هل تنجح فصائل السويداء بإنهاء فوضى السلاح في المحافظة؟
تشهد السويداء تزايداً ملحوظاً في انتشار السلاح بين المدنيين الذين استولوا عليه من ثكنات النظام البائد ومقراته بعد فرار جيشه قبل يوم من سقوط النظام
4 فبراير 2025
باريس- أصدر قائد حركة رجال الكرامة في السويداء تعميماً، اليوم الثلاثاء، أكد فيه أهمية إنهاء المظاهر المسلحة والمساهمة في فرض الأمن والاستقرار، بعد الفوضى الأمنية التي شهدتها المحافظة بسبب زيادة انتشار السلاح بعد سقوط نظام الأسد.
وشدد التعميم على أن حمل السلاح سيكون محصوراً بالمكلّفين بحماية المؤسسات أو ضمن مهام رسمية، في خطوة تهدف إلى إنهاء انتشار السلاح. جاءت هذه الخطوة بعد دعوات المدنيين في المحافظة إلى الحد من هذه الظاهرة، وبالتزامن مع حملة أمنية تشهدها البلاد لملاحقة مطلوبين وحصر السلاح بيد الدولة.
وفي الأول من شباط/ فبراير الحالي، نفذ جهاز الأمن العام، التابع لحكومة تصريف الأعمال بدمشق، حملة أمنية في قرية خربة الورد بريف دمشق، على الطريق الواصل بين السويداء ودمشق، استهدف خلالها عدداً من المطلوبين داخل القرية.
وتأتي هذه الجهود بعد أيام من إعادة تفعيل جهاز الشرطة والأمن الجنائي في السويداء، التابعين لوزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال المكلفة من الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، بعد أن تعطلت أجهزة الأمن والشرطة في المحافظة منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024.
تعميم “رجال الكرامة” يقضي “منع المظاهر المسلحة لعناصر رجال الكرامة بين المدنيين، ولا يعني تسليم السلاح”، بحسب سامر سلوم، عضو اللجنة التنفيذية للحراك السلمي في السويداء، ناهيك عن أن “التعميم غير ملزم لباقي الفصائل”، وأنه “غير كافٍ ولا يلبي تطلعات الناس”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
تشهد محافظة السويداء، جنوب سوريا، تزايداً ملحوظاً في الفلتان الأمني أسهم في حدوثها زيادة انتشار السلاح بين المدنيين، الذين استولوا عليه من ثكنات النظام البائد ومقراته بعد فرار جيشه قبل يوم من سقوط النظام، ما أدى إلى حدوث العديد من الاعتداءات وتسبب بمقتل وإصابة عشرات الأشخاص، آخرها تعرض الشاب حكمت حمزة بطلق ناري، في الأول من الشهر الحالي، أثناء محاولته منع حطّابين من قطع أشجار في محيط منطقة معسكر “طلائع البعث” شمال بلدة رساس، الواقعة جنوب مدينة السويداء.
وسبق أن توفي مازن الشوفي، 54 عاماً، في 24 كانون الثاني/ يناير، متأثراً بإصابته في انفجار قنبلة بمدينة السويداء، يعتقد أنه كان يحملها لحظة انفجارها، بحسب وسائل إعلام محلية.
“السلاح هو هاجسنا”
“تسبب الانتشار الكبير للسلاح بين الأهالي وغياب وجود ضابطة عدلية وجهاز شرطة في السويداء بتفاقم الفلتان الأمني”، بحسب الصحفي شادي الدبيسي، المقيم في المحافظة، قائلاً: “صارت الكلمة الأولى والأخيرة للسلاح، ولا يوجد أي رادع لحامليه”، لذا “نرى جرائم قتل وتهديد بالسلاح بشكل يومي”.
نتيجة لذلك، يشعر أهالي المحافظة بـ”خوف وقلق حقيقي”، خاصة أن “غالبية السلاح المنتشر غير خاضع لضوابط وإنما لأهواء حامليه”، كما أوضح الدبيسي لـ”سوريا على طول”.
وفي هذا السياق، قال المحامي سعد أبو حسون أن “السقوط السريع والمفاجئ للنظام أدى إلى وقوع كميات كبيرة من الأسلحة بيد المدنيين، وبالتالي انزلقت المحافظة في فوضى أكبر، وارتفعت حدة الجرائم والانتهاكات في السويداء أكثر من قبل”.
مع بداية الثورة السورية، عمل النظام البائد “بعقلية أمنية ممنهجة على دفع المدنيين إلى حمل السلاح عبر تسليحهم في منظمات وميليشيات عسكرية مثل جمعية البستان [التابعة لرامي مخلوف ولها جناح عسكري] والدفاع الوطني وغيرها”، وكان الهدف من ذلك “إثارة الفوضى وزيادة معدل الجريمة من أجل إيهام المجتمع أن الثورة هي من تحطم المجتمع أخلاقياً وأمنياً”، بحسب أبو حسون، لافتاً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن هذه المجموعات عملت على “إثارة النعرات الطائفية، لاسيما في مناطق الأقليات”.
