5 دقائق قراءة

هل تتحمل “قسد” مسؤولية وقوع ضحايا في القافلة الإنسانية قرب سد تشرين؟

رغم كل التحذيرات، أشرفت الإدارة الذاتية عبر مؤسساتها، في الثامن من الشهر الحالي، على تسيير "القافلة المدنية" إلى سد تشرين، حيث تدور الاشتباكات هناك، وتعرضت القافلة للقصف ما أدى إلى وقوع عدد من القتلى والجرحى


بقلم سلام علي

10 يناير 2025

أربيل- في الثامن من كانون الثاني/ يناير الحالي، أعلنت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا عن مقتل خمسة مدنيين، بينهم كرم عهد شهابي، إدارية في “تجمع نساء زنوبيا“، وإصابة 15 آخرين بجروح، جراء تعرض قافلة “مدنيين” كانت متجهة إلى سد تشرين الواقع على نهر الفرات في منبج بريف حلب الشرقي، لقصف بطيرانٍ مسيّر تركي.

قبل يوم من الحادثة، دعت الإدارة الذاتية، الجناح المدني لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، السكان في مناطق سيطرتها بشمال شرق سوريا، للمشاركة في وقفة احتجاجية عند سد تشرين “للتنديد بالقصف الممنهج، وللتأكيد على رفضنا لأي تهديد قد يؤدي إلى وقوع كارثة إنسانية في المنطقة، ودعم ومساندة قوات سوريا الديمقراطية في التصدي لهذه الهجمات من قبل دولة الاحتلال التركي ومرتزقته”.

وأوعزت الإدارة الذاتية إلى العاملين في مؤسساتها والطلبة في الجامعات المشاركة في “القافلة”، كما ذكرت عدة مصادر مدنية مقيمة في شمال شرق سوريا لـ”سوريا على طول”، فيما قال ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي أن “قسد” نقلت موظفين ومعلمين من مدينة الرقة إلى السد “قسراً”، متهمين إياها بأنها تستخدمهم كـ”دروع بشرية”. 

وحذر ناشطون سكان المنطقة من التوجه إلى لسد لما قد يشكل خطراً على حياتهم، وخشية تكرار ما حدث سابقاً من استهداف قافلة قادمة من منطقة الجزيرة السورية في شمال شرق سوريا إلى عفرين بريف حلب في شمال غرب سوريا، أثناء عملية “غصن الزيتون”، التي شنتها فصائل الجيش الوطني السوري (المعارض) وتركيا ضد وحدات حماية الشعب عام 2018، وكذلك استهداف قافلة أخرى قادمة من الجزيرة إلى رأس العين (سري كانيه)، أثناء عملية “نبع السلام” العسكرية في عام 2019، إذ تم استهداف القافلتين ما أدى إلى وقوع ضحايا في صفوف المدنيين.

إجبار على المشاركة؟

رغم كل التحذيرات، أشرفت الإدارة الذاتية عبر مؤسساتها، يوم الأربعاء، على تسيير “القافلة المدنية” من عدة مناطق تابعة لسيطرتها، من قبيل: الرقة، الطبقة، عين العرب (كوباني)، والقامشلي، وحددت أماكن تجمع السكان والموظفين ونقلتهم عبر حافلات خاصة وسيارات تابعة لها إلى سد تشرين، بحسب مشاركين في القافلة تحدثت معهم “سوريا على طول”.

قالت أمينة محمد (اسم مستعار)، 29 عاماً، موظفة في المجلس التنفيذي بمدينة الطبقة التابع للإدارة الذاتية، أن الرئاسة المشتركة في المجلس أخبرت الموظفين “أنه يجب المشاركة في هذه القافلة لدعم القوات التي تحمينا”، لكنني “اعتذرت لأنني لست مضطرة للمخاطرة بحياتي، كما أن لدي طفلة لا أستطيع تركها”.

ورغم توجيهات الإدارة الذاتية للموظفين إلا أن “المشاركة في القافلة كانت اختيارية”، كما أوضحت محمد لـ”سوريا على طول”.

في المقابل، انضم عبد الله عمر (اسم مستعار)، 35 عاماً، وهو موظف في هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية بمدينة الرقة، إلى القافلة، “خشية أن نصبح منبوذين من الإدارة الذاتية”، لا سيما أنه يتقاضى راتبه منها رغم توقف العملية التعليمية في مدرسته، التي تحولت إلى مركز لاستقبال نازحي منطقة الشهباء، كما قال لـ”سوريا على طول”.

من جانبه، نفى نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية، حمدان العبد، ما يتم تداوله حول إجبار المدنيين على التوجه إلى سد تشرين، مؤكداً أن ما حدث هو “توجيه دعوة لأهلنا للمشاركة في المسيرة والوقوف بشكل سلمي”.

بينما توجهت القافلة إلى سد تشرين، كانت قريتي “علوش” و”تل عريش” وتلة “سيرتل” المحيطة بسد تشرين، تشهد معارك عنيفة بين “قسد” وفصائل الجيش الوطني، بحسب بيان لـ”قسد”، حددت فيه ساعة الاشتباك، وهي 10.40 صباحاً من يوم الأربعاء، أي في ذات الوقت الذي كانت تتجه في القافلة إلى السد.

