مع فشل الدبلوماسية.. الحكومة السورية والمعارضة والقوى الدولية يستعدون للمواجهة الأخيرة في إدلب
حطام بعد الغارة الجوية على إدلب في حزيران. الصورة […]
16 سبتمبر 2018
حطام بعد الغارة الجوية على إدلب في حزيران. الصورة من الدفاع المدني في إدلب.
يخيم حالة من الهدوء الحذر على المنطقة الشمالية الغربية، الواقعة تحت سيطرة المعارضة في سوريا، وفي الوقت الذي استهدفت غارات جوية آخر معقل للمعارضة في البلاد خلال الأيام الماضية، يستعد السكان والمسؤولون المحليون لما هو أسوأ وسط تلميحات لهجوم محتمل تابع للحكومة لاستعادة السيطرة على الجيب المكتظ بالسكان.
وجاء الهدوء النسبي بعد تصعيد كبير من الغارات الجوية السورية والروسية والبراميل المتفجرة وقنابل المدفعية التي استهدفت محافظتي إدلب وحماة شمال غرب البلاد على مدار الأسبوع، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 26 مدنياً ونزوح عشرات الآلاف، وفقاً لمراقبي النزاع والأمم المتحدة. .
وعلى مرّ الأسابيع الماضية، تزايد الحديث عن هجوم جوي وبري وشيك وواسع النطاق سيكون مدمراً لجماعات المعارضة والمدنيين على حد سواء.
وأعرب بعض قادة المعارضة الذين تحدثوا مع سوريا على طول، هذا الأسبوع، عن أملهم في أن تتمكن القوات التركية المرابطة في الشمال من ردع الهجوم الشامل، وأن تتمكن من الحد من إراقه الدماء من خلال مفاوضات خفية.
ويتوقع أبو منتصر، قيادي في ألوية صقور الشام المدعومة من قبل تركيا أن “النظام لن يخاطر بأي هجوم، وأن الاتفاق التركي الروسي في الشمال أمر محسوم [ومستمر]”.
ولكن بعد الفشل الواضح بين قادة إيران وروسيا وتركيا في قمة طهران الأسبوع الماضي – حيث كان المفروض أن يتفاوضوا لإيجاد طريقة لردع الحملة المحتملة على إدلب – تقوم القوات الموالية للحكومة وجماعات المعارضة والقوى الدولية بالاستعداد للخطوة اللاحقة، كما أن المخاطر ستكون كبيرة: مع وجود ما يقارب ثلاثة ملايين مدنياً، نصفهم من النازحين، وحوالي 70 ألف مقاتلاً من المعارضة والإسلاميين المتشددين الذين لم يتبق لهم أي مكان آخر للنزوح، ومن جهتها حذرت الأمم المتحدة من حدوث “أسوأ كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين” ما لم تعد القوى الدولية إلى طاولة المفاوضات.
وفي الوقت نفسه، قال المحللون وقادة المعارضة، لسوريا على طول، أن مجموعة من فصائل المعارضة الموجودة في الداخل تخاطر بعرقلة أي مفاوضات دبلوماسية للحد من إراقه الدماء، وقال كريستوفر كوزاك، كبير المحللين في معهد دراسات الحرب في واشنطن العاصمة، أن “في حال وقوع هجوم شامل، فإن الأمر سيكون دموياً للغاية”.
وأضاف “لا يوجد أي مسار واضح في المستقبل [في ادلب]”.
[لقراءة المقابلة الكاملة لسوريا على طول مع كريستوفر كوزاك هنا].
الأسد: إدلب هو هدفنا
ولا تزال إدلب وضواحي مدن اللاذقية وحلب وحماة المجاورة، تشكل آخر جيوب المعارضة الرئيسية في سوريا، بعد سلسلة من الهجمات التابعة للمعارضة واتفاقيات المصالحة التي شهدت تسليم مناطق المعارضة وإرسال عشرات الآلاف من المقاتلين وعائلاتهم شمالاً على متن حافلات الإجلاء التابعة للحكومة السورية.
وبعد أن استعادت القوات الموالية للحكومة سيطرتها على كامل محافظتي درعا والقنيطرة في الجنوب الغربي، في الأشهر الأخيرة، من خلال هجوم جوي وبري شامل، تحولت جميع الأنظار إلى الشمال.
وقال الرئيس السوري بشار الأسد لوسائل الإعلام الروسية في الأسابيع الأخيرة “هدفنا الآن هو إدلب” بعد انتهاء معركة الجنوب.
