7 دقائق قراءة

مخيم اليرموك ليس خياراً للفلسطينيين السوريين العائدين من لبنان

يواجه الفلسطينيون السوريون العديد من العوائق التي تحول دول عودتهم من لبنان إلى سوريا، خاصة الذين ينحدرون من مخيم اليرموك بدمشق، الذي يعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني


28 نوفمبر 2024

مرسيليا– في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، حيث يعيش فادي هاني بهيج مع زوجته وأطفاله الثلاثة منذ فراره من سوريا قبل 12 عاماً، يرى الرجل، البالغ من العمر 47 عاماً، أن التاريخ يعيد نفسه.

“تذكرنا تهجير أجدادنا من فلسطين إلى لبنان ثم إلى سوريا”، قال بهيج لـ”سوريا على طول”، الذي تعود أصوله إلى مدينة شفا عمرو، شرق حيفا الفلسطينية، وقد فرت عائلته خلال النكبة (المصطلح الذي يشير إلى التطهير العرقي في فلسطين التاريخية وتأسيس دولة إسرائيل الحديثة عام 1948).

عندما اندلعت الحرب في سوريا قبل أكثر من عقد من الزمن، لجأ بهيج وعائلته إلى لبنان المجاور، وكانوا من ضمن 31 ألف سوري من أصل فلسطيني فروا إلى لبنان، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على لبنان، في أواخر أيلول/ سبتمبر، فرّ مئات الآلاف من الأشخاص، سوريون ولبنانيون على حد سواء، وعبروا الحدود إلى سوريا. وشمل النازحون الجدد، الآلاف من الفلسطينيين السوريين، الذين يمثل يعدّ نزوحهم الموجة الثالثة على الأقل في تاريخ عائلاتهم.

عاد بعض السوريين إلى المناطق التي فروا منها خلال الصراع المستمر منذ 13 عاماً في بلادهم، وتقع معظمها تحت سيطرة النظام حالياً، بينما شق آلاف آخرون طريقهم إلى مناطق المعارضة في شمال غرب سوريا، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي البلاد.

لكن، وجهة القليل من الفلسطينيين العائدين هي مخيم اليرموك في دمشق، وهو مسقط رأس بهيج، ويُعرف باسم “فلسطين الصغيرة”، حيث ينحدر منه 80 بالمئة من اللاجئين الفلسطينيين السوريين في لبنان، بحسب مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا. كان مخيم اليرموك في الماضي بمثابة عاصمة الشتات الفلسطيني، أما اليوم فهو عبارة عن مكان مهجور شبه خالٍ من السكان، ولا يمكن لمعظم الناس الوصول إليه.

قبل اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كان مخيم اليرموك موطناً لأكبرِ تجمع فلسطيني في سوريا، إذ بلغ عدد سكانه نحو 160 ألف فلسطيني بعد أن كان عدد السكان فيه وبمحيطه 1.2 مليون فيه وبمحيطه، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة، بينما قدرت مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا عددهم قبل الحرب بنحو 220 ألف نسمة، نظراً لوجود العديد من المقيمين فيه، الذين لم يكونوا مسجلين لدى الأونروا.

تأسس مخيم اليرموك في عام 1957 بهدف استقبال الفلسطينيين الذين نزحوا عام 1948، كما كان المخيم مركزاً للمقاومة الفلسطينية، إذ احتضن العديد من الفصائل الفلسطينية مثل حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ولاحقاً حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

كان النشاط السياسي في المخيم مسموحاً، شريطة أن يقتصر على القضية الفلسطينية. تمتع اليرموك بظروف معيشية جيدة، كانت أفضل بكثير من المخيمات الفلسطينية الأخرى في سوريا، ويشير إلى ذلك أنه سجل أعلى معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة في سوريا.

في عام 2012، سيطرت قوات المعارضة، بعضها كانت تضم عناصر فلسطينية، على مخيم اليرموك. ورداً على ذلك، فرضت قوات النظام السوري بالتعاون مع الفصائل الفلسطينية الموالية لها، حصاراً خانقاً على المخيم، ما أدى إلى وفاة العشرات من السكان جوعاً. في عام 2015، بدأ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وفصائل المعارضة بالتنافس في السيطرة على المخيم، الذي استعادت قوات النظام السيطرة عليه عام 2018، بعد قصف جوي وبري مكثف أدى إلى تدمير نحو 80 بالمئة من بنيته التحتية.

حالياً، يعيش نحو 50 ألف شخص في مخيم اليرموك، وفقاً لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا. من بين نحو 3300 فلسطيني سوري معروف أنهم عادوا إلى سوريا منذ أيلول/سبتمبر، لم يستقر في المخيم سوى عدد قليل منهم، لأن “منازلهم مدمرة أو مهددة بالانهيار، كما أن الدخول إلى المخيم يتطلب موافقات أمنية”، كما قال فايز أبو عيد، مدير مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا لـ”سوريا على طول”.

وأشار أبو عيد إلى أن العائدين من الفلسطينيين السوريين استقروا في المناطق المجاورة لدمشق وريف دمشق، أو في مخيمات اللاجئين الأخرى المنتشرة في أنحاء البلاد، مثل مخيمات درعا، وخان الشيخ، وخان دنون وجرمانا.

عوائق العودة

في أواخر أيلول/ سبتمبر، وبعد نحو عام من تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، كثفت تل أبيب من غاراتها الجوية، بشكل كبير، في جميع أنحاء لبنان ترافق ذلك مع حملة عسكرية برية.

وأدى الهجوم منذ ذلك الحين إلى نزوح نحو مليون شخص داخل لبنان، فيما عبر نحو 500 ألف شخص الحدود إلى سوريا، كما أسفر عن مقتل ثلاثة آلاف شخص وإصابة 14 ألف آخرين بجروح، وفقاً للأمم المتحدة.

وقال بهيج: كان “الوضع فظيعاً أثناء القصف، كأنني لم أنزح إلى لبنان، وكأنني ما زلت هناك [في سوريا]”. رغم أن مخيم البداوي نجا إلى حد كبير من القصف، إلا أن إسرائيل قتلت فيه عضواً من حماس وعائلته في غارة بطائرة من دون طيار، نفذتها الشهر الماضي.

على الرغم من مخاطر البقاء في لبنان، سواء خلال فترة القصف أو حتى بعد تنفيذ وقف إطلاق، الذي دخل حيز التنفيذ الأربعاء، إلا أن العودة إلى سوريا غير واردة بالنسبة للكثيرين، بما في ذلك الفلسطينيين السوريين. 

عدي محمود صالح، البالغ من العمر 24 عاماً، كان من سكان مخيم اليرموك، لكن لا يستطيع العودة إليه هو وشقيقه، لأنهما مطلوبين للتجنيد الإجباري. وصل الشاب مع عائلته إلى لبنان في عام 2018 واستقروا في نهاية المطاف بمخيم البداوي.

إضافة إلى ذلك، لا يشعر صالح بارتباطه بسوريا، التي غادرها عندما كان في الحادية عشرة من عمره، قائلاً: “لقد بلغت سن الرشد في لبنان وأتحدث بلهجتهم”، وبات يفكر كما العديد من أصدقائه في الذهاب إلى أوروبا من أجل “المستقبل” على أن أمل أن يكون ذلك “أفضل من حيث الظروف المعيشية هنا وفي سوريا”، خاصة أنه يعمل في مجال البناء ويتقاضى عشرة دولارات في اليوم.

على خلاف صالح، يرغب بهيج في العودة إلى سوريا، لكن لا يوجد ما يعود إليه في مخيم اليرموك، إذ إن “منزلي مدمر ولا أستطيع العودة وتأسيس حياة جديدة هناك”.

وفي هذا الصدد، قال أبو عيد إن عملية إعادة الإعمار في مخيم اليرموك “بطيئة” في ظل سوء الخدمات الأساسية، “وهو ما يمنع المزيد من الناس من العودة إلى المخيم”، فقد تضررت شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بالمرافق الصحية والتعليمية بشكل كبير.

بالنسبة لبهيج، وعلى الرغم من رغبته في العودة إلى سوريا، إلا أنه لا يوجد الكثير ليعود إليه في اليرموك. يقول متأسفًا: ”منزلي مدمر ولا أستطيع العودة وبناء حياة جديدة“.

وقال أبو عيد إن عملية إعادة الإعمار ”بطيئة“ في اليرموك، مما جعل سكانه ”يعانون من سوء الخدمات الأساسية، الأمر الذي يساهم بشكل كبير في منع عودة المزيد من الناس إلى المخيم“. لقد تضررت شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، وكذلك المرافق الصحية والتعليمية بشكل كبير.

سارة الدمشقي، 35 عاماً، هي من بين عدة آلاف من سكان مخيم اليرموك الحاليين. نزحت في عام 2012، وعادت العام الماضي إلى حي الجاعونية في المخيم مع زوجها وأطفالها. وقالت إنه على الرغم من إزالة معظم الأنقاض، إلا أن الغالبية العظمى من مباني اليرموك بحاجة إلى إصلاحات، وبعضها على وشك الانهيار. 

ووصفت الدمشقي حالة الخدمات الأساسية بـ”السيئة”، مشيرة إلى أن بعض أحياء المخيم “شهدت صيانة لشبكات الصرف الصحي، لكن بعضها لا تزال مكشوفة”، كما أنه “لا يوجد سوى محول كهرباء واحد يخدم المخيم بأكمله”، علماً أن الخدمات يتم تمويلها من التبرعات الخاصة، وفقاً لها.

ولهذا ”لا يمكن للعائلات العودة بسهولة إلى المخيم، سواء من لبنان أو من مناطق أخرى، في ظل حاجة منازلهم إلى إعادة تأهيل وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف الإصلاح”، بحسب الدمشقي، التي لم تصادف أحداً في حيّها عاد من لبنان حديثاً.

وأضافت: ”لدي أقارب يودون العودة من لبنان، لكن منازلهم بحاجة إلى ترميم، وبعض الأحياء ما تزال مغلقة ويمنع العودة إليها نظراً لوجود أنقاض”. وتسمح الدولة للسكان بالعودة إلى عدد محدود من الأحياء فقط.

وعدا عن الأضرار واسعة النطاق وسوء الخدمات والتهديد بالتجنيد الإجباري، فإن المخاوف الأمنية تعد عائقاً رئيساً يمنع النازحين من العودة إلى مخيم اليرموك، بحسب أيمن أبو هاشم، وهو باحث فلسطيني سوري متخصص في قضايا اللاجئين، مشيراً إلى أن “النظام يشك في ولاء العديد ممن غادروا، حتى إن لم يكونوا من المعارضة، لذا لدى هؤلاء مخاوف من التعرض للاضطهاد حال عودتهم”.

منع العودة

اعتبر أبو هاشم أن تدمير مخيم اليرموك عبر سنوات من الحصار والقصف العشوائي يعد ”جزءاً من أجندة النظام السياسية الرامية إلى محو المخيم وتغيير هويته ومنع عودة الأهالي” إلى المنطقة التي كانت معقلاً للمعارضة، مؤكداً أن مطالبة العائدين بالحصول على موافقة أمنية من أفرع المخابرات تعد دليلاً آخر على رغبة النظام في منع العودة.

وفي وقت سابق، وثقت “سوريا على طول” عمليات النهب الممنهج لمخيم اليرموك من قبل القوات المدعومة من النظام، ما أدى إلى زيادة نسبة الدمار في المباني وجعلها غير صالحة للسكن.

اقرأ المزيد: “كالجراد”: “قوات الهدم” ومجموعات تابعة للنظام السوري تنهب منازل المهجرين

وأضاف أبو هاشم أن درجة الحكم الذاتي التي كان يتمتع بها اليرموك سابقاً، من خلال لجنة محلية تعمل كبلدية فعلية تدير الخدمات بشكل عملي، تآكلت مع حلها في عام 2018.

يتبع مخيم اليرموك حالياً بشكل مباشر لمجلس محافظة دمشق، وهو ملف “حساس” على عكس مناطق أخرى في المحافظة، على حد قول أحد المهندسين، الذي يعمل في مجلس المحافظة منذ 37 عاماً.

وأضاف المهندس، الذي طلب من “سوريا على طول” عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: “في السابق، كانت اللجنة المحلية تشغل مبنى مكوناً من ثلاثة طوابق، بينما الآن تشغل غرفة أو غرفتين في مبنى، كما ضاع كامل الأرشيف”.

بالإضافة إلى ذلك، تم إصدار مخطط هيكلي جديد في عام 2020 لإعادة تصميم المخيم، وقد حذرت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا من أنه قد يشكل “نكبة جديدة”. تهدد الخطة بتغيير المشهد الديموغرافي والمعماري للمخيم بشكل كبير من خلال المصادرة الجماعية وإعادة التطوير بموجب القانون رقم 10 لعام 2018.

“النظام لا يريد عودة الفلسطينيين”، قال أبو هاشم، معتبراً أن منع العودة له دافع سياسي واضح كما هو الحال في العديد من المناطق، التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً، ولكن بالنسبة للمخيم على وجه الخصوص “هناك رسالة يريد النظام إرسالها إلى إسرائيل”.

وأضاف: “إن وجود المخيمات الفلسطينية في الدول المجاورة للاحتلال [الإسرائيلي] دليل حي على جريمة اقتلاعهم من وطنهم و[إنكار] مطالبتهم بحق العودة“. 

سعت دمشق إلى الحد من نشاط الفصائل الفلسطينية على أراضيها، ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة امتنعت عن الانضمام بشكل فعال إلى “محور المقاومة” لمحاربة إسرائيل.

بالنتيجة، رغم كل العوائق التي تواجه أهالي المخيم، فإن الذين تمكنوا من إلى مخيم اليرموك مثل الدمشقي “يحاولون إعادة بث الحياة فيه”، بحسب أبو هاشم.

شارك هذا المقال