نقل منطقة القابون الصناعية إلى عدرا: تدمير اقتصادي يخدم أثرياء حرب النظام
في حزيران/يونيو 2019، صدر المخطط التنظيمي رقم 104 لمنطقة القابون الصناعية، بموجب أحكام القانون رقم 10 للعام 2018. وعدل هذا المخطط صفتها التنظيمية العمرانية، لتصبح منطقة سكنية وتجارية بعد أن كانت منظمة كمنطقة صناعية وزراعية
24 مارس 2021
عمان- “يبدو أن مجلس المحافظة ناقم علينا نحن أهالي القابون على خلفية مشاركة الحي في التظاهرات، فقرر عقابنا بهدم ونقل المنشآت الصناعية والمعامل إلى عدرا الصناعية بريف دمشق”، قال هادي الشامي، صاحب أحد المصانع المشمولة بقرار مجلس محافظة دمشق هدم ونقل أكثر من 750 معملاً من الحي الدمشقي.
وكان القرار الصادر في كانون الثاني/يناير الماضي، أثار جدلاً واسعاً، خصوصاً في أوساط أصحاب المعامل، وأعاد إلى الواجهة خلافاً على مستقبل المنطقة يمتد لثلاث سنوات، حينما أصدرت رئاسة مجلس الوزراء، في تموز/يوليو 2018، التوصية رقم 1/9714، بإيقاف أعمال تأهيل البنية التحتية في المنطقة الصناعية بالقابون، ووقف رخص الترميم. وتالياً، في كانون الأول/ديسمبر 2018، صدر كتاب عن وزارة الإدارة المحلية يطلب إلغاء أعمال الترميم كافة في المنطقة الصناعية وإخلاء المنشآت الصناعية المتواجدة في المنطقة.
“تحطيم اقتصادي”
يتذرع مجلس محافظة دمشق لأجل نقل المنشآت الصناعية من حي القابون الذي كان تحت سيطرة المعارضة السورية حتى أيار/مايو 2017، بأن نسبة الدمار في المنطقة الصناعية بلغت 80%، وعليه فقد أوعز لأصحاب المنشآت “نقلها من أجل هدم المنطقة وإعادة إعمارها”، كما قال هادي الشامي لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لدواع أمنية.
وأضاف الشامي: “لم يأخذ مجلس المحافظة بتقرير لجنة تقييم الأضرار التابعة لغرفة صناعة دمشق برئاسة رجل الأعمال عاطف طيفور، والتي تؤكد أن نسبة الدمار لا تتجاوز 20%”. وكان طيفور تساءل في حديث لصحيفة “الوطن” الموالية: “ماذا يعني أن تقوم المحافظة بالتوجه والتخطيط لهدم منطقة “طابو أخضر” مرخصة ومؤسسة بمرسوم جمهوري، ومنظمة بمخطط تنظيمي حديث؟”. مؤكداً أن “جميع مصانعها مرخصة ترخيصاً صناعياً وإدارياً”.
وعدا عن أن ما يحدث في القابون “نوع من التحطيم الاقتصادي”، كما وصف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، فإنه يشير إلى وجود “نقمة على أهالي الحي الذين شاركوا في التظاهرات والانتفاضة في وجه النظام”، كما أضاف لـ”سوريا على طول”. لافتاً إلى أن النظام “بدأ بتفريغ الحي منذ العام 2017. وهذا لم يقتصر على المنشآت الصناعية، وإنما [شمل] الأحياء السكنية”.
إذ “في صيف 2018 سجلنا عمليات هدم للمباني وجرف لها”، قال عبد الغني، “رغم أنها لم تتعرض للدمار نتيجة القصف”. معتبراً أن تلك العمليات كانت “تحت حجة المشروع التنظيمي، وفق القانون رقم 10”. مقابل ذلك “لم يعمل النظام على أي إصلاحات أو تهيئة للبنية التحتية أو تأهيل للخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء”.
وكانت حكومة دمشق أعلنت، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، عزمها إعادة إعمار الأحياء في ضواحي دمشق الشرقية بموجب قانون إعادة الإعمار رقم 10 الذي يقضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية المعرفة بالمرسوم التشريعي رقم 107 للعام 2011، استناداً إلى دراسات ومخططات عامة وتفصيلية مصدقة، وإلى دراسة جدوى اقتصادية معتمدة.
وفيما رد عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، فيصل سرور، على الاتهامات الموجهة للنظام بأن “ليس لنا ثأر مع أهالي القابون”، كما صرّح لصحيفة “الوطن”، وأن “جميع إجراءاتنا صحيحة ولا نخالف القانون”، اعتبر رجل الأعمال عاطف طيفور في حديثه للصحيفة ذاتها أن ما يحدث في المنطقة الصناعية بالقابون “لم يحدث في سوريا من قبل”.
