“مدينة معزولة”: سكان الرقة يتخوفون من سيناريو “التقسيم” وورقة “داعش”
منذ سقوط نظام الأسد، تعيش مدينة الرقة "عزلة كاملة عن بقية الجغرافية السورية"، حتى فرحتها بسقوط النظام لم تكتمل نتيجة التوترات التي تشهدها المدينة، وتخوف الأهالي من مشاريع تفضي إلى التقسيم أو عودة تنظيم الدولة
25 ديسمبر 2024
الرقة، باريس- مع حلول المساء، يسارع أصحاب المحلات التجارية في مدينة الرقة، شمال شرق سوريا، إلى إغلاق محلاتهم، ويلتزم جميع السكان منازلهم مع إطلاق صافرات الإنذار، التي تعلن عن بدء حظر التجوال في المدينة عند الساعة السابعة مساء وحتى الساعة الخامسة فجراً.
منذ 12 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، تفرض قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على الرقة، حظر تجوال في عموم مناطق سيطرتها، بما في ذلك الرقة، التي يعكّر ليلها أصوات الرصاص وحملات المداهمات والاعتقالات ضد ما تصفهم “قسد” بـ”خلايا داعش”.
منذ إعلان سقوط بشار الأسد، فجر الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، “تغير حال مدينة الرقة، وعاشت عزلة كاملة عن بقية الجغرافية السورية”، حتى فرحتها بسقوط النظام “لم تكتمل نتيجة التوترات التي حدثت بين المحتفلين بسقوط الأسد من أبناء المدينة وقوى الأمن الداخلي [الأسايش]”، التابعة للإدارة الذاتية، ما دفع الأخيرة إلى “فرض حظر في عموم مناطقها”، كما قال مسعود بلال (اسم مستعار)، ناشط إعلامي من مدينة الرقة لـ”سوريا على طول”.
“سجن كبير”
أعلنت الإدارة الذاتية في اليوم ذاته، رفع علم سوريا الجديد (علم الثورة) فوق مؤسساتها، لكنها في الواقع لم ترفعه فوق مؤسساتها في الرقة، بحسب “سوريا على طول”، وفوق ذلك “اعتقلت الأشخاص الذين يرفعونه في الشوارع والساحات”، كما قال مصدران مقيمان في الرقة لـ”سوريا على طول”.
بعد اعتماد الإدارة الذاتية علم الثورة، شارك العديد من سكان الرقة في وقفات احتفالية بسقوط النظام، لكنها شهدت إطلاق نار مصدره قوات “الأسايش” وبعض المحتفلين، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة قرابة 13 آخرين، ولم يتنسَ لـ”سوريا على طول” معرفة الجهة المسؤولة عن قتل وإصابة الأشخاص.
ونتيجة حالة الغليان الشعبي، التي شهدتها الرقة بعد الحادثة، قطعت “قسد” خدمة الانترنت لعدة ساعات، في 14 من الشهر ذاته، محاولةً عزل المدينة وريفها، خاصة مع الدعوة إلى مزيد من التظاهرات والاحتفالات بتحرير سوريا وسقوط الأسد.
وفرضت قوات “الأسايش” طوقاً أمنياً على مدينة الرقة، كما نشرت دورياتها أمام المساجد وفي الشوارع الرئيسية، وبذلك “عزلت المدينة عن باقي سوريا، وسط صمت الإدارة السورية الجديدة حيال ما يجري ويمارس بحقنا”، بحسب بلال، لافتاً إلى أن “الخوف يعمّ المدينة ليلاً ويشل حركتها نهاراً”.
وتشهد المدينة “مظاهر مسلحة [لعناصر قسد] وإطلاق نار يبث الرعب في نفوس السكان، إضافة إلى تجول آليات عسكرية وجود مسلحين يرتدون الزي المدني ويستعرضون في الشوارع”، بحسب بلال الذي وصف المدينة كأنها “ثكنة عسكرية وسجن كبير.
وفي ليلة الإثنين- الثلاثاء، شهدت مدينة الرقة، إطلاق نار كثيف من قبل مجموعات مسلحة تتبع لـ”الشبيبة الثورية” احتفالاً بـ”الأخبار القادمة من منبج”، التي تفيد باستعادة “قسد” السيطرة على منبج شرق حلب، التي سيطر عليها الجيش الوطني، في التاسع من هذا الشهر.
