8 دقائق قراءة

آلاف الدولارات يدفعها مدنيون ومقاتلون من تنظيم الدولة لمغادرة جنوب دمشق

يتقاضى مهربون مبالغ طائلة لنقل المدنيين والمقاتلين، بمن فيهم عناصر […]


13 فبراير 2018

يتقاضى مهربون مبالغ طائلة لنقل المدنيين والمقاتلين، بمن فيهم عناصر من تنظيم الدولة، من ضواحي دمشق الجنوبية المحاصرة إلى شمال سوريا الواقع تحت سيطرة المعارضة، وفقاً لما أكدته عدة مصادر محلية لسوريا على طول.

وقالت المصادر المحلية أن “العشرات” من المواطنين، من مدنيين وعناصر تنظيم الدولة، دفعوا ما لا يقل عن 4 آلاف دولار على الشخص الواحد من أجل تهريبهم من الأحياء المحاصرة جنوب دمشق وشمالها إلى مدينة إدلب، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، منذ كانون الأول، بحسب ما ذكرته مصادر محلية، مؤكدين أن رحلة التهريب إلى تركيا قد تكلف أكثر من 5 آلاف دولار.

وهذه الوسيلة بالنسبة للمدنيين القادرين على دفع التكاليف فرصة للهروب من الحصار والتضييق الذي امتدّ لسنوات، ومن تنظيم الدولة المسيطر على بعض أجزاء جنوب دمشق، أما بالنسبة لعناصر تنظيم الدولة فإن طريق التهريب يعتبر فرصتهم للتسلل كمدنيين والاندماج داخل مناطق المعارضة أو لشق طريقهم إلى تركيا.

وكانت قوات الحكومة السورية طوّقت بشكل جزئي منطقة مساحتها حوالي 20 كيلومتراً مربعاً جنوب دمشق منذ منتصف عام 2013، حيث تتحكم القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها بكل ما يخرج ويدخل من وإلى جيب المعارضة.

وعلى بعد 4 كم جنوب المدينة القديمة، ينقسم جنوب دمشق نفسه إلى قسمين، حيث يسيطر تنظيم الدولة على معظم النصف الغربي بما في ذلك مخيم اليرموك، وهو في الأصل مخيماً للاجئين الفلسطينيين تم انشاؤه منذ ذلك الحين في العاصمة دمشق، في حين تسيطر بعض الفصائل التابعة للجيش الحر على بعض الأحياء الواقعة شرق مناطق سيطرة التنظيم، ومن جهتها تخضع تلك الأحياء التابعة للجيش السوري الحر والمحاصرة بدورها لتسوية (اتفاق مصالحة) مع الحكومة السورية منذ أوائل عام 2014.

أحد عناصر حاجز التفتيش التابع للحكومة السورية وسط مدينة حمص في شباط 2017، الصورة من AFP.

وجاء قرار محمد عبد الرحيم بمغادرة مخيم اليرموك التابع لتنظيم الدولة والسعي برحلة مليئة بالمخاطر إلى الشمال، ودفع مبلغ 5300 دولار في كانون الأول، بعد اليأس والقلق حول مستقبل منطقته، حيث يتواجد الآن في تركيا، وقال “لقد غادرت لأنه لا يوجد أمل بالعودة إلى المخيم”.

ويعد عبد الرحيم واحداً من عشرات المصادر في جنوب دمشق التي أكدت وجود مهربين كانوا يأخذون سكان جنوب دمشق إلى الشمال في الأسابيع الأخيرة.

ووصف عبد الرحيم المهربين بأنهم “مافيات” غامضة من الصعب فهم اتجاهاتهم أو معرفة الجهات التي يتواصلون معها، وأكدت مصادر جنوب دمشق أن المهربين يستطيعون بسهولة تمرير السيارات من جنوب دمشق عبر العديد من نقاط التفتيش الحكومية ومن الشمال إلى أراضي المعارضة.

