يمان الخطيب الفائز عن فيلمه “في فخ إدلب” بجائزة عالمية: الوصول إلى المحافل الدولية فرصة لمواجهة الروايات التي تشوه الحقيقة
"منذ بدء التخطيط للعمل والتفكير بطريقة إخراجه، سواء كانت فيلماً وثائقياً أو تقريراً موسع، كانت غايتنا استهداف الجمهور الأوروبي، الذي يعد الأهم حالياً، لأنه قد يكون مؤثراً".
20 أكتوبر 2020
عمان- “كنا عبارة عن حيوانات بمزرعة يرعاها بشار الأسد، وقد أصبحنا بشراً بعد الثورة، فهي التي منحتنا الفرصة لنصل للعالمية، لذا أقول مبروك للثورة”، هذا ما قاله يمان الخطيب خلال حديثه عن فيلمه الوثائقي “في فخ إدلب“، الحائز على الجائزة الأولى عن فئة أفلام التلفزيون الدولية، في الدورة 28 لمهرجان “بايو كالفادوس” في مدينة بايو الفرنسية، الذي أقيم في الفترة بين 4 و10 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، والتي تمنح لصانعي الأفلام والصحافيين الذين ينتجون أفلاماً وتقارير من مناطق الصراع والحروب.
ينحدر الخطيب، الذي أنتج فيلمه بالتعاون مع أخيه فادي، من مدينة حلب شمال سوريا، ويقيم مع زوجته وطفليه في تركيا، لكنه منذ تسعة أشهر عالق في إدلب بعيداً عن أهله، نتيجة إغلاق المعابر كأحد التدابير لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
وفي حديثه إلى “سوريا على طول” عن إنجازه العالمي، شدد الخطيب على أهمية دور الإعلام في توثيق أحداث الشأن السوري، فمن “أهم ما يمكن فعله اليوم هو أن نمنع تزوير التاريخ، ومن حق الأجيال القادمة أن تعرف الحقيقة وأن هناك أناس كانوا يسعون لأجلها.
بما أن الفيلم غير متاح إلى الآن باللغة العربية، هل يمكن أن نعرّف القارئ بمضمونه، وما هي دلالة اسمه “في فخ إدلب”؟
الفيلم متاح باللغتين الألمانية والإنجليزية، إلى جانب الفرنسية، وحاولنا فيه أن نوضح للمشاهد بأن المستهدفين من الحملة العسكرية التي أطلقها نظام الأسد بالتعاون مع حليفتيه روسيا وإيران على محافظة إدلب في كانون الأول/ديسمبر العام 2019، والتي استمرت حتى نيسان/أبريل العام 2020، بذريعة محاربة الإرهاب والتشدد، هم 4 مليون شخص مدني معظمهم من المهجرين والنازحين، وأعداد كبيرة منهم يعيشون في المخيمات، هؤلاء هم الضحايا الحقيقيون، وقد حاولنا أن نلتقي بشخصيات مدنية تصف معاناتها خلال هذه الحملة.
منذ بدء انطلاق الحملة العسكرية شعرنا بضرورة توثيق هذه المرحلة التاريخية في عمر إدلب، وكنت موقناً بأن هذه المرحلة ستكون فصلاً مهماً ومنعطفاً خطيراً من عمر الثورة، لأننا نتحدث عن آخر بقعة خارجة عن سيطرة النظام، وهي مهددة بالإبادة بشكل فعلي، وباجتياح وشيك لكامل المناطق في المحافظة، لولا بعض الظروف التي أدت إلى توقف النظام عند حد معين.
حاول الفيلم أن يجسّد الأوضاع في سوريا، بعيون شاب وصل إليها قادماً من تركيا – وهو أنا – من خلال تجاربه الشخصية مع هذه الحرب، واستضافة عدة شخصيات، تمثل كل شخصية منها شريحة من المجتمع في إدلب، وفعلاً التقيت بتلك الشخصيات ووثقت كل ما شاهدته. من بين تلك الشخصيات أبو مدين، وقد التقينا به في أحد الشوارع الممتلئة بالنازحين، ورافقناه في رحلة نزوحه نحو المجهول. استفسرنا من أبو مدين عن وجهته، فكان جوابه: “لا أعلم”.
أيضاً، جسدت الناشطة المدنية أحلام الرشيد، الشخصية الثانية في الفيلم، وكانت تمثل شريحة الناشطين والناشطات الذين كانوا يحاولون تقديم المساعدة ضمن إمكانيات محدودة.
