5 دقائق قراءة

مدينة الضمير بريف دمشق: مبادرات أهلية “خجولة” لتعويض العجز الحكومي

منذ عام تقريباً، تشهد مدينة الضمير بريف دمشق الشرقي، مبادرات شعبية لأجل صيانة وترميم الخدمات العامة. تأتي هذه المبادرات في ظل عجز حكومة النظام السوري عن القيام بالأدوار الخدمية المنوطة بها.


29 يوليو 2024

تعبيد أجزاء من شارع سوق السبت في مدينة الضمير، ضمن حملة مشتركة بين مديرية الخدمات الفنية بريف دمشق ولجنة المجتمع المحلي في المدينة، 11/ 11/ 2023، (مجلس مدينة الضمير)

وليد النوفل

باريس- كغيرها من مدن وبلدات التسوية، التي سيطر عليها نظام الأسد عام 2018، تشهد مدينة الضمير بريف دمشق الشرقي، منذ قرابة العام مبادرات شعبية تهدف إلى جمع الأموال من جيوب  الأهالي في الداخل والمغتربين، لأجل صيانة وترميم الخدمات العامة، مثل: صيانة مضخات المياه المغذية لشبكة مياه الشرب العامة، وإنارة الشوارع العامة وترميم بعضها، وتوفير وسائل نقل لطلبة الشهادات العامة وغيرها.

في منتصف أيار/ مايو الماضي، عملت لجنة المجتمع المحلي في مدينة الضمير (لجنة التنمية المحلية)، وهي اللجنة المعنية بجمع التبرعات ومتابعة تنفيذ المشاريع الخدمية، على تأمين نقل نقل طلبة الشهادة الثانوية من مدينة الضمير إلى المراكز الامتحانية في مدينة دوما، التي تبعد عنها نحو 29 كيلومتراً.

تأتي هذه المبادرات الأهلية، التي تنتشر بشكل واسع في محافظة درعا جنوب سوريا، في ظل عجز حكومة النظام السوري عن القيام بالأدوار الخدمية المنوطة بها، وتغطي المبادرات قطاعات مختلفة من الخدمات الأساسية.

في نيسان/ أبريل 2018، استعاد النظام سيطرته على مدينة الضمير، بعد التوصل إلى اتفاق تسوية مع فصائل المعارضة، برعاية روسية، أفضى إلى خروج عناصر المعارضة وعائلاتهم والرافضين للتسوية إلى مناطق المعارضة شمال غرب سوريا.

وعلى غرار المناطق الأخرى، يعاني سكان الضمير من سوء الخدمات العامة الأساسية، رغم مرور ست سنوات على التسوية، الأمر الذي “دفع المجتمع المحلي إلى الاعتماد أكثر على نفسه في صيانة وتشغيل بعض هذه الخدمات حسب الإمكانيات المتوفرة” كما قال صحفي من أبناء المدينة، يعمل لصالح جريدة محلية، طلب من “سوريا على طول” عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

في أواخر العام الماضي، دعا مجلس مدينة الضمير، التابع للنظام، في منشور على صفحته في فيسبوك “جميع الفعاليات والمواطنين للتعاون ودعم”، لجنة المجتمع المحلي في مدينة الضمير “لتنفيذ باقي المشاريع”، حيث “سيساهم هذا العمل بتحسين واقع مياه الشرب بشكل كبير وفعال”.

لجنة أهلية بقرار حكومي!

في مطلع العام الحالي، نشر مجلس المدينة قائمة تضمنت المشاريع والأعمال، التي نفذها المجلس خلال عام 2023، حيث أدرج المجلس تشكيل “لجنة المجتمع المحلي في مدينة الضمير”، وهي اللجنة المعنية بجمع التبرعات ومتابعة تنفيذ المشاريع الخدمية، ضمن قائمة أعماله المنجزة للعام 2023.

ونشر المجلس على صفحته في فيسبوك، مراراً، دعوات لحضور فعاليات “لجنة المجتمع المحلي”، التي تُنظّم في “قاعة مجلس المدينة”، برعاية من المجلس وفرقة حزب البعث العربي الاشتراكي (الحاكم) في الضمير.

بدأت اللجنة عملها في حزيران/ يونيو 2023، ويقوم عليها “وجهاء من أبناء مدينة الضمير، من أصحاب السيرة الحسنة، المعروفون والمقبولون من المجتمع المحلي”، كما قال عضو في اللجنة لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

ونفى العضو تبعية اللجنة لمجلس المدنية “رسمياً”، وإنما تقتصر العلاقة بينهما على “تنظيم العمل في القطاع الخدمي الذي يساعد في تحسين حياة المواطنين، وتحديد الأولويات”، لافتاً إلى أن “وجود مثل هذه اللجان بعد الحرب يعد أمراً ضرورياً، لاسيما في ظل نقص الموارد الذي تعاني منه الحكومة”، إضافة إلى أن “المشاريع المنفذة عبر اللجنة تتسم بسرعة التنفيذ مقارنة بالمؤسسات الحكومية التي تعاني من الروتين الحكومي و التراتبية الوظيفية” على حد قوله.

رداً على ذلك، قال الصحفي من الضمير أن “اللجنة تتبع كلياً لمجلس المدينة، ولا تقوم بأنشطة خارج إرادة البلدية”، وحتى بعض الخدمات التي استطاعت اللجنة توفيرها للمدينة “كانت عبر العلاقات الشخصية والمعارف داخل الحكومة، مثلاً تم تأمين محولة كهرباء للمدينة عبر علاقات شخصية مع زياد خالد، رئيس اتحاد فلاحي دمشق وريفها، وعضو مجلس محافظة ريف دمشق”.

موقف الأهالي من اللجنة

عملت اللجنة على عدة مشاريع حيوية، من قبيل: مشروع تشغيل خط كهرباء معفى من التقنين لتخديم آبار أبو قوس، المغذية لشبكة مياه الشرب في المدينة، إصلاح عدد من مضخات المياه المركبة على آبار الشبكة، تجهيز دورة مياه عامة في وسط المدينة، صيانة بعض الطرق الرئيسية، وتركيب كشافات ضوئية تعمل بالطاقة الشمسية لإنارة بعض أجزاء الطريق الرئيسية، كما قال العضو من اللجنة.

وبلغ حجم الأموال، التي جمعت لهذه الأعمال ما يقارب 66 مليون ليرة سورية (4490 دولار أميركي بحسب سعر الصرف في السوق السوداء البالغ 14700 ليرة للدولار الواحد)، بحسب المصدر ذاته.

يدعو مجلس مدينة الضمير الأهلي “بشكل مستمر للتعاون مع اللجنة الأهلية ودعمها من أجل تنفيذ مشاريع جديدة أو استكمال مشاريع موجودة مثل مشروع إنارة باقي الشوارع بالطاقة الشمسية”، لكن “الاستجابة المحلية ما تزال ضعيفة”، بحسب الصحفي من الضمير.

وأضاف الصحفي: “سعت اللجنة لعقد جلسات تبرع، ودعت الأهالي إليها، لكن في العديد من المرات لم يكن هناك حضور جيد”، إضافة إلى ذلك “نظمت اللجنة زيارات للتجار وأصحاب المحال التجارية في المدينة لحثهم على التبرع، مع ذلك فإن المبادرات كانت خجولة”.

رداً على ضعف التفاعل، نشرت اللجنة على صفحتها رسالة بعنوان “همسة عتب ومحبة”، في مطلع آذار/ مارس الماضي، لخصت فيه بعض أعمالها “رغم الإمكانيات البسيطة”، ومعبرة عن استيائها من “غياب كبير لأبناء المدينة”، عن اجتماع عقدته في شباط/ فبراير، “عدم اهتمام البعض بعمل اللجنة”.

يرجع ضعف إقبال الأهالي على التبرع إلى “الحالة الاقتصادية المتردية لغالبية سكان المدينة، وأيضاً غياب وجود الثقة باللجنة ومجلس البلدية لدى البعض”، كما قال الصحفي من الضمير. بحسب تقرير للأمم المتحدة، فإن أكثر من 90 بالمئة من السوريين عاش تحت خطر الفقر، حتى منتصف 2023، إذ لم يتمكن 12 مليون شخص -على الأقل- من الحصول على ما يكفي من الغذاء الجيد أو تحمل تكلفته، بحسب الأمم المتحدة.

وبحسب مؤشر قاسيون في صحيفة قاسيون، التابعة لحزب الإرادة الشعبية، الذي يرأسه نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية والمقيم حالياً في روسيا، قدري جميل، بلغ وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد أكثر من 13 مليون ليرة سورية (884 دولاراً تقريباً)، فيما بلغ الحد الأدنى قرابة 8.1 مليون ليرة (551 دولاراً)، في وقت يبلغ فيه الحد الأدنى للأجور قرابة 278 ألف ليرة (19 دولاراً تقريباً).

ورغم ضعف دعم الأهالي للمشاريع الخدمية في الضمير، رأى العضو في لجنة المجتمع المحلي أن “الاستجابة مقبولة، كونها أول تجربة في هذا الشأن بالمنطقة”، معبراً عن أمله بـ”تحسن حجم التبرعات للجنة، وأن ينتشر مفهوم تعاون المجتمع المحلي ودوره في بناء البلد، لأنها تمس المواطن ووضعه المعيشي”.

وأضاف العضو: “لدينا مبادرات جديدة ومشاريع عدة نعمل عليها مع المجتمع المحلي، من شأنها أن تسهم في تحسين المستوى الخدمي، بعد سنوات طويلة من الحرب عاشتها المدينة، والحصار الذي تعاني منه سوريا”. مشيراً إلى أن أبرز مشاريع اللجنة، “إيصال مياه الشرب إلى كافة أحياء المدينة، والحد من اعتماد الأهالي على مياه الصهاريج الخاصة المرتفعة التكاليف”، وهو ما “يتطلب حفر آبار جديدة، وتشغيل جميع الآبار عبر وحدات الطاقة الشمسية وصيانة المضخات والشبكة، لذا ندعو المجتمع المحلي لدعم هذا المشروع”.

شارك هذا المقال