وعلى إثر ذلك إطلاق النار، اشتبكت “الشبيبة الثورية” مع عدد من الأهالي عند تقاطع شارع سيف الدولة بمدينة الرقة، ما أسفر عن إصابة شاب بجروح خطيرة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي هذا الأسبوع، نفذت “قسد” حملة اعتقالات واسعة في مدينة الرقة وريفها ضد شخصيات معارضة بينها قاضٍ في محكمة الرقة، للاشتباه بانتمائهم لتنظيم “داعش”، وهو ما أثار موجة من السخط والاستياء ضد الإدارة الذاتية، وفق المرصد.
وقد أعلنت “قسد” عن حملة أمنية بدعم من قوات التحالف الدولي، استهدفت خلايا تنظيم “داعش” ليلة 21 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، أسفرت عن القبض على 18 عنصراً من التنظيم ومشتبهين بتعاونهم معه في مدينة الرقة.
تعليقاً على ذلك، قال عامل في المجال الإنساني، يقيم في مدينة الرقة، أن “حملات الاعتقالات طالت شخصيات معارضة أو كانت تنتمي للجيش الحر سابقاً”، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “داعش هي تهمة جاهزة يمكن إلصاقها بأي شخص”.
ومن بين المعتقلين، القاضي خالد الحسن، وهو شخصية معروفة، ينتسب إلى عشيرة كبيرة في ريف الرقة الشرقي، الذي يشهد تصعيداً بين الأهالي و”قسد”، بحسب المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.
لم توضح “قسد” أسباب اعتقال الحسن، إلا أن “الرقة تذبح بصمت”، منصة إعلامية محلية، رجحت أن يكون اعتقاله بسبب طلبه من قائد “قسد” مظلوم عبدي أثناء اجتماع له مع الأهالي، في الفرقة 17، بتمثيل الرقة ضمن الوفد المزمع إرساله للقاء الحكومة الانتقالية في دمشق.
وأثناء اعتقاله، يوم الأحد الماضي، تعرض الحسن للإهانة والضرب هو وأفراد عائلته، كما تعرض منزله للتخريب من قبل قوات “قسد”، قبل أن تفرج عنه ظهر الإثنين، كما قال مصدر مقرب منه لـ”سوريا على طول”.
حاولت “سوريا على طول” الحصول على تصريح رسمي من مجلس الرقة العسكري، التابع لقوات سوريا الديمقراطية، لكنها لم تتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.
رفض الانسلاخ
منذ سقوط الأسد، والحديث عن مستقبل سوريا، بما في ذلك سيناريو “التقسيم”، يتخوف أهالي الرقة من مشاريع سياسية قد تفضي إلى “انسلاخ” مدينتهم عن الوطن الأم، أو إقامة حكم ذاتي لا يمثلهم، كون الإدارة الذاتية تستند في تشكيلها إلى منهج قائد حزب العمال الكردستاني (التركي) عبد الله أوجلان، وتتحكّم كوادر الحزب بمفاصل الإدارة وقراراتها.
يعزز هذه التخوفات “تحول الجو العام للإدارة الذاتية وقواتها الأمنية والعسكرية منذ سقوط نظام الأسد، حيث باتت تبتعد عن فكرة الارتباط بدمشق، وتروّج ضمنياً لحرب تستهدف المكون الكردي”، بحسب الناشط مسعود بلال.
وتعوّل “قسد” على قدراتها العسكرية ودعم قوات التحالف الدولي لها، وهو ما يزيد من “تخوف سكان الرقة من اندلاع حرب في مدينتهم المدمرة أصلاً”، وسط إشارات على الأرض تشير إلى أن “قسد لن تسلم سلاحها للمشاركة في جيش سوريا الموحد”، وفقاً لبلال.
كذلك، أبدى لقمان محمود، أحد أبناء مدينة الرقة، تخوفه من “المستقبل الضبابي” الذي ينتظر مدينته، في ظل “انتشار الشائعات والمناوشات العسكرية وتجاهل سلطة دمشق للمدينة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.
