6 دقائق قراءة

مع سعادتهم بسقوط الأسد: أكراد يعبرون عن تخوفهم من المستقبل

خرج جموع السوريين في معظم المحافظات السورية إلى الساحات العامة، أمس الجمعة، ابتهاجاً بسقوط نظام الأسد، وعمّت الأفراح مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بما في ذلك الأكراد، الذين لم يخفوا في الوقت ذاته تخوفهم من مستقبل غامض ينتظرهم


بقلم سلام علي

14 ديسمبر 2024

خرج جموع السوريين في معظم المحافظات السورية إلى الساحات العامة، أمس الجمعة، ابتهاجاً بسقوط نظام الأسد، وعمّت الأفراح مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بما في ذلك الأكراد، الذين لم يخفوا في الوقت ذاته تخوفهم من مستقبل غامض ينتظرهم.

بعد ثلاثة أيام من بدء عملية “ردع العدوان”، التي أطلقتها هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى، أطلقت فصائل الجيش الوطني (المعارض)، المدعوم من تركيا، في الأول من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، عملية عسكرية داعمة للعملية الأولى، لكنها تستهدف بشكل خاص مناطق نفوذ “قسد”، سيطرت خلالها على العديد من المناطق، بما في ذلك مدينة منبج في ريف حلب الشرقي.

يتخوف الأكراد بشكل خاص من انتهاكات الجيش الوطني (المعارض) بحقهم، كما حدث في عفرين بعد سيطرته عليها عام 2018، في عملية “غصن الزيتون” العسكرية المدعومة من تركيا، إذ تنوعت الانتهاكات بين الاعتقال وسلب الممتلكات الخاصة والاعتداء على الأراضي الزراعية، مستخدماً تهماً جاهزة، من قبيل انتمائهم لحزب الاتحاد الديمقراطي.

وزاد من مخاوف سكان المنطقة، بما في ذلك الأكراد، عدم توصل الإدارة الذاتية الجناح المدني لـ”قسد”، حتى أمس الجمعة، إلى اتفاق مع حكومة دمشق الانتقالية، التي كلفها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، قائد هيئة تحرير الشام.

ما هو مستقبل المنطقة، وهل يحمل آفاقاً إيجابية مفعمة بالتغيرات السياسية، التي تصون حق جميع مكونات الشعب السوري، لا سيما سكان شمال شرق سوريا، التي تشهد تنوعاً عرقياً وطائفياُ؟  

أجرت “سوريا على طول” عدة مقابلات مع سكان شمال شرق سوريا، لمعرفة آرائهم من التغير المفاجئ في سوريا، والتعبير عن آمالهم وتخوّفاتهم.

سلوى علي (اسم مستعار)، 42 عاماً، معلمة كردية في إحدى مدارس الإدارة الذاتية بمدينة القامشلي 

لا يمكن وصف فرحتي بسقوط النظام المستبد، الذي فرقني عن عائلتي وإخوتي، وفرّق بين الناس جميعاً، وسلبنا الأمان والطمأنينة والعيش بكرامة. عندما علمت بسقوط النظام، اتصلت عبر مكالمة فيديو أهنئ شقيقي المقيم في تركيا، وقلت له: هرب الذي فرقنا طوال تلك السنوات.

لكن، فرحتي تبقى ناقصة بسبب الخوف من المستقبل، ومن الذين سيحكمون سوريا. حديث الناس في الشارع وفي المنازل، من رجال ونساء وأطفال، بات كله عن السياسة والأوضاع، والجميع متوتر ويتساءل: ماذا عن منطقتنا؟. لا نعلم إن كان علينا أن نفرح وننام وقلوبنا مطمئنة أم نقلق من المستقبل.

أخشى أن يحمل من يحكم سوريا في المستقبل عقلية إجرامية تفوق ما كان عليه حكم الأسد، لأننا تعبنا من القتل والدم والإجرام بحق الناس. وأيضاً، أخشى أن تكون الفصائل موالية لتنظيم “داعش”، وجميعنا نعرف الجرائم التي ارتكبها التنظيم باسم الدين.

لن أبقى هنا إذا سيطرت فصائل المعارضة على منطقتنا، خشية وقوع انتهاكات، إضافة إلى أن هناك دلائل تشير إلى أن عناصر داعش من ضمنهم، وقد انتشرت فيديوهات وصور لعناصر من الفصائل يرفعون علم داعش. 

