هل يتحرك وكلاء إيران في سوريا لدعم حزب الله اللبناني؟
في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حملة جوية وبرية شاملة على لبنان، هل يتحرك وكلاء إيران في سوريا لنجدة حليفها المحاصر حزب الله، الذي قتل زعيمه حسن نصر الله قبل أيام؟
4 أكتوبر 2024
مارسيليا – على مدى الأيام التي تلت اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في 27 أيلول/ سبتمبر بالعاصمة اللبنانية بيروت، برز سؤال “كيف سترد إيران على الضربة الإسرائيلية القوية لأهم حليف إقليمي لها؟”.
استهداف إسرائيل مباشرة يعني المخاطرة بحرب شاملة، بينما التزام الصمت من شأنه أن يلحق ضرراً بالغاً بسمعة إيران لدى “محور المقاومة”، أي الجهات الإقليمية الفاعلة المتحالفة معها طهران ضد تل أبيب، التي تشمل حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، وبشار الأسد، والميليشيات الوكيلة في سوريا والعراق.
يوم الثلاثاء، أعطت إيران الجواب بإطلاق نحو 200 صاروخ باليستي على إسرائيل، قائلة أن القصف ليس رداً على مقتل نصر الله فحسب، وإنما على مقتل اللواء الإيراني عباس نيلفروشان أيضاً الذي قضى في الضربة نفسها، وعلى اغتيال زعيم حركة حماس، اسماعيل هنية، في تموز/ يوليو بالعاصمة طهران.
مع تعهد إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة بردّ “شديد”، أصبحت المنطقة أقرب ما تكون إلى حرب شاملة بين طهران وتل أبيب. على مدى سنوات، فضّلت إيران إبقاء يديها نظيفتين، مكتفية باستخدام قوات حليفة لها، ليس حزب الله اللبناني فقط، الذي تعتبره طهران بوليصة تأمين في حالة نشوب حرب مع إسرائيل، وإنما أيضاً الميليشيات المجاورة في سوريا.
ومن المؤكد أن تل أبيب تعتبر هذه الميليشيات جزءاً من حربها المتصاعدة، وهي تضرب أهدافاً داخل سوريا بشكل متزايد حتى في أثناء هجومها البري على جنوب لبنان. خلال الأسبوع الماضي وحده، شنت إسرائيل أكثر من 14 غارة جوية، استهدفت حزب الله وجماعات أخرى مدعومة من إيران، إلى جانب قوات النظام السوري وبنيته التحتية، وسقط مدنيون أيضاً من بين القتلى.
ومع أن إيران ردت يوم الثلاثاء بإطلاق الصواريخ البالستية، إلا أنه ما يزال هناك سؤال بلا إجابة، وهو: هل سَتحشد الميليشيات التابعة لها في سوريا لدعم حزب الله في لبنان؟
استنفار الميليشيات الموالية لإيران
أشار محللون ومصادر ميدانية لـ”سوريا على طول” إلى استنفار الجماعات المدعومة من إيران في سوريا إبان الهجوم الإسرائيلي على لبنان والرد الإيراني الأخير على إسرائيل، وتأتي هذه التحركات بهدف الاستعداد وفقاً للبعض، فيما قال آخرون أن ما يجري إعادة انتشار وتموضع.
“إذا كانت هناك أي تحركات فهي ضئيلة حتى الآن. فالمعركة الرئيسية لا تزال في جنوب لبنان ويقودها حزب الله”، قال جو معكرون، الزميل العالمي في مركز ويلسون ومقره واشنطن، مشيراً إلى وجود “تقارير متضاربة” عن تحركات قوات حزب الله والميليشيات المدعومة من إيران في البوكمال بمحافظة دير الزور وضواحي دمشق.
إلى جانب حزب الله، الذي تدخل لدعم الأسد في أعقاب اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011، تتواجد مجموعة من الميليشيات المدعومة من طهران في سوريا، التي لها وجود قوي بشكل خاص في مناطق مثل محافظة دير الزور، شرقي البلاد، على طول الحدود العراقية.