“منذ سقوط الأسد صرنا نسمع أصوات إطلاق النار والانفجارات بشكل أكبر” بحسب محمود، متوقعاً أن يكون “العنف متعمداً من قسد أو من بعض الأهالي، الذين يحاولون إيصال رسالة لقسد مفادها أن وجودها غير مرغوب به”، خاصة أن الكثير من سكان الرقة “يرغبون دخول قوات دمشق لإدارة المدينة”، في إشارة إلى “إدارة العمليات العسكرية” التي يقودها أحمد الشرع (الجولاني).
تعليقاً على ذلك، قال مسؤول في إحدى المنظمات المدنية العاملة في الرقة لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم كشف هويته أن “هناك تحشيداً إعلامياً كبيراً ضد قسد من الأهالي والناشطين المعارضين لها في الرقة”، معتبراً أن هذا التحشيد “أجج الخطاب العام ضد قسد، ودفع البعض لتنفيذ أعمال هجومية ضد بعض المؤسسات مثل حرق المحكمة العسكرية والهجوم على مركز لقوى الأمن الداخلي”.
ما يحدث ليلاً مريب، إذ “تنتشر مجموعات مسلحة بسيارات من دون لوحات، ولا يُعرف ما إن كانت لمسلحين تسللوا من ريف حلب ضمن قوافل النازحين إل ىشمال شرق سوريا، أو أنها ميليشيات شيعية موالية للنظام تنفذ عمليات تخريبية”، أو أنها “الشبيبة الثورية التابعة لقسد”، بحسب المصدر، مشيراً إلى أن “المسلحين يطلقون الرصاص على أي شخص يتجول في الشوارع أثناء الحظر”.
“بينما كنا نعيش بين مطرقة النظام وداعش، الذي كان سبباً في وجود قسد، نحن حالياً أمام مفصل تاريخي يحدد شكل الدولة السورية الجديدة”، قال المصدر، مشدداً على أن أهالي الرقة يرفضون أي نموذج “انفصالي أو انقسام طائفي أو قومي أو مناطقي، وتفكيرنا يتجاوز طموحات قسد”.
وطالب المصدر “قسد” أن “تجري تغييراً جذرياً يلبي تطلعات أهالي الرقة، وأن تفتح حواراً مباشراً مع دمشق دون أي مماطلة، إضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين، وتحسين الخطاب الرسمي بحيث يقترن بالأفعال وليس بالأقوال فقط”.
ورقة “داعش”
تتضمن تصريحات مسؤولين التحالف الدولي وقياديين في قوا ت”قسد” مخاوف من عودة تنظيم “داعش”. مع سقوط الأسد، عززت القوات الأميركية تواجدها في مدينة الرقة، وكثفت من تحركاتها في الفرقة 17 شمال المدينة والقاعدة الأميركية الواقعة بالقرب من جسر الرقة الجديد (الرشيد).
واعتبر سليمان عبد العزيز (اسم مستعار)، مسؤول مدني في الإدارة الذاتية بمدينة الرقة، أن التحركات الأميركية تهدف إلى حفظ مصالحها، بينما “مصير الرقة وأمنها يعتمد على وعي أبنائها، وسلطة دمشق الحالية”، وأي اصطدام قد يؤدي إلى حرب “تدور في المدينة كما حصل قبل سنوات”، في إشارة إلى الحرب ضد داعش.
وتخوف عبد العزيز، الذي طلب من “سوريا على طول” عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول للحديث إلى وسائل الإعلام، من “ظهور تنظيم داعش في المدينة مجدداً، وأن يعيد تنظيم صفوفه”، خاصة أن “المنطقة تضم سجون فيها آلاف المعتقلين من التنظيم، الذين يعتبرون من أخطر الشخصيات في العالم”.
وشدد عبد العزيز على ضرورة “التوصل إلى حل سياسي يضمن تبعية الرقة لدمشق”، معبراً عن رفض “أي أشكال الحكم الذاتي التي ينادي بها مسؤولون ومقاتلون محسوبون على حزب العمال الكردستاني”.
ختم لقمان محمود: “لماذا ظهر تنظيم داعش الآن، وبدأت قسد بالتحذير من خلاياه، رغم أنه غير موجود منذ سنوات”، مستنكراً بالقول: “يظهر التنظيم كلما طالب أهالي الرقة بشيء ما”.