7 دقائق قراءة

مقال رأي: حالة الطوارئ المناخية في سوريا: الصراع ليس عذراً للتقاعس عن العمل

تم تهميش التحديات البيئية في سوريا، التي تعاني من الصراع المدمر وعدم الاستقرار منذ أكثر من 13 عاماً، رغم أن تأخير التدخلات المناخية ليس خياراً، كما كتب حايد حايد.


20 نوفمبر 2024

تعاني سوريا من كوارث مناخية لا يُستهان بها، من قبيل: موجات الحر الكبيرة، وحرائق الغابات المستعرة، وموجات الجفاف المنهكة، والعواصف الرملية الخانقة. تؤكد هذه الأزمات، التي تتزايد وتيرتها وشدتها على حد سواء، على هشاشة البلاد المتسارعة أمام التغير المناخي. 

ومع ذلك، تم تهميش التحديات البيئية في البلاد، التي تعاني من الصراع المدمر وحالة عدم الاستقرار منذ أكثر من 13 عاماً، وأدى هذا الإهمال إلى فشل خطير في تنفيذ تدابير التكيف مع المناخ، حتى مع تزايد حدة عواقب التقاعس عن العمل وانتشارها على نطاق واسع. 

إن اعتبار العمل المناخي يجب أن ينتظر الاستقرار ليس مضللاً فحسب، بل هي فريضة محفوفة بالمخاطر، لأن تحقيق الاستقرار في سوريا قد يحتاج إلى عقود من الزمن، وبالتالي فإن تأخير التدخلات المناخية قد يؤدي إلى تفاقم الوضع المتردي أصلاً.

لذا هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، فكلما طال تجاهل هذه الأزمات، كلما اقتربت من أن تصبح غير قابلة للإصلاح. ورغم أن المبادرات المناخية واسعة النطاق قد لا تكون مجدية في ظل الظروف الحالية، إلا أن هناك خطوات عملية وقابلة للتحقيق يمكن أن تحدث فرقاً ملموساً.

يتمثل أحد الإجراءات ذات الأولوية في دمج الاعتبارات البيئية ضمن التدخلات والخدمات التي تقدمها المنظمات الإنسانية وسلطات الأمر الواقع. وعلى الرغم من أن هذا النهج يبدو متواضعاً، إلا أنه يمكن أن يساعد في منع الأضرار البيئية غير المقصودة وإرساء الأساس للتعافي. إن الاستمرار في إهمال التحديات المناخية التي تواجهها سوريا قد يؤدي إلى إدامة حلقة مفرغة من الدمار، حلقة لا تعمق المعاناة الإنسانية فحسب، بل تقوض أيضاً أي أمل في مستقبل مستدام.

التحديات المناخية المتزايدة

تحتل سوريا المرتبة 146 من أصل 181 دولة على مؤشر مبادرة نوتردام للتكيف العالمي (ND-GAIN)، وهي من بين الدول الأكثر تضرراً من أزمة المناخ العالمية، ما يؤكد ضعف البلاد الحاد وقدرتها المحدودة على الصمود في وجه التغير المناخي.

وأدى فترات الجفاف الطويلة إلى انخفاض حاد في توافر المياه، وجفاف الأنهار والآبار الجوفية، ما أدى بدوره إلى تدمير الإنتاج الزراعي، الذي كان في يوم من الأيام حجر الزاوية في الاقتصاد السوري. كما دمرت الحرائق مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والغابات، ما أدى إلى تسريع التصحر وتقويض سبل عيش المجتمعات الريفية. وفي الوقت نفسه، زادت العواصف الرملية، التي يغذيها تدهور الأراضي والتغيرات المناخية، من المعاناة، ما جعل الحياة اليومية لملايين الناس أكثر هشاشة.