أما الشخصية الثالثة، وهو محمد علي، تلخص قصته ما جرى لسوريا خلال الأعوام الماضية، من وجهة نظري، لأنه فقد كل أفراد عائلته: أبيه، أمه، وإخوته، في قصف النظام غوطة دمشق، العام 2013، بالغاز الكيماوي، وفي العام 2020 استشهد 7 من أفراد عائلته، وهم: زوجته وأطفاله، الذين قضوا خلال حملة النظام على إدلب.
هذا ما أردنا إيصاله في الفيلم باختصار، وهو ما خرجنا به في نهاية التصوير.
من هو فريق العمل؟ وكيف تم تنسيق العمل وإنجازه، لا سيما أنك مع شقيقك فادي كنتما في إدلب لإنتاج الفيلم، فيما كانت المخرجة فرنسية؟
ضمّ فريق العمل سوزان ألنت، وهي مخرجة فرنسية من أصول سورية، فيما كنت أنا المنسق العام للفكرة إضافة إلى المساهمة في الإخراج، وفادي الحلبي في التصوير. الفيلم من إنتاج شركة ديكوباج الفرنسية بالتعاون مع تلفزيون ARTE الذي عرض الفيلم على منصاته.
نزولنا إلى سوريا كان أشبه بمعجزة لأن المعابر مغلقة، فأكثر من ثلاثة أشهر ونحن نحاول الوصول إلى إدلب إلى أن وصلنا بأعجوبة. أما عن تنسيق العمل مع شركة الإنتاج والمخرجة، فكان عن طريق الاتصالات المكثفة والاجتماعات الدورية، إلى أن خرجنا أخيراً بالمحاور التي يجب التركيز عليها في الفيلم.
ومنذ بدء التخطيط للعمل والتفكير بطريقة إخراجه، سواء كانت فيلماً وثائقياً أو تقريراً موسع، كانت غايتنا استهداف الجمهور الأوروبي، الذي يعد الأهم حالياً، لأنه قد يكون مؤثراً.
“في فخ إدلب” حصل على جائزة “بايو كالفادوس”، حبذا لو نعرّف القارئ أكثر عن الجائزة، وكيف وصل فيلمك للترشح لها؟
مهرجان بايو كالفادوس نولمندي هو من أكثر المهرجانات المرموقة والمهمة في فرنسا، المهتمة بالأفلام التلفزيونية الدولية والتقارير حول العالم، لذا فإن الأشخاص الذين يشاركون في هذا المهرجان هم من كل أنحاء العالم، ويعقد المهرجان على ستة أيام متواصلة، كما يضم فئات كثيرة من الأفلام.
تم ترشيح فيلمنا للجائزة بعد عرضه بفترة قصيرة، إذ كانت شركة الإنتاج والتلفزيون ARTE التي عرضت الفيلم على منصاتها واحدة من الجهات القائمة على المهرجان، وقد أخبرونا أنه تم ترشيح فيلمنا وله حظوظ في الفوز.
الحقيقة لم أفكر بفوز الفيلم حينها، فكان جلّ اهتمامي يدور حول: هل حظي الفيلم بالتفاعل من المشاهدين عندما عرض على قنوات مختلفة؟. كان هذا الأهم بالنسبة لي، أما الفوز بالجائزة يأتي كتتويج للعمل، وقد يعطيه فرصة للحصول على مشاهدات أكثر واهتمام أكبر.
أما عن الجائزة، فتكمن أهميتها من كونها عالمية، وأنا مسرور جداً بأننا استطعنا أن نصل إلى محافل دولية، لما في ذلك فرصة من دحض روايات كثيرة تحاول تشويه الصورة الحقيقية لما يحدث في سوريا.
وهنا أنتهز الفرصة، لإهداء هذه الجائزة إلى السوريين بشكل عام، وللثوريين على وجه الخصوص. فريق العمل يهدي الجائزة لكل معتقل، لكل شهيد، لكل شخص نادى بالحرية، لكل شخص ما زال يؤمن بالقضية السورية، يؤمن بسوريا دون عائلة الأسد ودون روسيا وإيران. وقد قلنا في بداية حصولنا على الجائزة مبروك للثورة السورية، لولا الثورة يستحيل أن نصل للمحافل الدولية، نحن كنا عبارة عن حيوانات بمزرعة يرعاها بشار الأسد، وقد أصبحنا بشراً بعد الثورة، فهي التي منحتنا الفرص لنصل إلى العالمية، لذا أقول مبروك للثورة.
