“وكأنك في سوريا”: من لبنان الأسد يطارد مواطنيه المهجرين لشرعنة إعادة انتخابه لولاية رابعة
عمان – “إذا أرجع الشهداء ومن قتلهم بدم بارد انتخبه”، […]
19 مايو 2021
عمان – “إذا أرجع الشهداء ومن قتلهم بدم بارد انتخبه”، ردّت غاضبة أم محمد، اللاجئة السورية المقيمة في شمال لبنان، على ما اعتبرته “رشوة” عرضها عليها أحد المحسوبين على الحزب السوري القومي الاجتماعي مقابل التصويت لبشار الأسد في الانتخابات التي يجري التصويت فيها غداً الخميس بالنسبة للمقيمين خارج سوريا، وفي 26 أيار/مايو الحالي للموجودين داخلها.
وكان الرجل عرض على أم محمد، نهاية أبريل/نيسان الماضي، مساعدتها في استصدار بعض الأوراق الثبوتية، لكنه “اشترط عليّ إعطاءه هويتي الشخصية مقابل منحي 200 دولار، وصندوق إعانة [سلة غذائية] لانتخاب بشار الأسد”، كما روت لـ”سوريا على طول”. وحينما رفضت المشاركة في ما وصفته بـ”مسرحية الانتخابات”، تراجع عن عرضه، بل وهددها بالقول: “لن تسير أمورك”.
تهديد وابتزاز
منذ نزوحها من ريف حمص العام 2014، رفقة زوجها وأولادهما الخمسة، سعت اللاجئة الأربعينية لتصويب وضعها القانوني لإقامتها في لبنان عدة مرات. لكن ذلك يتطلّب، كما أوضحت أم محمد، “وجود كفيل لبناني لقاء مبلغ مادي يفوق قدرتي المالية، فمهنة الخياطة بالكاد تؤمن قوت يومي”.
ويقيم 96% من اللاجئين السوريين إلى لبنان، والمقدر عددهم بحوالي مليون ونصف مليون شخص بشكل غير قانوني في البلاد، لأنّ “الحصول على الإقامة بالنسبة إلى اللاجئين السوريين صعب لدرجة لا يمكن تصديقها”، كما قالت الباحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة هيومن رايتس ووتش، نادية هاردمان ، لـ”سوريا على طول” في تصريح سابق.
فمنذ كانون الثاني/يناير 2015، اشترطت السلطات اللبنانية على السوريين غير المسجلين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إيجاد كفيل لبناني، سواء كان مالكا لعقار أو رب عمل، للبقاء بشكل قانوني في البلاد، مقابل 200 دولار رسم تجديد. هذا إلى جانب فرض رسوم مرتفعة لاستخراج الإقامة، في إطار سعي هذه السلطات إلى الحدّ من تدفُّق اللاجئين إلى أراضيها، بحسب ما أوردت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقريرها العام 2017، وبحيث “لم يتمكن معظم السوريين من تحقيق شروط الإقامة” منذ تفعيل القرار.
كذلك “سهّل غياب رقابة الأمن العام اللبناني على الكفلاء استغلال اللاجئين واشتراط منح كفالتهم مقابل مبالغ تتراوح بين 500 و2000 دولار”، كما ذكر لـ”سوريا على طول” رئيس هيئة متابعة شؤون اللاجئين السوريين السابق في لبنان، عبد الرحمن العكاري.
ولم تُخف أم محمد قلقها على سلامة عائلتها بعد رفضهم انتخاب الأسد. إذ يسيطر على منطقة إقامتها الحزب السوري القومي الموالي للنظام والذي يقاتل حتى إلى جانب قواته في سوريا، وبحيث تنتشر في شوارع المنطقة “صور بشار وكأنك في سوريا”. مع ذلك، تصر أم محمد على أنه “لو ابني وافق على انتخاب الأسد سأتبرأ منه”.
وفيما يعاني السوريون في لبنان عموماً من “العنصرية وعدم وجود حرية للقبول أو الرفض”، نظراً لإقامة معظمهم في مناطق تسيطر عليها “مؤسسات وأحزاب متنفذة و موالية لنظام الأسد”، فإنهم، كما قال عضو الهيئة العامة لمتابعة شؤون اللاجئين السوريين في لبنان، حسين أبو جعفر، لـ “سوريا على طول”، لا يجرؤون على “تقديم الشكاوى الرسمية وغير الرسمية” فيما يخص الضغوطات الممارسة عليهم ” بالتهديد والابتزاز” وفقا له.
لكن بحسب المدير التنفيذي لمركز “وصول لحقوق الإنسان”، محمد حسن، فإن المركز تلقّى العديد من الشكاوى والبلاغات من لاجئين سوريين في لبنان “تعرضوا للتهديد”. وقد تفاوتت التهديدات، كما أوضح لـ”سوريا على طول”، “بين سحب الأوراق الثبوتية، والترحيل، وإخلاء المنازل، والطرد من العمل”، فيما وصل بعضها إلى حد التهديد “بحرق مخيماتهم واعتقال أقاربهم في الداخل السوري”.