بينما تعاني البلاد بأكملها من الإجهاد البيئي، ربما يكون أشدها في شمال شرق سوريا، نظراً للظروف القاسية الشبيهة بالصحراء في تلك المنطقة، وهو ما يجعلها عرضة لتأثيرات التغير المناخي التي تلقي بظلالها على الزراعة المحلية والموارد المائية.

وتؤدي موجات الحر الحارقة، التي شهدتها المنطقة مؤخراً، إلى زيادة التبخر، إذ ارتفعت درجات الحرارة بين 8 و10 درجات مئوية عن المعدل الطبيعي، كما تضاءل هطول الأمطار وأصبح أكثر تقلباً، ما أدى إلى تفاقم ندرة المياه وإعاقة التخطيط الزراعي. تتأثر المحاصيل الرئيسية مثل القمح والقطن والذرة العبء الأكبر نتيجة هذه الظروف، وهي محاصيل زراعية أساسية في سوريا.

تشير التوقعات طويلة الأجل إلى أن شمال شرق سوريا سيشهد جفافاً كل ثلاث سنوات، ما يؤدي إلى آثار وخيمة على الأمن الغذائي. مع جفاف الحقول وتناقص غلة المحاصيل الزراعية، يتعرض العمود الفقري الاقتصادي للمنطقة، التي تعتمد على الزراعة لضغوط متزايدة، ولا توجد أي مؤشرات على تراجع هذه الضغوط. 

اقرأ المزيد: أزمة المحروقات وضعف الدعم يهددان سلة غذاء سوريا شمال شرقي البلاد

التدخلات الزراعية: التقدم مع المخاطر

في مواجهة هذه التحديات البيئية والتحديات المرتبطة بالحرب، ركزت تدخلات الجهات الفاعلة في مجال الإغاثة، التي تعمل على تنشيط القطاع الزراعي الاستراتيجي في شمال شرق سوريا، في الغالب على استعادة شبكات الري التي دمرها النزاع الذي طال أمده. وحفروا آباراً جديدة وأعادوا بناء أنظمة الري وساعدوا المزارعين على البدء من جديد من خلال توفير المعدات الأساسية والوقود والمدخلات الزراعية والنقود. وقد أسفرت هذه المبادرات عن نجاحات ملموسة في استعادة القطاع وتعزيز إنتاجه، خاصة في محافظة الرقة.

ومع ذلك، فإن هذا النجاح سريع الزوال، إذ إن هذه التدابير الطارئة تقنع المزارعين بالعودة إلى تقنيات الزراعة كثيفة الاستهلاك للمياه، وهو أمر بالكاد يمكن للنظام البيئي تحمله بسبب الانخفاض الحاد في منسوب مياه نهر الفرات، كما أن هذا النهج الذي يركز على المضخات يزيد من تعريض موارد المياه الجوفية في المنطقة للخطر.

شهد شمال شرق سوريا انخفاضاً مطرداً في مستويات المياه الجوفية قبل بدء الحرب في عام 2011، حيث أسهم عدم كفاية أنظمة إمدادات المياه العامة والحد الأدنى من التدقيق التنظيمي في زيادة عمليات حفر الآبار العشوائية (غير المصرح بها)، واستمرت هذه الاعتداءات على المياه الجوفية، بل زادت منذ بداية الحرب.

وبالنظر إلى أن القطاع الزراعي في شمال شرق سوريا يستخدم موارد المياه العذبة في الغالب، فهناك فرصة أمام المنظمات الإنسانية لتكييف مساعداتها للمزارعين لتخفيف استهلاك المياه. ويمكن أن يعني هذا التكييف توفير بذور مقاومة للجفاف والملوحة، ولا سيما تلك التي تستهدف الزراعة البعلية.

أيضاً، يمكن للمنظمات غير الحكومية تقديم الدعم على شكل قروض صغيرة الحجم لإنشاء البيوت البلاستيكية. ولن يؤدي هذا التدخل المزدوج الغرض إلى تعزيز سبل عيش المزارعين فحسب، بل سيساعد أيضاً على الحد من استهلاك المياه وتعزيز إمكانية الوصول إلى المياه.