اتُهم النظام في عام 2011، بأنه أسهم في عسكرة الثورة بقمع المتظاهرين وإلقاء أسلحة فردية في الشوارع ليستخدمها بعض المتظاهرين دون إدراك مخاطرها لاحقا.
“ونتيجة التصحر السياسي والفكري في المجتمع، استطاع النظام خداع المجتمع، وتسارعت عملية التسليح نفسها [بعد سقوط النظام]، وزاد الفلتان الأمني وظهرت الجريمة المنظمة”، بحسب أبو حسون، وبالتالي “نجحت استراتيجية النظام مجدداً”.
في 24 كانون الثاني/ يناير الحالي، نظمت نقابة المعلمين في السويداء وقفة احتجاجية أمام مبنى مديرية التربية، تنديداً بالاعتداءات التي طالت معهد تقانة الحاسوب ومدرسة الهويا، قبل يومين من الوقفة، وأشارت النقابة حينها إلى أن الاعتداءات تضمنت خطف واعتداء على معلمين داخل الحرم التعليمي معتبرة ما جرى “تجاوزاً خطيراً للقوانين وانتهاكاً لحرمة المؤسسة التعليمية”.
مطلب المعلمين هو “مطلب ينادي به غالبية سكان المحافظة، وهو شغلهم الشاغل حالياً”، بحسب المحامي أبو حسون، لأن “انتشار السلاح يؤثر على المجتمع أخلاقياً ومعنوياً”.
السويداء تنأى بنفسها
منذ اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011، اكتسبت السويداء خصوصية دون غيرها من باقي المحافظات السورية من الناحية العسكرية، إذ لم تخرج عن سيطرة النظام البائد، لكنها لم تكن تحت حكمه الكامل، وكان لِفصائلها أهدافاً مختلفة عن غيرها في الأهداف والطموحات وشكل العلاقة مع دمشق وأجهزتها الأمنية.
وبينما تعاني السويداء من الفوضى الأمنية، حالياً، تحاول فصائلها عزلها عن حكومة تصريف الأعمال، التي كلفها الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، إذ منعت فصائل السويداء دخول رتل لجهاز الأمن العام كان متجهاً إلى مبنى قيادة الشرطة في السويداء، في 31 كانون الأول/ ديسمبر، وهو ما عزته الفصائل والفعاليات الدينية في السويداء إلى عدم التنسيق معهم ومحاولة الدخول “خلسة” ليلاً.
وطالبت الفعاليات السياسية والدينية والاجتماعية في السويداء خلال لقاءاتها مع مسؤولي حكومة دمشق بإدارة الشؤون الأمنية في المحافظة عبر أبنائها، “وإعادة تفعيل الضابطة العدلية وتعيين قائد شرطة من السويداء”، ووافقت دمشق على ذلك حينها، بحسب شبكة “السويداء 24″، مؤسسة إعلامية محلية.
وفي “مؤتمر النصر”، الذي اجتمع فيه الشرع مع قادة الفصائل العسكرية، في 30 كانون الثاني/ يناير، معلناً نفسه رئيساً للجمهورية في المرحلة الانتقالية، قاطعت فصائل محافظة السويداء المؤتمر، كما شهد المؤتمر غياب قوات سوريا الديمقراطية، وقائد اللواء الثامن، أحمد العودة، وهو قيادي سابق في فصائل محافظة درعا، لكنه أرسل ممثلاً عن لوائه.
وبينما يشتكي أهالي السويداء من الفوضى الأمنية، نفت قوات العليا، إحدى الفصائل المحلية المنتشرة في منطقة صلخد جنوب السويداء “وقوع أي حالة اعتداء أو حوادث ناجمة عن استخدام السلاح في قطاع عملنا منذ تاريخ التحرير حتى الآن”، كما قال عضو في المكتب الإعلامي للفصيل لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن قواتهم البالغ عددها عددها نحو ألف مقاتل، منتشرة في صلخد وقراها وتتعامل مع الوضع الأمني.
وعمل الفصيل على “جمع السلاح وتنظيمه وجرده ووضعه بأحد المقرات تحت حراسة مشددة”، كما أنه يسير “دوريات في المناطق الحساسة لحماية الأملاك العامة والخاصة، لا سيما في صلخد”، بحسب عضو المكتب الإعلامي.
التمسك بالسلاح!
