من المنفى، الكاتب السوري أسامة العمر: الكلمة تقفُ عاجزة ومذهولة أمام تسونامي الجنون والحقد الذي يجتاحُ العالم
في عام 2008، غادر الكاتب السوري أسامة العمر دمشق إلى […]
3 أغسطس 2017
في عام 2008، غادر الكاتب السوري أسامة العمر دمشق إلى شيكاغو. في ذلك الوقت، اتصل ضابط مخابرات بصحيفة محلية نشرت واحدة من قصص العمر كان البسطار العسكري شخصية رئيسية فيها. أراد الضابط معرفة مكان تواجد كاتب القصة، حينها خرج العمر من سوريا ولم يعد إليها، تماما كغيره من الشبان السوريين.
يقول العمر لمراسلة سوريا على طول، سما محمد “وضعي كمراقب لما يجري في سورية هو وضع العاجز المتألم الذي لا يستطيع فعل شيء أمام هذا الجحيم الذي يلتهم سوريا والسوريين”.
ولد العمر في دمشق عام 1968، ودرس الأدب العربي في جامعة دمشق. وقبل هجرته إلى الولايات المتحدة في عام 2008، نشر العمر عملا كاملا له في سوريا ولبنان، وعرف كـكاتب لنوع مختلف من الأدب وهو “القصة القصيرة جدا”، وهو نوع من الكتابة الأدبية في العالم العربي نصوصه مشبعة بالرمزية القوية.
تحمل قصص العمر رسالة سياسية واضحة، وتوظف مجموعة من الشخصيات المختلفة- الحيوانات والنباتات والأدوات المنزلية، وغيرها من الأمور- لتؤدي أدوارا فكاهية في ظاهرها.
العمر في مهرجان أصوات أدبية عالمية في عام 2014.
صدرت أول مجموعة كاملة للعمر باللغة الإنجليزية، بعنوان أسنان المشط وقصص أخرى- ترجمها للإنجليزية C.J. Collins بمساعدة العمر، وأحدثت ضجة كبيرة كما أثارت إعجاب الكثيرين بعد نشرها في نيسان الماضي وذلك لعباراتها الحادة وتوظيف الرمزية بشكل مميز في القصص.
وتم تقديم العمر في The Los Angeles Review of Books and The Chicago Tribune على أنه كاتب متميز في القصص القصيرة. كما أشادت الكاتبة القصصية المشهورة ليديا ديفيس بعمله واصفة إياه بأنه “إبداعات خيالية سحرية …ذات أهمية وأثر كبير” في مقالة نشرت عام 2013 في صحيفة نيو يوركر.
تقدم قصص العمر، من خلال رمزيتها والتلاعب اللغوي المستخدم فيها، نقدا لاذعا للاستبداد والاضطهاد وعدم المساواة الاجتماعية في سوريا والعالم. ويقول العمر بأن القلم هو سلاحه الوحيد.
“للأسف سلاح القلم هو الأضعف لكن ذلك لن يثنيني عن الإصرار على استعماله حتى آخر لحظة من عمري”.
يعيش العمر الآن في بيتسبرغ، ككاتب مقيم في City of Asylum، وهي منظمة أدبية توفر ملاذا آمنا للكتاب والمؤلفين في المنفى. ويعمل حاليا على كتابة رواية شبيهة بالسيرة الذاتية تتحدث عن العلاقات في زمن الحرب.
أود أن أسألك عن فكرة نص “حقيبة الأمة”: الخوف من أن الحرب السورية لم تتسبب بالنزوح والموت فقط، بل إن الصراع دمر الإرث الثقافي والحضاري- في حين أن العالم يسمع أخبارا عن سوريا تتعلق بالحرب فقط. كيف يتمكن الأدب والفن من تغيير هذه الظاهرة؟
لقد نشرتُ هذه القصة في كتابي ( جميع الحقوق غير محفوظة ) في عام 2008 قبيل هجرتي الى أميركا بشهور قليلة، وأردتُ أن أعبّرَ فيها عن فكرة أنّ الاستبداد لا يُدمّر الإنسان فحسب وإنما يُدمّر أيضاً التاريخ والإرث الحضاري والثقافي للأمة، ويدمر سمعتها على مستوى العالم. العالم يدرك تماماً بأن الإرث الحضاري في سوريا يتعرض للدمار مثله مثل الانسان، لكن للأسف السياسات الدولية لا تأبه لذلك، الشيء الوحيد المهم بالنسبة لها هو مصالحها السياسية والاقتصادية.
