“نريد أن ننجب أطفالاً باختيارنا”: تراجع خدمات الصحة الإنجابية للنازحات في شمال غرب سوريا
بحسب جيهان فإنه "ثمة سوء فهم بشأن قاطني المخيمات، هو أننا لا نعمل ولا نفعل شيئاً طوال اليوم باستثناء إنجاب الأطفال. وهذا غير صحيح".
13 يناير 2021
عمان – “ثمة سوء فهم بشأن قاطني المخيمات، هو أننا لا نعمل ولا نفعل شيئاً طوال اليوم باستثناء إنجاب الأطفال. هذا غير صحيح”، قالت جيهان، عاملة الإغاثة والأم لثلاثة أطفال، لـ”سوريا على طول”.
ما أثار استياء جيهان هو منشورٌ على موقع “فيسبوك” للفنانة السورية رشا رزق، طالبت فيه المنظمات الإنسانية إرسال موانع حمل للسوريين في المخيمات بدلاً عن إرسال المساعدات. وبلغت رزق حد القول إن من ينجب أطفالاً في المخيمات هو “بحكم المجرم”، فسوريا ليست بلداً آمناً لإنجاب الأطفال.
لكن جيهان، كما آلاف النساء السوريات في الخيام، تسعى جاهدة لتحقيق ما تصبو إليه باختيارها الخاص في ظل الحرب التي جعلت حصول النساء على خدمات الصحة الإنجابية أمراً عسيراً.
تعطل خدمات الصحة الإنجابية
قبل انطلاق الثورة في العام 2011، كان معدل الخصوبة في سوريا (متوسط عدد الولادات لكل امرأة)، بحسب بيانات البنك الدولي، 3.4 أطفال للمرأة الواحدة. كما قُدرت نسبة النساء اللاتي كن يستخدمن إحدى طرق موانع الحمل خلال فترة السن الإنجابية بـ53%. وكانت نسبة الحمل غير المخطط له تقتصر على الثلث، مقارنة بمعدل عالمي يفوق 40%.
إلا أن دراسة عن اللاجئات السوريات في لبنان والعراق، تم اجراؤها في العامين 2014 و2015 كشفت أن نسبة الحمل غير المخطط له في أوساط النساء اللاتي أنجبن طفلاً في العام السابق كانت 66.7%. ورغم أنه لا يمكن، ببساطة، تعميم نتائج الدراسة على سياقات أخرى، فإنّ التباين الكبير بين الأرقام يبرز حقيقةً معروفة، وهي أن النزوح يمكن أن يؤثر بشدة على تلقي المرأة خدمات الصحة الإنجابية.
وقد لاحظت القابلة نهلا (اسم مستعار) خلال عملها في إدلب تزايد حالات الإجهاض المنزلي في السنوات الماضية. وهو مؤشرٌ مُقلق على أن احتياجات الصحة الإنجابية غير متوفرة. وكما قالت لـ”سوريا على طول”، فإن “معظم النساء تستخدمن موانع الحمل لأنه لا طاقة لهنّ على إضافة مسؤوليات أخرى إلى حياتهن. فإن حصل الحمل، تلجأ بعضهن إلى طرق منزلية لإسقاط الجنين، لأن الإجهاض محرّم شرعاً ولا يمكن إجراؤه في المراكز الصحية ما لم تكن المرأة تعاني مشاكل خطرة”.
عوائق تلقي موانع الحمل
بحسب نساء تحدثن إلى “سوريا على طول”، فإن موانع الحمل “متوفرة بكثرة”، مقارنة بالأدوية، في شمال غرب سوريا، آخر معاقل المعارضة، وأنه يمكنهن في الغالب الحصول على حبوب منع الحمل مجاناً من المراكز الصحية المجتمعية أو شراءها من الصيدليات أو العيادات الخاصة. لكن هدى العوا، مديرة التنمية في منظمة “يوم جديد لسوريا” (NuDay Syria)، وهي منظمة توفر خدمات صحية للنساء في المنطقة، لفتت في حديث لـ”سوريا على طول” إلى أن “من الصعب تأمين موانع الحمل على نحو ثابت”، وأن “ثمة خيارات محدودة بالنسبة للنساء اللاتي يطلبنها”.
كذلك، فإن توفر موانع الحمل لا يعني إمكانية وصولها للجميع. إذ إن “الظروف المعيشية متردية ومن الصعب الحصول على الاحتياجات الأساسية”، بحسب ما قالت عليا (اسم مستعار)، المقيمة في إدلب، لـ”سوريا على طول”. مضيفة أن “معظم النساء يعتمدن على المراكز الصحية المجانية التي تعاني من الاكتظاظ نظراً لقلتها”، فيما ليس بمقدور الجميع شراء “حبوب [منع الحمل] من خارج المراكز الصحية بـمبلغ يتراوح ما بين 3-4 دولار”، عدا عن أن المواصلات يمكن أن تشكل عائقاً أمام النساء اللاتي يبحثن عن العناية الصحية. كل ذلك “يدفع النساء إلى اللجوء إلى الطرق التقليدية”، بحسب عليا.
