مستقبل سوريا في ضوء “اللجنة الدستورية” وموقف دمشق منها
عمان- مع انتهاء أعمال الجولة الأولى من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، الجمعة الماضي، التي عقدت بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريتين، في مقر الأمم المتحدة بجنيف، بدا الجسر الذي تحاول الأمم المتحدة بناؤه بين الطرفين للوصول إلى حل سياسي، وكأنه سيلاقي مصير مناطق "خفض التصعيد" التي انهارت تحت ضربات القوات الحكومة السورية وحليفتها الروسية، وسيطرتهم على معظمها.
13 نوفمبر 2019
عمان- مع انتهاء أعمال الجولة الأولى من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، الجمعة الماضي، التي عقدت بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريتين، في مقر الأمم المتحدة بجنيف، بدا الجسر الذي تحاول الأمم المتحدة بناؤه بين الطرفين للوصول إلى حل سياسي، وكأنه سيلاقي مصير مناطق “خفض التصعيد” التي انهارت تحت ضربات القوات الحكومة السورية وحليفتها الروسية، وسيطرتهم على معظمها.
في كلمته الافتتاحية خلال إطلاق أعمال اللجنة، أكد المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون، على ضرورة أن تكون اللجنة الدستورية “الخطوة الأولى لإيجاد مخرج من الأزمة السورية والوصول إلى حل دائم يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
ورغم أن “الدستور السوري عصري” كما يراه الرئيس المشارك عن وفد الحكومة السورية، أحمد الكزبري، فإن ذلك “لا يمنعنا نحن السوريين من أن نجتمع لغرض النظر في إمكان إجراء أي تعديل على الدستور الحالي [وهو دستور العام 2012 المعمول به حالياً] أو تغييره ووضع دستور جديد”، بحسب ما جاء في كلمته، خلال الإعلان عن افتتاح الجلسة الأولى.
ولكن، بشار الأسد رفض، في مقابلة له على قناة “روسيا اليوم”، الإثنين الماضي، مسار جنيف حول الحل في سوريا، معتبراً ذلك “خديعة أمريكية” تهدف إلى إسقاط الحكومة عبر “هيئة مؤقتة” في إشارة منه إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
التنصل من اللجنة
في مقابلة أجرتها “الإخبارية السورية” مع بشار الأسد، في 31 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، اعتبر أن حكومته ليست جزءاً من اتفاق اللجنة الدستورية، وأن الوفد يمثل “وجهة نظر الحكومة السورية، [ولكنها] ليست جزء من هذه المفاوضات ولا من هذا النقاش”.
موقف الأسد من اللجنة الدستورية، في تصريحاته الأخيرة، اعتمد من الإعلام الرسمي السوري، إذ أطلقت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” على وفد الحكومة السورية تعبير “الوفد المدعوم من الحكومة”، وعلى وفدي المعارضة والمجتمع المدني تعبير “الوفود الأخرى”.
وتعليقاً على موقف حكومة دمشق، اعتبر عضو هيئة المفاوضات السورية المعارضة، وعضو اللجنة الدستورية، الدكتور يحيى العريضي، في حديثه إلى “سوريا على طول” أن تعبير دمشق وإعلامها عن الوفود هو “للاستهلاك المحلي، ومحاولة لنأي النظام بنفسه عما يمكن أن تخرج به اللجنة” مشيراً أن ذلك “محاولة رخيصة، ومخالفة صريحة لما تم الإقرار والاتفاق عليه”.
وأضاف العريضي إلى أنه تم التوصل إلى اللجنة عبر “مذكرة رفعت إلى المبعوث الدولي والأمم المتحدة، بأن هناك قواعد إجرائية، [وعليه] تم الاتفاق على تشكيل اللجنة التي تضم وفد الجمهورية العربية السورية، ووفد الهيئة العليا للتفاوض، وأمضى [وزير الخارجية السوري] وليد المعلم على ذلك”. محذراً من أن يكون “هناك تنصّل منه”.
من جهتها، قللت عضو الهيئة الدستورية الموسعة، والهيئة التفاوضية، أليس المفرج، في حديثها إلى سوريا على طول” من شأن ما تروج له ماكينة دمشق الإعلامية بخصوص اللجنة، مشيرة إلى أن “اللجنة [الدستورية] سيدة نفسها بالمطلق، ومخرجات العملية لن تخضع لرفض رأس النظام أو قبوله، وفيما إذا استمر العمل بها فإنها ملزمة لهم”.
وأضافت المفرج “حسب اللائحة الداخلية لعمل اللجنة، فإنها [أي اللجنة] هي أول اتفاق سياسي بين هيئة التفاوض السورية، والحكومة السورية، كما ورد في الورقة”. لافتة إلى أن توصيفهم لوفد دمشق “غير صحيح، وفق ما أكد المبعوث الخاص بعد أن تحدثنا إليه، وأن التوصيف متفق عليه دولياً”.
تتفق المفرج مع العريضي في أن “النظام يتنصل من أي استحقاق يلزمه” إذ بحسب قولها “النظام جزء من تفعيل التعطيل، وفق سياسة وليد المعلم: سنغرقهم بالتفاصيل”. وهو ما لم يسمح به وفد المعارضة لأن “الوقت من دم” بحسب تعبيرها.
