7 دقائق قراءة

من الباب إلى الحدود: اعتقال 1,100 لاجئ سوري وترحيل 600 من لبنان

تثير عمليات الترحيل الأخيرة "من الباب إلى الحدود" الرهبة والخوف في أوساط السوريين في لبنان، إذ اعتُقل في شهر نيسان أكثر من 1,100 لاجئ سوري، وتم ترحيل أكثر من 600 شخص منهم إلى سوريا.


9 مايو 2023

أثينا- منذ نيسان/ أبريل، شنت السلطات اللبنانية حملة ترحيل غير مسبوقة بحق اللاجئين السوريين على أراضيها، واعتقلت تعسفياً أكثر من 1100 شخص، رحّلت منهم نحو 600، بحسب أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من مصدر رفيع المستوى، يعمل في الميدان الإنساني.

واعتُقِل أربعة من المرحّلين إبان عودتهم إلى سوريا، بحسب سحر مندور، باحثة متخصصة بالشأن اللبناني في منظمة العفو الدولية، مؤكدة أن المنظمة “وثقت اعتقال أربعة [أفراد] لأنهم كانوا منشقين [عن الجيش]، وأُعطِي المتخلفين عن الخدمة العسكرية مهلة عشرة أيام للالتحاق بالجيش”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.

من جهته، وثق مركز وصول لحقوق الإنسان، حتى 29 نيسان/ أبريل، “اعتقال اثنين من الذين تم ترحيلهم على يد الفرقة الرابعة في الجيش السوري”، وفق محمد حسن، المدير التنفيذي للمركز.

تمثل الموجة المستمرة من المداهمات والترحيل في جميع أنحاء لبنان، من زحلة إلى عكار حتى بيروت، نقطة فارقة في مسار الجهود التي تبذلها الطبقة الحاكمة في لبنان منذ سنوات، لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

“في نيسان/ أبريل، أُبلِغت المفوضية بما لا يقل عن 73 [مداهمة] موثَّقة في جميع أنحاء البلاد، تشمل لاجئين معروفين ومسجلين لدى المفوضية”، قالت باولا باراتشينا، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، لـ”سوريا على طول”. 

بلغت عمليات الإعادة القسرية خلال الحملة الأخيرة ذروةً غير مسبوقة بترحيل أكثر من 600 سوري من لبنان في شهر نيسان/ أبريل وحده، فيما تم ترحيل 154 سورياً في عام 2022 بأكمله، و59 شخصاً في عام 2021، وفقاً للبيانات التي جمعها مركز وصول لحقوق الإنسان.

ناهيك عن الارتفاع الكبير في أعداد المُرحَلين، لم يسبق أن كانت أساليب الترحيل على هذا النحو، بحسب مندور، مشيرة إلى أن “عمليات الترحيل [الأخيرة] كانت سريعة جداً، وعقب المداهمة يجد الناس أنفسهم على الحدود دون إبلاغهم بالترحيل”.

واللافت أن ينفذ الجيش اللبناني، على غير المعتاد، عمليات الترحيل، بدلاً من المديرية العامة للأمن العام، كما قالت مندور، بينما “في العادة، حتى لو اعتقل الجيش شخصاً ما، فإن الأمن العام هو الذي يتخذ قرار الترحيل”.

حرمت عمليات الترحيل العاجلة هذه من الباب إلى الحدود، الناس  من حقها بموجب القانون اللبناني في الطعن في عملية ترحيلهم. وفي ذلك، قال محمد صبلوح، محامي ومدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين بطرابلس أن “المداهمات نفذت بطريقة تتنافى مع القانون”.

ودعا صبلوح إلى فتح تحقيق في الانتهاكات التي ارتكبها الجيش اللبناني خلال مداهماته الأخيرة من أجل الترحيل، قائلاً: “يداهم الجيش المخيمات والمنازل دون مراعاة حرمة البيت، ويأخذون الناس وهم نيام”.

وقالت مندور: “نرى رجالاً ونساءً وأشخاصاً من جميع الأعمار، عائلاتٍ فُصِلت عن بعضها؛ أطفالاً يتم ترحيلهم وأسرهم هنا أو العكس. يعود طفل من المدرسة ليجد منزله خالياً بعد ترحيل والديه”.

إلى الآن، ما تزال عمليات الترحيل في لبنان تتطلب أمراً من المحكمة أو قراراً من المديرية العامة للأمن العام، التابعة لوزارة الداخلية، لكن من ضمن الإجراءات الرئيسية المطبقة لترحيل السوريين في السنوات الأخيرة، إجراء إداري استند إلى قرار صادر عن “المجلس الأعلى للدفاع” في أيار/ مايو 2019، يقضي بإعادة أي سوري، دخل لبنان بشكل غير نظامي بعد نيسان/ أبريل 2019، إلى بلده دون الرجوع إلى أمر من المحكمة.

