6 دقائق قراءة

مشاركة نسائية محدودة في حراك سياسي ضعيف بشمال غرب سوريا

في منطقة تحتكمُ لِسلاح الفصائل، الحراك السياسي في شمال غرب سوريا خجولٌ بالمجمل، ويغيب عنه العنصر النسائي بشكل لافت.


23 يوليو 2024

إدلب“لا يوجد استقرار أمني أو معيشي يدفع المرأة للمشاركة”، بهذه الكلمات علقت رابية الحرامي، عضوة في تجمع سوريا المستقبل” بشمال غرب سوريا، على ضعف أو انعدام الحضور النسائي في التيارات والأجسام السياسية في المنطقة الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

“المرأة منغمسة في تأمين لقمة عيش عائلتها، وسط قلة فرص العمل، إضافة إلى نزوح غالبيتهنّ وقلقهنّ الدائم لتأمين المأوى”، ناهيك عن “خلفيتهنّ الإجتماعية التي نشأنَ فيها، حيث اقتصر العمل السياسي خلال حكم النظام على الحزب الواحد”، كل ذلك أسباب أدت إلى تحجيم دور المرأة وابتعادهنّ عن المجال السياسي، كما قالت الحرامي لـ”سوريا على طول”.

في منطقة تحتكمُ لِسلاح الفصائل، الحراك السياسي في شمال غرب سوريا خجولٌ بالمجمل، لكن وسط انسداد الأفق في الأزمة السورية المستمرة منذ 13 عاماً، وجمود الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، يسعى نشطاء سياسيون في شمال غرب سوريا، إلى تشكيل تيارات وحركات سياسية مستقلة عن الأجسام العسكرية (الجيش الوطني السوري، هيئة تحرير الشام)، غاب عن هذه التيارات العنصر النسائي بشكل لافت.

وفي هذا الإطار، أعلنت مجموعة من الشخصيات السورية في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، عن إطلاق جسم سياسي تحت اسم “تيار سورية الجديدة”، في آذار/ مارس من العام الحالي،  يرأسه الدكتور ياسر العيتي، وجاء الإعلان بالتزامن مع الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية.

ويُعرف التيار نفسه أنه “كيان سياسي وطني محافظ يلتزم بمبادئ العدل والحرية والكرامة التي قامت عليها الثورة السورية”، وجاء تشكيله نتيجة تعقد المشهد السوري، وتحول البلاد إلى ساحة للقوى المتصارعة، ووجود “فجوة” في التمثيل السياسي نتيجة “عدم وجود ممثلين مقنعين للشعب”، لذلك جاء الحزب ليكون “مكاناً يجتمع فيه الناس لتنظيم أفكارهم ومشاريعهم ويكونوا فاعلين سياسيين”، كما قال العيتي لـ”سوريا على طول”.

قبل ذلك بأيام، أطلق ناشطون سياسيون وأكاديميون في السويداء ودرعا جنوب سوريا، وريف حلب الشمالي في شمالي البلاد، مبادرة “وثيقة المناطق الثلاث”، أعلن عنها في وقفة أمام صرح قائد الثورة السورية الكبرى، سلطان باشا الأطرش، في بلدة القريا بريف السويداء، الثورة التي اندلعت عام 1925 ضد الاستعمار الفرنسي.

وتقوم المبادرة على خمسة مبادئ، تتمثل في: تأميم السياسة، اعتبار الحياة والحرية والأمان والكرامة “حقوق وطنية”، والتأكيد على وحدة سوريا تحت مبدأ “رفض الانطواء المحلي”، والتنسيق والحوار والعمل المشترك، إضافة إلى مبدأ “وحدتنا في كثرتنا: بناء الثقة”، الذي يتضمن “بناء رأس مال اجتماعي وطني”، و”احترام التعددية وترسيخها قناعة وعملاً”.

مشاركة نسائية محدودة

في شمال غرب سوريا، تواجه الأجسام والتيارات السياسية صعوبة في إيجاد من يتشاركون معهم رؤيتهم للدخول في النشاط السياسي العام، لا سيما بالنسبة للنساء، فهناك “تحدّ كبير” في إشراكهنّ، بحسب د. ياسر العيتي رئيس تيار سورية الجديدة.

وأضاف العيتي: “قلّما نجد سيدات لديهنّ رغبة في أن يكنّ أعضاء في حزب سياسي، لكننا بحاجة نساء في صفوف التيار من أجل التمثيل النسائي”، شريطة أن تتبنى النساء الراغبات سياسة التيار وتلتزم أدبياته، على حد قوله.

