مصافحة تثير الغضب: هل يفلت قاضي محكمة الإرهاب عمار بلال من المساءلة؟
ينتمي عمار غسان بلال، القاضي في محكمة الإرهاب، إلى أسرة عسكرية، فهو ابن اللواء غسان بلال، مدير أمن الفرقة الرابعة، وحفيد العميد علي بلال. ويتهم بلعب دور محوري في إصدار تهم أدت إلى إعدام المئات من المعتقلين خلال فترة عمله في محكمة الإرهاب
11 أبريل 2025
باريس- أشعلت صورة تظهر وزير العدل في الحكومة السورية الدكتور مظهر الويس وهو يصافح رئيس النيابة العامة بمحكمة الإرهاب في زمن نظام الأسد، القاضي عمار بلال، أثناء اجتماع الوزير مع موظفي وزارته، مواقع التواصل الاجتماعي.
وتزامن نشر الصورة عبر معرفات وزارة العدل الرسمية، في الثامن من نيسان/ أبريل الحالي، مع تداول شائعات تفيد بتولي بلال منصباً جديداً في وزارة العدل التابعة للحكومة السورية الجديدة.
تسببت الصورة بموجة غضب واسعة في أوساط السوريين، لا سيما ذوي الضحايا والناجين من محكمة الإرهاب، كون بلال أحد وجوه الجهاز القضائي للنظام البائد، الذي استخدمه الأسد لتجريم مناهضيه خلال السنوات الماضية.
ويتهم بلال بلعب دور محوري في إصدار تهم أدت إلى إعدام المئات من المعتقلين خلال فترة عمله في محكمة الإرهاب.
رداً على ذلك، أوضحت وزارة العدل أن المصافحة جاءت ضمن تهنئة بروتوكولية عامة بمناسبة عيد الفطر، دون معرفة مسبقة بشخص القاضي أو خلفيته المهنية، نافية التساهل أو التسامح مع المتورطين في انتهاكات خلال فترة النظام البائد.
من هو عمار بلال؟
عمار غسان بلال، ينتمي إلى أسرة عسكرية، فهو ابن اللواء غسان بلال، مدير أمن الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار ويده اليمنى، وحفيد العميد علي بلال، الضابط السابق في قوات النظام.
ورغم بدايته المتعثرة كمحامٍ، سرعان ما وجد بلال طريقه نحو المناصب القضائية، إذ عين في وقت سابق (غير معروف) بوظيفة إدارية في فرع المعلوماتية التابع للمخابرات السورية. ومع تشكيل محكمة الإرهاب، عام 2012، أصبح بلال رئيساً للنيابة العامة بمحكمة الإرهاب، بموجب مرسوم رئاسي من بشار الأسد، بناء على توصية من وزير العدل السابق، كما قال الناشط الحقوقي، محمد العبدالله، في منشور عبر صفحته الشخصية في “فيسبوك”.
وإلى جانب عمله في محكمة الإرهاب، أسند إلى بلال مناصب أخرى خلال السنوات الأخيرة، وهي: رئيس مكتب الخبرات القضائية، وعضو إدارة التشريع في وزارة العدل.
ووفقاً لما رصدته “سوريا على طول”، اشتهر بلال منذ عام 2013 بكثرة مداخلاته التلفزيونية والصحفية على وسائل الإعلام الموالية، التي انبرى فيها للدفاع عن نظام الأسد. إضافة إلى نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي تحت اسم “الفينيق الأحمر”.
دوره في محكمة الإرهاب!
تعتبر محكمة الإرهاب، إحدى الكيانات الاستثنائية التي ولدت خارج الضمانات الدستورية، وتتبع مباشرة للأجهزة الأمنية السورية، وترتكز في عملها على التقارير الأمنية وتعليمات المخابرات السورية بعيداً عن الإجراءات القانونية والقضائية.
وبصفته رئيساً للنيابة العامة فيها، لعب بلال دوراً محورياً في إصدار آلاف مذكرات التوقيف، التي طالت معارضين ونشطاء وصحفيين وأطباء ومدنيين، في محاكمات افتقرت لأدنى معايير العدالة.
وفي هذا السياق، قال الخبير القانوني والباحث في العلاقات الدولية، المعتصم الكيلاني، أن بلال “لم يكن يشغل وظيفة قضائية اعتيادية، بل تولى موقعاً تنفيذياً لسياسة القمع السياسي”، وهو بذلك “شريك في إصدار أحكام جائرة، منها أحكام بالإعدام”.
وفي أيار/ مايو 2014، نقلت صحيفة الوطن عن مصادر قضائية لم تسمها، أن عدد الدعاوى في محكمة الإرهاب وصلت إلى ما يقارب 30 ألف دعوى، منها 300 دعوى ضد أشخاص من جنسيات عربية متهمة بارتكاب أعمال إرهابية. مضيفة أن المحكمة أصدرت -حتى ذاك التاريخ- ما يقارب 20 حكماً بالإعدام بحق أشخاص ارتكبوا جرائم القتل والتخريب بحق المواطنين. في المقابل، أصدرت المحكمة “ما يقارب 1500 إخلاء سبيل منذ بداية عام 2014″، كما قال بلال لـ”الوطن”.
