5 دقائق قراءة

آلاف العائلات النازحة تحتشد في هضبة الجولان المحتلة بعد استسلام فصائل المعارضة شرق درعا

  Embed from Getty Images سكان درعا النازحين في مخيم […]


 

Embed from Getty Images


سكان درعا النازحين في مخيم بريقة بالقرب من مرتفعات الجولان في تموز. تصوير من أحمد المسلم.

بعد النزوح مرة أخرى وللمرة الثانية بسبب التطورات الأخيرة في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في محافظة درعا جنوب غرب البلاد، يفرش جمال الأحمد قماش القنب لإيواء عائلته المكونة من خمسة أفراد كل ليلة في التلال الصخرية لمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.

وقال الأحمد لسوريا على طول عبر الواتساب ” كانت أكبر الصعوبات التي تواجهنا هي عدم توفر المياه”، مضيفاً أن الإمدادات المحلية من الغذاء والماء تستنزف بسبب تزايد عدد النازحين في المخيمات المؤقتة المنتشرة على طول المنطقة الحدودية.

وفرت آلاف العائلات، مثل الأحمد، إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة على حدود مرتفعات الجولان، التي تحتلها إسرائيل، منذ يوم الجمعة الماضي، وذلك عقب اتفاق التسوية الذي تم التفاوض عليه مع روسيا لإعادة غالبية الجنوب الغربي الواقع تحت سيطرة المعارضة إلى الحكومة السورية.

ومع إغلاق الحدود والشكوك التي تلوح في الأفق حول كيفية تنفيذ اتفاقية المصالحة، كان على سكان محافظة درعا أن يتخذوا قراراً فيما إذا كانوا يريدون العودة إلى منازلهم ضمن مستقبل مجهول أو سيبقون نازحين.

وجاءت اتفاقية يوم الجمعة، بعد ثلاثة أسابيع من الهجوم الجوي والبري الذي شنته الحكومة السورية على الأراضي التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في درعا جنوب غرب سوريا، والذي كان سبباً في أكبر وأسرع عملية نزوح في تاريخ الصراع السوري، وفقاً للأمم المتحدة.

وكان قد فر مايقارب 325 ألف مدنياً من منازلهم من جميع أنحاء محافظة درعا منذ بداية الهجوم الذي شنته الحكومة في منتصف شهر حزيران. وإلى الأسبوع الماضي كان قد تجمع أكثر من 59 ألف شخصاً على طول الحدود السورية الأردنية.

لكن بعد التوصل إلى اتفاقية المصالحة بين روسيا وفصائل المعارضة، يوم الجمعة، واستعادة القوات الحكومية السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، غادر جميع النازحين تقريباً الذين كانوا يحتمون هناك، ومع حلول يوم الاثنين، لم يبق سوى 200 مدنياً، وفقاً لما ذكره منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أندرس بيدرسن.

وتشير التقديرات إلى أن مالا يقل 28 ألف شخصاً من النازحين عادوا إلى العديد من المدن والقرى الواقعة شرق محافظة درعا في انتظار بدء اتفاقية المصالحة. غير أن آلاف الأشخاص فروا مرة أخرى بحثاً عن مأوى لهم في الأراضي الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وكان هؤلاء ممن لا يرغبون بالعودة إلى المناطق التي دمرت بشكل كامل بسبب القتال أو الإستسلام للحكومة من خلال اتفاقية المصالحة.

ويقدر عماد بطين، نائب رئيس مجلس محافظة درعا الذي تديره المعارضة، أن أكثر من 6000 عائلة نازحة وصلت بالفعل إلى الشريط الحدودي الواقع تحت سيطرة المعارضة بين سوريا ومرتفعات الجولان، منذ يوم الجمعة.

نحتاج إلى مكان يأوينا”

بالنسبة لجمال الأحمد، الذي فقد أخاه والعديد من أقربائه في هجوم القوات الحكومية في السنوات الأخيرة، لم يكن خيار العودة إلى منزله في بلدة الجيزة غرب درعا أحد خياراته، وقال ” كيف سننسى دمائهم ونصالح قاتلهم”.

عودة السوريين إلى منازلهم في ريف درعا الشرقي يوم السبت. تصوير محمد أبازيد.