اقرأ المزيد: بذور سوريا: كيف فقدت مهد الزراعة كنزها الثمين، ولماذا يجب علينا دق ناقوس الخطر؟

الطاقة المتجددة: سلاح ذو حدين

أدى الصراع من جهة وضعف صيانة البنى التحتية من جهة أخرى إلى انخفاض قدرة توليد الكهرباء في شمال شرق سوريا بنسبة تزيد عن 70 في المئة. ونتيجة لذلك، أصبحت إمدادات الطاقة اللازمة للخدمات العامة الحيوية متقطعة أو حتى معدومة. استجابة لذلك، اتجهت بعض مبادرات تحقيق الاستقرار نحو تبني الطاقة المتجددة لتشغيل الوظائف الأساسية، من إنارة المدارس والمستشفيات إلى تغذية أنظمة توزيع المياه والري.

غالباً ما يتم الترحيب بالتحول إلى الطاقة المتجددة كخطوة في الاتجاه الصحيح، ووسيلة لمكافحة التلوث وكبح انبعاثات الكربون. ومع ذلك، إذا تُرك هذا التحول دون تنظيم، فقد تكون له عواقب وخيمة. ويتجلى هذا الوضع بشكل خاص في شمال شرق سوريا، حيث يشهد سوق الطاقة الشمسية نمواً غير منضبط.

تتمتع أنظمة الطاقة الشمسية، مثلها مثل أي تقنية، بعمر افتراضي محدود، ويمكن أن يكون قصير الأجل  لا يتجاوز العامين، بسبب القوانين المتساهلة وعدم وجود فحوصات صارمة للجودة. وبالإضافة إلى غياب البنية التحتية والبرامج المناسبة للتخلص من مكونات الطاقة الشمسية البالية، فإن الاعتماد المتزايد على الطاقة الشمسية يمثل أزمة نفايات سامة تلوح في الأفق مع ما قد يترتب على ذلك من آثار صحية وبيئية طويلة الأجل.

وكما أن عدم وجود لوائح وآليات إنفاذ صارمة من شأنه أن يؤدي إلى الاستهلاك المفرط للمياه، فإنه بعد الاستثمار الأولي لرأس المال في قطاع الكهرباء، تصبح الطاقة الشمسية مجانية التكلفة بشكل أساسي، ومع وجود طاقة متاحة بسهولة وغير منظمة، يميل المزارعون إلى استخراج المياه لفترات طويلة، ما يزيد من مخاطر الهدر والاستغلال المفرط.

لمعالجة هذه القضايا الملحة، يجب وضع لوائح صارمة والتشديد على تطبيقها من أجل ضبط تركيب أنظمة الطاقة الشمسية وضمان صيانتها. وهذا يضمن تحقيق معايير الجودة وعملها بكفاءة على مدى عمر افتراضي طويل. بالإضافة إلى ذلك، فإن إنشاء برامج لإعادة تدوير مكونات الطاقة الشمسية البالية أمر ضروري لدرء أزمة النفايات السامة الوشيكة. 

ولمعالجة الاستخدام المفرط للمياه، يجب على السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية العمل بشكل وثيق مع المزارعين لتكريس ممارسات الاستخدام المسؤول وتشجيع تقنيات إدارة المياه بكفاءة.

ندرة المياه: أزمة في الحسكة

تعد ندرة المياه مشكلة ملحة في جميع أنحاء شمال شرق سوريا، ولكنها تصل إلى مستويات حرجة في مدينة الحسكة، بسبب مزيج من الظروف المناخية القاسية والاضطرابات المرتبطة بالنزاع في محطة مياه علوك الحيوية، التي تخدم نحو 460 ألف نسمة. ونتيجة لذلك، تضطر العديد من العائلات إلى شراء المياه من الصهاريج بأسعار باهظة.

