6 دقائق قراءة

وجوه جديدة: ساحة الأمويين بدمشق تحتفل لأول مرة بذكرى الثورة السورية

احتفل العديد من السوريين بالذكرى 14 للثورة السورية في ساحة الأمويين بدمشق لأول مرة في حياتهم، بعد أن كانت العاصمة تحت قبضة أمنية شديدة للنظام السوري البائد


15 مارس 2025

دمشق- لأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف آذار/ مارس 2011، يردّ الطيران المروحي التابع للجيش السوري الجديد على المحتفلين بالذكرى 14 للثورة السورية في ساحة الأمويين بدمشق، بالورود ورسائل المباركة.

“من براميل الموت إلى زهور الحياة… السلام يحلق في سماء دمشق”، هذه واحدة من العبارات المكتوبة على القصاصات الورقية، التي ألقاها الطيران المروحي على المتظاهرين، وكُتب على قصاصة أخرى “منكم، ومعكم، ولأجلكم… نحن جيش الوطن”.

شاركت بيان سعيد الحلو، 21 عاماً، في ذكرى الثورة السورية، اليوم، لأول مرة منذ انطلاقتها، تلك الثورة التي تخصّها ولأجلها خسرت شقيقها الوحيد، الذي كان يبلغ 23 من عمره، عندما اعتقله نظام الأسد البائد، في عام 2011، بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات ضده في محافظة ريف دمشق، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

“عندي ذكريات كثيرة مع الثورة وهي ذكريات مؤلمة”، قالت الحلو، التي عادت بذاكرتها إلى أيام طفولتها عندما “اقتحم عناصر النظام منزلها واعتقلوا أخي بعد أن تعرض للضرب، وصادروا دراجته النارية ودراجة والدي، ومنذ ذلك الوقت لا نعرف عنه شيئاً”.

من حينها، تبحث عائلة الحلو، وهي من مدينة قطنا بريف دمشق، عن طرف خيط للوصول إلى ابنها المعتقل، ولأجل ذلك “دفعنا مبالغ طائلة مقابل أن نرى أخي، لكن الأشخاص الذين كنا ندفع لهم نصبوا علينا”. مرت السنين، وعند العائلة أمل بأن يُطلق سراح ابنهم يوماً ما، لكن “النظام سقط” في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، “وأخي لم يخرج من السجن، وبالتالي تبدد الأمل بنجاته، والتحق بآلاف السوريين” الذين قضوا تحت التعذيب في سجون الأسد.

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 16,621 شخصاً بسبب التعذيب، منذ آذار/ مارس 2011 حتى شباط/ فبراير 2025، غالبيتهم على يد النظام السوري، بحسب أرقامٍ جمعتها “سوريا على طول” من عدة تقارير صادرة عن الشبكة.

بينما كانت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تحتفل سنوياً بذكرى الثورة السورية، كانت عائلة الحلو تعيش “الخوف والرعب. الخوف من صوت الرصاص، الرعب عندما كان يقتحمون بيوتنا ويرهبون النساء”، كا قالت، مشيرة إلى أنها كانت تعيش في منطقة يتواجد فيها أربعة مساكن لجيش النظام، وكان هؤلاء “يسيطرون على كل شيء، حتى الخبز لهم الأفضلية عنا”.

“الآن بدأت الحياة بالنسبة لنا، صحيح أننا خسرنا أخي كما خسرنا الكثير من الأشخاص الذين قدموا أنفسهم فداء للبلد، إلا أن الثورة انتصرت أخيرا”، على حد قول الحلو.

لا تتمنى الحلو لسوريا الجديدة “نعرات طائفية، ولا أن يُشار إلى الشخص على أنه سني أو علوي أو مسيحي”، مشددة على ضرورة أن يعيش السوريين “كأبناء بلد واحد”.

سمعت الحلو عما يحصل في الساحل السوري، الذي شهد أحداثاً دامية، راح ضحيتها 961 شخصاً، في الفترة بين 6 و13 آذار/ مارس الحالي، منهم 432 شخصاً على يد فلول النظام السوري، و529 شخصاً على يد الأمن العام وعناصر وزارة الدفاع في الحكومة الجديدة وفصائل ومجموعات غير منظمة تتبع للوزارة.

