ناشطة مجتمع مدني تتحدى ظروف الحرب والجماعات الإسلامية المتشددة لتمكين المرأة السورية
عندما كانت غالية رحال تدير صالوناً للتجميل في بلدة كفر […]
26 أبريل 2018
عندما كانت غالية رحال تدير صالوناً للتجميل في بلدة كفر نبل في محافظة إدلب، منذ ما يقارب العشرين عاما، كانت على دراية تامة بالمشاكل التي تواجهها المرأة في مجتمعها.
تقول الرحال لمراسلة سوريا على طول، آلاء نصار “كان لدي تواصل مباشر مع الفتيات…كنت أسمعهّن يتحدثّن عن زواج القاصرات والقمع، فضلاً عن الحرية وحب الحياة”.
قادت هذه المحادثات الرحال، في صيف عام ٢٠١٣، لتحويل الطابق السفلي الذي تملكه – والذي كان يُستخدم كملجأ من القصف أثناء الغارات الجوية التي يشنها النظام- إلى مركز تعليم للنساء. وهناك، بدأت في تنظيم دورات في تصفيف الشعر والإسعافات الأولية واللغة الإنجليزية، بمساعدة من أختها وإحدى الصديقات.
وسرعان ما تطورت الفكرة لتصبح منظمة، مزايا، حيث استخدمت النساء الطابق السفلي، الذي تحول إلى مركز، لتعليم وتعلم كل شيء من مهارات استخدام الكمبيوتر إلى الاتصالات، إلى جانب المحاضرات ومجموعات النقاش التي تتناول حقوق المرأة.
وتركت رحال عملها لتكرّس كل وقتها للمركز، وتتذكر بداياتها قائلة “في البداية، وصفوا ما أقوم به بالجنون”.
وبعد خمس سنوات، تدير منظمة رحال الآن ثمانية مراكز نسائية ومركزين طبيين ومجموعة من مراكز الأطفال وتصدر مجلة نسائية في ريف إدلب. ورحال هي أيضا العضو الوحيد في الحركة السياسية النسوية السورية، وهي شبكة مؤيدة للمعارضة من الناشطات ومنظمات المجتمع المدني التي تدعو إلى المساواة بين الجنسين في عملية السلام.
وكانت مدينة كفرنبل، حيث يوجد مركز مزايا وحيث لاتزال تقيم الرحال، معروفة بمجتمعها المدني النابض بالحياة في بداية الثورة، إلا أنها وقعت طوال فترة الحرب ضحية لصراعات متعددة بين فصائل المعارضة المتنافسة على السلطة. واليوم تسيطر هيئة تحرير الشام على نقاط تفتيش بالقرب من المدينة.
وأدى وجود فصائل إسلامية محافظة داخل وحول كفرنبل إلى عرقلة عمل مزايا، مما أدى إلى تعريض حياة بعض النساء للخطر في بعض الأحيان، وفي السنوات الأخيرة تعرضت الرحال لمحاولة اغتيال وتم إحراق المركز الرئيسي واقتحامه.
وبالرغم من ذلك، صممت الرحال على الإستمرار، وقالت”بما أن النظام والفصائل الإسلامية المتشددة منزعجون من عملنا هذا يعني أن عملنا على صواب”.
وفي هذا الأسبوع، تقوم سوريا على طول باستكشاف الأدوار المختلفة التي اتخذتها المرأة السورية للعمل من أجل السلام على المستوى الدولي والمجتمعي، وفي المقابلة الرابعة من سلسلتنا نوجه الانتباه إلى القاعدة الشعبية للمجتمع المدني السوري.
وأضافت “لقد دفعت النساء الثمن الأكبر في الحرب، وهن أيضاً من سيبنين سوريا في المراحل المقبلة”.
تعليم النساء في مركز مزايا في كفرنبل في 16 نيسان. الصورة من مزايا.
متى تأسس مكتب المرأة وكيف بدأت العمل فيه ؟
في أوائل عام 2013 بدأ تسليح الثورة وضعف صوت المرأة ودورها في الثورة تقريباً، وانتشر المسلحون و الفصائل الإسلامية في المناطق المحررة وأصبحت المنطقة مليئة بالنازحين، مما أدى إلى ابتعاد المرأة بسبب كثرة الناس الغرباء، فلم نعد نشاهد نساء في الشوارع أو نساء تعمل أو تتسوق كنا نشاهد الرجال فقط. ومن هنا نشأت الفكرة لفتح المركز
كان لدي قبو وكانت النازحات ترتاده خوفاً من القصف، وهنا انتهزت الفرصة وبدأت أعلمهم دورة الاسعافات الاولية واللغة الانكليزية بالتعاون مع نساء لديهن الخبرة في ذلك، بالإضافة إلى المنتديات النسائية التي كنا نتكلم فيها عن الوضع السياسي الذي نعيشه ونتكلم عن همومنا ونقدم المساعدات والمعونات.
وتطور المركز شيئاً فشيئاً ونمت الفكرة، وبدأنا نقدم مجموعة من الدورات. واليوم يشمل مزايا ثمانية مراكز نسائية في المنطقة المحيطة بكفر نبل، بما في ذلك مراكز رعاية الأطفال حتى تتمكن النساء من ترك أطفالهن أثناء حضور الدورات، وهناك أيضاً اثنين من المراكز الطبية، ومنذ عام تقريباً، بدأنا بتعليم النساء كيف يدرن دوراتهّن الخاصة.
واليوم توظف مزايا 100 شخصاً مع 3 آلاف آخرين مسجلون للعمل، لكننا نكافح كثيراً للحصول على التمويل.
