مع استهداف المشافي في إدلب: افتتاح مشفى للتوليد بعيدا عن الضجة الإعلامية
في مكان ما في ريف إدلب الخاضع لسيطرة الثوار، يقبع […]
16 أغسطس 2016
في مكان ما في ريف إدلب الخاضع لسيطرة الثوار، يقبع مشفى للتوليد على مرأى من الجميع، في بناء مهجور، في البيئة الحضرية المتواضعة، ما بين المباني السكنية والأسواق المنتشرة على طول الشارع.
مشفى بنفسج للأمومة، الذي افتتح الشهر الماضي، يعالج الأمهات الحوامل والأطفال، وهو المشفى الوحيد من نوعه، ضمن منطقة تمتد لعشرات الكيلومترات.
وكان من المتعمد الابتعاد عن الضجة الإعلامية عند افتتاح مشفى بنفسج، ذلك لأن كل من السكان المحليين وإدارة المشفى متخوفون من أن يتم استهدافه من قبل الغارات الجوية، كحال بقية المشافي في جميع أنحاء سوريا.
وقال نور عوض، مسؤول التواصل والتنسيق في المكتب الإعلامي لمنظمة بنفسج، لسوريا على طول، “النظام لديه إجرام متعمد في القصف على المناطق المحررة”، وتبعا لهذه الظروف، لم يتم الإفصاح عن موقع المشفى.
وأضاف “يعمل النظام وروسيا على تدمير بناها التحتية ومنشآتها الحيوية من مشاف ومدارس ومؤسسات ومكاتب ومنظمات”.
وخلال شهر أيار، العام الجاري، نفذ النظام السوري وحلفائه 336 هجمة على 265 منشأة طبية، في مختلف أنحاء سوريا، وفقا لتقرير صادر عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان. وكان لمحافظة إدلب النصيب الأكبر من الأضرار.
ومنذ حزيران “تم استهداف سبعة من أصل عشر مشاف كبرى في إدلب”، حسب ماقاله سليم الخضر، عضو مجلس محافظة مدينة إدلب، لسوريا على طول، يوم الاثنين.
مشفى بنفسج للأمومة من الداخل. تصوير: نور عوض.
وقال عوض “ليس هناك إجراءات حماية لنعتمدها، ولا يوجد أي تحصين”.
إلى ذلك، بدأت قوات النظام وحليفتها الروسية حملة جوية مكثفة على إدلب في حزيران، حيث دمرت أهدافا غير عسكرية، بما في ذلك المدارس والمساجد ومراكز الدفاع المدني، مما دفع بعشرات الآلاف من المدنيين إلى الفرار.
وقد شكلت البنية التحتية، وعلى وجه الخصوص المنشآت الطبية، هدفا للطائرات الحربية في إدلب، كما هو الحال في محافظة حلب، حيث دمرت غرف الطوارئ والعيادات الميدانية.
وأسفرت غارة جوية، على مشفى توليد، تدعمه منتظمة إنقاذ الطفل، في شمال غرب ريف إدلب، إلى مقتل مدنيين اثنين، وقطع ساق امرأة حامل في شهرها السادس، وفقا لما جاء في بيان صادر عن المنظمة غير الحكومية، ومقرها لندن، عقب الهجوم.
ويقول السكان إن المشافي أصبحت تمثل هدفا للقصف والتفجير، في محافظة تعاني من فقدان الرعاية الطبية.
وقال أبو عمر الشمالي، أحد العاملين في المراكز الطبية في ريف إدلب، ” بالرغم من الإقبال الكبير على المشفى والإعجاب بخدماته إلا أن بعض الأهالي متخوفون من وجود هذه المشافي وإقامتها في المناطق السكنية في إدلب وريفها”.
وأضاف “وذلك لاستهدافها الممنهج من قبل الطيران الروسي والسوري، وكان لسان حال بعض الأهالي المطالبة بإقامة المراكز الطبية والمشافي في مناطق آمنة، على الحدود التركية، كون أعداد النازحين كبيرة هناك، خاصة بعد إغلاق معبر باب الهوى من الطرف التركي”.
وبعد شهرين من القصف المتواصل، تغيرت إدلب، ليس فقط من حيث بنيتها التحتية أو المشهد الديموغرافي، إنما أيضا من الناحية النفسية.
مشفى التوليد الذي تدعمه منظمة إنقاذ الطفل في إدلب، تعرض للقصف الشهر الماضي. تصوير: منظمة إنقاذ الطفل.
وبات الأمر يتعدى حاجة الناس للرعاية الطبية، فقبل افتتاح مشفى بنفسج، كانت النساء تسافر عشرات الكيلومترات، عبر مناطق خطرة، لتلقي الرعاية الطبية المكلفة، وغير الكافية في كثير من الأحيان.