ولتخفيف هذا العبء، أطلقت السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية برامج لتأمين المياه مجاناً للسكان. ومع ذلك، فإن هذه الأعمال الخيرية حسنة النية، على الرغم من أنها تعالج الشواغل الفورية، إلا أنها تنطوي على خطر الاستغلال المفرط للمياه الجوفية وتفاقم اعتماد المنطقة على طبقات المياه الجوفية غير المتجددة.

اقرأ المزيد: ثمناً للمياه: نساء في الحسكة تحت وطأة التحرش والاستغلال

بالإضافة إلى ذلك، تسببت هذه المبادرات في نقص المياه بمناطق أخرى، حيث أن شراء المياه بالجملة أفضل بالنسبة لسائقي الصهاريج، الذين أعطوا الأولوية لتزويد الحسكة بالمياه. تعتبر المياه المنقولة عبر شبكة المياه في العديد من المناطق في شمال شرق سوريا مجانية من الناحية الفنية، حيث امتنعت السلطات المحلية في هذه المناطق عن تحصيل رسوم المياه بسبب التحديات في التحصيل أو عدم كفاية الإيرادات الناتجة عن انخفاض معدلات التعرفة. وفي حين أن هذا النهج قد يفيد المجتمعات المحلية الفقيرة، إلا أنه يشجع بشكل غير مقصود على الاستهلاك المفرط للمياه، لا سيما في الزراعة.

لا بد من تعزيز اللوائح التنظيمية لمكافحة الإفراط في الاستخدام وضمان الوصول المستدام إلى المياه. وفي الوقت نفسه، من الضروري الاستثمار في البنية التحتية المحسنة للمياه وصيانتها لضمان إمدادات مياه مستقرة يمكن الاعتماد عليها مع تحسين كفاءة شبكة التوزيع.

وينبغي على المنظمات غير الحكومية والسلطات المحلية مواصلة استكشاف حلول الإدارة المستدامة للمياه، بما في ذلك استغلال مياه الأمطار ومعالجة مياه الصرف الصحي. يمكن أن يساعد تنفيذ هذه التدابير في التخفيف من ندرة المياه وتعزيز قدرة المجتمعات المحلية على الصمود، ليس فقط في الحسكة بل في جميع أنحاء الشمال الشرقي.

خطوة إلى الأمام

في الوقت الذي لا يُظهر فيه النزاع السوري أي علامة على الانحسار، تهدد الأزمات المناخية التي تلوح في الأفق بإلقاء ظلالها القاتمة على البلاد. ففي كل عام، يزداد المناخ في سوريا حرارة وجفافاً، ما يزيد من نقاط الضعف في البلاد. 

إن إلحاح هذه الأزمة يجب أن يكون بمثابة دعوة واضحة لجميع أصحاب المصلحة لإعطاء الأولوية للجهود التي توقف الأضرار البيئية التي يمكن الوقاية منها. ومن تعزيز الممارسات الزراعية التي تتسم بالكفاءة في استخدام المياه، إلى تنظيم التوسع غير المقيد للبنية التحتية للطاقة الشمسية، هناك خطوات عملية يمكن ويجب تنفيذها الآن لتجنب أسوأ النتائج.

إن العمل المناخي في مناطق النزاع ليس رفاهية، بل هو ضرورة لا يمكن أن تنتظر الاستقرار المنشود، لأن العواقب المترتبة على التقاعس عن العمل تتجاوز البيئة نفسها. فالكوارث الناجمة عن المناخ تزيد من المعاناة الإنسانية وتزعزع استقرار المجتمعات وتقتلع جذورها وتديم دورات الصراع.

إن تجاهل هذه التحديات اليوم يخاطر بإرث بيئي في سوريا لا رجعة فيه، وهو إرث سيحطم أي أمل في التعافي.

شارك هذا المقال