5 دقائق قراءة

مخيم الزعتري في الأردن: انهيار اقتصادي على وقع سقوط نظام الأسد

يشهد مخيم الزعتري "انكماشاً اقتصادياً"، متأثراً بمخاوف قاطنيه من مستقبلهم في الأردن، ما أدى إلى انهيار قيمة المحلات التجارية، التي كانت تشكل قيمة مالية كبيرة لأصحابها، لكنها صارت "خردة" تساوي قيمة الحديد المصنوعة منه


3 يناير 2025

باريس- على امتداد خمسة كيلومترات، تنتشر مئات المحلات التجارية على طرفي الشارع الرئيسي في مخيم الزعتري، أحد أكبر مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، التي كانت تشكّل قيمة مالية كبيرة لأصحابها، لكنها اليوم “صارت خردة تساوي قيمة الحديد المصنوعة منها”، كما قال أبو عامر، صاحب أربعة محلات هناك.

منذ سقوط نظام الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، يشهد مخيم الزعتري “انكماشاً اقتصادياً”، متأثراً بمخاوف قاطنيه، البالغ عددهم نحو 80 ألف نسمة، من مستقبلهم في الأردن الذي يستضيف نحو مليون لاجئ سوري منهم 771 ألفاً مسجلون لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ما دفعهم إلى العزوف عن البيع والشراء باستثناء المواد الغذائية والأساسية.

وبذلك، انهارت قيمة المحلات التجارية على نحو غير مسبوق، كما حصل مع أبو عامر، الذي فقدت محلاته  أكثر من 25 ألف دينار أردني (35 ألف دولار أميركي) من قيمتها، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أنه اشترى محلاً قبل أيام من سقوط النظام بـ4,500 دينار (6,344 دولاراً)، بينما قيمته حالياً “بقيمة سعر الحديد المصنوع منه”، علماً أن محلات المخيم مصنوعة من ألواح الكرفانات والتوتياء والأعمدة الحديد.

يبلغ متوسط سعر المحل في الزعتري خمسة آلاف دينار (سبعة آلاف دولار)، بينما تصل قيمة بعضها إلى 20 ألف دينار (28 ألف دولار)، وهي القيمة التجارية للمحلات أو أشبه ما تكون بـ”بدل خلو“، لأن أصحابها لا يملكون الأراضي المبنية عليها وليس لديهم وثائق تثبت الملكية القانونية لهذه المحلات، بحسب أبو عامر. 

شهد الزعتري انكماشاً اقتصادياً في مرات سابقة متأثراً بافتتاح معبر جابر الحدودي مع سوريا عام 2018، وبالتصريحات السياسية المتعلقة بإعادة اللاجئين السوريين في الأردن إلى بلادهم، لكن لم تصل التداعيات الاقتصادية إلى هذا الحد، كما اشتكى عدد من المقيمين في المخيم لـ”سوريا على طول”.

منذ افتتاحه في تموز/ يوليو 2012، نما مخيم الزعتري تدريجياً حتى أصبح أشبه بمدينة عشوائية من الكرفانات المسقوفة بألواح التوتياء، بما في ذلك المحلات التجارية، التي حولها سكان المخيم من كرفانات سكنية إلى محلات تجارية.

محل لبيع الأدوات المنزلية، مبني من ألواح التوتياء وجدران الكرفانات، في شارع السعودي في مخيم الزعتري للاجئين السوريين شمال الأردن،  1/ 11/ 2020 (سوريا على طول)

محل لبيع الأدوات المنزلية، مبني من ألواح التوتياء وجدران الكرفانات، في شارع السعودي في مخيم الزعتري للاجئين السوريين شمال الأردن،  1/ 11/ 2020 (سوريا على طول)

انخفاض المبيعات

قبل أربع سنوات، اشترى عبد الرحمن محلاً تجارياً بقيمة 6,500 دينار، أي ما يعادل تسعة آلاف دولار، بينما تبلغ مواد تصنيع المحل، من ألواح وأعمدة حديد وديكور داخلي حوالي ألف دينار (1.4 ألف دولار)، وهو مبلغ يمكن أن “يعوضني عن جزء صغير من خسارتي”، إذا سمحت إدارة مخيم الزعتري لأصحاب المحلات “بفكها والتصرف فيها”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

منذ افتتاح محله، المخصص لبيع الألبسة، لم يتصرف عبد الرحمن بأرباح محله إلا بمقدار مصروفه الشهري، وكان يضمّ ما يجنيه لرأس المال “من أجل توسيع تجارتي، لكن فجأة خسرنا كل شيء”، على حد قوله.

إضافة إلى هذه الخسارة، انخفضت مبيعات عبد الرحمن إلى النصف في الشهر الماضي، رغم أنّ مهنته أفضل من مهن وحرف أخرى في المخيم، لأن “بعض الزبائن يشترون ملابس جديدة استعداداً للعودة إلى سوريا”، وفقاً له.

قال عباس، لاجئ سوري لديه محل بيع وشراء الأثاث المنزلي المستعمل، أنه لم يبع أو يشترِ شيئاً منذ شهر، لافتاً إلى أن تجارته “توقفت بشكل كامل منذ سقوط النظام. لم يدخل عليّ ولا دينار واحد”، لأن “الجميع يدخرون ما لديهم من مال في حال اضطروا للعودة”.

“غالبية سكان المخيم يعيشون في حالة فقر، وليس لديهم تكاليف العودة إلى سوريا”، وهذا يفسر “تراجع المبيعات بشكل كبير”، بحسب عباس، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن قيمة محله قبل سقوط النظام، كانت خمسة آلاف دينار أردني من دون ثمن البضاعة الموجودة، لكن “اليوم لا أحد يشتريه بدينار”.