بموجب هذا الإجراء، أُعيِد قسرياً 6,345  سورياً حتى أيلول/ سبتمبر 2021. كانت معظم عمليات الترحيل المسجّلة في عامي 2021 و2022 لسوريين يحاولون السفر بحراً من لبنان إلى قبرص، ولكن ألقي القبض عليهم وأعيدوا، لأن السلطات اللبنانية اعتبرت أن تاريخ دخولهم بعد عام 2019. 

وصفت مندور قرار 2019 بـ”التعسفي”، مشددةً على أن “الأوراق ووضع الإقامة ليس سبباً كافيا يسوغ ترحيل الأشخاص إلى مكانٍ تهدد فيه حياتهم بالخطر”.

الحملة التي شنها الجيش في نيسان/ أبريل تذهب إلى ما هو أبعد من تطبيق ذلك القرار، فمن قبل كانت عمليات الترحيل بإجراءات سريعة تقتصر على أولئك الذين دخلوا بعد نيسان/ أبريل 2019، آما الآن “فحتى معايير 2019 هذه، لا يتم احترامها”، بحسب مندور، مضيفة: “هناك أشخاص دخلوا لبنان في سنوات مغايرة تماماً [ لهذا التاريخ]،  ابتداءً من عام 2012، ومع ذلك يتم ترحيلهم”.

وعليه، فإن أي سوري لا يملك تصريح إقامة ساري المفعول بات الآن عرضةً لخطر الترحيل، وهذا المعيار ينطبق على 83% من اللاجئين في لبنان، الذين يُقدر عددهم بنحو 1.5 مليون لاجئ، وفقاً لأحدث بيانات الأمم المتحدة. 

“أخاف داخل منزلي”

 

حبس أبو ريان*، لاجئ سوري، نفسه داخل منزله في لبنان بعد إبلاغه بأنّه معرَّض لخطر الترحيل. في أواخر نيسان/ أبريل، جاءه اتصال من فرع أمني لبناني وطلب منه الحضور إلى مركزهم لإجراء “استجواب روتيني”.

بعد استشارة محامٍ، أُبلِغ أبو ريان أنَّ هناك شكوى ضده لاعتدائه على أحد أفراد جهاز الأمن في لبنان، وهو اتهام لا أساس له من الصحة،  ولذلك هناك أمر بترحيله، كما قال لـ”سوريا على طول”، واصفاً حالته النفسية بأنها “تحت الصفر”.

لا يملك أبو ريان تصريح إقامة، لكنه مسجَّل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويتلقى مساعدة نقدية شهرية. وبعد حملة ترحيل السوريين “اتصلت بالمفوضية 250 مرة ولم يردوا علي”، وفقاً له.

أبو ريان ناشط في مجال حقوق الإنسان، كما يصف نفسه، ومنذ سنوات يؤيد علناً حقوق اللاجئين سواءً في المظاهرات أو على وسائل التواصل الاجتماعي، ويخشى أن يجعله نشاطه هذا مستهدفاً من قبل السلطات السورية إذا تم ترحيله. 

لكن هاجسه الأساسي الآن ليس الخوف على نفسه، وإنما: من سيعتني بشقيقه، الموجود أيضاً في لبنان، المصاب بالشلل والصرع نتيجة تعرضه لتعذيبٍ وحشي في السجون السورية.

كحال أبو ريان، لا يغادر أبو سعيد* منزله الواقع في ضواحي إحدى المدن اللبنانية، معللاً ذلك: “إن خرجت، قد يحتجزونني عند أي نقطة تفتيش في أي لحظة”، كما قال، مضيفاً: “حتى داخل منزلي، أخاف أن يأتوا ويداهموه”.

يواجه أبو سعيد خطراً كبيراً بالاعتقال إن تم ترحيله، كونه كان محتجزاً، قبل لجوئه إلى لبنان، لتسعة أشهر في أكثر من مركز احتجاز في سوريا، ولولا أن دفعت عائلته رشوة لما خرج من السجن. أما والده الذي اعتقل أيضاً لم ينج، وعثرت عائلته على صورته، فيما بعد، ضمن صور قيصر، وهي آلاف الصور التي تظهر جثث المعتقلين، التي سربها مصور منشق عن الشرطة العسكرية. 

لطالما ناصر أبو سعيد حقوق اللاجئين بصفته عضو في رابطة عائلات قيصر، وشارك في العديد من الاعتصامات أمام مكاتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت، ولكن في خضم الحملة الأخيرة، قلما يغامر بالخروج من منزله كونه لا يملك تصريح إقامة.

لكل من أبو سعيد وأبو ريان أسبابه التي تجعله متوجساً قلقاً، فضلاً عن حالات الاعتقال الأربعة الموثقة لسوريين تم ترحيلهم من لبنان منذ نيسان/ أبريل، وثقت منظمة العفو الدولية في عام 2021 وحده ” تعرض 66 لاجئاً للإيذاء والاحتجاز والتعذيب والإخفاءٍ قسري، من بينهم 13 طفلا، أكثرهم عائدون من لبنان”، إلى سوريا، بحسب مندور.