آمال تحقق تطلعات السوريين
على النقيض من موقف حكومة دمشق، تتمسك المعارضة السورية بمستقبل جيد، رسمه المبعوث الدولي غير بيدرسون، قد يعبّر عن تطلعات الشعب السوري بالخلاص.
وفي كلمته الافتتاحية لأعمال اللجنة، قال رئيس وفد المعارضة السورية في اللجنة الدستورية، هادي البحرة: “جئنا بحثاً عن أوجه التشابه بدلاً من الخلافات، لأننا ندرك تماماً توقعات أمة بأكملها تنتظر الخلاص من حالة معاناة لا يمكن تصورها”.
وبمعزل عن تصريحات الأسد، يرى عضو اللجنة الدستورية، فارس الخالدي، أن اللجنة “خطوة في الاتجاه الصحيح، وأنها حققت في الجلسة الأولى أكثر من المتوقع، [إذ] تم إقرار قواعد إجرائية، وتم الاتفاق على لجنة صياغة الدستور، والتحضير لإيجاد أرضية مشتركة للنقاش”.
ومع أن أعضاء اللجنة اتفقوا على “وحدة سورية، وخروج القوات الأجنبية، فإن الأمور السياسية هي أصل الخلاف، ولم يتم نقاشها، كون هناك سلالاً أخرى معنية بنقاش هذه الأمور” بحسب الخالدي، لافتاً إلى أن “اللجنة لم تدخل في الحوار الجاد، لذلك لا يمكنك الحكم حالياً على أي نقطة خلافية أو توافقية”.
العريضي بدوره، اعتبر أن استماع وفد حكومة دمشق لوفد المعارضة “في لقاء يجمعهما وجهاً لوجه، ومناقشة الرؤى تجاه العملية الدستورية والسياسية والقانونية، هي مسألة مهمة جداً، وسينقل الوفد تلك الرسائل إلى سلطته”.
ومع الآمال المعلقة باللجنة الدستورية، فإنها “مجرد محور من محاور [القرار] ٢٢٥٤، ولا تستطيع تحقيق شيء دون تطبيق كامل القرار”.
خلافات عميقة تهدد مستقبل اللجنة
مع بدء اجتماعات الجلسة الأولى، وفي يومها الأول، سعى وفد الحكومة السورية إلى طرح ملفات محاربة الإرهاب، والعقوبات الاقتصادية على دمشق، وإكمال أعمال اللجنة إلى دمشق “دون أن يكون لديه تصور بأن يكون هناك دستور جديد، وإنما مناقشة بعض الأمور الدستورية” بحسب العريضي.
وقال العريضي بأن اجتماعات اللجنة في أول يومين شهدت “سجالات رهيبة [بعد أن] طرح ملف المعتقلين، وعمليات التعذيب والاعتقال، والبراميل المتفجرة والكيماوي”. عدا عن أن وفد دمشق “يتعاملون على أساس تلقيني ونمطي في اعتراضه على ما يتم طرحه” بحسب العضو في اللجنة عن المعارضة أليس المفرج.
وإذا كانت آلية الحوار، من طرح واعتراض، بين وفود اللجنة الدستورية، تؤثر على سير عملها، فإن تطلعات حكومة دمشق إلى مخرجاتها المستقبلية، قد تبدد الآمال بالتوصل إلى حل سياسي في سوريا. إذ قال الرئيس المشارك عن وفد الحكومة السورية، أحمد الكزبري، إن مهمة اللجنة، ليست بناء دولة جديدة، فسوريا لديها دستور وبرلمان وجيش، ومؤسسات، وإنما مهمتها إصلاح الدستور القائم، مستبعداً التوصل لأي نتيجة من شأنها تغيير الوضع الراهن.
وكذلك نفى بشار الأسد، في مقابلة تلفزيونية مع “الإخبارية السورية” أن يكون للجنة الدستورية علاقة بالانتخابات الرئاسية السورية المقبلة عام 2021، معتبراً أن اللجنة لا تودي إلى الحل، وإنما “تؤمّن جزءاً من الحل”.
وأضاف “إذا كان يعتقد [المبعوث الأممي] أن القرار رقم 2254 يعطي الصلاحية لأي جهة أممية أو غيرها لتشرف على الانتخابات، فأنا أريد أن أذكّر بأن بداية القرار تتحدث عن السيادة السورية، والسيادة السورية تعبر عنها الدولة السورية فقط، ولا أحد آخر ولا جهة أخرى”. مشدداً على أن الانتخابات المقبلة ستكون “من الألف إلى الياء تحت إشراف الدولة السورية، وبسيادة الدولة السورية”.
ورغم أن جهات عدّة “قالت بأن فشل اللجنة ممنوع” بحسب العريضي، فإنه ” لن يكون هناك حل ما لم يتم العمل على المحاور والسلل الأخرى في ظل القرار الدولي 2245″ بحسب العريضي.
وشدد العريضي على “ضرورة انتهاء عمل اللجنة قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، في عام 2021”. إذ يرى بأنه لا يمكن القبول بإجراء انتخابات تحت إشراف الأسد “حتى وإن تمت فهي غير شرعية ولا قيمة لها”.
وفي ختام حديثه، قال العريضي: “يلعب النظام على مسألة الوقت، ونحن مدركون لذلك، لكن عندما نجد أن الأمر هو استراتيجية ثابتة، نعرف ماذا نتصرف في ذلك الوقت”.