ومنذ ذلك الحين، انتشرت مجموعة من وحدات الجيش السوري والقوات الموالية للحكومة وحلفائها في الشمال الشهر الماضي، في حين استقرت البوارج الحربية الروسية قبالة ساحل البحر المتوسط في سوريا، وأفادت الأنباء عن انتشار الميليشيات الإيرانية، كـ”لواء الإمام الحسين” بالإضافة إلى قوات النمر التابعة للحكومة بالقرب من محافظة إدلب.
وفي الطرف المقابل، ورد أن فصائل المعارضة مستعدون للمعركة، وقال النقيب ناجي أبو حذيفة، الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير واحدة من مجموعتي المعارضة الرئيسيتين المتواجدتين في شمال غرب سوريا، لسوريا على طول، في مطلع الأسبوع الماضي، أن مقاتلي المعارضة القربين من خطوط القتال الأمامية التابعة للحكومة “لم يلاحظوا أي تحركات غير اعتيادية” تشير إلى توغل بري محتمل، لكنهم “مستعدون لجميع السيناريوهات المحتملة”.
وفي الوقت نفسه، دخلت صفوف من الدبابات والقوات التركية إلى شمال غرب سوريا، يوم الخميس، لتعزيز الدفاعات حول 12 برج مراقبة منتشرين عند خطوط القتال الأمامية للمعارضة-والحكومة.
وقال إبراهيم الشمالي، ناشط إعلامي في جنوب إدلب، لسوريا على طول، أن وصول العتاد التركي إلى المنطقة كان “تصعيداً أكبر مما شهدناه من قبل”.
معارضة فوضوية ومنقسمة
مع وجود عدد لا يحصى من فصائل المعارضة التي تسيطر على المناطق المتبقية للمعارضة، ظهر تدريجياً منذ عام 2016 فصيلان رئيسيان يسيطران على المشهد العسكري لإدلب.
وأكثر ما يثير قلق جميع الأطراف الدوليين المعنيين “هيئة تحرير الشام” الفصيل الإسلامي المتشدد، الذي كان مرتبطاً بشكل رسمي بالقاعدة حتى العام الماضي، وتقدر مصادر مختلفة عدد مقاتلي المجموعة وشركاؤها ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف مقاتل، والتي لاتزال تسيطر على حوالي 60٪ من أراضي المعارضة الشمالية الغربية.
مقاتلو صقور الشام في شهر آب. الصورة من صفحة ألوية صقور الشام.
وتم تشكيل جبهة التحرير الوطنية، وهي المنافس الأساسي لهيئة تحرير الشام، بتنسيق ودعم كبير من تركيا في شهر أيار هذا العامK والجبهة هي مجموعة غير مندمجة اندماجاً كلياً، تتألف من 11 فصيلاً ذات أيديولوجيات وأولويات مختلفة، وكل ما يتشاركون فيه هو الاعتماد على الحكومة التركية واحترامها.
وقال آرون لوند، وهو زميل في مؤسسة The Century Foundation التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها “أن العديد من هذه الفصائل لا تحب بعضها البعض، وأعتقد أن تمسك الجماعات المسلحة [المدعومة من تركيا] ببعضها البعض يرتبط باعتمادهم على تركيا”.
وتحركت أنقرة بسرعة لتعزيز نفوذها العسكري ودعم دفاعات الفصائل التابعة لها في جبهة التحرير الوطنية، حيث وصلت شحنة ضخمة من الذخائر وقاذفات صواريخ الغراد إلى إدلب عبر الحدود مساء يوم الأربعاء.
تركيا: أمل آخر للمعارضة؟
الدور الذي تقوم به تركيا هو من الأمور الأساسية في أي هجوم في المستقبل، ومحاولة الحد منه.
وعلى الرغم من الضغط الدبلوماسي الذي مارسته تركيا لردع معركة إدلب، إلا أن هذه الجهود لم تسفر عن أي تنازلات ملموسة في قمة طهران الأسبوع الماضي، ولم يذكر البيان الذي صدر بعد الاجتماع أي شيء عن وقف إطلاق النار أو أي نوع من الآليات لتجنب إراقة الدماء في الحملة القادمة.
وقال كوزاك “تركيا لديها يد للعب هنا، لكنها ليست اليد الأقوى”.