تشهد منطقة سد تشرين اشتباكات، منذ شهر تقريباً، بين فصائل الجيش الوطني بدعم المسيرات التركية، وقوات “قسد” التي تسيطر على السد، وسط تبادل القصف المدفعي بين الطرفين.

وحذرت الإدارة الذاتية عدة مرات من أن استهداف تركيا لسد تشرين، ينذر بـ”عواقب وخيمة على المنطقة”، حيث تبلغ كمية المياه في السد نحو 2 مليار متر مكعب، وبالتالي فإن خروجه عن الخدمة قد يؤدي إلى تدفق المياه وغرق مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والقرى والمناطق المحيطة بنهر الفرات، بدءاً من الطبقة، ومروراً بالرقة، وصولاً إلى الأراضي العراقية.

من يتحمل المسؤولية؟

رافق هوكر العبدو، مراسل وكالة أسوشيتد برس، القافلة المدنية التي اتجهت إلى سد تشرين، في مهمة صحفية لتغطية الحدث، وأثناء مسير القافلة قصف الطيران الحربي التركي الطريق المؤدي إلى السد، ما أدى إلى “تشكل حفرتين كبيرتين، منعتا السيارات من العبور”، وهو ما دفع “العديد من الأشخاص إلى التوجه للسد سيراً على الأقدام، لمسافة خمسة كيلومترات، بينما عاد الكثير من المشاركين بالقافلة خوفاً من القصف”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

استهدفت الطائرات أطراف الطريق عدة مرات “بهدف ترويع المشاركين وإجبارهم على العودة”، لكن في نهاية المطاف “وصلت القافلة إلى السد، وبعد ذلك عاد قسم منهم بينما بقي آخرون من أجل المبيت هناك”، وفقاً للعبدو.

مع تكرار القصف، قرر عبد الله عمر العودة إلى الرقة رفقة الموظفين الذين كانوا يستقلون معه سيارة تابعة للإدارة الذاتية، قائلاً: “عندما سمعنا صوت قصف في المرة الأولى توقعنا أن تتوقف القافلة، لكن تفاجأنا بمواصلة السيارات الأمامية مسيرها محاولة التقدم باتجاه السد”، وبعد تكرار القصف عدة مرات “وسماع أصوات صراخ المصابين، قررنا العودة”، وفقاً لعمر.

برر حمدان العبد، نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية، إرسال قافلة مدنية إلى منطقة اشتباكات، بأنهم أرادوا “إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي للتعبير عن مخاطر الحرب على مناطقنا، وخاصة استهداف جسم سد تشرين وما قد يتسبب من أضرار وكارثة إنسانية على المنطقة”، إضافة إلى مطالبة الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار المتفق عليه في عام 2019، الضغط على تركيا لمنع استهداف سد تشرين ووقف العمليات العسكرية في المنطقة، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وأضاف العبد: “من حق الشعوب تنظيم مسيرات شعبية تطالب المجتمع الدولي بحمايتها من دولة عضو في حلف الناتو تهاجم المدنيين من دون وجه حق”.

تعليقاً على ذلك، قال بسام أحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، أن “حماية المدنيين يجب أن تكون أولوية للإدارة الذاتية، ويجب عليها عدم توريطهم أو دفعهم أو إجبارهم ليكونوا سدوداً لمنع أو إيقاف الهجمات التركية على المنطقة”.

وبالتالي “يمكن اتهام الإدارة الذاتية بأنها استخدمت المدنيين كدروع بشرية، وهي تتحمل جزءاً من مسؤولية قصفهم في حال تأكد وجود جنود أو معدات عسكرية ضمن القافلة”، وهذا لا ينفي مسؤولية تركيا، التي “يتوجب عليها التمييز بين العسكريين والمدنيين”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

حاولت “سوريا على طول” التواصل مع المكتب الإعلامي لـ”قسد” للحصول على تعليق بشأن ما حدث، لكنها لم تتلق أي ردّ حتى لحظة نشر هذا التقرير.

وبينما اتهمت وسائل إعلام محلية ودولية أنقرة باستهداف القافلة، حمّل أبو صلاح، قيادي في لواء الوقاص التابع للجيش الوطني السوري، “قسد” مسؤولية استهداف القافلة، قائلاً: “بما أن قسد هي من حشدت المدنيين، فربما تكون هي وراء تفجير أو قتل المدنيين”.

واستبعد أبو صلاح في حديثه لـ”سوريا على طول” وجود أسلحة أو عسكريين من “قسد” ضمن القافلة، خاصة أنها “تستخدم أنفاقاً على طرفي السدّ”. 

تلجأ الإدارة الذاتية إلى “استخدام المدنيين كدروع بشرية أو في مظاهرات معينة بهدف جذب استعطاف الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي حول مقتل مدنيين في المنطقة”، ورغم أن “هذه اللعبة صارت مكشوفة إلا أن المدنيين يقعون ضحيتها” في كل مرة، كما قال طلال سلو، الناطق السابق باسم “قسد”، الذي انشق عنها عام 2017 لـ”سوريا على طول”.

شارك هذا المقال