في قصتك “رسالة حب”، أشرت إلى “انتظار غودو”، مسرحية صاموئيل بيكيت العبثية، والتي تعد مرجعا فريدا. وجدت في قصصك طابعا عبثيا – مقص الأظافر الذي يعتقد أن الهلال هو إلهه، الثوم الذي يشكو من رائحة الزهور القريبة. كيف يتيح لك استخدام العبثية الجمع بين الفكاهة والحزن العميق في نفس القصة؟
العبثية هي بطبيعتها تتضمن الفكاهة والحزن العميق، فنحن عندما نسخر من آلامنا فإننا نضحك في نفس الوقت، لقد قال شارلي شابلن ذات يوم بأنه أتعسُ إنسانٍ في العالم!
[يشير العمر هنا إلى اقتباس ينسب للمخرج والممثل الكوميدي شارلي شابلن: “لكي تضحك بعمق، عليك أن تتعلم كيف تتعامل مع أوجاعك الخاصة وتلعب بها”. عاش شابلن طفولة قاسية، حيث عانى من الفقر بعد موت والده، وساءت الحالة الصحية والنفسية لوالدته].عندما يصل الحزن إلى نهاية ضفافه .. إلى حدوده القصوى، فانه يصبح على تماسٍّ مباشر مع الدعابة والضحك، وتلك برأيي هي إحدى الميزات الرائعة للنفس الإنسانية، لأنها بذلك تُشكّل صمّام الأمان للإنسان من الانهيار، أما بالنسبة لاستخدامي ظواهر الطبيعة والأشياء في قصصي كالأظافر والثوم والأشجار وغيرها فذلك لأن لها إسقاطات على واقع البشر وحياتهم اليومية بكل مافيها من سلبيات وإيجابيات، فالطبيعة ملأى بالأفكار المُلهِمة التي تصلح لأن تكون مسرحاً للأحداث البشرية بكل تناقضاتها وتعقيداتها وجنونها.
غالبا ما نجد في قصصك شخص ثالث، مراقب. كمشهد بين شخصين/ شخصيات أو حيوانات أو أشياء أو أفكار، ثم تظهر الشخصية الثالثة، وقد عرفت أو علمت شيئا عن الشخصيات وماحدث بينها. كيف ينعكس دور المراقب عليك شخصيا كونك تراقب وضع الحرب في سوريا من الخارج؟
لقد هاجرتُ إلى الولايات المتحدة الأميركية في عام 2008 أي قبل اندلاع الثورة بثلاث سنوات، وضعي كمراقب لما يجري في سوريا هو وضع العاجز المتألم الذي لا يستطيع فعل شيء أمام هذا الجحيم الذي يلتهم سوريا والسوريين، سلاحي الوحيد هو قلمي الذي لم ولن يتوقف عن الدفاع عن كرامة الإنسان والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، للأسف سلاح القلم هو الأضعف، لكن ذلك لن يثنيني عن الإصرار على استعماله حتى آخر لحظة من عمري.
في المقابلات السابقة، كنت واضحا جدا من ناحية أن قصصك ذات رسالة سياسية. كيف توازن بين الرغبة في إيصال رسالة سياسية قوية وخلق قصة جذابة؟
الأدب السياسي هو لون من ألوان الأدب وله مريدون كُثر، وهذا لا يتناقض مع الرغبة في خلق قصة جذابة متميزة، الأمر يعتمد على مقدرة الكاتب أو الشاعر فموهبة الشاعر نزار قباني كشاعر المرأة لم تمنعه من إبداع شعر سياسي لا يقل روعة عن شعره الموجه للمرأة.
[نزار قباني، دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ساهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير. تناولت كثيرا من قصائده قضية حرية المرأة، إذ تناولت دواوينه الأربعة الأولى قصائد رومانسية. ومن ثمّ تحوّل نحو الشعر السياسي بعد نكسة حرب 1967، وأصدر عدة قصائد لاذعة ضد الحكومات والأنظمة العربية عمومًا وضد حكم البعث في سوريا].وكذلك الأمر مع الشاعر أحمد مطر، والملاحظ أن الأدب السياسي في العالم العربي أصبح منتشرا أكثر من أيّ وقت مضى وذلك بسبب الظروف المأساوية التي تمر بها المنطقة العربية.