ولم يكن المدنيون وحدهم من يغادرون تلك المناطق، بل عناصر التنظيم من بين الأشخاص الذين يدفعون أيضاً من أجل العبور إلى الشمال، وفقاً لمصادر من جنوب دمشق، كما يتضح ذلك من الجهود الأخيرة التي تبذلها سلطات التنظيم لمنع قادتها ومقاتليها من القيام بذلك.

حيث أصدر التنظيم قراراً في هذا الشهر ينص على أن “أي عنصر تابع لتنظيم الدولة يحاول الهروب من المناطق التابعة لهم سيدفع غرامة قدرها 4 آلاف دولار ويتم سجنه لمدة شهرين”، وفقاً لما قاله جمال الأحمد، أحد سكان مخيم اليرموك، لسوريا على طول، وتم تعميم القرار من خلال توزيع منشورات على النقطة الإعلامية التابعة للتنظيم في المخيم، على حد قوله.

وأضاف الأحمد، الذي أكد معرفته لثلاثة أشخاص دفعوا للمهربين وغادروا المخيم في الأسابيع الأخيرة، أن سلطات تنظيم الدولة “لا تتدخل بالمدنيين”.

لماذا يغادر مقاتلو تنظيم الدولة واحداً من الجيوب الأخيرة التي يسيطر عليها في سوريا؟

نشر موقع “ربيع ثورة” التابع للمعارضة في 7 كانون الثاني أن خروج مقاتلي “داعش” من جنوب دمشق “بسبب الصراع الداخلي الذي يعاني منه التنظيم في المنطقة، وعدم دفع رواتب المقاتلين لأشهر طويلة”.

ويعتقد سلام المحمود، عضو في لجنة المصالحة في جنوب دمشق التي تفاوضت مع الحكومة على هدنة عام 2014، أن الحكومة تغض النظر حالياً عن تهريب المقاتلين والمدنيين من جنوب دمشق.

وقال المحمود “قبل بضعة أشهر عندما تم وضع قوائم بأسماء عناصر داعش الراغبين بالخروج، كان ذلك بمثابة فضيحة للنظام، ولكن النظام الآن يغض النظر حيال ذلك”.

” لم يتم تفتيشنا على الحواجز “

وصف محمد عبد الرحيم، الذي خرج من مخيم اليرموك رحلته من جنوب دمشق إلى الشمال في سلسلة من المحادثات مع سوريا على طول خلال الشهر الماضي من مقر إقامته الحالي في تركيا.

وإن الإحصائيات التي ذكرها موظف القطاع العام السابق البالغ من العمر 37 عاماً عن عدد المدنيين ومقاتلي داعش الذين يغادرون جنوب دمشق منذ كانون الأول 2017 تتطابق مع تقارير وسائل إعلام المعارضة.

وتتطابق قصته أيضاً مع التفاصيل التي وصفها السكان الآخرون في جنوب دمشق الذين ذكروا أنهم إما يعرفون الأشخاص الذين دفعوا للمهربين وغادروا شخصياً أو سمعوا معلومات غير مباشرة عنهم.

وفي كانون الأول سمع عبد الرحيم في المخيم أنه “كان هناك مهربون يأخذون الناس إلى تركيا” وبعدها سأل على أحد المهربين وحصل على رقم هاتفه وأرسل له رسالة نصية وبعد انتظار الرد اتصل به شخص ما وحدد له وقتاً للمغادرة، بحسب ما رواه لسوريا على طول.

مخيم اليرموك في نيسان 2015، بعد أن سيطر تنظيم الدولة على جزء كبير من المنطقة، تصوير Youssef Karwahan/AFP.

وغادر عبد الرحيم جنوب دمشق مع ثمانية أشخاص آخرين، وقال “لا أعرف ما إذا كان أي منهم من داعش، ولكن لا أحد منا كان مسلحاً” وعبر ليلاً من الأراضي التابعة لتنظيم الدولة في منطقة القدم إلى الأراضي التابعة للجيش السوري الحر في الجنوب مباشرةً.

 وقال عبد الرحيم أنه دفع بضع مئات من الدولارات لفصيل تابع للجيش الحر أثناء عبوره من مناطق التنظيم إلى منطقته، لكنه لم يحدد اسم الفصيل.