اتفقت فصائل المعارضة السورية، التي حضرت “مؤتمر النصر”، على حلّ نفسها، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، التي كان يتزعمها الشرع (الجولاني)، وأن تكون هذه الفصائل نواة لتشكيل جيش سوريا الجديد.
في المقابل، لم تعلن أياً من فصائل السويداء حلّ نفسها، وإنما شهدت المحافظة ولادة جسمين عسكريين. في 25 من كانون الثاني/ يناير، أعلن عدد من أبناء عشائر السويداء، في بيان مصور لهم، تشكيل جسم عسكري جديد يضم أبناء العشائر في المحافظة، بينما أعلنت ثلاثة فصائل محلية اتحادها في تشكيل واحد، في السابع من الشهر ذاته، وهي: قوات شيخ الكرامة، قوات العليا، وقوة مكافحة الإرهاب.
يشير ذلك إلى تمسك المحافظة بسلاحها، وهو ما أكده الشيخ حكمت الهجري، رئيس الرئاسة الروحية للموحدين الدروز في السويداء، الذي يتصدر المشهد في المحافظة أكثر من مرة، مشدداً على أن “تسليم السلاح أمر مرفوض نهائياً لحين تشكيل الدولة وكتابة الدستور”، وعزا التمسك بالسلاح إلى “ضمان حقوقنا”، على حد قوله.
“تصريحات الشيخ الهجري لا تمثل الجميع في السويداء، لكنها تمثل غالبية الفصائل، التي تورط بعضها بالدم والخطف وتجارة المخدرات”، قال سلوم، مفسراً موقف الفصائل بأنهم “لا يريدون أن تفرض الدولة سيطرتها وأن تستمر حالة الفوضى حتى لا يتعرضوا للمحاسبة”.
وأضاف: “تقول الفصائل نحن ندير أمورنا بأنفسنا، لكن هناك العديد من المشاكل الأمنية وحالات الوفيات بشكل يومي، عجزوا هم والشيخ [الهجري] عن حلها”، بحسب سلوم، لافتاً إلى أن “الشيخ الهجري يرى أن وجود هذه الفصائل على الرغم من الأخطاء آمن أكثر من دخول هيئة تحرير الشام”.
برز التمسك بالسلاح بشكل أكبر بعد أن “صارت الفصائل تندرج تحت عائلات أو مناطق، حيث تشكل كل عائلة أو قرية فصيلاً عسكرياً خاصاً بها”، بحسب المحامي أبو حسون، الذي لا ينكر وجود إيجابيات كبيرة للفصائل “في وقت من الأوقات بسبب غياب الدولة”، لكنها اليوم “صارت تسبب أزمة، لأنها لا تملك عقلية تنظيمية في إدارة الأمور العسكرية والأمنية كعقلية الأمن الداخلي ووزارة الدفاع والدولة”.
“بعض الفصائل تهدف من خلال تمسكها بالسلاح وإثارة الفوضى إلى تحقيق مكاسب، وحماية نشاطاتها من تخريب وخطف وتجارة مخدرات”، بحسب أبو حسون، لافتاً إلى أن بعض الفصائل صارت “ملاذاً لأصحاب السوابق والزعران الفارين من المحاسبة والعدالة”، لذا يتعين على الفصائل “الانتباه لذلك وغربلة فصائلهم من الأشخاص السيئين”.
وبما أن فصائل السويداء “ارتكبت انتهاكات حالها حال بقية الفصائل السورية في باقي المحافظات فإنها غير قادرة على ضبط الأمن كونها تضم عناصر وقيادات متورطة بالانتهاكات أصلاً”، بحسب الصحفي الدبيسي، وبالتالي “نحن بحاجة إلى جهاز قوى أمن داخلي وضابطة عدلية تحمل على عاتقها الوضع الأمني وأن لا يكون هناك مكان لمرتكبي الجرائم”.
“الناس لن تسلم سلاحها حتى تشعر بالأمان، لأنها تحمي نفسها به”، بحسب المحامي أبو حسون، لذا يجب أن تسبق هذه الخطوة “عملية بناء الثقة بين المواطنين والدولة”، وهذا يتطلب وجود دور لـ”القيادات العسكرية والدينية والسياسية في السويداء لأن ضبط السلاح ليس من مهمة الدولة وحدها، وإنما يجب أن يتفاعل المجتمع ويساعد في ذلك”.
وختم أبو حسون: “القلق ما زال موجوداً لدى سكان السويداء من هيئة تحرير الشام، لذا على الإدارة الجديدة أن تعمل في كسب ثقة السوريين، وليس أبناء السويداء فقط، من أجل تسهيل عملها”، لافتاً إلى أن “الجميع متفق على أن هذا السلاح يجب أن يكون بيد الدولة ولكن بعد الثقة بها”.