[أحمد مطر شاعر عراقي، عُرِف بنقده للاضطهاد والاستبداد والحكومات القمعية في العالم العربي. عاش في المنفى في لندن منذ الثمانينات بعد خروجه من العراق خوفا من ملاحقته بسبب شعره السياسي].هل يمكن للمثل أو الاستعارة أن يكون قويا بما يكفي لإحداث تغيير في الواقع؟
للأسف الكلمة، ومن ضمنها المثل أو الحكمة، أضعف من أن تُحدث تغييراً في الواقع كما ذكرتُ سابقاً، فالمكتبات مليئة بكتب الحكمة التي كتبها الكثير من الفلاسفة والحكماء العظماء على مدى آلاف السنين، لكن كل ما نفعله هو بعد انتهائنا من قراءة هذه الكتب نقوم بإعادتها إلى الرفوف ونحن نقول: كلام رائع .. تعبير بليغ .. مُعبر لكن دون أن يؤدي هذا الكلام الرائع والبليغ إلى تغيير سلوكياتنا اليومية، الكلمة تقفُ عاجزة ومذهولة أمام تسونامي الجنون والحقد الذي يجتاحُ العالم.
هل ترى نفسك كشخصية ضمن القصص التي تكتبها؟
أحاول دائماً أن أكون بعيداً عن أحداث القصص التي أكتبها كي أظل حيادياً وموضوعياً فتدخل الكاتب في أحداث قصصه من شأنه أن يؤثر على العمل الفني.
في مجموعتك أسنان المشط أدخلت أمثالا شعبية وتقليدية. في “السكين“، تصبح الملعقة الفضية في فم الطفل “سكينا فضيا”. وفي “الشعوب التي يمكن أن تُشترى” تشير إلى أن المال يتذمر من كونه يباع تماما كما الأمم، وليس العكس. ما هو دور هذه الاستعارات المقلوبة في كتاباتك؟
أنا أحب استخدام الاستعارات أو المفاهيم المقلوبة في قصصي لأن لها إسقاطات على الواقع، الأفكار المُوحية والمُلهمة موجودة في كل مكان: في الطبيعة والأشياء كالمال والسكين والجدران وغيرها، ومن خلالها يستطيع الكاتب خلق قصة ذات مغزى يُعبّر عن واقع البشر بكل ما فيه من أفراح وأتراح.
تم نشر آخر مجموعتين قصصيتين لك باللغة الإنجليزية، وتحول جمهور قرائك من العرب إلى الأمريكيين والأوروبيين. أما بالنسبة لقصصك، فهي تتعلق بموضوعات منتشرة على نطاق عالمي كالفقر، غياب الوحدة والقمع، وعدد قليل منها يتحدث عن سوريا بشكل مباشر كمكان للحدث. هل تعتقد أنه ينبغي قراءة قصصك في السياق السوري من قبل القراء؟
أنا ككاتب لا أستطيع فرض السياق الذي ينبغي على القارىء قراءة قصصي من خلاله، لكن بشكل عام أستطيع القول بأن كتاباتي تندرج ضمن السياق الإنساني، فموضوعاتي تعالج القضايا والهموم الإنسانية الكبرى والملحة كالاضطهاد وكبت الحريات والعدالة الاجتماعية والفساد والفقر والمساواة، لكن يظل تفسير القصة أو النص مختلفاً بين قارئ وآخر بسبب اختلاف الخبرات الشخصية.