يضم المكتب التنفيذي لتيار سورية الجديدة مقعد نسائي واحد، تشغله نور الجندلي، مسؤولة الهيئة النسائية، من أصل سبعة مقاعد. ولا تضم الأمانة العامة المؤلفة من 15 عضواً أي أنثى.

انتسب للحزب 20 سيدة من أصل مئة عضو منتسب، “وهذا غير كافي”، بحسب العيتي، مشدداً على ضرورة أن تتبنى النساء المنضمات كعضوات لسياسة التيار،”لأننا تيار محافظ ولدينا أدبيات معيّنة”.

الحال ذاته في “وثيقة المناطق الثلاث”، التي انضمت لها مناطق أخرى، من قبيل إدلب، لكن “لا توجد نساء مشاركات بهذه المبادرة في إدلب، بينما لهنّ وجود في مناطق أخرى”، كما قال لـ”سوريا على طول”، ياسر الصوفي، المهجّر من سراقب في ريف إدلب، وله نشاط سياسي طويل، إذ شارك في وثيقة “إعلان دمشق” عام 2005.

تعليقاً على ذلك، قالت فيحاء الشواش، ناشطة سورية ومدافعة عن حقوق النساء أن “غياب فرص التعليم والعمل، والخوف من العنف والتعرض للتهديد والترهيب، وقلة الدعم من العائلة والمجتمع أسباب تدفع النساء السوريات إلى الابتعاد عن هذا المجال”، ناهيك عن تأثير “تدهور الوضع الأمني والنزوح وفقدان الموارد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المجتمعية ترسخ فكرة عدم قدرة المرأة على الخوض في المجال السيسي”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.

ومع تأكيدها على أهمية مشاركة المرأة في الحراك السياسي، إلا أن هذه المشاركة يجب أن تكون مبنية على أسس صحيحة وتسعى إلى تمثيل المرأة تمثيلاً حقيقياً وليس شكلياً، بحسب الشواش، لافتة إلى أن أشخاصاً أضافوها إلى مجموعات أحزاب على وسائل التواصل الاجتماعي “دون التأكد مني إن كنت أؤيد فكرة الحزب وتوجهه، أو إذا كنت متاحة”.

وحذرت الشواش، التي تقيم في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، من أن “إقحام الأشخاص من دون التبني الحقيقي للفكرة يجعل الحزب هشاً”.

“الخوف من التشهير والاعتقال، وعدم رضا الرجال على مشاركة النساء”،  جعل رهف عرب، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، تبتعد عن أي حراك سياسي، كما قالت لـ”سوريا على طول”، مشيرة إلى أن “العادات والتقاليد والفهم الخاطئ للدين، إضافة إلى انعدام وجود دور للنساء خلال فترة حكم النظام أدى إلى تحجيم دور النساء وابتعادهنّ عن هذا الميدان”.

على خلاف رهف، عبّرت رابية الحرامي، وهي عضوة مؤسسة في “تجمع سوريا المستقبل”، عن إصرارها على المشاركة في الحراك السياسي باعتباره “ضرورة، ويجب أن يكون تمثيل المجتمع من كلا الجنسين”.

وعبّرت الحرامي عن رفضها أن يقتصر وجود المرأة في التشكيلات السياسية ضمن “مكتب المرأة”، قائلة: “لا أرغب أن يقتصر وجودي على هذا المكتب، أرغب بمكتب التخطيط والمشاريع، لأن لديّ ما أعطيه أكثر من أن أكون بمكتب المرأة”.

“علينا أن نرفض النمطية لوجودنا ودورنا، وأن نكون بأنفسنا في المكان المناسب لقدراتنا وخبراتنا العملية”، بحسب الحرامي.

تحديات تواجه الحراك السياسي

من المقرر أن يحضر ياسر الصوفي لقاءً وطنياً في مبادرة “وثيقة المناطق الثلاث”، لم يفصح عن موعد انعقاده، واللقاء أشبه بـ”برلمان مصغر للتوافق على مبادئ رئيسية لرؤية سوريا المستقبل، وسيضم أشخاصاً من كافة الأراضي السورية”، بحسب الصوفي.

تهدف “وثيقة المناطق الثلاث” إلى تحقيق “الديمقراطية والعدالة الاجتماعية”، بحسب الصوفي، مشيراً إلى أن أحداث إدلب الأخيرة “تتطلب وجود تيار مدني يكون صمام أمام للمنطقة”. شهدت المحافظة حراكاً ضد هيئة تحرير الشام خلال الأشهر الماضية.