وقال رسلان طراد، زميل مقيم في المجلس الأطلسي ومقره واشنطن، أن حزب الله “يجهز قواته” الآن في غرب ووسط سوريا بالقرب من لبنان. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان الحزب سيتمكن من نقل هذه الميليشيات من سوريا إلى لبنان بالنظر إلى “المخاطر اللوجستية”، لأن “إسرائيل قد تضربهم أثناء تحركهم”، بحسب معكرون.
لكن عبرت بعض الميليشيات الحدود السورية-اللبنانية، بحسب طراد، قائلاً: “نقلت إيران بعض الميليشيات التابعة لها إلى لبنان، وتم نقل المقرات العملياتية لبعض الميليشيات الموالية لإيران العاملة في سوريا إلى بيروت”.
ومع استمرار التصعيد بين حزب الله وإسرائيل من جهة، وبين الأخيرة وإيران، يرجح طراد أن تحدث عمليات انتشار أخرى. ويتفق معكرون مع ذلك قائلاً: “إذا بدأت دفاعات حزب الله في الانهيار، فقد تتدخل الميليشيات الموجودة في سوريا بشكل متزايد لتخفيف الضغط على حزب الله.”
هدوء نسبي على الجبهات الجنوبية والشرقية
في جنوب سوريا وشرقها على حد سواء، يبدو أن حزب الله والميليشيات المدعومة من إيران في موقف دفاعي، وتحركاتهم حذرة ومدروسة تجنباً للضربات الجوية الإسرائيلية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وقال أحد القادة السابقين في الجبهة الجنوبية المعارضة في درعا، لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، “لا توجد تحركات واستعدادات كبيرة من قبل النظام والإيرانيين… تشير إلى عمل عسكري أو إمكانية فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل”، رغم أن إسرائيل استهدفت، الأسبوع الماضي، مطارات وأنظمة رادار في جنوب سوريا.
وهناك يبدو أن قوات حزب الله تنسحب من الخطوط الأمامية، إذ قال القيادي السابق: “تلقينا معلومات هذا الأسبوع تشير إلى أن حزب الله أجرى بعض التغييرات في مواقعه في سوريا، بما في ذلك انسحابات من جبهة القنيطرة”، المتاخمة لمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
ومع ذلك، أقرّ القيادي بصعوبة رصد تحركات “حزب الله” والميليشيات المدعومة من إيران لأنها تحدث “تحت غطاء قوات النظام، وخاصة الفرقة الرابعة [التابعة للجيش السوري]”.
وأفادت التقارير أن قائد الفرقة الرابعة، ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، قد تعرض لمحاولة اغتيال بالقرب من دمشق هذا الأسبوع. قرأ بعض المحللين الضربة على أنها رسالة محتملة من تل أبيب إلى دمشق، تحذر النظام من البقاء على الحياد.
وقال القيادي السابق في المعارضة: “لا يريد النظام فتح جبهة ضد إسرائيل لأنه يعلم أنها ستقصف القصر الجمهوري إذا فعل ذلك”، مرجحاً أن تبقى الحدود السورية الإسرائيلية هادئة على الأرجح، وربما “يقتصر الأمر على قيام بعض الميليشيات الإيرانية بإطلاق بعض الطائرات المسيرة والصواريخ محدودة التأثير”، كما كان يحدث في الماضي.
وفي شرق سوريا، تتواجد الميليشيات المدعومة من إيران في دير الزور، لا سيما الميليشيات العراقية مثل الحشد الشعبي، إلى جانب حزب الله اللبناني. تكتسب المنطقة أهمية استراتيجية باعتبارها جزءاً من الممر البري الذي يربط إيران والعراق وسوريا ولبنان، حيث يتدفق المقاتلون والأسلحة بسلاسة عبر حدود هذه الدول، ولا يقطعها سوى الغارات الجوية التي تشنها إسرائيل والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وقال مصدر عسكري من مجلس دير الزور العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) لـ”سوريا على طول”: “خلال الأيام القليلة الماضية، كان هناك حشد [من قبل ميليشيات موالية لإيران] على طول نهر الفرات”. ومع ذلك، فإن التحركات الفعلية للقوات لم تحدث “خوفاً من الضربات الجوية للتحالف”، بحسب المصدر.