بعد نشر عدد من المجموعات القصصية، اثنتان منهما باللغة الإنجليزية، أنت الآن تعمل على رواية تتحدث عن سوريا. كيف هي تجربة الانتقال من القصص القصيرة جدا إلى كتابة رواية أو نصوص طويلة؟ ما الذي يمكنك القيام به في الرواية ولم تكن قادرا على فعله في القصة القصيرة جدا؟
هذه ليست تجربتي الأولى في مجال الكتابة الروائية، فقد خسرتُ رواية غير منشورة كانت معدّة للنشر قبيل هجرتي لأميركا، بالإضافة الى خسارتي لمجموعة مخطوطات تتضمن قصصاً قصيرة وقصائد أيضاً كانت معدة للنشر تركتها في منزلي الكائن في منطقة زملكا في ضواحي دمشق لاعتقادي بأني سأتمكن من التنقل بين أميركا وسورية كل ثلاث أو أربع سنوات، لكنني خسرت كل شيء هناك. الرواية تتيح لي سرد الكثير من الأحداث من خلال العديد من الشخصيات وهو ما لا تستطيع القصة القصيرة جداً القيام به.
عندما كنت تعيش في سوريا، كان استخدامك لأسلوب القصة القصيرة جدا في كثير من الأحيان، والتي تتضمن الاستعارات والرموز، يتيح لك نشر قصص تنتقد من خلالها السياسة والمجتمع، وفي الوقت نفسه تجنب الرقابة. في عام 2008، انتقلت إلى الولايات المتحدة وعشت في شيكاغو على مدى السنوات السبع الماضية. هل تغيرت علاقتك بأسلوب القصة القصيرة جدا لأنك الآن لا تملك المخاوف ذاتها المتعلقة بالرقابة؟
بالفعل أنا الآن لا أعاني من المخاوف المتعلقة بالرقابة لكن أسلوبي في كتابة القصة القصيرة لم يتغير من ناحية الترميز لأنه أسلوب فني له أهميته الكبرى بمعزل عن الرقابة السياسية والأنظمة الاستبدادية. القصة الرمزية لها القدرة على توليد العديد من التأويلات والتفسيرات، وهذه التأويلات تختلف باختلاف القراء وخبراتهم الشخصية.
في قصة “انتخابات حرة”، التي تقول “عندما أعاد العبيد انتخاب جلادهم من تلقاء أنفسهم ودون أي ضغوط، فهمت أنه من المبكر جدا الحديث حول الديمقراطية وكرامة الإنسان”. هل يمكننا أن نستشف من هذه القصة أن المضطهدين هم السبب في ما يعيشونه؟
عندما قام الرئيس الأميركي الأسبق لينكولن بتحرير العبيد في ستينيات القرن التاسع عشر، شعر البعض منهم بالحيرة والذهول، لم يعرفوا ماذا يفعلون بأنفسهم .. إلى أين سيذهبون .. ماذا سيعملون لكسب رزقهم وإطعام عيالهم؟! كرهوا حريتهم لأنها كانت بالنسبة لهم الضياع والمستقبل المجهول. لقد كانوا عبيداً لغريزة العبد، وللأسف الكثير من الناس الذين يعيشون في زمننا الحاضر يرسفون في أغلال غريزة العبد، على الرغم من مراكزهم المرموقة وأناقتهم وتميزهم في شتى مناحي الحياة. كيف لي أن أطالب بحريتي اذا كنتُ أحبُّ عبوديتي وأعشقُ أغلالي؟! وروحي مُستلبة من قبل المستبد الذي يحسب نفسه الهاً؟
إن الانتهاك السريع للحريات، وانتشار الكراهية ورهاب الأجانب، وتحديدا الإسلاموفوبيا، من قبل القيادة الأمريكية الجديدة، يشكل خطرا جديدا على العرب والمسلمين الذين يأملون في القدوم إلى الولايات المتحدة. كسوري يعيش ويكتب في الولايات المتحدة، كيف ترى الديمقراطية وكرامة الإنسان في أمريكا؟
لاشك أن الاعتداءات على العرب والمسلمين في أميركا قد وصلت إلى درجات قياسية غير مسبوقة، للأسف الشديد، وهو أمر مرتبط بوصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم، ولكن رغم ذلك تظل أميركا دولة قانون ومؤسسات والدليل هو ماحدث لقرارات ترامب التنفيذية بحق ست دول عربية إسلامية، والتي تم تعليقها من قبل المحاكم الأميركية. ورغم تزايد الاعتداءات على المسلمين في أنحاء البلاد، لكن يظل هناك دستور عظيم يحكم أميركا يُلزِم الجميع بالخضوع لسلطته بمن فيهم الرئيس.