رجال أعمال يتحكمون بمجلس المحافظة
في حزيران/يونيو 2019، صدر المخطط التنظيمي رقم 104 لمنطقة القابون الصناعية، بموجب أحكام القانون رقم 10 للعام 2018. وعدل هذا المخطط الصفة التنظيمية العمرانية لمنطقة القابون الصناعية، لتصبح منطقة سكنية وتجارية بعد أن كانت منظمة كمنطقة صناعية وزراعية، على أن تضم وفق المخطط الجديد 72 مقسماً استثمارياً و102 مقسماً سكنياً.
الصناعي الشامي، وهو أحد المتضررين من المخطط التنظيمي، اتهم مجلس محافظة دمشق “بتمرير المشاريع لصالح رجال الأعمال”، معتبراً أن الشروع في نقل وهدم المنطقة الصناعية هو “تفريغ لصالح محمد حمشو وشركائه، إذ إن قرار الهدم والإزالة سيؤدي إلى خفض قيمة أراضي المنطقة الصناعية، وهي مجاورة لمشاريع حمشو، ما قد يمكنه من الاستحواذ عليها بأبخس الأثمان”.
قبل ذلك، شهد الحي تنافساً بين عدد من الشخصيات في القابون لشراء العقارات وتملّكها بأسعار زهيدة، خصوصاً تلك الواقعة ضمن حدود المنطقة الصناعية، والتي سيطر النظام عليها في العام 2013. وقد زادت عمليات الشراء بعد سيطرة النظام على الحي كاملاً في العام 2017. وبحسب هادي الشامي “دائماً ما نتلقى عروضاً من أجل التخلي عن أملاكنا، وبالتأكيد تقف وراء هذه العروض شخصيات متنفذة”.
في هذا السياق، كشف مصدر مقرب من مكتب رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب السابق، محمد حمشو، في حديث لـ”سوريا على طول”، عن وجود مجموعة متخصصة تعمل لصالح حمشو “تضغط على مجلس محافظة دمشق لتحريك ملف القابون وتنفيذ قرار الهدم، ما يمكنها من شراء العقارات بأسعار زهيدة”. وكل ذلك “يصب في مصلحة مشروع ماروتا سيتي الذي يملك محمد حمشو حصةً فيه”، بحسب المصدر ذاته. مضيفاً أن مكتب محاماة خاص بحمشو، ومن خلال التعاون مع وكلاء محليين في القابون، يعمل على “شراء العقارات ونقل ملكيتها مباشرة لصالح حمشو وشركائه”.
وكان حمشو زار المنطقة الصناعية في القابون أواخر العام 2018 رفقة رئيس غرفة صناعة دمشق، سامر الدبس. وأبلغ حمشو الصناعيين آنذاك بضرورة نقل منشآتهم، على اعتبار أن القرار قد صدر، والبديل هو المنطقة الصناعية في عدرا.
العودة إلى نقطة الصفر
تحريك ملف المنطقة الصناعية في القابون مجدداً يعني أن مشروع هادي الشامي الذي “عملت على تاسيسه قبل أكثر من 15 عاماً شارف على النهاية”، كما قال. متسائلاً: “لماذا عليّ العودة إلى نقطة الصفر وإعادة تأسيس عملي في منطقة أخرى من جديد من دون أي توضيح بخصوص التعويض؟”.
وعدا عن أن نقل المنشآت الصناعية من القابون إلى عدرا الصناعية، التي تبعد نحو 20 كيلومتراً إلى الشرق من الحي الدمشقي، يتطلب من أصحاب تلك المنشآت دفع مزيد من الأموال للنقل والتجهيز في مكان آخر، فإنه أيضاً يرتب عليهم “أعباء ومصاريف دائمة، من قبيل زيادة الرواتب والحوافز للعمال الذين سيقطعون مسافة أكبر إلى المكان الجديد” وفق الشامي الذي اتهم مجلس محافظة دمشق بـ”قصر النظر، وعدم امتلاكه لنظرة اقتصادية حقيقية”.
وكان أصحاب المنشآت الصناعية في حي القابون طلبوا أكثر من مرة من مجلس محافظة دمشق السماح “بإعادة تأهيل مصانعنا في القابون على نفقتنا الخاصة”، كما قال الشامي. مؤكداً “وجود مئات الصناعيين في المنطقة مستعدين تأهيل مصانعهم من دون طلب الحصول على مساعدات مالية أو تعويض من الحكومة” كما قال.
وفي 4 شباط/فبراير الماضي، أعلنت غرفة صناعة دمشق وريفها عن موافقة محافظة دمشق على طلب عودة صناعيي القابون إلى معاملهم. لكن المحافظة نفت ذلك، مؤكدة أن المنطقة خاضعة للمخطط التنظيمي 104 المصدق أصولاً من وزارة الأشغال العامة والإسكان بالقرار رقم 2717 الصادر في أيلول/ سبتمبر 2019.
وحتى اليوم، لم يتلق أصحاب المنشآت الصناعية موعداً نهائياً لإخلاء المنطقة ونقل منشآتهم إلى عدرا العمالية، كما أوضح الشامي. كذلك “لا توجد معلومات عن وجود تعويضات لأصحاب المنشآت أو قيمتها”.