وتفيد التقارير أن أجناد الشام هو الفصيل الذي يسيطر على المنطقة التي مر بها عبد الرحيم للعبور من جنوب دمشق إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة.

وأضاف عبد الرحيم “دفعت ثم صعدت إلى السيارة” وبما أن عبد الرحيم غير قادر على توفير مبلغ 5300 دولار المطلوب للمغادرة إلى تركيا، أرسل له المال أقاربه في أوروبا.

وذكر أن السيارة خرجت من أراضي الجيش الحر من خلال حاجز حكومي وتابعت طريقها دون توقف “لم يتم تفتيشنا على حواجز النظام، ولم يتحدث أحد معنا، ومن الواضح أن هناك نوع من التنسيق المباشر مع النظام أو مع أحد عناصره”.

وبما أن السيارة التي تنقل عبد الرحيم ورفاقه انطلقت ليلاً، كانت الرحلة مليئة بالقلق والتوتر، على حد قوله.

وأضاف “أنت بتكون خايف ولا تريد أن  تعرف أحد ولا أن يعرفك أحد لأنها رحلة موت وكلها مخاطرة ولا تدري ماذا سيحدث ولا تعرف مع من عم تتعامل”.

ويدّعي عبد الرحيم أنه مر عبر نقاط التفتيش الحكومية في دمشق وحمص وريف حماه خلال رحلة ليلية استغرقت سبع ساعات دون توقف قبل وصوله إلى بلدة قلعة المضيق، وهي نقطة فاصلة بين الأراضي التابعة للحكومة وأراضي المعارضة في ريف حماة الشمالي.

ويسيطر فصيل أحرار الشام وجيش النصر على معبر قلعة المضيق، حيث قامت الفصائل هناك بتفتيش حقائب المسافرين ثم تابعوا طريقهم.

وأكد متحدث باسم لواء تابع للمعارضة في شمال سوريا لسوريا على طول أن المدنيين يخرجون من مناطق دمشق إلى الشمال الواقع تحت سيطرة المعارضة عن طريق المهربين وذلك من خلال عبور حواجز تابعة للنظام.

وأضاف المتحدث الذي طلب عدم الكشف عن هويته أو فصيله أن التفتيش عند نقاط الدخول إلى مناطق المعارضة، يتم لدواعٍ أمنية لمحاولة التعرف ما إذا كان هناك مقاتلين يسافرون بين المدنيين.

وانتهت رحلة عبد الرحيم في النهاية بعبور الحدود التركية في أواخر شهر كانون الأول.

وفي حين تتهم وسائل إعلام المعارضة والمصادر التابعة لها الحكومة السورية على وجه الخصوص بتسهيل خروج مقاتلي التنظيم من جنوب دمشق، فإنه من غير الممكن تأكيد مدى معرفة الدولة السورية والأفراد والميليشيات الموالية لها بتهريب السكان من العاصمة أو أن يكونوا متورطين بها.

ومع ذلك، فإن الروايات التي قُدمت لسوريا على طول والتقارير المتعددة على وسائل الإعلام التابعة للمعارضة تدعي جميعها أن الذين يغادرون جنوب دمشق إلى الشمال عبر الأراضي التابعة للنظام عن طريق دفع آلاف الدولارات للمهربين لم يتم توقيفهم عند نقاط التفتيش الحكومية المتواجدة على طول الطريق من دمشق إلى شمال حماة، أي بمسافة أكثر من 200 كيلومتراً.

ولم تتمكن سوريا على طول من التحقق من المتورطين في تسهيل مرور السيارات من دمشق إلى الشمال، فمن الواضح أن كلاً من المدنيين والمقاتلين في الأحياء المحاصرة تمكنوا من الوصول إلى إدلب التي تسيطر عليها المعارضة و تركيا، في الأسابيع الأخيرة.

