مقال رأي: كيف تخسر الولايات المتحدة العشائر السورية لصالح إيران
كتب الباحث عمر أوزكيزيلجيك أن دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الاشتباكات التي حصلت بمحافظة دير الزور، عام 2023، أعطى إيران فرصة توسيع نفوذها في شمال شرق سوريا.
25 يوليو 2024
العشائر العربية في منطقة منبج أثناء شن عمليات ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) خلال مشاركتها في انتفاضة 2023، التي اندلعت من محافظة دير الزور شرقي البلاد قبل أن تعمّ المنطقة، 01/ 09/ 2023، (أ ف ب)
ذات يوم، قال جيمس جيفري، ممثل الولايات المتحدة السابق الخاص إلى سوريا خلال إدارة ترامب، أن أحد الأهداف الرئيسية الثلاثة لبلاده في سوريا هو الحد من نفوذ إيران. وكذلك، سلّط نائب مساعد وزير الخارجية الحالي لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش، الضوء على الوجود الإيراني، الذي يهدد استقرار سوريا، وقد وافقت إدارة بايدن على خطط ضرب أهداف إيرانية في وقت سابق من هذا العام.
يسلط التصعيد الأخير غير المسبوق، بين إسرائيل وإيران، في سياق حرب غزة، الضوء على سبب من الأسباب العديدة، التي تسعى الولايات المتحدة إلى الحد من نفوذ إيران في سوريا أو المنطقة.
ومع ذلك، فإن قرار واشنطن عدم دعم العشائر العربية في انتفاضتها ضد حليفتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عام 2023، أعطى إيران فرصة للتوسع في شمال شرق سوريا، وهي فرصة تتوق إلى استغلالها.
وتستفيد طهران بمهارة من أخطاء السياسة الأميركية لتعزيز مصالحها في سوريا، وكسب دعم العشائر العربية، تحسباً للانسحاب الأميركي المستقبلي.
انتفاضة دير الزور
تضم منطقة شرق سوريا خمس قبائل عربية رئيسية هي: العقيدات، البقّارة، الجبور، شمّر، وطيّ. لا يمكن تعميم موقف أي قبيلة من هذه القبائل، إلا أن مواقف أبرز زعماء القبائل وأكثرهم قوة لها أهميتها. ومن المعروف أن في كل قبيلة شخصيات يتم استقطابها من الجهات الفاعلة المختلفة. قد يعمل البعض مع الولايات المتحدة و”قسد”، بينما يعمل البعض الآخر مع تركيا والمعارضة السورية، وربما يتحالف آخرون مع روسيا وإيران ونظام الأسد.
تشكل القبائل الخمسة في شرق سوريا الغالبية العظمى من السكان العرب في المنطقة الخاضعة لنفوذ “قسد”، المدعومة من الولايات المتحدة، وتخضع معظم هذه القبائل، باستثناء أجزاء من قبيلة طيّ للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
يهيمن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (ب ي د) على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهي سلطة أمر واقع، بينما يشكل جناحها المسلح وحدات حماية الشعب (ي ب ك)، المكون الرئيسي لـ”قسد”. تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي كفرع سوري لحزب العمال الكردستاني التركي، وهو مدرج كمنظمة إرهابية لدى أنقرة وواشنطن. ولهذا السبب، يعتبر العديد من أفراد العشائر العربية أن وحدات حماية الشعب جزء من حزب العمال الكردستاني.
في 28 آب/ أغسطس 2023، عندما اندلعت الانتفاضة العربية في مناطق نفوذ “قسد” بمحافظة دير الزور، كانت إيذاناً بتحول كبير في ديناميكيات السلطة المعقدة في شمال شرق سوريا، ويعود سبب التمرد إلى اعتقال أحمد الخبيل (أبو خولة)، قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لـ”قسد”.
وتشير الظروف المحيطة باعتقال الخبيل إلى التوترات المتجذرة والمناورات الاستراتيجية التي تحدد الصراع الدائر في المنطقة.
في 27 آب/ أغسطس، دعت قوات سوريا الديمقراطية الخبيل وقياديين آخرين إلى اجتماع في قاعدة عسكرية بمحافظة الحسكة لحلّ خلاف وقع قبل شهرين من ذاك التاريخ. وبمجرد وصولهم، تم تطويق المجموعة واعتقال الخبيل.