وقال الشمالي “يوجد إقبال كبير على أي مركز طبي يفتتح في هذه المناطق، في ظل خروج العديد من المشافي عن الخدمة، بسبب القصف ونقص الأطباء والأجهزة الطبية”، مضيفا أنه “لا يوجد في مدينة إدلب مشافي متخصصة، معظمها خرج عن الخدمة نتيجة القصف الهمجي الذي تعرضت له المدينة”، حيث أصبحت الآن مدينة أشباح، بعدما كانت تشكل موطنا لـ350 ألف شخص.
“لا شيء يضمن سلامتك”
منظمة بنفسج للمساعدة والتنمية، منظمة غير ربحية، مقرها تركيا، مولت مشفى التوليد، والتي تخدم حوالي 90 الف من سكان إدلب والنازحين السوريين.
وقال نور عوض “قمنا بدراسة الوضع في إدلب، وأدركنا حاجة المرأة والأطفال الملحة للخدمات الطبية، وسعينا لتقديم المساعدة”.
ووضعت إدارة المشفى أمام عينها تقديم المساعدة لنساء مثل أم أحمد عند تصميم المنشأة.
وقبل أسابيع فقط من افتتاح المشفى، كانت أم أحمد تطوف ريف إدلب، جائعة، نازحة وحامل في شهرها الثامن، ومعها طفليها.
وقالت أم أحمد، لسوريا على طول، “كانت القنابل تسقط فوق رؤوسنا بشكل يومي، وطوال الوقت كنت أحمل روحا أخرى في داخلي”.
ولم تكن أم أحمد تهرب فقط من القنابل، إنما كانت تحاول العثور على الرعاية الطبية الكافية.
واضافت “عانيت خلال فترة حملي بجنيني من وضع سيء جدا ونفسية مدمرة، بسبب القصف اليومي والمستمر علينا، فكنا يوميا نتنقل من مكان لآخر، في منطقتنا نفسها”.
وعندما كانت السماء تخلو من الطائرات الحربية، كانت أم أحمد تحاول التحرك، رغم حرارة الصيف، للوصول إلى أقرب مشفى للولادة، والذي يبعد 30 كم، عبر شبكة معقدة من السيارات والحافلات. ومع ذلك، كانت هذه الرحلة تكلف 20 ألف ليرة على الأقل، في البيئة التي مزقتها الحرب (حوالي 92،98 $)، وهو ما يفوق طاقة الأهالي.
ولو أنها أنجبت في هذا المشفى البعيد، لبلغت التكلفة 50 ألف ليرة أخرى (حوالي 232.45 $)، وهو بالنسبة للكثيرين مبلغ كبير.
ووصفت أم أحمد وضعها قائلة “كنت منهكة تماما، وكان ذلك يفوق طاقتي على التحمل”.
وبعد أيام، افتتح مشفى بنفسج للأمومة، قبل موعد ولادة طفلها الثالث، مما أتاح لها تلقي الرعاية والاهتمام من العاملين في المشفى الذي يبعد دقائق عن بيتها.
وأضافت “أنجبت طفلي في مشفى بنفسج ووجدت من الرعاية والاهتمام ما لم أجده في ولاداتي السابقة بالمشافي الخاصة الأخرى. بعد أن أنشئ هذا المشفى سهل أمورا كثيرة علينا، من عناء السفر وتكاليف المواصلات والولادة، كونه في منطقتنا ويقدم خدماته مجانا، من رعاية جيدة للأم والطفل خلال الولادة وبعدها”.
ويدير المشفى كادر طبي مكون من 25 شخصًا، وعشرة إداريين، ويضم 6 أطباء أخصائيين 3 طبيبات نسائية وطبيبي أطفال وطبيب تخدير، بالإضافة إلى الكادر الملحق من قابلات وممرضات نسائيات وممرضات حواضن ويشمل أقسام: الإسعاف، جراحة نسائية، ولادة طبيعية، قيصرية، أطفال، حواضن، عناية مشددة، إضاف لقسم العيادات الخارجية الذي يستقبل الأطفال والنساء.
ويستقبل المشفى ما بين 50 و60 مريضا يوميا، بما في ذلك حالتي ولادة، مع توفير خدمات طبية مجانية.
وقال أحمد، أحد ساكني مدينة أريحا “يعتبر المشفى إنجازا رائعا على الصعيد الطبي، لكن في نفس الوقت هناك تخوفات من تعرضه للقصف”.
وقال عوض “ما يهمنا هو تقديم مستلزمات واحتياجات الناس في الوقت الحالي بغض النظر عن أي ظروف فالقصف يومي والحياة ستستمر”، مضيفا “لا يوجد تحصين، والاعتماد على الله”.
ترجمة: سما محمد