هجوم دير الزور ضد “قسد”: أهداف إيرانية بعباءة عشائرية عربية؟
قد يشهد شمال شرق سوريا "تداعيات خطيرة" في حال قررت إيران إشعال المنطقة، كونها صاحبة القرار في هجوم العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية بدير الزور.
7 أغسطس 2024
أربيل، الحسكة- أعلنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، اليوم الأربعاء، فشل الهجوم الذي شنته قوات عشائرية “بأمر وتعليمات” من حسام لوقا، رئيس المخابرات العامة لدى النظام، ضد مناطق نفوذ “قسد” في ريف دير الزور الشرقي، في ساعات متأخرة من مساء أمس الثلاثاء.
وقالت “قسد” في بيانها، أن “حملة التمشيط مستمرة لملاحقة فلول النظام الذين قاموا بالهجوم على قرى ذيبان واللطوة وأبو حمام” بمحافظة دير الزور، شرقي سوريا البلاد، مشيرة إلى مقتل اثنين من المدنيين وإصابة خمسة آخرين بجروح في ذيبان واللطوة، ومدنيين آخرين في الشحيل، جراء القصف العشوائي للنظام على المنطقة.
تصدى مجلس دير الزور وهجين العسكريين، التابعين لـ”قسد” لهجوم قوات النظام وميليشيات الدفاع الوطني التابعة لها، بحسب رواية “قسد”، بينما قالت وسائل إعلام أن الهجوم نفذته “قوات العشائر العربية” المناهضة لقسد، انطلاقاً من مناطق سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية، غربي نهر الفرات، وهو ما أكدته مصادر محلية لـ”سوريا على طول”.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تسجيلاً صوتياً منسوباً لزعيم “قوات العشائر العربية”، إبراهيم جدعان الهفل، المتواجد في مناطق سيطرة النظام بمحافظة دير الزور، يؤكد فيه استمرارهم في “تحرير تطهير المنطقة من ميليشا قنديل الإرهابية ” على حدّ وصفه.
وفي الوقت ذاته، انتشر مقطع مصور، يظهر فيه المدعو هاشم مسعود السطام، قائد فصيل أسود العكيدات الموالي لإيران، أثناء مشاركته في الهجوم على “قسد” بمحافظة دير الزور.
وفي هذا السياق، قال ناشط إعلامي من بلدة الشحيل بريف دير الزور الشرقي أن “المجموعات المهاجمة عبرت نهر الفرات من مناطق النظام والميليشيات الإيرانية، بواسطة قوارب وعبّارات مائية”، بالتزامن مع “إطلاق قذائف من مناطق النظام، استهدفت بلدات الصبحة والبصيرة وغرانيج وأبو حمام وذيبا”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم ذكر اسمه لدواع أمنية.
“استهدف الهجوم النقاط العسكرية الموجودة على السرير النهري في منطقة البصيرة وأبو حمام وغرانيج وذيبان”، بحسب مسؤول في مكتب العلاقات العسكرية بمقاطعة دير الزور، التابع لـ”قسد”، مشيراً إلى أن “النظام السوري والميليشيات الإيرانية والدفاع الوطني حشدوا قواتهم غرب نهر الفرات منذ يومين”.
وهاجمت المجموعات المسلحة، نقاطاً أمنية لـ”قسد” ومؤسسات خدمية محاذية لنهر الفرات في مدن وبلدات البصيرة والصبحة وذيبان وغرانيج وأبو حمام، وسيطرت عليها قبل أن تتمكن “قسد” من استعادة السيطرة عليها بعد ساعات من الاشتباكات، بحسب الناشط الإعلامي.
ورغم “فرار المجموعات المهاجمة” إلا أن المسؤول لا يستبعد “حدوث هجوم آخر خلال الأيام المقبلة”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
توتر في الحسكة
في أعقاب الهجوم، فرضت هيئة الداخلية بمقاطعة دير الزور، التابعة للإدارة الذاتية، حظر تجوال في المنطقتين الجنوبية والشرقية من المحافظة، اعتباراً من تاريخه وحتى إشعار آخر، متوعدة إحالة المخالفين إلى القضاء لاتخاذ إجراءات رادعة بحقهم، وشمل الحظر كلاً من: البريهة والبصيرة والحوايج والذيبان وغرانيج وأبو حمام.
