3 دقائق قراءة

ميشيل كيلو: جامع السوريين يترجل وفياً لإيمانه بسوريا حرة قادمة

حتى برحيله، بعد قرابة نصف القرن من نضال لم يتزعزع ضد نظام الأسد، الأب ومن ثم الابن، خلق كيلو إجماعاً نادراً بين السوريين بعد أن قسمهم الأسدان أعراقاً وطوائف وما دونهما.


20 أبريل 2021

عمّان – “ستدفعون ثمناً إقليمياً ودولياً كبيراً لحريتكم، فلا تترددوا في إقامة بيئة داخلية تحد من سلبياته أو تعزلها تماماً”. كانت هذه من بين آخر كلمات المعارض السياسي السوري ميشيل كيلو، والتي ضمنها في وصيته الأخيرة للسوريين قبل أيام من وفاته أمس، عن عمر ناهز 81 عاماً، في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس، نتيجة إصابته بفيروس كورونا.

وحتى برحيله، بعد قرابة نصف القرن من نضال لم يتزعزع ضد نظام الأسد، الأب ومن ثم الابن، خلق كيلو إجماعاً نادراً بين السوريين بعد أن قسمهم الأسدان أعراقاً وطوائف وما دونهما، ولو بالحزن على رحيله قبل أن يرى الوطن الذي سعى إليه حتى آخر لحظة: سورية حرة لكل أبنائها.

سوريا الحرة دليله

ولد ميشيل كيلو العام 1940 لأسرة مسيحية في محافظة اللاذقية، حيث تلقى تعليمه الأساسي. تالياً، درس الصحافة في مصر وألمانيا، قبل أن يعود إلى دمشق، العام 1966، للعمل في دائرة الترجمة بوزارة الثقافة، كاتباً ومترجماً.

مبكراً، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، بدأ كيلو رحلته السياسية التي تسببت باعتقاله مرات عديدة، كما حجز نظام الأسد، عبر محكمة الإرهاب، احتياطياً على أمواله المنقولة وغير المنقولة عام 2012، وصولاً إلى إصدار حكم غيابي بإعدامه، عبر المحكمة ذاتها، العام 2015.

إذ منذ انقلاب الأسد الأب واستيلائه على السلطة في سوريا العام 1970، لم يتوقف كيلو عن نشاطه المعارض. وفي مداخلة له أمام “اتحاد الكتّاب العرب”، العام 1979، عرى ما يعرف بـ”الجبهة الوطنية التقدمية” التي كان شكّلها الأسد من أحزاب تعتاش في كنف حزب البعث “القائد” وتحت أنظاره، بغية مصادرة الحياة السياسية في البلاد وإنهائها بشكل كامل.

تالياً، وفي ذروة القبضة الأمنية التي توجها اجتياح القوات الحكومية لمدينة حماة مطلع ثمانينات القرن الماضي، على إثر ملاحقة الأسد لجماعة الإخوان المسلمين، صرخ كيلو: “الوطن في خطر”، مستنكراً محاكمة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين آنذاك. وليقضي على إثر ذلك عامين في سجن “المزة” سيء الصيت. 

بعد خروجه من المعتقل، غادر إلى فرنسا حيث قضى أعواماً قبل أن يعود إلى دمشق أواخر ثمانينات القرن الماضي، ليتابع معارضته للنظام.

بين ربيع دمشق وخريف الأسد

شكل موت حافظ الأسد، صانع مملكة الصمت على امتداد ثلاثة عقود، وتوريث ابنه بشار سدة الحكم، منتصف العام 2000، فرصة سانحة لكيلو ورفاقه للعمل على إطلاق عهد جديد في سوريا، لتكون لكل أبنائها؛ من كل عرق ودين وطائفة. هكذا أزهر ما عرف بـ”ربيع دمشق”، من خلال منتديات وندوات سياسية، وتشكيل “لجان إحياء المجتمع المدني”، وكذلك نشر مقالات في صحف لبنانية تتحدث عن الفساد الاقتصادي والسياسي والقبضة الأمنية في البلاد.

لكن إرث السلطة الأمنية كان أكبر من الحلم، فلم يدم الربيع الذي أراده كيلو ورفاقه طويلاً، بل تحول إلى خريف قاس، بعد أن أجهز الأسد الصغير جميع المنتديات السياسية، وفوقها زج بالعديد من معارضيه في أقبية السجون، معلناً بذلك عودة “مملكة الصمت” إلى ما كانت عليه طوال عقود ثلاثة سابقة.

لكن ذلك لم ينل من عزيمة كيلو الذي وقع العام 2005، مع معارضين وشخصيات وتيارات سياسية على وثيقة سياسية تحدد آلية وطرق تحول سوريا من الاستبداد إلى الديمقراطية، حملت اسم “إعلان دمشق”. 

ثم عاد كيلو رفقة معارضين آخرين لتوقيع ما عرف بـ”إعلان بيروت-دمشق”، في أيار/ مايو 2006، ما تسبب باعتقاله وآخرين، وصدور حكم بالسجن ثلاث سنوات بالتهمة المعروفة بحق الإصلاحيين السلميين: “نشر أخبار كاذبة وإضعاف الشعور القومي والتحريض على التفرقة الطائفية”. 

سوريا الثورة

بعد فترة غير طويلة من خروجه من السجن في أيار/ مايو 2009، جاء اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، والتي منحت كيلو أملاً جديداً في أن الحلم بسوريا الديمقراطية يمكن أن يصبح اليوم حقيقة. 

إبان هذه الشرارة المنتظرة، غادر كيلو، كما غالبية المعارضين المعروفين، البلاد خشية التنكيل بهم، وليؤسس في القاهرة “المنبر الديمقراطي السوري”، العام 2012، ومن ثم “هيئة سوريون مسيحيون من أجل العدالة والحرية”، والتي سعت إلى “ردم الهوّة بين المسيحيين وبقية الشعب” كما قال حينها. 

في العام 2013، انضم إلى “الائتلاف السوري” المعارض، قبل أن ينسحب منه العام 2016. وطيلة هذه المدة لم يكن كيلو، خلافاً لكثير من المعارضين السياسيين، بعيداً عن الشارع السوري وعموم الشعب. إذ اعتاد السوريون أن يشاركهم كيلو التعليق على الأحداث السياسية والميدانية، لاسيما عبر إرساله رسائل صوتية عبر تطبيق “واتساب”، يحاول من خلالها تقديم رؤية تحليلية للتطورات الجارية ومآلات الأمور ومستقبل البلاد، وليؤكد لهم في كل مرة أن الأمل في إسقاط النظام وبناء سوريا الجديدة باقٍ.

المعارض الصلب الأديب

فوق ما ألفه من كتب في الفكر والسياسة -وآخرها العام الماضي بعنوان “من الأمة إلى الطائفة“، وهو دراسة نقدية لحكم حزب البعث والعسكر في سوريا منذ تأسيس “البعث” في العام 1947 وصولاً إلى قيام ثورة 2011- وكذلك ترجمته قرابة الأربعين كتاباً من الألمانية إلى العربية، في مواضيع مختلفة، أصدر كيلو في العام 2019 رواية “دير الجسور“، وصفها بأنها قصة طويلة. 

وهو بكل إبداعاته كان يخاطب، مباشرة أو بشكل غير مباشر، آلام السوريين طيلة عقود من الاستبداد في ظل حكم “البعث” خصوصاً.

شارك هذا المقال