[نشرت حسابات على منصة X  (تويتر سابقاً) فيديوهات زعمت أنها لعناصر من داعش خلال المعارك الأخيرة التي انتهت بسقوط الأسد، وانتشرت ضمن الحملة الإعلامية ضد المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام، كما انتشر فيديو للعشرات من أعضاء حزب التحرير الإسلامي في سوق الحميدية بدمشق يرفعون راية سوداء تشبه راية تنظيم داعش]. 

لا أنكر أن خوفي الأكبر يأتي من كوني موظفة في الإدارة الذاتية، ووصلتني أخبار بأن العاملين والعاملات في مؤسسات الإدارة الذاتية تعرضوا للمحاسبة.

أنا لست نادمة على عملي، بل أفتخر أنني درست في جامعة روج آفا التابعة للإدارة الذاتية وأصبحت معلمة، ولكن في الوقت نفسه أنا خائفة من أن تطالني انتهاكات الفصائل.

في مناطق الإدارة الذاتية، كان الوضع أكثر أماناً مقارنة ببقية المناطق السورية، صحيح أن هناك غلاء في المعيشة، لكننا نعيش في أمان.

منذ سقوط النظام وتهديد تركيا والفصائل باجتياح منطقتنا، أصبحت أنام بقلق، أحياناً أرى في الحلم أن سماء منطقتنا مليئة بالطائرات الحربية وهي تلاحقني وتضربني، بت أرتعب من صوت الرصاص والطائرات.

أتمنى أن يكون الحكم القادم ديمقراطياً، بعيداً عن التعصب الديني، نحن الآن في عصر الانفتاح والتطور، ولا أرغب أن نعود إلى عصر الجاهلية والتفسيرات القديمة الخاطئة للدين والآيات والأحاديث التي قد تُطبق علينا من جديد، خاصة فئة النساء. أتمنى مستقبلاً مشرقاً لأولادي وأن لا يعيشوا مأساة أخرى وأن نبقى تحت راية قسد.

كمال محمد (اسم مستعار)، 25 عاماً، كردي مقيم في مدينة المالكية (ديريك)، صاحب محل لبيع المواد الغذائية.

أنا كشخص كردي، احتفلت بسقوط النظام وفرحت لأجل ذلك كثيراً، لأنه لا توجد أي قومية أو أقلية أو أي طرف آخر سلم من نظام الأسد، حيث السلطة كانت محصورة فقط بعائلة الأسد وأقربائه، وسقوطه يعني انتهاء حقبة من الظلم والمعاناة وبداية صفحة جديدة في تاريخ سوريا، أتمنى أن تكون كما نريد أو كما يجب أن تكون.

شخصياً، لا مشكلة لدي في حال سيطرت المعارضة على منطقتنا، لأن الأهم هو سقوط نظام الأسد المعروف بظلمه، لكني أخشى أن تبقى الفصائل على عقليتها القديمة، ولا تواكب التطور الذي يحدث في كل أنحاء العالم، وأن تنحصر السلطة تحت سقف الدين، وتقع في نفس أخطاء النظام السابق بتسليم أمورها للدول الخارجية.

لاحظت في الأسبوعين الأخيرين تباين آراء الناس من حولي، هناك من كان خائفاً وقلقاً على وضع المنطقة ويترقبون مصيرها، أما أنا لم أفكر بمستقبل المنطقة بقدر ما فكرت بنزوح سكان الشهباء وعفرين إلى مناطق الجزيرة، لا سيما نازحي عفرين الذين عاشوا تجربة التهجير للمرة الثانية، لذا عشت حالة اكتئاب.

أنا متفائل بشأن مستقبل منطقتنا وسوريا عموماً، أعتقد سيكون هناك اعتراف بالأقليات وبكل المكونات الموجودة، والأهم أننا كفئة الشباب تحررنا من الخوف ومن التجنيد الإجباري.

رفع علم الثورة في مناطق الإدارة الذاتية كان ضرورياً، لأن منطقتنا كانت وما زالت جزء من الجغرافية السورية، وإدارة العمليات العسكرية ذكرت عدة مرات الوجود الكردي في سوريا، لذلك رفع العلم خطوة ضرورية وسياسية بحتة. [أعلنت الإدارة الذاتية اعتماد علم الثورة السورية، في 12 كانون الأول/ ديسمبر، تأكيداً على أن مناطقها جزء لا يتجزأ من جغرافية سوريا].

نحن أكراد سوريا جزء من هذا البلد، ولا يمكن أن تتأسس دولة سورية من دون الوجود الكردي والقوات الكردية.