“أتابع ما جرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هناك من يتهم فلول النظام وهناك من يتهم الأمن العام”، قالت الحلو، ولكن بالنسبة لها “إن كانت الحكومة تسببت بالدم عليها أن تعتذر، لأن ديننا لا يسمح لنا أن نظلم أحداً”.

وفي ساحة الأمويين، شارك لؤي مرابط، 77 عاماً، بأول مظاهرة او احتفالية منذ اندلاع الثورة السورية، بينما كنت “أشارك الناس همومها بعواطفي، وأقدم المساعدة للذين تهجّروا من مدنهم إلى دمشق”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

“الثورة السورية خرجت ضد الظلم والديكتاتورية والاستئثار بمقدرات سوريا وكل إمكانياتها لصالح فئة واحدة وهي الفئة الحاكمة”، بحسب مرابط، الذي أشار إلى أن مشكلة السوريين مع النظام ليست منذ آذار/ مارس 2011، وإنما من أكثر من نصف قرن، وكان يجب “أن تتحرر سوريا وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه”.

عاد مرابط بذاكرته إلى العام الأول لانطلاق الثورة السورية، حينها كان عنده “أمل بانتصار الثورة، ولكن بعد ذلك شعرنا أن هناك قوى كثيرة فضلت أن يبقى الديكتاتور [بشار الأسد]، لأنه يرضى بشروط الغرب وروسيا، على أن يحكم سوريا أشخاص جدد لا يخضعون للمجتمع الدولي”.

تمنى مرابط أن يكون التغيير سلمياً، لا أن يضطر الشعب أن يقود التغيير بهذه الطريقة، ولكن بعد أكثر من نصف قرن على الظلم “لم يكن هناك مجال للتغيير بالطرق السلمية وكان الحل الوحيد هو القوة”، وفقاً له، وهذا ما حصل مع “ثورات كثيرة في العالم مثل الثورة الفرنسية التي غيرت حياة الفرنسيين”.

وبينما يراقب مرابط فرحة الشباب المحتفلين بدمشق، قال: “مستقبل سوريا عظيم، بشرط أن تتركنا القوى التي تريد إجهاض ثورتنا”، مشدداً على ضرورة أن “يُترك الشعب لتحديد مصيره”.

عندما اندلعت شرارة الثورة السورية، كانت نهلة نبهاني، 21 عاماً، طفلة لذا “لم أشارك فيها”، وبعدها استخدم النظام البائد القوة ضد المتظاهرين وفرض قبضته الأمنية على العاصمة دمشق وضواحيها، لدرجة أن مناطق نفوذه صارت أشبه بسجن كبير، إلى أن “انتصرت الثورة، وأعادت لنا الأمل” بمستقبل أفضل، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

عبّرت نبهاني، وهي فلسطينة سورية من جديدة البلد، عن شكرها للأشخاص “الذين قدموا تضحيات كبيرة من أجل تحريرنا، لأنهم بذلوا كثيراً حتى وصلنا إلى اليوم الذي نحتفل به”، وفقاً لها، معبرة عن سعادتها بـ”المشاركة في أجواء الفرح والاحتفالات بانتصار الثورة”.

بدا الفرق كبيراً بين فترة حكم الأسد والوقت الحالي، بحسب نبهاني، إذا “لم نكن نعبر عن رأينا من شدة الخوف، بينما اليوم نعبر عن آرائنا بكل وضوح ومن دون خوف”.

بعد أن انتصرت الثورة “سوريا بحاجة منا أن نكون يد واحدة حتى نبنيها”، قالت نبهاني، مشيرة إلى أن “البلد تحتاج إلى البدء من الصفر حتى يُعاد إعمارها”، وهذا يجعل المسؤولية كبيرة على جميع السوريين.

بينما كان يشارك باحتفالات ذكرى الثورة، وضع بلال عبد الحي، 19 عاماً، الكوفية الفلسطينية على كتفيه، معبراً عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، ومتضامناً مع أصدقائه الفلسطينيين، الذين تعرّف عليهم أثناء فترة لجوئه في الأردن، التي يصل إليها مع عائلته، عام 2012.  

بلال عبد الحي أثناء مشاركته في ذكرى الثورة السورية بساحة الأمويين في دمشق، 15/ 03/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

بلال عبد الحي أثناء مشاركته في ذكرى الثورة السورية بساحة الأمويين في دمشق، 15/ 03/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

ينحدر عبد الحي من مدينة حرستا في الغوطة الشرقية، التي تعرضت لدمار شديد، وغادرها مع عائلته إلى الأردن ومن ثم إلى السعودية، التي بقي فيها حتى اليوم التالي لسقوط النظام، فقررت عائلته العودة إلى سوريا، كما قال لـ”سوريا على طول”.

عاش عبد الحي “أجواء إحياء ذكرى الثورة لأول مرة”، معبراً عن عجزه وصف مشاعره “الشعب كله يعيش أفراح النصر، حتى غير السوريين يشاركوننا أفراحنا، كما هو حال الناس في السعودية”.

يخطط عبد الحي “الانضمام إلى جهاز الأمن” التابع لوزارة الداخلية في الحكومة السورية الحالية، علماً أنه لم يفكر بالانضمام إلى صفوف الأمن قبل ذلك، لكن عندما “عاد الأمل للسوريين، ورجعت البلد لنا” تغير تفكيره حال الكثير من السوريين.

“بعد انتصار الثورة، سورية بحاجة دعم الجميع، سواء دعم دولي أو دعم من المواطن السوري، بحسب عبد الحي، قائلاً: “يجب أن نقف معها من أجل اقتصادها وبنيتها التحتية”، متخوفاً من صعوبة الحياة في سوريا في السنوات القادمة “إذا لم يقف المجتمع الدولي معنا”.

وبينما الحشود تتجمع في ساحة الأمويين فرحاً بانتصار الثورة، استغلت مها حسين، 47 عاماً، هذه المناسبة لإيصال صوتها، الرافض لـ”الظلم” الذي تعرضت له على يد الحكومة الجديدة، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

كانت الحسين تعمل في كشك بالعاصمة دمشق، لكن بعد سقوط النظام أجبرت على إخلائه من قبل الأمن العام الجديد، وفقاً لها، قائلة: “الأمن الذي يعدّ قدوتنا ومصدر حمايتنا لا يسمع لمطالبنا، بينما نحن نموت من الجوع”، متسائِلة: “من أين أطعم أبنائي بعد أن خسرت الكشك”.

قبل خمس سنوات، ضغط النظام على حسين من أجل إخراجها من الكشك، ولأجل ذلك “لم يبق فرع إلا عمل دراسة أمنية علي، واستدعيت للأمن العسكري”، بحسب حسين، لكن “لم نصدق أن ننال الحرية حتى خسرت مصدر رزقي”. تعود ملكية الأكشاك للحكومة السورية وتُطرح للاستثمار في مزادات علنية، وغالباً كان يستفيد منها أشخاص محسوبين على النظام.

“أريد أن أتكلم بضمير. الأمن العام الحالي لم يقصر معنا في أمور أخرى، لكن عندما أراجعهم من أجل الأكشاك يقولون لا علاقة لنا”، بحسب حسين ، مضيفة: “حرام ما يحدث معنا كسوريين، الكبار [الأغنياء] يغادرون البلد ونحن الصغار نتصارع فيما بيننا”.

حسين من الطائفة العلوية، ومع ذلك رفضت أن تعبّر عن مطالبها كامرأة من الأقليات، قائلة: “أنا أطالب بحقي كمواطنة سورية، وأوجه رسالتي للرئيس أحمد الشرع أريد حقي كسورية وليس على أساس طائفي”.

تزامنت الذكرى 14 للثورة السورية مع تداعيات ما بعد التحرير، سواء أحداث الساحل، أو تطورات السويداء، ومع كل ذلك “سوريا كثير حلوة، ونحن نحبها كثيراً”، بحسب بيان الحلو.

شارك هذا المقال