هل يشعل الاتفاق النفطي شرق سوريا الصراع بين “قنديل” و”قسد”؟
أغسطس 13, 2020
سوريون يشاركون في حفل تأبين لمقاتلين من "قسد"، في ريف دير الزور شرق البلاد، قتلوا في معارك ضد تنظيم "داعش"، 23/ 3/ 2019 (أ ف ب)
عمان- في رد فعل قد يبدو مفاجئاً، اعترض الرجل الثاني في حزب العمال الكردستاني (التركي)، جميل بايق، على الاتفاقية الموقعة مؤخراً بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وشركة دلتا كريسنت للطاقة (Delta Crescent Energy LLC) الأميركية لتحديث آبار النفط واستثمارها في مناطق سيطرة الأولى شمال شرق سوريا، واصفاً الاتفاقية بأنها “غير قانونية”. وهو ما يتطابق مع موقف حكومة دمشق التي عدت الاتفاق “باطلا ولاغيا ولا أثر قانونيا له”، كما جاء في بيان لوزارة الخارجية والمغتربين، وأنه “يعد سرقة موصوفة متكاملة الأركان ولا يمكن أن يوصف إلا بصفقة بين لصوص تسرق وتشتري ويشكل اعتداء على السيادة السورية”.
كذلك، فيما فسر كثيرون توقيع الاتفاقية التي أعلن عنها السيناتور الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام، بأنها اعتراف سياسي أميركي بالإدارة الذاتية، المظلة السياسية لـ”قسد”، اعتبر بايق في تصريحاته أن “سوريا ونظامها الحاكم ما زالا معترفاً بهما في المؤسسات الدولية”، وأن كل “ما هو موجود على الأرض وتحتها ملك لجميع السوريين ولا يجوز لأي طرف استملاك ذلك”. مضيفاً أن مثل هذه الاتفاقات يجب أن تمر عبر دمشق، كون “سوريا تمر بأزمة اقتصادية والمطلوب أن تكون هذه الاتفاقية في إطار المصلحة السورية”.
ورغم علاقة التحالف التاريخية التي تربط حزب العمال الكردستاني، منذ تأسيسه في العام 1978، بنظام الأسد، فإن من المعروف أن الحزب ذاته يسيطر، في المقابل، على الإدارة الذاتية و”قسد” من خلال حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعد الفرع السوري لـ”العمال الكردستاني” المصنف إرهابياً من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تعمق الخلاف بين “قنديل” و”قسد”؟
هذا التباين أو الخلاف الأخير بين “قسد” وقيادات “العمال الكردستاني” المعروفة بـ”بقيادات قنديل”، نسبة إلى مقر إقامتها في جبال قنديل على الحدود العراقية-التركية، يمثل مؤشراً جديداً على خلاف بدأ بالبروز خلال المرحلة الماضية بين الطرفين، وتحديداً بين “قنديل” والقائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي.
وكانت “سوريا على طول” أشارت في تقرير سابق إلى هذا الخلاف على إثر المفاوضات الكردية-الكردية بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي الذي يضم 13 حزباً معارضاً لدمشق، برعاية أميركية وفرنسية، عقب مبادرة أطلقها عبدي في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وهي المفاوضات التي تمخضت عن اتفاق أولي يتضمن رؤية سياسية مشتركة لإدارة مناطق شمال وشرق سوريا.
ويقود عبدي، الذي وقع اتفاقية النفط الأخيرة نيابة عن “قسد”، تحالفاً من قياديين أكراد سوريين في “قسد”، مدعوم أميركياً، في مواجهة حلف يتبع “قنديل” ويقوده القياديان البارزان صالح مسلم الرئيس المؤسس لحزب الاتحاد الديمقراطي، وآلدار خليل الرئيس السابق لحركة المجتمع الديمقراطي وعضو حالي في هيئة الرئاسة المشتركة في حزب الاتحاد الديمقراطي، وأحد كوادر “العمال الكردستاني” في سوريا.
ويهدف حلف عبدي إلى إبعاد كوادر “قنديل”، وغالبيتهم من أكراد تركيا وإيران، عن المناطق الكردية في سوريا، لاسيما وأنهم يسيطرون على الكثير من المناصب العسكرية والسياسية والقضائية والأمنية الحساسة، والمؤسسات المدنية، شمال شرق سوريا. وهم يعرفون بالمصطلح الشعبي “كادرو”، ويتخذون منطقة رميلان النفطية بريف القامشلي في محافظة الحسكة، مقراً لهم.
وكانت “قسد” اتخذت قراراً بفصل العديد من كوادر “العمال الكردستاني”، وبالتالي تقليص نفوذ “قنديل”، آخرهم أحد المسؤولين عن المالية العامة في الإدارة الذاتية، علي شير، في 11 تموز/يوليو الماضي. كما غادر صبري اوك، أحد أبرز قياديي “العمال الكردستاني”، الأراضي السورية إلى قنديل في أواخر عام 2019.
وقد امتنع مسؤولو “قسد” كما المصادر المقربة من “العمال الكردستاني” في سوريا عن التصريح لـ”سوريا على طول” فيما يتعلق بمضمون هذا التقرير.
ويعد إبعاد كوادر “قنديل” أحد مطالب المجلس الوطني الكردي الأساسية لاستمرار ونجاح المفاوضات. كما تلعب الولايات المتحدة دوراً في هذا الإطار، لمنع أي عمل عسكري تركي شمال شرق سوريا بحجة محاربة نفوذ العمال الكردستاني في المنطقة. في المقابل، يعترض “حلف قنديل” على المفاوضات الكردية-الكردية واصفاً إياها بأنها مشروع تركي كما أوضحت مصادر من المجلس الوطني الكردي لـ”سوريا على طول”، كون الأخير عضو في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المتواجد في تركيا، وأن مرجعية المجلس أيضاً في قراراته وسياساته هي إقليم كردستان العراق.
في هذا السياق، كان بايق قد نفى في تصريحه الأخير الأسس التي تقوم عليها المفاوضات الكردية-الكردية وتفاصيلها، كما انتقد توجيه الشكر لمسعود البرزاني، الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، وعدم توجيه الشكر لعبد الله أوجلان، مؤسس “العمال الكردستاني”، معتبراً أن “ما هم [“قسد” والإدارة الذاتية] فيه هو بفضل عبد الله أوجلان”. ولعل تأكيد بايق على “الجماهيرية التي يتمتع بها الحزب في روجافا [المناطق الكردية في سوريا]”، هو ما يعزز جدية “قسد” في المضي بالانفصال عن قيادة “قنديل”.
وكان موقع “المونيتور” الأميركي قد رجح دوراً لرئيس إقليم كردستان العراق، نيجرفان البرزاني، ورئيس الوزراء، مسرور البرزاني، في نجاح توقيع الاتفاقية النفطية، وهو ما يمكن أن يفاقم العلاقات بين “قنديل” و”قسد”، كون “كردستان العراق” أحد أشد الخصوم السياسيين لحزب العمال الكردستاني. كما يتزامن ذلك مع دعوة الإقليم لحزب العمال إلى إخراج عناصره من أراضي كردستان العراق، كما مطالبته الحزب وتركيا بنقل معاركهما إلى خارج أراضي الإقليم.