عبد المجيد عمر (اسم مستعار)، 40 عاماً، كردي نازح من مدينة رأس العين (سري كانيه) ويقيم في مدينة القامشلي.

لديّ مخاوف من سيطرة المعارضة على منطقتنا، وتحديداً الفصائل ذات التوجه الإسلامي [في إشارة إلى الجيش الوطني المدعوم من أنقرة]، لأنها ارتكبت خلال الفترة الماضية انتهاكات فظيعة بحق الكرد. قد يكون الأمر مختلفاً بالنسبة لهيئة تحرير الشام [التي أعطت ضمانات للأكراد]، لكن لا يمكن العيش في المنطقة من دون تنفيذ هذه الضمانات.

أملي مثل الكثيرين من الشعب السوري أن تكون نهاية النظام هي بداية لمرحلة جميلة، وألا يتحول الصراع مع النظام السابق إلى حرب أهلية. [من الضروري] أن يجلس الأطراف سريعاً وتبدأ بداية صحيحة للانتقال من مرحلة النظام إلى مرحلة جديدة بخطوات تدعو للطمأنينة.

مرت الأيام الأخيرة بسرعة، وكانت مليئة بالأحداث والمفاجآت، وخاصة سقوط النظام، لكن كانت كارثية على أكثر من مئة ألف كردي في مناطق الشهباء، [ناهيك عن أن] المعارك بين قوات سوريا الديمقراطية وفصائل الجيش الوطني جعلت الاحتفال بسقوط النظام ناقصاً.

نحن شهود على نظام معقد قائم على القمع والاستبداد وقمع الآخر، فإلى جانب معاناتنا مثل بقية السوريين، تعرض الكرد لسياسات تمييز ضدهم، عشناها يومياً، وهذا تسبب بظلم مضاعف علينا ككرد في سوريا.

إضافة إلى أننا كنا خلال سنوات الحرب الأخيرة ضحايا عقلية كان النظام سبباً في وجودها، لكن مع سقوطه تبدل الحال ونحن في سوريا أمام مفترق طرق، إما سنتمكن من بناء بلدنا من جديد بالتوافق وإحقاق حقوق الجميع ورفع الغبن عنهم أو نسقط في فخ التناحر والحرب الأهلية.

يحاول الناس التمسك بأمل العيش في بلد جديد دون خوف من الآخر، لكن هناك مواضيع جوهرية مثل إمكانية استمرار هجوم الفصائل المدعومة من تركيا، وعودة [النازحين] إلى ديارهم التي هُجّروا منها بكرامة مع وجود ضمانات جدية.

أتمنى أن لا نعيش تجربة نزوح جديدة، وأن يتمكن أطفالي من الدراسة بسلام ودون أي عوائق. 

علي أحمد، 35 عاماً، عربي من مدينة الحسكة، يعمل في مجال الزراعة

أنا سعيد جداً بتحرّر سوريا بعد أن فقدنا الأمل في سقوط نظام الأسد. الناس عاشت سنوات من الظلم وفقدوا الكثير من أولادهم في السجون والمعتقلات.

الحمد لله أننا عشنا هذا اليوم، الثورة السورية كانت ثورة دم، خلال 13 عاماً استشهد الكثير من الناس إلى أن سقط هذا النظام الديكتاتوري الاستبدادي.

شخصياً، ليس لدي أي مخاوف من سيطرة هيئة تحرير الشام أو فصائل الجيش الوطني على منطقتنا، خاصة أن هيئة تحرير الشام لم تعد جزءاً من القاعدة، وقد حاربوا ضد نظام الأسد، ما يعني أنهم شعروا بالظلم الممارس على الشعب السوري، وهذا برأيي نقطة إيجابية.

هناك البعض قلقون وخائفون، ولا أستطيع أن ألومهم بعد سنوات طويلة من حكم النظام البعثي، لأنهم فقدوا الأمل والثقة بالتحرر والتغيير، لكن بالنسبة لي أنا متفائل بمستقبل سوريا، وأن الأمور ستتحسن على كافة الأصعدة: المعيشية، التعليمية، الخدمية، الأمنية، والإعمار. 

يجب عليهم الإسراع في عملية إعادة الإعمار حتى يعود جميع اللاجئين إلى بلدهم، إلى جانب تحسين سبل العيش، تحسين التعليم، والقيام بتغييرات جذرية، لأن ذلك سيساهم في تغيير وجهة نظر الشعب تجاه الذين يحكمون البلد.

شارك هذا المقال