ورغم أن المناطق المتأثرة بالهجوم تبعد أكثر من مئتي كيلومتراً عن محافظة الحسكة، إلا أن قوى الأمن الداخلي (الأسايش) وقوات شرطة المرور (الترافيك)، التابعتين لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أغلقتا الطرق المؤدية إلى مناطق سيطرة النظام السوري في “المربعات الأمنية” بمدينتي الحسكة والقامشلي، والطرق المؤدية إلى بعض القطاعات العسكرية للنظام، مثل فوج جبل كوكب شرق مدينة الحسكة.
ومنعت “قسد” دخول المركبات إلى مناطق سيطرة النظام في الحسكة، مع وضع كتل أسمنتية في بعض الطرق المؤدية للمربع الأمني، بينما سمحت للمدنيين الدخول والخروج مشياً على الأقدام، وسط إجراءات تدقيق مشددة على وثائق العابرين، كما رصدت مراسلة “سوريا على طول”.
الهجوم لا يستهدف محافظة دير الزور بعينها، وإنما هو “هجوم منظم، هدفه تقديم يد العون لعناصر داعش، وبث الفتنة في المنطقة”، كما فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لـ”قسد” لقناة “روج آفا” الناطقة باسم الإدارة الذاتية ومركزها مدينة القامشلي.
أهداف إيرانية
في 28 آب/ أغسطس 2023، اندلعت انتفاضة عربية ضد “قسد” في محافظة دير الزور، على خلفية اعتقال أحمد الخبيل (أبو خولة)، قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لـ”قسد”، وأسفر الحراك العشائري آنذاك عن سيطرة مجموعات عشائرية على المناطق الجنوبية في دير الزور واحتجاز العشرات من العناصر التابعين لـ”قسد”.
وطالبت القوات المهاجمة آنذاك بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية، التي تمثل القوة الرئيسية لـ”قسد” من دير الزور، والتعاون المباشر بين العشائر والولايات المتحدة، وكان لديها شعور بأنها ستتلقى دعماً لتحقيق مطالبها، لكن واشنطن اختارت الوقوف إلى جانب “قسد”.
في أيلول/ سبتمبر 2023، شنت “قسد” هجوماً استعادت فيه الأراضي التي خسرتها لصالح العشائر العربية، وانتهت العملية بفرار إبراهيم الهفل إلى مناطق سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية، ومنذ ذلك الحين ارتفع مستوى التنسيق بين الهفل والنظام والميليشيات الإيرانية رغم العداء السابق بين الهفل وطهران.
وفي مقال رأي نشرته “سوريا على طول”، أواخر الشهر الماضي، أشار الباحث التركي عمر أوزكيزيلجيك إلى أن اختيار الولايات المتحدة دعم “قسد” على حساب العشائر العربية في انتفاضة 2023 بمحافظة دير الزور، عززت نفوذ إيران بين القبائل العربية، وقد دفع ذلك العديد من الزعماء إلى التحالف مع إيران.
من جهته، عزا محمود حبيب، الناطق الرسمي باسم قوات الشمال الديمقراطي التابع لقسد، الهجوم إلى عدة أسباب، منها “تلبية رغبات إيران التي تريد إرباك المشهد العسكري في المنطقة، وتوسيع رقعة الصراع في شمال شرق سوريا نظراً لأهميتها الاستراتيجية، وتوسيع مناطق الميليشيات التابعة لها”، ومن جانب آخر “تهديد القواعد الأميركية شرق الفرات”، على حد قوله.
رداً على ذلك، قدمت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إسناداً جوياً لـ”قسد” في تصديها للهجوم، بحسب محمود، مشيراً إلى أن دور التحالف “سيتصاعد إذا صعدت إيران من عملياتها” في المنطقة.
وحذر حبيب في حديثه لـ”سوريا على طول” من “تداعيات خطيرة” قد تشهدها المنطقة حال قررت إيران إشعال المنطقة، لافتاً إلى أن “خيار الحرب بيد طهران، بينما قوات النظام والميليشيات التابعة له في المنطقة ليست سوى أدوات لديها”.