كيف كانت ردة فعل المجتمع من حولك عندما بدأت عملك لأول مرة؟
في البداية وصفوا ما أقوم به بالجنون، كيف يمكنني فتح مركز ودفع الإيجار لمدة ثلاثة أشهر، تاركةً وظيفة أتاحت لي دخلاً ثابتاً؟، وكيف يمكن أن أهدر كل وقتي في العمل هناك؟.
وعندما بدأنا العمل، كان عملنا غير مفهوم للمجتمع، لكن شيئا فشيئا بدأت النساء في ارتياد المركز وسمع الرجال من زوجاتهم ما كنا نفعله هناك. لذلك بعد ثلاثة أشهر وبعد الكثير من الصعوبات بدأت الناس تعرف ماهو عملنا.
اشتهر المركز بخدماته الهامة التي يقدمها للنساء والأطفال، لذلك لاقى دعماً كبيراً من المجتمع المحلي ومن دون هذا الدعم لما تمكنا من الاستمرار على الإطلاق.
والآن معظم الرجال يدعمون نساءهم ويعطونهن الفرصة للعمل والتطوير وإثبات أنفسهن.
ما هي التحديات التي واجهتها؟
أكبر الصعوبات التي واجهتنا بعد الثورة كانت من قبل الفصائل الإسلامية المتشددة التي أعتبرها غزو مثلها مثل النظام لأنهم يقمعون نشاطات النساء، لا يريدون أن يكون للمرأة دوراً بازراً.
وتعرض المركز للحرق من قبل مجهولين في عام 2014 وبعدها بفترة قصيرة تعرضت أنا لمحاولة اغتيال حيث فجروا سيارتي بلغم وداهمت جبهة النصرة، كما كانت تسمى آنذاك، المركز في عام 2015 وكسروا معداتنا.
وبالرغم من هذا أكملنا كنساء في الشمال السوري وقررنا بما أنهم( النظام والفصائل الإسلامية المتشددة) يحاولون إيقافنا إذا نحن في المسار الصحيح وهكذا عدنا من البداية وبدلاً من افتتاح مركز واحد افتتحنا 5 مراكز نسائية و3 مراكز للأطفال.
بشكل عام ، من الصعب السيطرة على النساء في هذه الظروف، لأن لديهنّ إمكانات كامنة ويمكنهنّ القيام بأي عمل. أنا، على سبيل المثال، أغطي وجهي وليس لدي أي مشكلة في القيام بذلك، بما أنني أستطيع الوصول إلى هدفي، وهو ما يهمني. فالحجاب يغطي الشعر والوجه، لكنه لا يغطي العقل. وكل شخص لديه عقل.
يجب على النساء أن يواصلن العمل، ويعرفن قيمتهن وكيفية طرح أفكارهنّ. دفعت النساء الثمن الأكبر في الحرب، وهن أيضا من سيبنين سوريا في المراحل القادمة إن شاء الله.
دورة إعلامية بمركز مزايا بكفرنبل في ١٧ نيسان. تصوير: مزايا.
كيف تقارنين وضع المرأة قبل وبعد الثورة ؟
أنا قبل الثورة كنت أعيش في مدينة الثورة وهي قريبة على مدينة الرقة شرق سوريا، وأمضيت 15 سنة من طفولتي هناك ودراستي كلها هناك. ثم جئت إلى الشمال السوري بكفرنبل ووجدت أنها مهمشة نهائيًا من قبل النظام.
لم نكن نعرف عن منظمات المجتمع المدني أو الأنشطة النسائية لأن كل ذلك محتكر من قبل النظام وحزب البعث والاتحاد النسائي وهو بيد النظام. منذ أن خلقنا لم يكن هناك تغيير بالواقع النسائي.
الظروف هي التي تساعد المرأة لتنضج وتكون فاعلة في المجتمع. لولا ظروف الحرب وظروف الثورة لكان من المستحيل أن نظهر ونعمل وننجز. نحن كنساء طالبنا بالحرية وبالكرامة وطبعا هذا من حقنا أولا وأخيرا.
لقد مكنت ظروف الحرب والحالة الاقتصادية السيئة المرأة من العمل، خاصة في منظمات المجتمع المدني والسياسة والطب والدفاع المدني والتعليم.
ففي حال قُتل أو اعتُقل زوج المرأة، فهذا يعني أنه لا يوجد من يتحمل المسؤولية عنها أو يمنعها من الخروج، و لم يعد هناك أي شخص يأمن احتياجاتها، لذا هي مجبرة على الخروج والعمل.
ماهي آمالك بالنسبة للنساء السوريات في المستقبل؟
أنا كإمرأة سورية مازلت في سوريا أتمنى أن نبني دولة ديمقراطية تعددية متساوية دون تمييز في الجنس والعرق والدين والطائفة أو حتى المنطقة. أتمنى أن تحصل المرأة السورية بكل الظروف على حقوقها كاملة دستوريا واجتماعيا، ويقيني بالنسبة للنساء السوريات والمرأة السورية بأنها قادرة على بناء سوريا الحديثة أمنا وسلاما ومواطنة جنبا إلى جنب مع الرجل .
برأيك ما هو دور ومسؤولية المجتمع المدني بالنسبة لتحقيق السلام ؟
أعتقد أن المجتمع المدني هو أقرب شيء للشعب ويحتك مع الشعب بشكل مباشر. المجتمع المدني هو من يهيئ الكوادر والوعي ويقدم دورات توعوية للشعب.
المجتمع المدني يختلف عن الحكومة والمجلس المحلي والشركات الربحية لأنه غير ربحي ولا يهم أعضاءه أية مناصب، كما أن المجتمع المدني هو من المدنيين أنفسهم ولا يوجد فرق بين المجتمع المدني والشعب بحد ذاته.
ترجمة: بتول حجار