عدا عن خسائر قيمة المحلات (الخلو) في الزعتري، تضاف خسائر قيمة البضائع الموجودة في المحلات التجارية، كما قال أبو عامر، مشيراً إلى أن أحد محلاته المتخصصة ببيع مواد البناء والصرف الصحي والكهرباء، تبلغ قيمة موجوداته نحو 40 ألف دينار، وعندما عرضها بنصف القيمة على تجار الجملة خارج المخيم “رفضوا شراءها”.

يتناقل سكان المخيم أنباء عن أن الأردن تفرض “رسوماً” على البضائع التي ينقلها السوريون المغادرون إلى بلادهم، كما قال أبو عامر، مطالباً إعادة النظر في مثل هذه القرارات “من أجل تسهيل نقل بضائع التجار السوريين تخفيفاً لخسارتهم”.

لم تجد “سوريا على طول” أي قرار رسمي منشور بهذا الخصوص، وحاولت الاستفسار من مكتب إعلام الجمارك الأردنية عن شروط نقل السوريين لبضائعهم وأثاثهم، لكنها لم تتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

مستقبل ضبابي

منذ سقوط النظام، يقتصر مصروف عائلة أم فريد، 40 عاماً، التي تنحدر من محافظة درعا جنوب سوريا، على “الطعام والشراب وبالحدّ الأدنى”، لأنها تحاول “إدخار بعض النقود لدفع تكاليف العودة إلى سوريا”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

حالياً، لا تنوي العائلة العودة إلى سوريا، لكنها تخشى من “التضييق علينا لأجل العودة أو إعادتناً قسراً، عندها من سيدفع لنا التكاليف؟”، تساءلت أم فريد. علماً أن مديرية الجنسية وشؤون الأجانب الأردنية أكدت أن بلادها لن تجبر اللاجئين على العودة .

بدأ بعض جيران أم فريد التخلص من جزء من أثاثهم “مقابل نصف قيمته الحقيقية، لتوفير بعض النقود في جيوبهم لاستخدامها في حال فُرضت علينا العودة”، خاصة في ظل وجود شائعات أو مخاوف تترد بين أوساط سكان مخيم الزعتري عن اتخاذ الحكومة الأردنية خطوات من شأنها التضييق عليهم اقتصادياً وقانونياً من أجل دفعهم إلى العودة، من قبيل التشديد على تجديد تصاريح العمل الخاصة بالسوريين أو إغلاق مزيد من المهن أمام العمالة السورية، كما قال أربعة لاجئين في الزعتري لـ”سوريا على طول”.

من جهتها، حاولت مفوضية شؤون اللاجئين تطمين اللاجئين في الزعتري، وحذّرتهم من التسرع في اتخاذ قرار العودة، باعتبار سوريا ليست مستقرة، إلا أن “صوت الشائعات أقوى، والناس تخيف بعضها البعض”، بحسب عبد الرحمن، صاحب محل الألبسة في الزعتري.

“يبدو أن المفوضية لا علاقة لها بما يجري وأنها منفصلة عن الواقع”، بحسب أبو عامر، قائلاً: “بينما يقول بعض اللاجئين بأن هناك تعويضات لنا، تلاحقنا المفوضية حتى على الكرفانات التي اشتريناها على نفقتنا”، وهذا يضع اللاجئين أمام تحديات إضافية، خاصة أن الحكومة الأردنية تشترط على العائدين من المخيمات الحصول على “براءة ذمة” من المفوضية، ولا تمنحها الأخيرة إلا بعد تسليم الكرفانات التي بحوزتهم”، كما أكد أربعة لاجئين في الزعتري لـ”سوريا على طول”.

تواصلت “سوريا على طول” مع مكتب المفوضية في الأردن للحصول على توضيح لكنها لم تتلق رداً حتى لحظة نشر هذا التقرير، لكن متطوعاً سورياً يعمل لدى المفوضية في الزعتري، قال أن “المفوضية تشترط تسليم اللاجئ الكرفانات التي استلمها من المفوضية ولا تسمح لأحد بيعها أو شراءها أو نقلها”، وهو تجاوز وقع فيه العديد من السوريين المقيمين من المخيم منذ 12 عاماً.

وفي حال “تعذر على اللاجئ إعادة الكرفانات بنفس حالتها التي استلمها، أو أنه قام بفكها وإعادة بناء منزل من ألواحها، فإن المفوضية تطلب تسليم المنزل كاملاً”، بحسب المتطوع الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأنه ليس مخولاً بالحديث إلى وسائل الإعلام.

وأشار المصدر إلى أن الزعتري “يحتوي على أكثر من 27 ألف كرفان، وبنى تحتية تم إنشاؤها على مدى سنوات، لا نعرف كيف سيتم التعامل معها مستقبلاً”، لافتاً إلى “وجود مطالبات بالسماح لسكان المخيم نقل كرفاناتهم إلى سوريا حال عودتهم، إلا أن القرار حتى الآن هو تسليمها”.

في ظل المستقبل الضبابي الذي يعيشه سكان مخيم الزعتري، يحاول التجار وأصحاب المحلات بيع بضائعهم بأقل من قيمتها، ويبحثون عن طريقة لتعويض جزء من خسائرهم بعد فقدان قيمة محلاتهم التجارية، التي كانت شرياناً اقتصادياً مهماً، بحسب عبد الرحمن.

شارك هذا المقال