4 دقائق قراءة

هل تستخدم دمشق “فيروس كورونا” للتخلص من معتقلي الرأي؟

كون حكومة دمشق "عذبت المعتقلين ومنعت عنهم الدواء والغذاء، ومات منهم الكثير داخل السجون قبل تفشي كورونا"، فإن الفيروس قد يكون "هدية للنظام السوري لأنه يساعده على التخلص من المعتقلين".


عمان- أمس، سجلت سوريا أول وفاة بفيروس كورونا، تضاف إلى تسع إصابات مؤكدة بالوباء إلى الآن. لكن انخفاض أرقام الإصابات كما الوفيات، وبشكل كبير، مقارنة حتى بدول الجوار، لا يبدو باعثاً للطمأنينة بل العكس، نتيجة النظام الصحي الهش بفعل سنوات الحرب والعقوبات الاقتصادية، وقبلهما الفساد المستشري، بما يؤثر حتى في القدرة على اكتشاف المرض في حال جدية حكومة دمشق في ذلك. 

وتزداد خصوصية سوريا مع تفشي الوباء العالمي من حقيقة اكتظاظ سجون النظام بآلاف المعتقلين الذين يعدون الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، كما حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”.

وطوال الفترة الماضية، لفتت منظمات حقوقية دولية ومحلية الانتباه مجدداً إلى مصير عشرات آلاف المعتقلين في السجون والأفرع الأمنية السورية، والذين “يعانون أساساً من الإهمال الطبي، ولا يوجد أي مراعاة لنظافتهم الشخصية بسبب اكتظاظ السجون والمعتقلات”، كما قال لـ “سوريا على طول” بسام الأحمد، مدير منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وهي إحدى المنظمات الموقعة على بيان يطالب الأجهزة الرسمية السورية بالإفراج الفوري عن المسجونين والمحتجزين، وعدم تنفيذ اعتقالات جديدة، وكذلك فتح جميع مراكز الاحتجاز في سوريا أمام الجهات الدولية.

عفو عام يستثني معتقلي الرأي

في إطار السعي للتصدي لانتشار الفيروس، عمدت دول إلى إخلاء سجونها. ولعل النموذج الأبرز هو إيران، حليف نظام الأسد الأبرز، والتي أعلنت، منتصف الشهر الحالي، إطلاق سراح حوالي 85 ألف سجين، بينهم سجناء سياسيون، لاحتواء “كورونا”. في المقابل، استثنى العفو العام الذي أصدره بشار الأسد في 22 آذار/مارس الحالي، معتقلي الرأي والسياسيين والنشطاء. وكما لفتت غالية مردم بك، مديرة مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، فإن “مراسيم العفو منذ العام 2011 لم تكن مفيدة إلا لعدد محدود من معتقلي الرأي. والتهم التي تصدر عن محكمة الإرهاب السورية تندرج ضمن الاستثناءات التي نص عليه هذا المرسوم وما سبقه من مراسيم”. يضاف إلى ذلك، كما أضافت في تصريح لـ”سوريا على طول”، وجود “مختفين قسرياً يقبعون في معتقلات تابعة لأجهزة المخابرات السورية أو في مراكز احتجاز سرية غير رسمية. وهؤلاء لا يستفيدون نهائياً من المراسيم التي أصبحت تقليدية”. 

الأخطر من ذلك، هو “استغلال الفيروس من النظام للتخلص من المعتقلين”، برأي الأحمد، لاسيما وأن “الصليب الأحمر يزور السجون الرئيسة مثل سجني عدرا والسويداء، لكن غير مسموح له دخول الأفرع الأمنية”، كما قال.

وهو ما أكدت عليه أيضاً سارة كيالي، الباحثة في “هيومن رايتش ووتش”، كون حكومة دمشق “عذبت المعتقلين ومنعت عنهم الدواء والغذاء، ومات منهم الكثير داخل السجون قبل تفشي كورونا”، وبالتالي قد يكون الفيروس “هدية للنظام السوري لأنه يساعده على التخلص من المعتقلين”. مستشهدة بحالات سابقة وثقتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” لمعتقلين قضوا تحت التعذيب، لكن “الحكومة ادعت موتهم نتيجة أزمة قلبية، فيما صور سيزر [قيصر] توضح عكس ذلك”.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أصدرت قبل أيام تقريراً عن المعتقلين، أشارت فيه إلى أن مرسوم العفو الأخير إنما يهدف إلى “الالتفاف على الضغوطات التي تعرض لها النظام السوري من منظمات ودول تتخوف من انتشار وباء كوفيد-19 بين صفوف عشرات آلاف المعتقلين لديه”. 

سجون سوريا

أعلنت وزارة الداخلية السورية عن سلسلة إجراءات احترازية لمواجهة “فيروس كورونا المستجد”، من قبيل إيقاف الزيارات، وتعقيم مرافق السجون والنظارات، ومراقبة وفحص النزلاء الجدد للتأكد من عدم إصابتهم.

لكن وجود أكثر من 130 ألف معتقل، بحسب إحصائية صادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وغياب الرعاية الصحية في السجون التي “تضم أعداداً تفوق قدرتها الاستيعابية”، كما قالت مردم بك، يجعل من هذه السجون بيئة خصبة لانتقال الفيروس المستجد. إذ بحسب “شهادات من المفرج عنهم” حصلت عليها مردم بك، فإن “جميع الأفرع الأمنية ممتلئة بالمعتقلين حتى الآن، [كما هي مثلاً حال] سجن المزة العسكري الذي يحوي زنازين مساحتها 24 متراً مربعاً وتضم نحو 80 معتقلاً”.

ورغم أنه لا بد لحصول العدوى من دخول مصابين إلى السجن، فإن “اختلاط المعتقلين مع السجانين والحرس الذين يخرجون ويدخلون يسهل انتقال الفيروس إلى السجناء”، كما قال الأحمد، لاسيما مع “اشتراك عناصر إيرانية في حراسة بعض السجون والأفرع الأمنية”، إذ تحتل إيران المرتبة الخامسة عالمياً في عدد الإصابات والرابعة في عدد الوفيات بفيروس كورونا.

رسمياً، تتواجد في مناطق سيطرة النظام تسعة سجون رئيسة، هي: سجن صيدنايا العسكري وسجن دمشق المركزي (عدرا) وسجن عدرا المركزي للنساء في محافظة ريف دمشق، وسجن المزة العسكري في محافظة دمشق، وسجن حلب، وسجن حماه، وسجن حمص، وسجن السويداء، إضافة إلى سجن تدمر في محافظة حمص، والذي أقدم تنظيم “داعش” على تفجيره في أيار/مايو 2015 خلال سيطرته على المنطقة. لكن تضاف إلى هذه السجون عشرات سجون سرية ومراكز اعتقال تابعة لأجهزة المخابرات والأفرع الأمنية، مثل فرع الخطيب التابع للمخابرات العامة، وفرع 235 المعروف باسم “فرع فلسطين” التابع للمخابرات العسكرية، وفرع المزة التابع للأمن السياسي، وفرع مطار المزة التابع للمخابرات الجوية، وجميعها في العاصمة دمشق.

كذلك، هناك سجون تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، خصص أحدها للمنتمين لتنظيم “داعش”، ويقدر عددهم بنحو 12000 شخص، فيما تضم أخرى نحو 3000 شخص بينهم معتقلو رأي ونشطاء مدنيون، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. كما يقدر عدد المعتقلين في سجون هيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا، بحوالي 622 معتقلاً بينهم أيضاً معتقلو رأي ونشطاء مدنيون.

شارك هذا المقال