مفردات جديدة تدخل قاموس أبناء دمشق بعد سقوط “جمهورية الرعب”
تغيرت نبرة أصوات أهالي دمشق ودخلت كلمات جديدة إلى قاموسهم، بعد أن تلاشى الخوف الجاثم على قلوبهم. ومع ذلك، ما تزال لديهم مخاوف من سوريا الجديدة
11 ديسمبر 2024
باريس- كثيراً ما غابت أصوات المدنيين في العاصمة دمشق عن القضايا والأحداث المهمة، التي شهدتها البلاد بعد اندلاع الثورة السورية، في منتصف آذار/ مارس 2011، إلا إذا توافقت مع رواية النظام السوري، وتتخفى وراء أسماء مستعارة إذا خالفت هذه الرواية.
قبل سقوط النظام السوري بساعات، تواصلت “سوريا على طول” مع مصادر من دمشق ومحيطها، لمعرفة آرائهم بما يجري في العاصمة والتعبير عن مشاعرهم حيال ما يجري. اتفقوا جميعاً على أن التغيير قادم، ومع ذلك عبّروا عن تخوفهم من الحديث لوسائل الإعلام.
وبعد ساعات من إعلان سقوطه، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الحالي، شعرت شفاء صوان، التي كشفت عن اسمها الحقيقي في هذه المقابلة، أن شروق شمس ذاك اليوم كان “مختلفاً عن شروقها في الأيام التي سبقت سقوط الأسد”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، ولأول مرة تمشي في شوارع دمشق القديمة وهي تردد “جنة جنة جنة، غالي يا وطنا”، وهي أغنية مشهورة لأحد رموز الثورة السورية والجيش الحر، عبد الباسط الساروت، الذي قتل في الثامن من حزيران/ يونيو 2019، على يد النظام السوري.
تغيرت نبرة أصوات أهالي دمشق ودخلت كلمات جديدة إلى قاموسهم، بعد أن تلاشى الخوف الجاثم على قلوبهم. ومع ذلك، ما تزال لديهم مخاوف من سوريا الجديدة. تواصلت “سوريا على طول” مع ثلاثة مصادر من دمشق ومحيطها للتعبير عن مشاعرهم بعد الإعلان رسمياً عن سقوط الأسد وهروبه من سوريا.
شفاء صوان (سهام العلي في المقابلة السابقة)، وهي من حي ركن الدين الدمشقي:
وأخيراً، لم يعد عندي خوف من التعبير عن رأيي، بينما كنت أخشى الحديث عن أي شيء يخص البلد حتى لو لم يكن مرتبطاً بالسياسة، وهذا حال كل سوري كان يعيش في جمهورية الرعب. لا أتذكر تماماً كم مرة تحدثت للإعلام، سواء معكم أو مع غيركم، ولكن كنت حريصة على انتقاء الكلمات، حتى لو كنت أتحدث تحت اسم مستعار، وأحاول استخدام الرموز أو التعبير بطريقة غير مباشرة، لأنني كنت أخشى على نفسي من الظلم الجاثم على قلوبنا.
كان شروق اليوم الأول “مختلفاً عن شروقها في الأيام التي سبقت سقوط النظام”، مشيت في أحياء باب توما، القيمرية، المالكي، وساحة الأمويين، وذهبت إلى القصر الجمهوري، ورددت أغنية الساروت “جنة جنة جنة غالي يا وطنا”.
ولكن أفسد إطلاق الرصاص الكثيف فرحتنا، الكثير من الأشخاص كانوا يطلقون النار في الهواء ابتهاجاً برحيل الأسد. لذا صار عندي تخوف من انتشار السلاح، وأن يتم الاحتكام للسلاح في أي مشكلة.
أتمنى أن تتوفر في سوريا الجديدة الحرية والكرامة والعدالة والتنمية، وأن يأخذ الجميع حقوقهم: نساء، أطفال، وذوي الإعاقة، وغيرهم. من المهم جداً أن تحظى المرأة باهتمام، لأن المجتمع سيبقى خامداً إذا لم يتحسن دور المرأة. لا يوجد حضارة إلا وللمرأة دور فاعل فيها، فكلما زاد دورها على صعيد تربية أولادها، والتميز في عملها، والارتقاء بعلمها، كلما انعكس ذلك إيجابياً على المجتمع ككل.