ويشكل نهر الفرات في دير الزور حدوداً فعلية بين “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة في الشمال الشرقي، والنظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران في الجنوب الغربي.
استهدف وكلاء إيران “قسد” والقواعد العسكرية الأميركية في سوريا والعراق المجاور، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ووقعت عدة هجمات من هذا القبيل ضد القواعد الأمريكية في دير الزور ومحافظة الحسكة المجاورة هذا الأسبوع، لكنها لم تكن جزءاً من هجمات يوم الثلاثاء الانتقامية الإيرانية ضد إسرائيل.
وقال أحد الناشطين المحليين في مدينة الميادين بدير الزور لـ”سوريا على طول” أن حزب الله أخلى منطقة مدينة البوكمال والحدود العراقية واتجه نحو الريف، خوفاً من الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
وكذلك، غادر العديد من الأعضاء البارزين في الحرس الثوري الإيراني سوريا، بحسب المصدر، ومن بين هؤلاء الحاج كامل، الذي يترأس لواء محافظة دير الزور والصحراء الشرقية في سوريا، وكذلك الحاج عامر المسؤول عن العمليات المالية، ويحمل كلاهما الجنسية الإيرانية.
لم تكن هناك أي تحركات ”ملحوظة“ عبر الحدود السورية العراقية في الأسابيع الأخيرة بسبب “خوف الميليشيات [المدعومة من إيران] من استهدافها من قبل القوات الأمريكية أو قوات التحالف”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مهند فارس، صحفي متخصص في السياسة العراقية مقيم في بغداد.
استبعد فارس تحرك الميليشيات العراقية المدعومة من إيران ما لم تستهدف إسرائيل إيران مباشرة، معتبراً أن إيران لا تريد توريط أذرعها العراقية في هذه الحرب خشية استهدافها، لأنها لا تريد أن تخسر هذه الميليشيات “نفوذها”، كونها “داعم رئيسي لها في العراق سياسياً واقتصادياً”.
دعم حزب الله
في الوقت الذي يسود هدوء متوتر في شرق وجنوب سوريا، يبدو أن الميليشيات المدعومة من إيران هناك في حالة تأهب، لكنها لا تتحرك لدعم حزب الله مباشرة داخل لبنان، على الأقل في الوقت الراهن.
ويوم الاثنين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، للصحفيين “لا حاجة لإرسال قوات متطوعة أو قوات دعم من إيران إلى غزة ولبنان، حيث أن لبنان وفلسطين لديهما القدرة اللازمة للدفاع عن نفسيهما”.
ومع تعرض حزب الله لضغوط متزايدة، تحاول إيران الموازنة بين بقائها وبقاء ميليشياتها، لأن استمرار التصعيد مع إسرائيل قد يثير رداً أمريكياً من شأنه أن يجر إيران إلى صراع أوسع نطاقاً، بحسب طراد.
ومع ذلك، فإن عدم تقديم الدعم الكافي لحلفائها يمكن أن يقوض صورتها محلياً وفي جميع أنحاء المنطقة، بحسب طراد، قائلاً: “إذا لم تدعم طهران حزب الله بشكل فعال، فقد ترسل إشارة إلى الميليشيات والجماعات الأخرى المتحالفة مع إيران في المنطقة بأنه في أوقات الأزمات، قد تضع إيران بقاءها ومصالحها فوق مصالحهم”.
ونتيجةً لذلك، فسّر معكرون القصف الصاروخي الإيراني، يوم الثلاثاء، على أنه “رسالة” إلى إسرائيل، لكن في الوقت ذاته رسالة إلى وكلائها تؤكد وقوفها إلى جانبهم.