وأحد الأمثلة الحديثة، أبو مسعود الخابور، الذي قاتل إلى جانب تنظيم الدولة في حي الحجر الأسود المجاور لمخيم اليرموك، وغادر الخابور تنظيم الدولة في 28 كانون الأول “بالتنسيق مع قوات النظام” حسبما أفادت التقارير، وتوفي الخابور في محافظة إدلب إثر سكتة دماغية في 13 كانون الثاني.

وذكر موقع ربيع ثورة، موقع إخباري تابع للمعارضة مقره جنوب دمشق، في 7 كانون الثاني أن أحد قادة تنظيم الدولة المعروف باسم أبو مصعب التركماني غادر جنوب دمشق مع بعض أصدقائه “بالتنسيق مع قوات النظام”، في حين أفاد موقع مؤسسة نبأ للإعلام في وقت لاحق أن التركماني وصل إلى تركيا، مستشهداً بـ”مصادر” لم تكشف عن اسمها.

وان الإبلاغ عن خروج مقاتلي التنظيم في الأونة الأخيرة جاء بعد سنوات من الحديث عن اتفاقيات الإخلاء والوعود الزائفة والصفقات التي لم يتم الوفاء بها بين الدولة السورية والمنظمة المتشددة التي يرجع تاريخها إلى عامين على الأقل.

وفي مطلع كانون الثاني  2016، تم الإبلاغ عن اتفاق بين الحكومة السورية وتنظيم الدولة ينص على مغادرة أفراد التنظيم إلى مناطق سيطرته في جنوب دمشق مثل الرقة، ولكن لم يتم الوفاء بها قط. وفي آيار 2017، أفاد موقع قناة العالم، الموالي للحكومة أن التنظيم في اليرموك والحجر الأسود يسجل أسماء الأفراد الراغبين في المغادرة إلى مناطق أخرى من سوريا تقع تحت سيطرته.

ومن جهتها وسائل الإعلام السورية لم تبلغ عن أي عملية خروج لمقاتلي تنظيم الدولة أو للمدنيين من جنوب دمشق، في الأسابيع الأخيرة.

” لو كنت أملك هذا المبلغ “

وفي حين يستطيع المدنيين، الذين عاشوا تحت الحصار في جنوب دمشق لسنوات، من مغادرة العاصمة، إلا أن طريق التهريب ليس خياراً للجميع.

أيمن الصفدي، يبلغ من العمر 28 عاماً، ويعيش في مخيم اليرموك مع زوجته وابنه البالغ من العمر عامين، يقول بأنه يريد أن يرحل ولكن ليس لديه ما يكفي من المال لإنفاقه على ما يعتبر رحلة محفوفة بالمخاطر شمالاً.

وأضاف الصفدي ” لو كنت أملك هذا المبلغ، لن أجلس في هذا الجحيم الذي أنا فيه، لكن لو أردت المغادرة يجب أن أدفع 8 آلاف دولار لي و لزوجتي، ومن يدري ما الخطر الذي سنواجهه خلال الطريق”.

كما أن الغارات الجوية الحكومية والحملة البرية تهدد محافظة إدلب، أكبر معقل المعارضة المتبقي في سوريا، ومستقبل الشمال الغربي يزداد غموضاً يوم بعد اليوم.

وليس جميع الأشخاص الذين يغادرون جنوب دمشق يغادرون من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، حيث قال متحدث باسم فصيل عسكري في جنوب دمشق أن “عدداً قليلاً جداً” من الناس قد غادروا من الأراضي الواقع تحت سيطرة الجيش الحر من يلدا وببيلا وبيت سحم، في النصف الشرقي من الجيب المحاصر.

وأفادت وسائل الإعلام التابعة للمعارضة، في الأسابيع الأخيرة، أن المدنيين والمقاتلين كانوا يدفعون لتهريبهم من كل من المناطق التي تقع جنوب دمشق سواء كانت مناطق تابعة لتنظيم الدولة أو للجيش السوري الحر، ولا يتجهون شمالاً بل إلى الجنوب باتجاه محافظة درعا التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.

وختم المتحدث العسكري باسم الفصيل العسكري “هناك كلام بأن مقاتلي الجيش السوري الحر غادروا، لكنني لا أعرف أي شخص غادر”.

 

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال