نفط الفرات يكسر العقوبات الأمريكية على دمشق
عمان - على امتداد أشهر، لم يهدأ الهجوم العسكري الذي بدأته القوات الحكومية السورية والمليشيات المتحالفة معها، إضافة إلى روسيا، ضد آخر معاقل المعارضة في شمال غرب سوريا. وهو هجوم يتطلب كميات ضخمة من الوقود، يُفترض أن البلاد تعاني نقصاً حاداً فيه أدى إلى اندلاع أزمة خلال الشتاء الماضي، نتيجة العقوبات الدولية المفروضة على دمشق، كما حليفتها الأبرز إيران التي ما تزال تحاول إيجاد مخرج لإحدى ناقلاتها النفطية التي تم احتجازها لفترة في جبل طارق بتهمة محاولة خرق العقوبات الأوروبية على سوريا.
26 أغسطس 2019
عمان – على امتداد أشهر، لم يهدأ الهجوم العسكري الذي بدأته القوات الحكومية السورية والمليشيات المتحالفة معها، إضافة إلى روسيا، ضد آخر معاقل المعارضة في شمال غرب سوريا. وهو هجوم يتطلب كميات ضخمة من الوقود، يُفترض أن البلاد تعاني نقصاً حاداً فيه أدى إلى اندلاع أزمة خلال الشتاء الماضي، نتيجة العقوبات الدولية المفروضة على دمشق، كما حليفتها الأبرز إيران التي ما تزال تحاول إيجاد مخرج لإحدى ناقلاتها النفطية التي تم احتجازها لفترة في جبل طارق بتهمة محاولة خرق العقوبات الأوروبية على سوريا.
ومع تعدد المصادر التي تلجأ إليها حكومة دمشق للاحتيال على العقوبات الدولية على صعيد التزود بالنفط ومشتقاته، بما في ذلك مصادر دولية وإقليمية، يتمثل المصدر الأيسر والأقل تكلفة في المناطق السورية شرق نهر الفرات التي تسيطر عليها حالياً “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عقب هزيمتها “تنظيم الدولة” (داعش).
“القاطرجي” الثابت الوحيد شرق الفرات
عقب فترة رعب، متضافر مع بؤس أحوال معيشية، عاشها أهالي ريف دير الزور الشرقي تحت حكم “داعش”، فقد صدموا عقب دحر التنظيم، بدايات العام الحالي، بعدم تحسن واقعهم الاقتصادي، رغم أنهم يعيشون فوق أكبر مخزونات سوريا من النفط والغاز.
لذلك، قد يكون مستفزاً لسكان شرق الفرات تسليط الأضواء بين فترة وأخرى على عمليات تهريب النفط من مناطقهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، من دون الحديث عن معاناة المواطنين العاديين. وهو ما عبر عنه أبو جهاد بقوله مستنكراً: “أنتم الصحافيون، وكذلك الدول، جميعكم تهتمون بعمليات تهريب النفط، بعيداً عن معرفة أن ما يتم تهريبه يؤثر على لقمة عيشنا أيضاً”.
تنقسم محافظة دير الزور إلى منطقتي نفوذ مختلفتين، إذ تخضع “شرق الفرات” لسيطرة “قسد”، في مقابل القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها على الضفة الأخرى. ويمكن لأبو جهاد (30 عاماً)، أحد سكان قرية الشحيل القريبة من الضفة الشرقية، مشاهدة عمليات التهريب بين ضفتي النهر.
وقد روى لـ”سوريا على طول” كيف تبدّلت أجواء ليالي الفرات بعد نشاط عمليات التهريب، إذ اختفى صوت خرير المياه والحشرات الليلية الذي يعلو ليلاً بين ضجيج أصوات محركات ضخ النفط من مناطق “قسد” إلى مناطق الحكومة السورية، كون “المهربين يبدؤون عملهم ليلاً بعيداً عن أعين دوريات وطيران التحالف الدولي” الذي تشكل بقيادة الولايات المتحدة لدحر “داعش”.
لكن النفط، كما يلفت أبو جهاد، ليس سوى “أحد أهم المواد الأساسية التي يتم تهريبها إلى مناطق النظام”. إذ يتم أيضاً تهريب “القمح والشعير، ما يؤثر على اقتصاد المنطقة”.
وكما يوضح، ففيما كان سعر ليتر الديزل (المازوت) في “شرق الفرات” 50 ليرة سورية قبل عمليات التهريب، فإنه يبلغ حالياً نحو 140 ليرة سورية. أما بالنسبة إلى السولار (الكاز)، فقد ارتفع سعره من 60 إلى 200 ليرة للتر. وساهم في هذا الارتفاع أيضاً “احتكار التجار للأصناف المستخدمة في التهريب، بهدف بيعها بأسعار أعلى على الضفة الأخرى”.
نتيجة ذلك، متمثلة في تفاقم الصعوبات المعيشية، إضافة إلى تدهور الخدمات، دفع السكان المحليين إلى تنظيم تظاهرات احتجاجية، لا سيما مع اتهام أهالي من المنطقة قوات “قسد” بالتورط في تهريب أرزاقهم إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية والمليشيات الإيرانية غرب الفرات. وهو ما أدى إلى إطلاق “قسد”، بالشراكة مع مجلس دير الزور العسكري التابع لها، حملات للسيطرة على منافذ ومخارج المنطقة للحدّ من التهريب.
لكن الأهداف الحقيقية للحملة تبدو مناقضة لتلك المعلنة كما ذهب أبو جهاد بقوله: “الحملة ليست لسواد أعيننا، وإنما لامتصاص غضب الناس، واحتكار التهريب لصالح متنفذين في “قسد” ومجلس دير الزور العسكري”. ذلك أن عمليات التهريب، كما روى، تتم عبر صهاريج تابعة لشركة القاطرجي المملوكة من عضو مجلس الشعب السوري حسام قاطرجي، ولتي تم إدراجها على قائمة العقوبات الأميركية في أيلول/سبتمبر الماضي، لكونها أحد الكيانات التي تولت نقل النفط بين “داعش” وحكومة دمشق.
وتخرج الصهاريج من حقل العمر والتنك باتجاه مصفاة حمص، تحت حراسة قوات من مجلس دير الزور العسكري الذي يرافق الصهاريج حتى عبورها النهر، بحسب أبو جهاد.
وقد حاولت “سوريا على طول” التواصل مع قيادات في “قسد” ومجلس دير الزور العسكري، للحصول على رد منها بشأن هذه المزاعم، لكنها لم تتلق أي ردّ من كلا الجانبين حتى لحظة إعداد التقرير.
فيما كان رد مجلس دير الزور المدني، عبر مدير مكتبه الإعلامي، سمير دحام، بأنه “لا توجد معلومات موثقة حول موضوع التهريب، [إذ] إنه ملف شائك، عدا عن كونه ينحسر”. مستدركاً بالقول إنه “بكل تأكيد ما يزال هناك أماكن تهريب مخفية”.
في المقابل، كشف مسؤول أمني في “قسد” وجود عدة نقاط لتهريب النفط إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق، منها “منطقة الحوايج، الشحيل، جديدة العقيدات، الذيبان”، لكن مع “عدم وجود معلومات حول كميات النفط المهربة”.
وبحسب ما ذكر المسؤول في حديثه لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم ذكر اسمه، فإن “الصهاريج المحملة بالنفط المعدّ للتهريب تمرّ على حواجز الأسايش [وهي قوات أمنية كردية]، لكنهم لا يتجرؤون على اعتراضها، لعلمهم أنها تعمل لصالح مسؤولين في مجلس دير الزور العسكري المتعاون مع شركة القاطرجي”.
تهريب لا يوقفه التشديد الأمني
بعد فترة ازدهار علني، تراجعت عمليات تهريب النفط نسبياً نتيجة ضرب التحالف الدولي معابر تهريب، كما استهدافه صهاريج محملة بالنفط من أراضي “قسد” المتحالفة مع الولايات المتحدة إلى مناطق الحكومة السورية الخاضعة لعقوبات أميركية متعددة من بينها استيراد النفط. في الوقت ذاته، كثفت “قسد” عمليات المراقبة على طول مجرى النهر، بحيث تفصل بين نقاط المراقبة مسافة 500 متر فقط. لكن “عمليات التهريب لم تتوقف”، بحسب ما أكدت مصادر من المنطقة لـ”سوريا على طول”.
فكما في كل مناطق النزاع، تزدهر “تجارة الحرب”، ويتكيف المهربون مع الظروف الأمنية السائدة للاستمرار في تجارتهم الرائجة. وهو ما حصل مع مهربي النفط من ريف دير الزور الشرقي.
إذ بعد استهداف التحالف الدولي المعبر الرئيس في الشحيل، والذي كان يدار من مجموعات عشائرية مسلحة، “لم تتوقف عمليات التهريب، وإنما تغيّرت أساليبها”، كما قال لـ”سوريا على طول” الناشط الإعلامي أبو علاء الديري.
وأوضح الديري، الذي طالب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، أن هناك ثلاث طرق لتهريب النفط:
- الطريقة الأولى، يلجأ إليها صغار المهربين، ويمكن اعتبارها عمليات التهريب الفردية، تقوم على نقل النفط في عبوات سعة 50-70 لتراً، يتم ربطها بحبال بقارب مائي في مياه النهر وآلية في الضفة الأخرى لسحبها.
- الطريقة الثانية، وهي الأكثر شيوعاً، تتمثل في نقل النفط عبر خزانات مثبتة على عبّارات مائية مزودة بمحركات دفع قوية.
- الطريقة الثالثة تتم عبر مدّ أنابيب تحت مياه النهر تستخدم عادة في الري، وتسمى “خطوط الضغط”، قطرها “4 إنش”. وبحسب الديري، يتم اختيار أضيق نقطة بين ضفتي النهر، وتتراوح بين 200 و300 متر، ليتم سحب الأنبوب عبر قوارب مائية ويثبت بكابلات حديدية على الضفتين، إضافة إلى ركيزة اسمنتية في وسط النهر. على الضفة الشرقية، أي مناطق نفوذ “قسد”، يتم تثبيت مضخات عادة ما تستخدم في عمليات الري أيضاً. ويستغرق ضخّ سعة صهريج، أو ما يعادل مئة برميل، باستخدام مضخة تعرف باسم “البتر”، حوالي 15 دقيقة فقط.
وتعدّ الطريقتان الثانية والثالثة أكثر إنتاجية بالنسبة للمهربين، “ويتورط في استخدامهما شركة القاطرجي ومسؤولون في مجلس دير الزور العسكري، بحسب الناشط الإعلامي.
ورغم أن التحالف الدولي استهدف أنابيب التهريب الممتدة تحت مياه الفرات عدة مرات، لكن سرعان ما يعود المهربون إلى مدّ خطوط جديدة، إذ “لا تتجاوز تكلفة مدّ الخط الواحد مبلغ 900 دولار أميركي” وفقاً للديري.