أثارت طريقة التعامل مع الخبيل، من حيث دعوته إلى الاجتماع وثم اعتقاله، استياء محلياً واسع النطاق، خاصة أنها تشبه التكتيكات التي استخدمها تنظيم الدولة (داعش) سابقاً، كما قال العديد من وجهاء العشائر لكاتب المقال.
وتزامن اعتقال الخبيل مع تصاعد التوترات بين وحدات حماية الشعب والمجلس العسكري في دير الزور. إذ كانت عشيرة البكير، التي ينتمي إليها، قد اتخذت إجراءات ضد محاولات سابقة لإزاحته من منصبه.
وبينما تم تقديم اعتقال الخبيل على أنه في إطار حملة ضد الفساد، صرّح الجناح السياسي لـ”قسد” أن اعتقاله بسبب علاقته المزعومة مع إيران ونظام الأسد.
في البداية، أسفرت الانتفاضة عن تقدم كبير لقبيلتي العقيدات والبقارة على الأرض، حيث سيطرتا على المناطق الجنوبية من دير الزور، واحتجزتا أكثر من 100 شخص تابع لـ”قسد” بحلول الثالث من أيلول/ سبتمبر. وتمثلت مطالبهم الرئيسية في انسحاب وحدات حماية الشعب، والتعاون المباشر مع الولايات المتحدة، وبذل الجهود لتحرير مناطق غرب الفرات من سيطرة إيران ونظام الأسد.
وخلال أسبوعين من الاشتباكات، حشدت العشائر في مناطق النفوذ التركي بشمال غرب سوريا قواتها، كما شنت مجموعات من إدلب وعفرين ومناطق أخرى هجمات ضد “قسد”، لكن تقدمها لم يدم طويلاً بسبب الضربات الجوية الروسية.
وأشارت موسكو إلى أنها لن تسمح لقوات العشائر العربية الموالية لتركيا بالتدخل في الصراع ضد “قسد”، التي تشكل وحدات حماية الشعب القوة الأكبر فيها. بحلول الخامس من أيلول/ سبتمبر، استعادت “قسد” معظم الأراضي التي خسرتها.
وفي محاولة لإعادة الهدوء إلى المنطقة، سهّل مسؤولون أميركيون اجتماعاً مهماً بين “قسد” وممثلي العشائر في الثاني والثالث من أيلول/ سبتمبر، واستبعد آنذاك القادة الرئيسيين في الانتفاضة من هذا الاجتماع، الذي نتج عنه إعلان “قسد” عن تدابير تصالحية، فأطلقت سراح المقاتلين المحليين، وأصدرت عفواً عاماً، لكنها واصلت احتجاز شخصيات قبيلية مؤثرة.
الشعور بخيانة أميركية
عندما ثارت العشائر العربية ضد “قسد” في دير الزور، كان لديها أمل في أن تتلقى دعماً من الولايات المتحدة، وتحدّ الأخيرة من نفوذ وحدات حماية الشعب في المناطق ذات الغالبية العربية. ومن الناحية العسكرية، كانت فرصهم محدودة في مواجهة “قسد”، التي تشكل وحدات حماية الشعب القوة الأكبر منها.
لكن موقف الولايات المتحدة كان صادماً للعشائر، إذ اختارت واشنطن الوقوف إلى جانب وحدات حماية الشعب وقيادة “قسد”.
حضر نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، إيثان غولدريتش، وقائد عملية العزم الصلب في قيادة قوة المهام المشتركة، اللواء جويل فويل، اجتماع أيلول/ سبتمبر 2023 في دير الزور، واختاروا تجاهل لجنة التفاوض، التي أنشأتها العشائر العربية، واجتمعوا بدلاً من ذلك مع ممثلي العشائر الذين اختارتهم “قسد”، بالرغم من أنه لم يكن لهؤلاء الممثلين سلطة حقيقية أو سيطرة حقيقية على القبائل التي ادعوا تمثيلها.
وفي أعقاب الاجتماع، أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لـ”قسد” لقمع التمرد بالقوة، حيث شنت الأخيرة هجوماً استعادت فيه الأراضي التي خسرتها. انتهى آخر جيب للمقاومة، في بلدة ذيبان بريف دير الزور، باستسلام قوات العشائر العربية، وفرار قائدها، إبراهيم الهفل، إلى الجانب الغربي من نهر الفرات، الخاضع لسيطرة النظام، بحثاً عن ملجأ بين أبناء قبيلته.
شعر أبناء العشائر في دير الزور بخيانة أميركية. وقال أحد كبار شخصيات عشيرة العقيدات لكاتب المقال أنه يعتقد بأن التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، يدعم سراً التمدد الإيراني، ويتآمر مع ”حزب العمال الكردستاني“ لدفع القبائل إلى ايران.
ويبدو أن هذا الشعور نابع من خطأ في السياسة الأميركية وليس من مؤامرة، لكن من المهم أن يتم تداول نظريات المؤامرة هذه في دير الزور، وأن كبار الشخصيات القبلية عبّرت عن ذلك علانية. قال أحد كبار الشخصيات القبلية من عشيرة البقارة: ”لولا الولايات المتحدة، لما استطاع حزب العمال الكردستاني الحفاظ على سيطرته علينا“.
طلبت جميع المصادر، التي تواصل معها كاتب المقال، عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية تتعلق بها أو بأقاربها.
دخول إيران على الخط
بعد فرار إبراهيم الهفل إلى الجانب الشرقي من نهر الفرات، انتهزت إيران الفرصة وتحركت. ورغم العداء السابق بين الهفل وإيران ونظام الأسد، إلا أن الأخير -بتوجيه من إيران- خلق بيئة متساهلة مع قوات العشائر لمهاجمة الجانب الذي تسيطر عليه “قسد” من نهر الفرات باستخدام المناطق التي يسيطر عليها النظام كأرض انطلاق.
ومنذ ذلك الحين، رفعت إيران مستوى التعاون بين نظام الأسد والهفل، من مجرد السماح له بالوصول إلى تسهيل الاشتباك المباشر. وفي شباط/ فبراير الماضي، التقى الهفل مع شخصيات عشائرية موالية للنظام في دمشق واتفقوا على تنسيق العمل بشكل أكبر. ومنذ ذلك الحين، تواصل القوات العشائرية الموالية له مهاجمة قوات “قسد” ونقاط التفتيش التابعة لها في شرق دير الزور.
وفي حين تستخدم إيران هذه الاستراتيجية في دير الزور، شرق سوريا، فإنها تسعى إلى تحقيق أهداف مماثلة بوسائل أخرى في الشمال الشرقي.
يتسم شمال شرق سوريا، ولا سيما المنطقة المحيطة بمدينة القامشلي في محافظة الحسكة، بتركيبة ديموغرافية مميزة. ففي القامشلي، يتركز السكان الأكراد في الشرق والغرب، على طول الحدود التركية، بينما يعيش العرب والكرد معاً في وسط المدينة.
وينتمي معظم العرب في هذه المنطقة إلى قبيلة طيّ، التي دعمها حزب البعث تاريخياً، واستوطنوا في المنطقة كجزء من سياسات التعريب في السبعينيات. ونتيجة لذلك، يستمر نفوذ النظام في المدينة من خلال وجود قبيلة طيّ. واليوم، تخضع القامشلي بشكل رئيسي لسيطرة “قسد” في حين يحتفظ النظام بوجوده في مطارها وأحياء قبيلة طيّ.
ومع ذلك، تندلع اشتباكات من وقت لآخر بين “قسد” وقوات الدفاع الوطني، المؤلفة بشكل رئيسي من قبيلة طيّ، وغالباً تنتهي الاشتباكات بانتصار “قسد” أو تؤدي إلى حلول بوساطة روسية. وعادة، يقف الضباط الروس إلى جانب “قسد” في هذه الوساطات، بينما تدعم إيران قبيلة طيّ بشكل مباشر.
في الآونة الأخيرة، وفّر حزب الله، المدعوم من طهران، تدريباً عسكرياً وأسلحة لأفراد القبيلة في القامشلي، كما تدفع إيران الرواتب.
وكأداة من أدوات القوة الناعمة، تبذل إيران جهداً دعائياً تجاه قبيلة طيّ، ساعيةً إلى سردية مشتركة تستند إلى أحداث تاريخية، لا سيما دعم قبيلة طيّ للخليفة علي بن أبي طالب في معركة صفّين في القرن السابع. وتهدف إيران من خلال استخدام هذه الرواية إلى الالتفاف على الخلافات بين السنة والشيعة وبناء تاريخ مشترك.
ورغم هذا الدعم، تتمتع “قسد” بالتفوق اللوجستي في القامشلي. تدرك إيران أنها لا تستطيع تحقيق التوازن مع “قسد” من دون دعم روسي مباشر، وهي تعمل على خلق وجود عسكري بديل لعشيرة طيّ في دير الزور، حيث يتم إنشاء تشكيلات عسكرية جديدة في المناطق التي تهيمن عليها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
ويبقى أن نرى ما هو تأثير انتخاب الرئيس الإيراني الإصلاحي الجديد مسعود بزشكيان على سياسة البلد في سوريا. الواضح أن طهران لديها استراتيجية طويلة الأمد لبناء علاقات مع القبائل العربية استعداداً لانسحاب القوات الأميركية المحتمل من سوريا، ويبدو أن هذا الأمر لن يتغير على الأرجح. فكما هو الحال في العراق المجاور، وضعت إيران نفسها في موقع استراتيجي لتكون جاهزة لملء الفراغ.
وتتوقع إيران أن الولايات المتحدة لن تنسق عملية الانسحاب مع تركيا، لذا فإنها تهدف إلى الاستفادة من انسحاب غير منسق ومفاجئ. وتحقيقاً لهذه الغاية، نشرت إيران ميليشيات تدعمها على طول نهر الفرات لضمان الهيمنة في المنطقة.
كذلك، عززت وجودها على طول الحدود العراقية السورية عبر قوات الحشد الشعبي العراقية بالقرب من منطقة القائم وجبل سنجار. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت إيران في علاقتها مع عشيرة طيّ في القامشلي الواقعة بالقرب من الحدود التركية السورية.
هدف طهران واضح، بمجرد انسحاب الأميركان يمكن لإيران وأتباعها التقدم من الغرب والجنوب والشرق، مع الاستفادة من قبيلة طيّ في الشمال للوصول إلى الحدود التركية، قبل أن تتاح لأنقرة فرصة شن عملية عسكرية خاصة بها في هذا الجزء من سوريا، التي تهدد بها منذ فترة طويلة.
إنّ الحد من النفوذ والوجود التركي في سوريا هو هدف جيوستراتيجي إيراني. ومع ذلك، هناك عقبة محتملة تتمثل في القبائل العربية، شرق نهر الفرات، غير المتحالفة مع إيران. إذا قاومت هذه القبائل، فقد يتم إعاقة تقدم إيران، ما قد يمنع القوات، التي تدعمها من الوصول إلى الحدود التركية السورية في الوقت المناسب.
ويتوقف نجاح إيران على السرعة والاستفادة من الانسحاب الأميركي المفاجئ. في هذا السيناريو، من المتوقع أن تخرج القوات الأميركية من الجنوب إلى الشمال عبر معبر فيشخابور إلى كردستان العراق. وإذا تمكنت إيران من مواكبة هذا السيناريو، فلن تتمكن تركيا من التدخل حتى يكتمل الانسحاب الأميركي.
يصبّ قرار الولايات المتحدة بعدم دعم تطلعات القبائل العربية المعارضة لهيمنة وحدات حماية الشعب الكردية في صالح إيران، ويوفر لها فرصة كبيرة. ومع تغيير قبيلة الهفل لولائها، من المرجح أن تساعد قبيلة العقيدات إيران في التقدم شرق الفرات. وبين قبيلتي العقيدات وطيّ هناك قبائل البقارة وشمّر والجبور، تحاول إيران حالياً كسب دعم هذه القبائل لها.
لاعبون آخرون
في البداية، دعمت قبيلة البقارة الانتفاضة العربية ضد “قسد”، ومن ثم قررت في وقت لاحق التصالح مع قيادة “قسد”. ولكن، خلال هذه العملية، لم تتمكن القبيلة من التعامل مباشرة مع الولايات المتحدة لأن “قسد” تمنع القبائل من مقابلة المسؤولين الأميركيين بشكل مباشر، وتحصر التعامل مع الشخصيات التي توافق عليها فقط.
قال أحد كبار الشخصيات من “البقارة” لكاتب المقال أن “الشيخ حاجم البشير، هو الوحيد من قبيلتنا، الذي يمكنه التحدث مع الأميركان”، البشير هو الرجل الأبرز في قبيلة البقارة، الذي اختار التصالح مع “ٌقسد”.