ومن ناحية أخرى، يجب العمل على محو الأمية وتطوير مناهج التعليم، علينا أن نبني الصروح العلمية والجامعات على أنقاض السجون، التي بنيت في زمن جمهورية الرعب والخوف.
ولا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة جداً، وهي عدم أدلجة التعليم، حتى التعليم الديني يجب ألا يكون بالتلقين والجمود، وإنما بقوة الروح، لأن الحضارة لا تنمو وتزدهر إلا بقوة روح الإنسان.
وعلينا استثمار قدرات المجتمع بمختلف أطيافه، بما في ذلك الأكراد، لا أتمنى أن تُطلق رصاصة على كردي، وما يحدث بحقهم حاليا على يد الجيش الحر هو عثرة سياسية وعسكرية. كما أتمنى أن توزع المناصب في سوريا الجديدة على الرجال والنساء، وهذا يجعل من القرارات الصادرة أكثر توازناً.
وأخيراً، أكثر ما أتمناه أن تكون سوريا خالية من السجون، وحتى إن حوكم الشخص يجب أن يوضع في مراكز تأهيل لإصلاحه، أن يقضي فترة محكوميته معززاً مكرماً، تًحترم إنسانيته، وأن يكون عنده مرشد اجتماعي يشرف عليه، لأننا بذلك نخلق مجتمعاً سوياً نفسياً واجتماعياً، وهذا لم يكن بإمكاننا المطالبة به في جمهورية الرعب التي أوجدها الأسد.
زياد الخير، 47 عاماً، تاجر من ريف دمشق:
بعد يوم من سقوط النظام اتصل بي شخص وسألني: هل تعرف كم سعر النعناع اليوم، ضحكت كثيراً وقلت له سقط الأسد، قل كم سعر صرف الدولار ولا تخف. هل تتخيل أنك لا تستطيع ذكر اسم عملة أجنبية. كنا نتحدث بلغة الرموز في كثير من شؤون حياتنا، لكننا نعيش اليوم حرية نتذوق طعمها لأول مرة بعد أن كنا معتقلين. صدقني كنا معتقلين.
اليوم دمشق مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل أيام. الشوارع مزدحمة جداً لأن الناس يزورن دمشق من كل المحافظات، وتبدو علامات الفرح على وجوه الناس، والكثير منهم يردد أهازيج الحرية، كما لاحظت وسمعت عندما رافقت أمي في جولة في دمشق.
لا يمكن وصف فرحتي في اليوم الأول من سقوط الأسد، لكن التجاوزات التي حدثت، من قبيل: إطلاق النار وحوادث السرقة والفوضى التي عمت بعض أحياء دمشق وأريافها، أفسدت علينا فرحتنا، وإذا استمرت هذه الحوادث أخشى أن تكون المرحلة المقبلة مختلفة عما نريد. إطلاق النار وسط جموع الناس خطير جداً ومؤذي.
علي الراشد، 60 عاماً، تاجر من دمشق
الحمد لله أن جاء اليوم الذي تحرر فيه الشعب السوري بأكمله، بعد أن كنا لا نجرؤ على ذكر كلمة دولار، ونقول عن الثورة أزمة بناء على ما يريده النظام، طبعاً كنا لا نستطيع أن نقول نظام وإنما نقول الدولة، وأيضاً أستطيع أن قول: النظام المجرم، وبشار خائن وعميل إيران.
إضافة إلى مشكلتنا الأمنية مع النظام، كان يعاني التجار من الابتزاز، وهذا حدث معي في أيلول الماضي عندما اقتحمت دورية تابعة لمفرزة مكافحة التهريب وصادروا أكثر من 500 ساعة يد وأخذوا ابني الذي بقي موقوفاً حتى اليوم التالي، وما حدث كان افتراءً من أجل تحصيل المال، وليس لأننا ارتكبنا مخالفة أو تجاوزنا القانون.
في اليوم دفعنا في البنك المركزي 151 مليون ليرة سورية [عشرة آلاف دولار تقريباً بحسب سعر الصرف آنذاك]، وخسرنا الساعات المصادرة وقيمتها أكثر من 40 مليون ليرة (2720 تقريباً). بعد أن دفعنا الغرامة خرج ابني ولكن القضية بقيت مفتوحة.
ما قلته سابقاً لا يمكن التفوه به قبل سقوط النظام، ولكن حالياً أهلاً بك في سوريا الحرة الخالية من التشبيح.. هذا ما نتمناه.