وترسم اثنتا عشرة نقطة مراقبة تركية خط التماس بين مناطق المعارضة والمناطق الحكومية، وتطل على الخطوط الأمامية ومجموعة من نقاط المراقبة الروسية والإيرانية، وعلى الرغم من أن تلك النقاط أنشئت ظاهرياً للحفاظ على اتفاقية وقف إطلاق النار وخفض التصعيد التي تم خرقها الآن، إلا أنها أصبحت بمثابة قواعد للعملية القادمة، وفي الأسابيع الأخيرة، عززت القوات التركية نقاط المراقبة التابعة لها وقامت بحشد قوات إضافية.
ويتوقع لوند أن أكبر قوة لأنقرة في معركة إدلب، هي قدرتها على “توسيع جغرافية هجومها على المناطق التي تسيطر عليها في شمال محافظة حلب المجاورة” حيث توجد عشرات الآلاف من قوات الجيش السوري الحر المدعومة من قبل أنقرة.
وأضاف لوند لسوريا على طول “أن حقيقة وجود إدلب بجوار عفرين، ووجود جماعات معارضة هناك، شيء مهم يقوم الناس بتجاهله”، مشيراً إلى المنطقة التي تسيطر عليها تركيا في شمال حلب “هناك طريق بين إدلب وشمال حلب عبر عفرين، يمكنك التنقل بين هذه المناطق”.
وحذرت أنقرة 50 ألف من مقاتلي الجيش السوري الحر في مناطق سيطرتها من أجل الاستعداد للانتشار المحتمل في إدلب، كما حشدت حوالي 30 ألف جندياً تركياً في هذه المناطق في الأسابيع الأخيرة.
وأكد محمد حمادين، الناطق باسم الجيش الوطني السوري في محافظة حلب، لسوريا على طول أن هناك خطط للقوات المدعومة من تركيا من أجل التدخل في حال هجوم شامل من قبل القوات الموالية للحكومة.
وأضاف الحمادين “إذا شن النظام حملة [أرضية] ضد إدلب، لن نقف مكتوفي الأيدي”، لدينا العديد من الخيارات والاستراتيجيات لفتح عدة جبهات في معركة إدلب وغيرها من الأماكن، نحن وإدلب متصلان بشكل متكامل”.
وشكك معارضون آخرون في التدخل المحتمل المدعوم من تركيا، وأكد قائد كبير في الجيش الوطني السوري، عن حدوث صدام وشيك ، وطلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالتحدث إلى الصحافة.
وأضاف القائد “لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث إذا تحرك النظام باتجاه إدلب، لكنني لا أعتقد أن تركيا ستتدخل هناك”.
“الخيار هو القتال والموت”
وفي الوقت الذي ستبدأ فيه القوات الموالية للحكومة والمعارضة والداعمون الأجانب هجومهم، فإن مصير آلاف المقاتلين المتشددين، العالقين بين حملة الإبادة الحكومية والحدود التركية المغلقة، سيكون السؤال الأكثر إرباكا للجميع.
كما اقترحت تركيا على هذه المجموعات أن تحل نفسها وتندمج في تشكيلات المعارضة التي تقودها.
وبعد سنوات من تغاضي تركيا عن هيئة تحرير الشام، وحتى التعاون معها لبناء أبراج مراقبة على أطراف أراضي المعارضة، انضمت في نهاية المطاف رسميًا إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها في تصنيف المجموعة كمنظمة إرهابية في أواخر شهر آب، مع ترك الباب مفتوحاً أمام أعضائها للانضمام إلى جبهة التحرير الوطنية.
ويرى أبو منتصر، قيادي في ألوية صقور الشام المنضوية تحت جبهة التحرير الوطنية، أن هذه الخطوة هي بمثابة علامة على أن الدبلوماسية التركية بلغت حدودها.
وقال أبو منتصر “إن التصنيف التركي هذا يعني إنهاء هيئة تحرير الشام قد تقرر من تركيا وروسيا وإيران، وهذا يعني أن الحرب الداخلية في إدلب قادمة، والحرب الداخلية مخيفة للفصائل والمدنيين”.
وأكد كوزاك أن المقاتلين المتشددين وصلوا إلى نهاية الطريق، حيث أن الخيار الوحيد الموجود في حال عدم الانخراط بجبهة التحرير الوطنية يبدو محبطاً.
وأضاف “والبديل في هذه المرحلة هو إما القتال أو الموت، لأنه وبصراحة لا يوجد مكان آخر يمكن إجلاؤهم إليه، لا نعرف إلى أين ستتوجه الحافلات الخضراء هذه المرة”.
وختم “لا يوجد في الواقع أي مسار واضح، لذلك فإنه في حال حصول الهجوم الشامل سيكون هذا الهجوم الأكثر دموية على الإطلاق”.
ترجمة: بتول حجار