ذريعة للترحيل؟
مثل اللاجئون السوريون المقيمون في كل من بيروت والبقاع وبعلبك وعكار والمنية ومناطق الجنوب الأكثر عرضة للتهديد، باعتبار أن تلك المناطق، وفقاً لحسن، تحت سيطرة تيارات سياسية مناهضة لوجود اللاجئين ومؤيّدة لنظام الأسد.
وبحسب القاضي المنشق عن نظام الأسد، مصطفى القاسم، فإن “هذه القوى السياسية ستستخدم مشاركة اللاجئين في الانتخابات”، إذا خضعوا للضغوطات الممارسة عليهم، “كذريعة جديدة لإعادتهم إلى سوريا، وإظهار أن لا مشكلة لديهم مع نظام الأسد”، كما أضاف لـ”سوريا على طول”.
ولا يحق للسلطات اللبنانية، نظرياً على الأقل، ترحيل أي مقيم على أراضيها سواء يتمتع بوضع لاجئ أم لا، لأن ذلك “يخالف الدستور اللبناني الذي يمنع ترحيل أي شخص مهدد”، كما أوضح حسن، كما يخالف المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تنص في البند الأول منها على أنه “لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده (“ان ترده”) أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب”.
ولأنّ موقف أم محمد من الانتخابات ينسحب على غالبية السوريين، فإن أحد اللبنانيين الموالين للاسد لجأ إلى حيلة مخادعة سعياً منه إلى جمعهم وانتزاع هوياتهم الشخصية. إذ دعاهم إلى استلام مساعدات غذائية قال إنها مقدمة من الأمم المتحدة، لكنه حين استهل حديثه أمامهم بعبارة “أيها الرفاق”، فضلاً عن رفع مرافقيه العلم السوري الحكومي وتصوير الحضور، فهم أبو أحمد أنه وقع “في الفخ”، كما قال لـ”سوريا على طول”، وهمّ بالمغادرة.
أثناء خروجه من المكان، سأل أحد الحاضرين منظم الاجتماع: “لماذا دعوتنا؟”، مشدداً على أنه “جاء لأخذ المعونة، ولا يريد الانتخاب”. فردّ عليه الأخير: “أغلق فمك أو اخرج”. لحظتها “غادرنا جميعا ولم يبق أحد”، كما أضاف.
واتهم أبو أحمد “موالين متنفذين يحملون الجنسيتين السورية واللبنانية” باستغلال الأوضاع المعيشية السيئة للعائلات السورية اللاجئة، والتي تُحذّر إحصاءات الأمم المتحدة من أن نسبة 90% منها تعيش في فقر مدقع، فضلاً عن “ابتزازها للحصول على مساعدات غذائية ومالية، واستغلال تجمعاتهم لإظهار شعبية مزيفة للأسد”.
وأدانت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر في الرابع من الشهر الحالي، ما قالت إنه “ممارسات تهديد واستغلال هشاشة وضع اللاجئين السوريين في لبنان” من قبل “مجموعات موالية للنظام لدفعها إلى المشاركة في مسرحية الانتخابات غير الشرعية، وإظهار أن له شعبية أمام المجتمع الدولي”.
كذلك كشفت صحيفة “L’Orient Today” (الشرق اليوم) اللبنانية، عن أن هناك “جهازاً سياسيا بدأ في دفع اللاجئين السوريين إلى صناديق الاقتراع”، مشيرة في تقريرها المنشور نهاية نيسان/أبريل الماضي إلى أن “منظمات سورية وأحزابا سياسية لبنانية وشخصيات موالية لبشار الأسد” قدمت إغراءات للسوريين كي يسجلوا أسماءهم في قوائم الانتخابات ويصوتوا، ووصل الأمر إلى حدّ تهديدهم.
وكانت “نقابة العمال السوريين في لبنان” الموالية للأسد، دعت اللاجئين السوريين، في بيان صادر يوم 21 نيسان/أبريل الماضي، للمشاركة في ما اعتبرته “عرساً ديمقراطياً”، و”محطة مهمة في التاريخ المعاصر لسورية المنتصرة على الإرهاب والحصار والعقوبات”.
إضافة لذلك، نظّم رجل الأعمال اللبناني، المقرب من حزب البعث، محمد مطر، اجتماعاً في بلدة المنية شمال لبنان، لحشد الناخبين مقابل مساعدات مادية. تبعه مهرجان نظمه رئيس المركز الوطني، كمال الخير، أول من أمس في المنطقة ذاتها، لدعم الأسد.
انتخابات “بالهوية”!
من محله في مخيم البداوي الواقع على بعد خمسة كيلومترات إلى الشمال من طرابلس، شاهد اللاجئ السوري أبو محمود شابين ضخمين يتجولان في المخيم ويقصدان محال السوريين حصراً، حتى وصلا إليه. وقبل أن يتفوها بكلمة “نظرا إليّ بحدّة لإخافتي”، كما روى لـ”سوريا على طول”، ثم “طلبا هويتي على عجل، لكني رفضت متذرعا بضياعها”.
لكن الرجلين أصرّا على أخذ أي وثيقة ثبوتية خاصة، كما أضاف، إذ طلبا “إخراج قيد، أو جواز السفر، أو أي اثبات شخصية”. وحين أجاب بعدم حيازته أياً منها، سأله أحدهما بلغة يغلب عليها الاتهام والريبة: “ألا تريد أن تنتخب السيد الرئيس؟”.
لم يتمالك اللاجئ الستيني نفسه، إذ شعر أن “روحي رخيصة إذا كانت ثمن رفض انتخاب قاتل أخي وعائلتي ومن هجّرني من وطني” كما وصف، فقال لهما بغضب: “حتى لو أطلقتما علي النار، لن أنتخب”.
لكن بعكس أبو محمود، أعطى جاره علي، في غمرة خوفه، هويته الشخصية للرجلين، لاسيما وأن بشار الأسد “فائز سلفا” كما قال لـ”سوريا على طول”. معتبرا أن “الأمر لا يستحق أن أُقتل طعناً أو رمياً بالرصاص في سبيله”، كما إن “لدي ثلاثة أطفال، من يعولهم إذا حصل لي شي؟” تساءل علي، قبل أن يصف حال السوريين في لبنان بأنهم باتوا “على حافة الموت من الجوع والرعب معا”.
أما بالنسبة لسامر، فقد تردد قبل أن يرفض “الميزات المغرية” التي وعده بها أحد المتصلين به من رقم غير معروف، مقابل تسليمه أكبر عدد من الهويات الشخصية أو أي وثائق ثبوتية أخرى لأقربائه وجيرانه. فإضافة إلى مبلغ 200 دولار، كما قال لـ”سوريا على طول”، كان هناك وعد “تأميني بدخول آمن إلى سوريا، وترميم عقاراتي المدمرة فيها”. لكنه تذكر أن “التجارة بالنظام ومن يواليه خاسرة، ووعودهم ليست سوى أحلام بعيدة المنال”.
وتوقع سامر أن المتصل هو أحد خمسة عشر سورياً كانوا “اجتازوا المنطقة الحدودية بسيارات تابعة لفرع الأمن العسكري في حمص”، في أبريل/نيسان الماضي، كما قال، لمقابلة رئيس الفرع، ثم “عادوا إلى لبنان في اليوم نفسه”. وهو أمر أكده مصدر آخر منفصل، مضيفاً أسماء الأشخاص الخمسة عشر، لكن لا يستطيع “سوريا على طول” التأكد من صحة ذلك.
في هذا السياق، يؤكد المحامي السوري المقيم في تركيا، محمد الجوجة، لـ”سوريا على طول”، أنه في الأساس “لا يحق لغالبية اللاجئين السوريين في لبنان المشاركة في الانتخابات”، لأن المادة 105 من قانون الانتخاب الذي “فصّله النظام على مقاسه” تشترط عليهم الاقتراع بجواز السفر السوري العادي ساري الصلاحية و الممهور بختم الخروج من أي منفذ حدودي سوري، وهو ما لا ينطبق على معظم السوريين المقيمين في لبنان، كونهم “خرجوا من سوريا عبر الحدود بصورة غير نظامية ولا يملكون جوازات سفر سارية الصلاحية”.
وبالتالي، فإن الهدف من إجبار اللاجئين السوريين في لبنان على الانتخاب، برأي الجوجة، هو “إظهار أن هناك قبولاً ومشاركة واسعة في الانتخابات”، عدا عن “رغبة النظام في إثبات روايته التي تقول إن “السوريين المهجّرين فرّوا من الإرهاب والجماعات المسلحة” وليس “هرباً منه ومن جرائمه هو وحلفائه روسيا وإيران وحزب الله”.
وانتقد مركز “وصول” لحقوق الإنسان، في بيانه الصادر مساء اليوم الأربعاء، “التجاهل الواضح من قبل السلطات اللبنانية الرسمية” لوقف الضغوطات على السوريين المقيمين على أراضيها لإجبارهم على المشاركة في الانتخابات السورية، إضافة إلى “تجاهل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان من اتخاذ أي خطوة علنية لطمأنة اللاجئين في دورها لحمايتهم”
وشدد المركز على ضرورة “التحرك الفوري والعاجل لتأمين الحماية اللازمة للسوريين من الضغوطات و/أو التهديدات و/أو الانتهاكات التي يتعرضون لها في لبنان”.