ونتيجة احتمالية تعذر حصول النساء على بعض وسائل منع الحمل في حال التهجير أيضاً، رأت الدكتورة حسناء حمدان، اختصاصية نسائية تعمل في إدلب، أن الأفضل استخدام “اللولب” الذي يمنع الحمل لعدة سنوات، في حين أن حبوب منع الحمل، وهي الوسيلة الأكثر انتشاراً، يجب أن تؤخذ يومياً.
مخاطر صحية متنامية
تواجه النساء في شمال غرب سوريا أيضاً مخاطر متزايدة ترتبط بوفاة الأمهات والحمل ذي الخطورة العالية. وبحسب تقرير للجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، نهاية العام 2018، هناك فجوات كبيرة في خدمات الرعاية الصحية للأمومة، بما فيها ندرة الأطباء والمعدات والإمدادات الطبية، ونقص الموارد اللازمة لتقديم الرعاية الكافية للنساء الحوامل قبل الولادة. مشيراً إلى زيادة بمقدار الثلث في معدل وفيات الأطفال والأمهات في سوريا على مدى السنوات السبع الماضية.
“لا شك أن حالات الإجهاض ازدادت تبعاً للظروف المعيشية المتسمة بالاكتظاظ والفقر والتشرد وغياب الوعي”، بحسب الدكتورة حمدان. فيما لفتت القابلة نهلا إلى أن “المشكلة الأكثر شيوعاً التي تواجهها النساء الحوامل هي فقر الدم الناجم عن نقص الحديد. ولا تستطيع معظمهن شراء الأدوية نظراً لارتفاع أسعارها”.
في الوقت ذاته، “أسفرت الحرب عن بروز أولويات للعاملين في المجال الطبي والمرضى على حد سواء. ونجم عن ذلك تراجع الوعي والمعرفة الصحيين”، بحسب تقرير “سامز”. ويشمل هذا الإلمام بوسائل منع الحمل، والتي ما تزال مرتبطة بأنواع مختلفة من الوصمات، منها تحديد النسل.
وقد تفاقمت المشكلة بازدياد معدلات الزواج المبكر. إذ تشكل الأمهات الفتيات ما دون سن العشرين نسبة 12-15% من مجموع الولادات في سوريا، وفقاً لتقييم الاحتياجات الإنسانية الذي أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في العام 2019. إذ لجأ بعض الأسر إلى تزويج بناتها في سن مبكر على أمل إعالتهن. إلا أن الزواج المبكر يرتبط بقلة المعرفة والوعي بأمور تنظيم الأسرة، وبنسب أكبر من الحمل ذي الخطورة العالية.
خيار النساء الحر
تشكل النساء في سن الإنجاب نسبة 25% من السوريين الذين يحتاجون دعماً إنسانياً في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل. وغالباً ما يتم التقليل من أهمية احتياجاتهن الخاصة لدى مواجهة احتياجات طارئة أخرى، وفق ما أقرَّ صندوق الأمم المتحدة للسكان؛ مشيراً إلى أن الإستجابة لخدمات الصحة الجنسية والإنجابية تعاني عموماً من نقص التمويل.
مع ذلك، لاحظت المنظمات التي تُعنى بالصحة النسائية مثل “يوم جديد لسوريا” ازدياداً في الطلب على وسائل منع الحمل على مدى السنوات الماضية. وبحسب العوا، فإن “ديناميكية الحياة الأسرية تشهد تغييراً بطيئاً، إذ يتزايد عدد النساء اللاتي يتولين إعالة أسرهن”. موضحة أن “وسائل منع الحمل تعمل على تمكين النساء بمنحهن قدرة التحكم بأجسادهن، وهذا بحد ذاته لا يقدر بثمن”.
بالنسبة لجيهان، فإن حرية اتخاذ خيارها الخاص هو جزء من كرامتها. “نحن لسنا حيوانات لا تبتغي سوى الغذاء والماء والإنجاب. نريد أن نحيا حياة طبيعية تتجاوز الحرب والمشاكل بأكملها. و”أن ننجب الأطفال باختيارنا”.
* تم إنجاز هذا التقرير ضمن مشروع “تعزيز ترسيخ النوع الاجتماعي”، والذي ينفذه “سوريا على طول” بدعم من الصندوق الكندي للمبادرات المحلية، من خلال السفارة الكندية في عمان.
نُشِر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.