مقابل إنهاء حصار المدينة، بناء على اتفاق توصل إليه مع المجموعات المحلية، لكن رفضوا سحب المخفر “لأنه يخدمنا، ونحتاج إليه في الكثير من المعاملات الورقية”، بحسب أبو حسام. 

مخفر خاص!

في مدينة طفس، توصلت اللجنة المركزية إلى اتفاق غير رسمي مع النظام، يتمثل في وجود عناصر شرطة مدنية داخل ثكنة عسكرية بالمدينة، وليس لهؤلاء صلاحيات استقبال المدنيين بشكل مباشر، إذ تدير الفصائل المحلية في المدينة مخفران غير رسميين تحت مظلة اللجنة المركزية.

يتبع المخفَران لمجموعتين عسكريتين متصارعتين، إذ يتبع الأول لمجموعة القيادي العسكري السابق في المعارضة أبو مرشد البردان، بينما يتبع الثاني لعائلة الزعبي، ويعمل في المخفرين عناصر سابقين من الشرطة من أبناء المدينة.

يستقبل المخفَران شكاوى الأهالي، ويكتبون الضبوط الشرطية الخاصة بفقدان الوثائق الرسمية، وغيرها من المهام التي يقوم بها عناصر الشرطة في مخافر النظام، ومن ثم يُوكل إلى الشرطة المدنية في الثكنة العسكرية بختم الوثائق وتوقيعها، وبذلك تصبح نظامية معترف عليها في مؤسسات النظام، بحسب معلومات متقاطعة حصلت عليها “سوريا على طول” من اثنين من أبناء المدينة.

وقال مصدر مقرب من اللجنة المركزية في ريف درعا الغربي، أن “جميع المشاكل في طفس تحل عبر اللجنة المركزية أو لجنة الإصلاح المؤلفة من المشايخ، ولا تذهب للنظام”.

وأضاف المصدر: “لا يضطر المواطن التعامل بشكل مباشر مع مؤسسات النظام، حتى في المعاملات التي تطلب الشرطة”، كون “مخفر اللجنة المركزية يكتب الضبط، ومن ثم يتواصل مع شرطة النظام لتوقيعه وختمه دون أن يذهب المواطن للمخفر”.

وفي بصرى الشام، بريف درعا الشرقي، يوجد مخفر للنظام إلى جانب لجنة أمنية تتبع للواء الثامن، وهي مسؤولة عن حماية المدينة وإدارة الشؤون الأمنية فيها، إذ “يسمح للمخفر تنفيذ كل شيء من المعاملات الإدارية والثبوتية، ما عدا التوقيف والاعتقال أو التدخل لحل مشاكل بين الناس”، كما قال مصدر إعلامي مقرب من اللواء الثامن لـ”سوريا على طول” شريطة عدم كشف هويته لأسباب أمنية.

المخفر التابع للنظام “لا يستطيع فعل شيء حتى لو قُدمت الشكوى فيه”، بحسب المصدر، قائلاً: “يقتصر عمل المخفر على الأمور المتعلقة بالثبوتيات”، بينما “خلافات الناس ومشاكلهم وحقوقهم يتم حلها عبر لجنة عشائرية مدعومة من اللواء الثامن”.

حتى مخفر النظام في بصرى الشام التابع للنظام “يعمل تحت إدارتنا”، كما قال قيادي في اللواء الثامن لـ”سوريا على طول”، رافضاً توضيح دورهم في إدارة المخفر.

شارك هذا المقال