فسّر صوفي انطلاق التشكيلات السياسية في السنوات الأخيرة، بما فيها “وثيقة المناطق الثلاثة”، لـ”وجود بوادر اقتناع باستحالة الحل العسكري للأزمة السورية، وأهمية تطبيق قرار مجلس الأمن 2254″، مستشهداً بالشعارات المطالبة بالحل السياسي، التي رفعت في عدة مناطق، بما فيها احتجاجات السويداء المستمرة منذ 20 آب/ أغسطس 2023.

يؤكد قرار مجلس الأمن 2254، الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2015، على أنه “ما من حل دائم للأزمة الراهنة في سورية إلا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري”. تطبيق القرار “يتطلب أجساماً سياسية داخلية تمثل الواقع بشكل جيد”، بحسب الصوفي.

خلال السنوات الماضية، لم تشهد شمال غرب سوريا “حراكاً سياسياً حقيقياً”، بسبب “سيطرة الفصائل العسكرية على جميع مفاصل الإدارة”، كما قال الصوفي.

ومن التحديات التي تواجه الكيانات السياسية الجديدة “عدم تقبل الناس”، بحسب العيتي، لا سيما أن هناك تجارب سياسية كثيرة “لم يكتب لها النجاح، ولم تلاق توقعات الناس، الذين باتوا في حالة إحباط”.

ويكمن العائق الأكبر في إقناع الشباب بالعودة وتفعيل دورهم لمتابعة الثورة بأدوار جديدة، لا سيما الشباب الذين شاركوا في الثورة، هؤلاء “إما تنحوا جانباً أو وصلوا لحالة اليأس”، بحسب العيتي.

كذلك، من التحديات التي لا يمكن إغفالها، “وجود حكومتين محليتين وفصائل عسكرية مختلفة [في مرجعيتها وأيديولوجيتها، ونظام دولي غير حاسم، وقرارات أممية باردة لا يتعدى وجودها الورق، وائتلاف مشكل وفق إرادة دول خارجية لا تمثيل شرعي له”، بحسب رابية الحرامي، ناهيك عن “الفصائل التي تعمل بإرادة منفردة، ولديها فكرة إنهاء الآخر، ومرتهنة بأجندات خارجية”. 

وأشارت الحرامي إلى أن “حكومات الأمر الواقع لا تعترف بالأحزاب في شمال غرب سوريا”، وبالتالي “لا يمكنها ممارسة نشاطها، سواء عقد اجتماعات دورية أو مناقشة أعمالها أو إجراء انتخابات داخلية”، لذلك في كثير من الأحيان ينحصر الحراك السياسي “عبر غرف الواتساب”، أو اضطر البعض إلى نقل تواجده لمناطق أخرى “لأن السياسة في شمال غرب سوريا مقيدة وشبه محصورة بجهات معينة”.

أهداف سياسية

تتأثر مناطق المعارضة في شمال غرب سوريا بالسياسات التركية، التي ترمي في الآونة الأخيرة إلى التقارب مع النظام السوري، ناهيك عن تواجدها العسكري، ودورها في صنع القرار ببعض مناطق شمال غرب سوريا الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني المدعوم منها.

وعليه، فإن من مهمة التشكيلات السياسية الجديدة “ضبط العلاقة” مع الطرف التركي، بحيث تكون واضحة “تحفظ كرامة السوريين ومصالحهم وتحفظ القرار الوطني”، إضافة إلى دورها في “مواجهة الاستبداد الذي يتعرض له الناس في إدلب”، بحسب العيتي.

وكذلك، يتعين عليها “تفسير قرار 2254 وفق المسار الدولي عن طريق هيئة حكم انتقالي توفر بيئة آمنة ووضع دستور جديد”، وفقاً للعيتي.

من جانبه، رأى الصوفي أن من مهام الأجسام السياسية الجديدة، “التنسيق بين الأحزاب والمجالس المحلية ومراقبة انتخاب أعضاء المجالس المحلية، بحيث يكون هناك تمثيل حقيقي للناس”؟

وانتقد الصوفي، المجالس المحلية الحالية في شمال غرب سوريا، باعتبارها “شكلية وليست ذات تأثير”، معتبراً أن تأثيرها خدمي وليس سياسي، لذلك “نتمنى كنشطاء سياسيين أن يكون هناك مجالس محلية فعّالة،  لذلك يتمثل جزء من مطالبنا في انتخاب مجالس مستقلة”.

“إذا لم يكن للنّاس أثر وصوت قادر على الوصول واتخاذ القرار سيظل الشّعب مهمّش وستدخل البلد بثورات وصراعات”، بحسب العيتي. 

 

* في 25/07/2024، تم حذف شهادة أحد المصادر بناء على رغبته

شارك هذا المقال