في الوقت الذي نلاحظ انحسار الاهتمام بمعاناة السوريين في مواجهة آلة حرب النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، ما الذي يمكن أن تقدمه السينما والأعمال التلفزيونية للقضية السورية؟ وهل يمكنها أن تحدث فرقاً على الأرض؟
أهم ما يمكن أن نفعله اليوم هو منع تزوير التاريخ، قد لا تحدث تقاريرنا وأفلامنا وجهودنا الإعلامية فرقاً كبيراً في الوقت الحالي، لكن من حق الأجيال القادمة أن تعرف الحقيقة وأن هناك أناس كانوا يسعون لأجلها، لأن بتقصيرنا في هذا الجانب سنسهم في قتل الضحايا السوريين مرتين، الأولى عندما مات أولئك الضحايا والعالم يتفرج، والثانية عندما يزور التاريخ ويتهم الضحايا بالإرهاب، وأن القضاء عليهم لمصلحة البشرية.
لذا فإنه يقع على عاتقنا إيصال رسالة مفادها بأن القضية السورية هي قضية عادلة، وأن هناك أناس يسعون لوضع أفضل، أناس حالمون بمستقبل أفضل لهم ولأبنائهم، هذا ما طالب به السوريون، حتى أنهم تأخروا بحمل السلاح وقدموا تضحيات ضخمة، لا أتوقع أن هناك شعب آخر قدم مثلما قدمه السوريون على مذبح الحرية.
من حق السوريين أن يكون هناك جهود كبيرة وعظيمة تمنع تزوير التاريخ، ولكن من خلال عملي، وخاصة في إعداد الفيلم، وجدت أن الناس، بما فيهم الشخصيات التي صورنا معها الفيلم، لم يعد لديهم إيمان مطلق بما نحاول إيصاله للعالم، لأن سابقاته لم تحدث فرقاً. لكن حاولناً أن نوضح لهم بأن من حق أطفالهم أن يروا من بعدهم تضحيات السوريين، مثلهم مثل أي شعب آخر يسعى للحرية ولوطن أفضل.
ما هي التحديات أو العقبات التي تقف في وجه صناع الأفلام السوريين عموماً، والعقبات التي واجهتك وفريق “في فخ إدلب” خصوصاً؟
التحديات في العموم تتمثل في مدى تعاون الشخصيات نفسها، تعاون أبطال القصص، تعاون الناجين من الضحايا معنا كصحفيين وإعلاميين، لأننا في البداية كنا نقول أنه يجب علينا توثيق ذلك ليصل صوتكم للعالم كي يتحرك، والآن نشدد على ضرورة تكثيف جهودنا لحشد الرأي العام، ولكن كثّفنا جهودنا ولم يتأثر الرأي العام ولم يكترث أحد. ماذا سنقول للناس كي تتعاون معنا؟، لم يبقى لدينا أي كلام. لذا قلة قليلة من تجدهم يتفاعلون معنا ويقبلون بسرد قصصهم، وهذه إحدى العقبات التي واجهتنا.
أما العقبات التي واجهتني مع فادي في فيلمنا الحائز على الجائزة، كان أولها صعوبة العودة من تركيا إلى سوريا، فالرحلة كانت أشبه بمعجزة، وإغلاق المعابر كان أكبر عقبة بالنسبة لنا خاصة أن عائلاتنا موجودة في تركيا، وهذا الأمر سبب لنا مشكلات عدة، كما منعنا في بعض الأحيان من الوصول إلى المكان في الوقت المناسب، كما عدم إمكانية التنقل بين المناطق المحررة [التابعة للمعارضة] بعد أن أصبحت شبه مقسمة، وأخيراً حرمنا من حضور المهرجان الذي حصلنا فيه على جائزة في فرنسا.
كذلك من التحديات التي تواجه صانعي الأفلام السوريين قدرة التأثير على الجمهور العربي، فهو مغلوب على أمره للأسف، ولا يستطيع فعل شيء تجاه ما يجري في سوريا، لذا حاولنا التوجه إلى الإعلام الغربي على اعتبار أن الجمهور الأوروبي يمكن أن يحدث فرقاً، إضافة إلى أن صورة ما يجري في سوريا غير واضحة المعالم لدى الجمهور الأوروبي، إذ يرى كثير منهم إلى الآن أن ما يحصل في سوريا حرب بين داعش ونظام الأسد وأن الأخير يحارب الإرهاب!.