وفي العام نفسه، وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش حالات تعرَّض فيها العائدون للتعذيب أو الخطف أو القتل. منذ عام 2014، اعتُقِل 3083 من أولئك الذين عادوا، منهم 864 أُخفُوا قسرياً، وفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعادت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا التأكيد أن سوريا “ما تزال مكاناً غير آمن للعودة”. تمثل موجة الترحيل الأخيرة في لبنان انتهاكاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية، أي التزام الدولة بموجب القانون الدولي بعدم إعادة أي شخص إلى بلد قد يواجه فيه خطر التعذيب أو الاضطهاد، كما أنها تنتهك اتفاقية مناهضة التعذيب، التي صادق عليها لبنان.

“لا توجد أي بيئة آمنة أو عودة كريمة ودائمة إلى مناطق اللاجئين السوريين الأصلية. وبالتالي، فإن الترحيل لهم من قبل السلطات اللبنانية هو انتهاك واضح لحقوق الإنسان”، كما قال حسن، المدير التنفيذي لمركز وصول لحقوق الإنسان.

في السنوات الأخيرة، لاسيما منذ الانهيار الاقتصادي في لبنان عام 2019، انتشر الخطاب المعادي للاجئين في لبنان، وطالبت العديد من الأحزاب السياسية علناً بعودة 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان. ضخَّمت سلسلة الخطوات الإقليمية الأخيرة الرامية للتطبيع مع بشار الأسد الدعوات المنادية بإعادة السوريين، والتي يكتنفها معلومات مضللة عن وضعهم في لبنان.

“لقد شاهدنا أخباراً مزيفة عن تقاضي اللاجئين أموالاً بالدولار من المفوضية، كما لو أن اللاجئين يعيشون في الجنة داخل هذا الجحيم الكبير، وهذا غير حقيقي”، وفقاً لمندور.

يعيش نحو 90% من السوريين في لبنان تحت خط الفقر، وقد خفّضّت المفوضية المساعدات النقدية الشهرية، المدفوعة بالليرة اللبنانية، نظراً لمحدودية الميزانية التمويلية.

يعيش ثلاثة أرباع سكان لبنان، البلد الذي يضم أعلى معدل للاجئين في العالم، بالنسبة لعدد أفراده، في براثن الفقر منذ عام 2019 في ظل أزمة اقتصادية وصفها البنك الدولي  بأنها “كساد اقتصادي مُتعمَد وراءه النخبة في البلاد”.

استخدام اللاجئين ككبش فداء من قبل هذه النخبة نفسها ليس جديداً ولا يفاجئ المحامي صبلوح، معتبراً أنه “بهذه السلوكيات العنصرية التي تنتهجها الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، يحاولون إظهار أن الأزمة اللبنانية سببها مرتبط بوجود اللاجئين السوريين”.

ويستضيف لبنان وحده عدداً من اللاجئين السوريين يفوق العدد الذي يستضيفه الاتحاد الأوروبي بأكمله. وعليه، ودعت مندور المجتمع الدولي إلى “اتخاذ قرارات إعادة توطين أسرع وأشجع وأوسع نطاقا”. 

من جانبه، قال حسن: على مفوضية الأمم المتحدة، في إطار دورها الذي يقتضي حماية اللاجئين السوريين، “الوقوف على مسؤولياتها بالتحرك من أجل إيقاف عمليات الترحيل القسري للاجئين من لبنان”. وهو ما أيدَّته مندور، مع إقرارها بعدم وجود مذكرة تفاهم مبرمة بين مكتب المفوضية والجيش اللبناني، كما هو الحال مع الأمن العام، ما يجعل دورهم معقداً في موجة الترحيل الأخيرة.

وأضافت مندور: “لا تملك المفوضية تفويضاً للتواصل مع الجيش بخصوص اللاجئين أو زيارة مراكز الاحتجاز الخاصة بهم، ما يجعل الأمر مُفزِعاً جداً وجديداً كلياً”.

وقالت باراتشينا، المتحدثة باسم المفوضية في لبنان، أنًّ “المفوضية تواظب على متابعة هذا الأمر وتناقشه مع الجهات المعنية”، مضيفة أن الوكالة “ما تزال تدعو بقوة إلى احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان والحيلولة دون الإعادة القسرية”.

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعادت السلطات اللبنانية بالتنسيق مع السلطات السورية خطة العودة الطوعية التي يعود تاريخها إلى عام 2018، رغم تعليق العمل بها خلال سنوات جائحة كوفيد-19. بحسب بيانات الأمم المتحدة، عاد طواعية 9,711 سورياً من لبنان، في عام 2022، ليصل العدد الإجمالي للعائدين إلى 76,290 منذ عام 2016. 

* تم استخدام أسماء مستعارة لدواعٍ أمنية.

 تم نشر هذا التقرير أصلاً في الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال