5 دقائق قراءة

“يوم الوحدة”: اتفاق بين الدولة السورية و”قسد” يعترف بحق الكرد ويرفض التقسيم

جاء توقيع الاتفاق بعد يوم واحد على دعوة الولايات المتحدة وروسيا لعقد جلسة مشاورات مغلقة وعاجلة في مجلس الأمن لبحث تطورات الساحل، وهو ما أثار قلق السوريين على مستقبل بلادهم.


10 مارس 2025

باريس- توصلت الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع إلى اتفاق مع مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مساء اليوم الإثنين، يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها: المعابر الحدودية، ومطار القامشلي، وحقول النفط والغاز.

وتضمن الاتفاق، الذي جاء في أعقاب أحداث الساحل السوري الدامية، عدة بنود، منها: ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية، بما في ذلك الأكراد، باعتبارهم مجتمع أصيل في الدولة السورية، التي تضمن حقه في المواطنة وكافة الحقوق الدستورية، كما أن الاتفاق رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتن بين كافة مكونات المجتمع السوري.

“أي اتفاق يحقن دماء السوريين والسوريات على أي بقعة جغرافية من سوريا هو إيجابي”، ناهيك عن أن “الاتفاق الذي يعترف بالكرد والقومية الكردية هو بمثابة تصحيح مسار للوصول إلى دولة مواطنة يطمح لها كل من يؤمن بحقوق الإنسان”، قالت الصحفية سيماف حسن، مديرة المناصرة والتواصل في مؤسسة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” لـ”سوريا على طول”.

تلقت حسن، وهي من المكون الكردي، خبر الاتفاق وهي في طريقها من دمشق إلى القامشلي، متمنية أن يكون هذا الاتفاق “بداية الطريق لرد الاعتبار لكل مناطق شمال شرق سوريا” بكل مكوناتها، تلك المناطق التي “وصفت في عهد النظام السابق بالنامية ووُصمت بالتخلف، وعانت من كل أشكال الإرهاب”. 

توقيت الاتفاق

“كان من المفترض أن يتم الإعلان عن الاتفاق قبل أحداث الساحل، لكن ما حدث من تطورات عسكرية أخرت الإعلان عنه إلى هذا اليوم”، بحسب عمر أبو ليلى، مدير شبكة دير الزور 24، الذي كان مطلعاً على مسار الاتفاق بين الحكومة السورية و”قسد”.

تعليقاً على ذلك، قال المهندس أيمن عبد النور، سياسي وإعلامي سوري أمريكي، أن توقيت الإعلان عن الاتفاق “وإلغاء الفقرات غير المتفق عليها وإحالتها إلى اللجان التنفيذية، وفق البند الأخير، التي سوف تقوم بتنفيذ كل الفقرات غير المحسومة”، كان بسبب “اتفاق إقليمي، وإدراك الإدارة الحالية للموقف الدقيق والحساس الموجودة فيه بعد التصريحات الأمريكة والأوروبية بخصوص ما جرى في الساحل والتصرفات الطائشة من الجماعات الخارجة عن القانون”.

وأيضاً، هناك مصلحة لـ”قسد” بتوقيع الاتفاق في هذا التوقيت، “من أجل إبعاد أي موقف تركي متسرع، وبالتزامن مع كثير من التلميحات للرئيس ترامب حول تواجد القوات الأمريكية في سوريا”، لذا “التقت الإدارتين بـ”ضرورة الإعلان السريع جداً، وإلغاء البنود غير المتفق عليها، ونشر صورة الشرع وعبدي، التي سوف تغزو وكالات الأنباء العالمية”، كما أوضح عبد النور لـ”سوريا على طول”.

جاء توقيع الاتفاق بعد يوم واحد على دعوة الولايات المتحدة وروسيا لعقد جلسة مشاورات مغلقة وعاجلة في مجلس الأمن، لبحث تطورات الساحل السوري، وهو ما أثار قلق السوريين على مستقبل بلادهم وإمكانية تدويل قضيتهم.

ترحيب بالاتفاق

بعد إعلان الاتفاق بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي، خرج العديد من السوريين في مدن شمال شرق سوريا، خصوصاً ذات الغالبية العربية، من قبيل: دير الزور والرقة، احتفالاً بالاتفاق، الذي بدد تخوفهم من احتمالية تقسيم سوريا وعزلهم عن محيطهم العربي.

“احتفل الناس في الشوارع منذ التاسعة ليلاً حتى منتصف الليل، وأعلام سوريا الجديدة مرفوعة على السيارات، بينما يردد أبناء الرقة الهتافات والأهازيج الثورية”، قال أحمد الهشلوم، مدير منظمة إنماء، واصفاً لـ”سوريا على طول” ما يجري في الرقة “أحاسيس قوية، تعبر عن مكنونات داخلية من أفراح قديمة تعود إلى الثامن من كانون الأول، أي تاريخ سقوط الأسد، لم يتم التعبير عنها في وقتها بهذا الشكل”. 

في لحظات الفرح التي يعيشها أهالي الرقة، عاد الهشلوم بذاكرته إلى تاريخ الرقة خلال سنوات الثورة السورية، التي “مرت بعدة حقب، منها سيطرة تنظيم داعش عليها، ومن ثم تحريرها على يد قسد، وصولاً إلى تحرير سوريا من حكم الأسد”.

وأضاف الهشلوم: “الأفراح بادية على المجتمع المحلي في الرقة، لأن المحافظة اندمجت مع كامل الأراضي السورية، في خطوة تأخرت ثلاثة أشهر”، واصفاً العاشر من آذار/ مارس بأنه “يوم الوحدة”، لأن “سوريا عادت موحدة تحت إدارة واحدة”، وجاء هذا اليوم “بعد ثلاثة أيام سود مرت على سوريا”، تلك الأيام التي شهدت “هجوم فلول النظام في الساحل السوري وما رافقه من أحداث مؤلمة”. 

بدوره، رحب حسام القس، عضو المكتب الإعلامي في المنطقة الآثورية الديمقراطية، بالاتفاق “لأنه يخفف الاحتقان ويجنب المنطقة أعمال عنف”، مشدداً على ضرورة “تنفيذ الاتفاق بكامل بنوده حتى يعمّ السلام في أرجاء سوريا، وتعود بلداً واحداً لها علم واحدٌ يرفع في كل المناطق السورية”.

وبينما أبدى القس، المقيم في محافظة الحسكة، ارتياحه بتأكيد البيان على “حق  الشعب الكردي، كشعب أصيل”، استنكر “عدم ذكر السريان والآشوريين في الاتفاق، وكأننا لم نكن في حسابات الأشخاص الذين وقعوا على هذا الاتفاق”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وأشار القس إلى “أمور إشكالية لم يتم طرحها في بنود الاتفاق، من قبيل هل سيتم ضم قسد ككتلة أم كأفراد، ومستقبل إدارة المؤسسات في شمال شرق سوريا”، وهي نقاط خلافية، قائلاً: “بما أن الشيطان يكمن في التفاصيل، فهناك خوف من أن تعرقل هذه النقاط نجاح الاتفاق”، علماً أن البند الأخير أعطى مهلة للجان التنفيذية، حتى نهاية العام الحالي، من أجل تطبيق كافة بنود الاتفاق.

رأى عمر أبو ليلى أن الاتفاق “سيعود بالنفع على سوريا بكل مكوناتها، وسوف يرتب أوراق البيت السوري، ويثبت الأمن والاستقرار في البلاد، ويعمل على ضخ مشاريع ضخمة للسوريين، بما في ذلك إعمار البلاد”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”، ناهيك عن تأكيده على نية الإدارة الجديدة “منح الأكراد حقوقهم -كمواطنين- مثلهم مثل باقي المكونات”.

“أنا في قمة التفاؤل. من بعد لحظة توقيع الاتفاق سترى أن الحياة في سوريا تتحسن”، بينما “المشاريع الخارجية سوف تتدمّر بشكل تلقائي لأنه لم يعد هناك قوة تستطيع الوقوف في وجه الشعب السوري”، شريطة “تعاون السوريين وتظافرهم”.

وتعليقاً على حالة الشرخ بين مكونات الشعب السوري خلال سنوات الثورة السورية، قال أبو ليلى: “أتوقع من الحكومة السورية أن تلعب دوراً مهماً في المصالحة بين المكونات، وأن تسد الشرخ الكبير”، بالإضافة إلى توقعه بأن “يلعب الأمريكان دوراً مهماً في المرحلة المقبلة”.

والأهم من ذلك، أن “السوريين سوف يلتفتون إلى إعادة بناء دولتهم وإعمار مناطقهم، بعد سنوات من الأزمات الاقتصادية والأمنية، وهذا كافٍ ليعزز فرص طيّ صفحة الماضي ويسد ثغرات الشرخ التي صارت، خاصة بين العرب والكرد”، وفقاً لأبو ليلى.

اتفاق “حقن الدماء”

من زاوية حقوق الإنسان “أي اتفاق يمنع عمليات عسكرية فهو جيد لأنه يعني انتهاكات حقوق إنسان أقل”، بحسب بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، قائلاً: “دائما الصراعات والعمليات العسكرية يترافق معها انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان”.

الاتفاق “لم يتناول بشكل واضح شكل الدولة، العدالة الانتقالية، والمواطنة، وهذا مفهوم لأن الشخصيتين عسكريتين [الشرع وعبدي] وحوارهما تركز على دمج مؤسسات الدولة”، ومع ذلك “ما توصلا إليه إنجاز كبير جداً”، كما قال الأحمد لـ”سوريا على طول”.

وأضاف الأحمد: “تمثلت توصياتنا منذ البداية بوقف التصعيد العسكري وبدء الحوار، لأن حالة شمال شرق سوريا تتطلب هذه الطريقة”، ومهما طال وقت التوصل للاتفاق يبقى “أفضل من أي عمل عسكري قد يفضي إلى قتل وإعدام ووقوع أسرى وعمليات تهجير”.

وصف الأحمد الاتفاق بأنه “اتفاق حقن الدماء”، لأنه يمنع أي سيناريو مشابه لأحداث الساحل، التي رافقها “خطاب كراهية وتحريض”، كما أنه يقطع الطريق أمام “أي تدخل أجنبي أو احتلال”، وبالتالي “الاتفاق خطوة جيدة أساسية يجب أن يتبعها خطوات طويلة” من أجل إنجاحه وإنفاذ بنوده.

أما بالنسبة للصحفية سيماف حسن، فإن أفضل ما في الاتفاق هو بند “وقف إطلاق النار، الذي أتمنى أن لا يستثني أية بقعة جغرافية في سوريا، سواء سد تشرين [على نهر الفرات] أو قرى الساحل السوري”، عدا عن أنه “يسد الطريق أمام كل الخطابات التحريضية والعنصرية، وخطابات الكراهية ضد الكرد، الناجمة عن سنوات من عدم معرفتهم”.

شارك هذا المقال