من إدلب إلى حماة: معلمون يركبون رحلة الخوف والموت لاستلام رواتبهم
يتلقى مدرسو المدارس العامة في محافظة إدلب، رواتبهم من الحكومة [...]
27 نوفمبر 2016
يتلقى مدرسو المدارس العامة في محافظة إدلب، رواتبهم من الحكومة السورية من خلال اتفاقية استثنائية بين الثوار الذين يسيطرون على شمال غرب المحافظة والنظام. ولكن حتى يستلمون الراتب المقدر بـ35 ألف ليرة سورية شهرياً، على مدرسي إدلب أن يسافروا إلى محافظة حماة جنوباً.
والانتقال من مناطق سيطرة الثوار إلى مناطق سيطرة النظام، ليس بالأمر السهل. وبالنسبة لأحد المدرسين، تستغرق الرحلة التي تبلغ مسافتها 80 كم إلى حماة جنوباً، نحو خمس ساعات، وتتضمن المرور على عشرات الحواجز التابعة للنظام.
يسرد وليد ذو 39 عاماً، لبهيرة زرير وسارة العبيد، مراسلتين في سوريا على طول، أحد المواقف التي التي مر بها خلال رحلته،
ويقول “ذات يوم كنا ذاهبين في سيارة خاصة لزميل لي وتجمعنا 4 أساتذة لكي نستلم الراتب ونوفر الوقت ونتقاسم الأجرة فيما بيننا”.
و”عند أحد الحواجز، قال عسكري لزميله وهو يضع يده على شباك السيارة: شو رأيك بهدول الأساتذة الزبالة يلي عم يدرسوا قال مناهجنا؟”.
شعار مديرية التربية في حماة. حقوق نشر الصورة لـ مديرية التربية في حماة
وليد هو واحد من عشرات معلمي إدلب في القطاع العام الذين مازالوا يدرسون المناهج الدراسية الصادرة من وزارة التربية والتعليم السورية.
وقال المدرس “أخاف جداً من أن أوقف على أحد الحواجز، أو أن اسمع أن اسمك موجود لدينا”.
وأضاف “رحلة استلام الراتب، هي رحلة الموت بنكهة مختلفة عن الموت بالقذائف أو التفجيرات، (…) إنها أشبه برحلة عذاب نفسي على امتداد الطريق”.
- وليد، 39 عاماً، مدرس للغة العربية في مدرسة موقا بإدلب
أنت مدرس يعيش ويعمل في مناطق المعارضة. حين تذهب إلى مناطق النظام وتمر على الحواجز، لستلم راتبك، آلا تخشى الاعتقال؟
نعم، هذه رحلة الموت بنكهة مختلفة عن الموت بالقذائف أو التفجيرات، هذه رحلة العذاب النفسي، في كل رحلة لاستلام لراتب، أودع فيها زوجتي وأطفالي، وأشعر كأنني سوف أعتقل، أو أموت.
وخلال رحلتي الطويلة لاستلام الراتب من إدلب إلى حماة يوجد الكثير من الحواجز، طوال فترة الطريق، أشعر بالخوف الشديد من أن أوقف على أحد الحواجز، أو أن اسمع أن اسمك موجود لدينا أو أي موقف، لأنه في كل منطقة محررة هناك مخبرين للنظام.
فالطريق الذي أسير عليه خطير جداً، وعند الوقوف عند كل حاجز تفتيش أشعر من نظراتهم وكأني عدوهم ويريدون كلمة لكي ينتقموا مني، كأنني أسير في غابة وحوش لكي أصل إلى بر الأمان، ولكن أنا مضطر للمغامرة من أجل الحصول على الراتب لأسد به حاجة أطفالي ولا يوجد باليد حيلة.
حدثني أكثر عن رحلتك إلى مناطق النظام؟
نواجه عدة مشاكل منها المسافة، لم تعد كما هي فتستغرق 5 ساعات فعدد الحواجز التي على الطريق 30. وقبل الحرب كانت تستغرق 80 دقيقة، أذهب بالباص ويكلفني السفر 14 ألف ليرة سوري، ما يقارب نصف الراتب لولا حاجتي الماسة، وهذه الظروف التي أمر بها، ووضع البلد، وأطفالي لن أذهب إليهم.
وما إن أصل إلى حماة، تجد الطوابير الطويلة أمام مديرية التعليم والازدحام الكبير عند معتمد الرواتب، ودائما ينتابني الخوف بأن يقولوا لي عليك مراجعة الفرع لتستلم الراتب وناهيك عن الخوف من نهب الرواتب على الحواجز أثناء العودة.
هل تعرضت لموقف ما على طريق السفر، مضايقات أو تم الإساءة إليك يوماً على حواجز النظام كونك من المناطق الخارجه عن النظام؟
مواقف ليس موقف، أكثر موقف لم يُمح من ذاكرتي أبداً، كنا ذاهبين في سيارة خاصة لزميل لي وجمعنا 4 أساتذة لكي نستلم الراتب ونوفر وقت وأجرة، ونحن على الطريق، وعند أحد الحواجز، قال عسكري لزميله وهو يضع يده على شباك السيارة: شو رأيك بهدول الأساتذة الزبالة يلي عم يدرسوا قال مناهجنا.
سكتنا ولم نرد ولا بكلمة، ثم قال لنا كأنه لم يعجبكم الوضع، نزّلنا من السيارة وأمر بتشليحينا كل ما نرتدي من ملابس، أهان كرامتنا.
لم يبق لدينا شيء سوى كرامتنا، خسرنا وطننا، وبيتنا، ولكن لن تذهب الكرامة والعزة مهما فعلوا بنا، بقينا على هذا الحال ساعة وكل سيارة تمر تنظر إلينا أليس الموت أهون علينا من هذا الموقف، في هذه اللحظة تمنينا الموت ولا أن يتكرر هذا الموقف مرة أخرى.
هل يطلب منك أن تدفع رشوة للجنود على الحواجز؟
هذا شيء طبيعي بأن يطلب منا راتبنا، الرشاوي للحواجز ضرورية جداً، للعبور والمضايقات موجودة في كل سفرة وفي كل حاجز هناك تفتيش دقيق جداً، ويمنعون كل شخص تولد حماه من الخروج إلى محافظة إدلب.
وفي إحدى رحلاتي لاستلام الراتب، أنا وزميل لي، وفي طريق عودتنا وعند أحد الحواجز، قال لزميلي لقد سمعنا أنك مقدم على مسابقة توظيف في الائتلاف أنت على رأس عملك، كان هذا أخر حاجز للدخول إلى بلدتي، قال له أعطيني كل المبلغ أو سأحولك لتحقيق.
وكانت الحواجز التي قبله أخذت منه أيضاً، وأخذوا ما تبقى ولم يستطع أن يتحدث بأي كلمة وضاع الراتب وضاعت معه لقمة عيش أطفاله.
ترجمة: فاطمة عاشور