وفيما تحدّ الولايات المتحدة من تدخلها من خلال السعي للحصول على موافقة قيادة “قسد”، تتواصل إيران بشكل متزايد مع البقارة. وتستخدم طهران نواف البشير كممثل لها للتواصل مع القبيلة وتجنيد أبناء القبيلة في صفوفها، حيث يشهد لواء الباقر ارتفاعًا في عدد المجندين. وقال الشخص نفسه من البقارة: ”يختار العديد من شبابنا الانضمام إلى إيران للقتال ضد حزب العمال الكردستاني“.
وبرعايةٍ إيرانية، عقد نظام الأسد في أيار/ مايو اجتماعاً لشخصيات عشائرية مؤثرة، من بينهم إبراهيم الهفل من عشيرة العقيدات، والشيخ علاء اللباد من عشيرة البوشعبان في الرقة، وصبحي الحنان، وهو عضو بارز في عشيرة البقارة، وأعلنوا عن تشكيل وحدة عسكرية جديدة باسم سرايا البوشعبان.
أما الظفر بقبيلتي الجبور وشمّر كان أكثر صعوبة، إذ قال أحد كبار الشخصيات في الجبور: “نحن ضد إيران، ولن نسمح لهم بدخول مناطقنا“. تتشابه هذه المشاعر مع تلك التي عبّرت عنها قبيلة العقيدات قبل انتفاضة 2023 وتداعياتها.
لم تشارك قبيلة الجبور في الانتفاضة، وبالتالي تجنّبت التعرض للقمع، لكن إذا وقع حدث مشابه أو تصعيد مباشر بين “الجبور” وقوات “قسد”، فقد يؤدي ذلك إلى نتيجة مماثلة لما حدث من قبيلة العقيدات.
ورغم صحة ذلك، إلا أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار شخصية مهمة: محمود المسلط، وهو أحد أفراد عائلة المسلط البارزين في عشيرة الجبور، الذي كان يقيم سابقاً في الولايات المتحدة. بعد إعلان التحالف الوطني السوري الديمقراطي عن عقد اجتماعي جديد في أواخر عام 2023، تم اختيار المسلط رئيساً مشاركاً لمجلس سوريا الديمقراطية، التابع للتحالف الوطني السوري.
لكن، محمود المسلط لا يمثل عائلته بأكملها، إذ إن سالم المسلط، الذي يتمتع بمطالبة أقوى بالزعامة القبلية بسبب النسب، يقود المعارضة السياسية السورية المدعومة من تركيا، فيما انضم أفراد آخرون من العائلة، مثل رفيق مجير المسلط، وحسن المسلط، ونواف عبد العزيز المسلط، إلى إيران، ولديهم نحو مئات من الرجال المسلحين الذين يقاتلون لصالح إيران في سوريا، وفقاً لشخصية قبلية بارزة. وفي تواصله مع قبيلة الجبور، قال إن إيران تكرمها من منظور ديني، مؤكدة على نسب القبيلة إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
بينما تختلف قبيلة شمر عن القبائل الأربع الأخرى في شرق سوريا، وهي قبيلة بدوية لها تاريخ طويل من العلاقات مع الكرد في المنطقة، حيث دعمتهم خلال الحرب العراقية-الكردية بين عامي 1961 و1975، وتتحالف قبيلة شمر مع قوات سوريا الديمقراطية، وتساعدهم في قوات الصناديد.
في الختام، عززت استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا، من دون قصد، نفوذ إيران بين القبائل العربية. باختيارها دعم “قسد” على حساب العشائر في انتفاضة 2023 بمحافظة دير الزور، نفّرت واشنطن العشائر، الذين شعروا في موقفها خيانة. وقد دفع ذلك العديد من الزعماء العشائر إلى التحالف مع إيران، التي سارعت إلى استغلال الوضع من خلال تقديم الدعم وإقامة علاقات استراتيجية معهم.
وتتمثل استراتيجية إيران على المدى الطويل في الاستعداد لانسحاب أميركي محتمل من خلال ترسيخ وجودها القوي عبر هذه التحالفات، وبالتالي ضمان هيمنتها الإقليمية، وقد أتاح قرار الولايات المتحدة بالدعم غير المشروط لـ”قسد” لإيران فرصة حاسمة لتوسيع نفوذها في سوريا.