في التقرير ذاته، قال القاضي بلال بصفته رئيس النيابة العامة في محكمة الإرهاب، أن قانون الإرهاب الذي أصدره بشار الأسد في تموز/ يوليو 2012، “سمح للنيابة العامة أن تدعي على أي شخص إذا رأت أن هناك ترابطاً بينه وبين جرم إرهابي”، لافتاً إلى أن “النيابة العامة تلعب دور الادعاء الشخصي باعتبارها حامية المجتمع من الجريمة”.
وقال الكيلاني في حديثه لـ”سوريا على طول”، أن “القضاة الذين عملوا في محكمة قضايا الإرهاب في سوريا يُعتبرون مسؤولين عن الانتهاكات التي حدثت خلال فترة عملهم”، نظراً لدورهم في “إصدار أحكام استندت إلى اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، وافتقار المحاكمات لمعايير العدالة والنزاهة”، مؤكداً أن “هذه المحكمة استخدمت كأداة لقمع المعارضين السياسيين، وأصدرت أحكاماً جائرة بحقهم، والتي تعتبر انتهاكات للحق في المحاكمات العادلة”.
ومع انتشار صورة بلال إلى جانب وزير العدل، نشر العديد من ضحايا بلال قصصهم وتجارب اعتقالهم وتوقيفهم بأمر من بلال، منهم المحامي السوري عارف الشعال، الذي كتب على صفحته الشخصية عبر فيسبوك: “كنت شخصياً أحد ضحاياه في أواخر عام عام 2014، بعدما أُحلت للمحكمة من فرع مخابرات المنطقة، حيث وجه لي بدون أي دليل تهمة الترويج لأعمال إرهابية”.
وأضاف الشعال في منشوره: “أصدر مذكرة توقيف، طالباً إنزال أقصى العقوبات بي، ومنعني من السفر، وألقى الحجز على أموالي المنقولة وغير المنقولة”.
لا بديل عن المحاسبة
ورغم إعلان الإدارة الجديدة حل محكمة الإرهاب في إطار عملية “الإصلاح القضائي”، فإن ظهور شخصيات مثل عمار بلال في المشهد العام يضع علامات استفهام حول جدية هذه الإصلاحات، ومدى قدرتها على تحقيق العدالة الانتقالية.
وقال الكيلاني: “مكان عمار بلال الطبيعي ليس في صفوف القضاة، بل أمام قضاء مستقل ونزيه يضمن محاسبته عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها”، مضيفاً: “إعادة دمج قضاة تورطوا في انتهاكات جسيمة في المؤسسة القضائية يثير تساؤلات حول التزام النظام القضائي [الحالي] بمبادئ العدالة والمساءلة”.
“قد يُفسَّر استقبال الوزير لبلال على أنه تبرئة ضمنية وتجاهل لدوره السابق في محكمة قضايا الإرهاب”، قال الكيلاني، مشيراً إلى أن “هذا التصرف يبعث برسائل سلبية تتعلق بعدم جدية السلطات في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات”، ما يقوض ثقة المواطنين في النظام القضائي و”يعيق جهود تحقيق العدالة الانتقالية”، وهو ما يتنافى مع “مبدأ المحاسبة والمساءلة الذي يؤدي إلى جبر ضرر الضحايا وذوي الضحايا ويعيق عملية بناء السلام في سوريا”.
لذا، يتعين على حكومة دمشق اتباع “الآليات القانونية لمحاسبة القضاة المتورطين، بما في ذلك التحقيقات القضائية المستقلة، وتشكيل لجان تقصي حقائق، وتفعيل دور النيابة العامة لملاحقة المتورطين”، بحسب الكيلاني.
يذكر أن وزارة العدل السورية أحالت 87 قاضياً من محكمة قضايا الإرهاب إلى التحقيق، في شباط/ فبراير 2025، كجزء من مسار تحقيق العدالة الانتقالية. ومع ذلك، “تبقى فعالية هذه الإجراءات مرهونة بمدى استقلالية القضاء وإرادته في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات”، وفقاً للكيلاني.
وشدد الكيلاني على ضرورة “إجراء إصلاحات جذرية في النظام القضائي، تشمل تعزيز استقلاليته، وتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة، وإلغاء المحاكم الاستثنائية التي أشار إليها الإعلان الدستوري المؤقت”، حتى لا تتكرر تجربة النظام البائد.
وأضاف: “إن استمرار وجود الأشخاص الذين تورطوا في انتهاكات سابقة في مناصبهم يقوض مفهوم العدالة الانتقالية، ويعيق تحقيق المصالحة الوطنية، ويؤثر سلباً على ثقة المجتمع في المؤسسات القضائية”، لافتاً إلى أن تحقيق العدالة الانتقالية “يتطلب التزاماً حقيقياً بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وإصلاح النظام القضائي، وضمان عدم تكرار التجارب السابقة من خلال تعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان”.