وبعد السماع عن اتفاقية المصالحة بين فصائل المعارضة وحكومة دمشق ليلة الجمعة، قام الأحمد بجمع حاجاته الضرورية كالوسائد الخفيفة والأغطية في مؤخرة سيارة أجرة قديمة، استطاع تأمينها بمساعدة بعض الأصدقاء، وتوجه برفقة أمه وزوجته وطفليه مبتعداً عن ملجأهم المؤقت على الحدود السورية الأردنية.

وانطلق الأحمد ليلاً على الطريق الوحيد المتبقي الذي يربط محافظة درعا الشرقية، التي سيطرت عليها الحكومة مؤخراً، مع الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، وتوجه غرباً نحو مرتفعات الجولان.

وأضاف “الطريق كان متعرجاً وفيه الكثير من المرتفعات والمنخفضات ولا يتجاوز عرضه ثلاثة أمتار فقط”.

واليوم يواجه الأحمد وعائلته ظروفاً معيشية مشابهة جداً لتلك التي تركوها وراءهم على الحدود السورية الأردنية، وقال “نحتاج إلى مكان يأوينا ويقينا برد الليل وحر النهار”.

وقبل وصول ستة آلاف عائلة نازحة حديثاً، كان ما يقدر بنحو 189 ألف نازحاً من مختلف أنحاء محافظة درعا يعيشون بالفعل في سلسلة من الخيم المؤقتة على مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، كما أن أكثر من 70% من الخيم غير ملائمة للعيش وتتعرض بشكل دائم لظروف جوية قاسية وفيضانات في فصل الشتاء.

كما نزح أبو عمر الحريري، وهو من سكان درعا، من بلدة بصر الحرير شرق درعا إلى المنطقة الحدودية خوفاً على أبنائه وطلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

وقال “إذا عدنا إلى بصر الحرير أخاف أن تعتقلنا الحكومة وتأخذنا إلى الجيش أو تعدمنا”.

والآن على الحدود ومع عدم وجود أي مكان آخر للهروب في حال تقدم القوات الموالية للحكومة، فإن الحريري غير متأكد مما سيفعله بعد ذلك، وأكد أنه “مع قرار الإخلاء إلى إدلب وسيكون هو وعائلته أول المغادرين”.

وأضاف الحريري ” إذا تقدم النظام أكثر، فإن الحل الوحيد المتبقي أمام النازحين هو اختراق الحدود ودخول إسرائيل، بغض النظر عن التكلفة”.

“لا داعي لأن نبقى مشردين”

وفي بعض الأحيان لايكون الفرار خيار الجميع، وفي حين فر آلاف الأشخاص إلى القنيطرة التي تسيطر عليها المعارضة، اختار ما يقدر بنحو 28 ألف منهم العودة إلى منازلهم في ريف درعا الشرقي الذي سيطرت عليه الحكومة مؤخراً، وفقاً لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له.

وفضلاً عن استسلام فصائل المعارضة وتسليم جميع أسلحتهم الثقيلة، عرضت اتفاقية المصالحة، التي تمت يوم الجمعة، على السكان الإختيار بين “تسوية أوضاعهم” مع السلطات الحكومة أو الإجلاء إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا. وبدورها ستسحب الحكومة السورية قواتها من المنطقة وتسمح لفصائل المعارضة المتصالحة بتشكيل قوات أمن محلية إلى جانب الشرطة العسكرية الروسية في المنطقة، وفقاً لما ذكرته سوريا على طول يوم الثلاثاء.

وقرر أسامة الحراكي، 43 عاماً والذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه يرغب في “المصالحة دون أي مشاكل”، العودة إلى منزله في مدينة الحراك شرق درعا التي تسيطر عليها الحكومة الآن بعد سماعه عن اتفاقية الجمعة.

ومع عدم وجود أي مخاوف من التجنيد العسكري عليه أو على ولديه اللذان لا يزالان صغيرين، يعتقد الحراكي أنه ” لا داعي لأن نبقى مشردين”.

وقال خالد الشامي، البالغ من العمر 27 عاماً، أن قرار العودة إلى مسقط رأسه في بصرى الشام كان “صعباً”. ولا يزال الشامي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، يخشى من التجنيد العسكري والاعتقال، بالرغم من ذلك يؤكد أن ذلك “من أجل مصلحة العائلة”.

وأضاف “إننا متعبون بعد 10 أيام من عدم الاستقرار”.

وكان قرار عائلة الشامي بالعودة يستند إلى الضمانات التي نصت عليها اتفاقية يوم الجمعة بأن تقوم الحكومة بسحب قواتها من المنطقة.

وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يزال من غير الواضح كيف سيتم تطبيق هذه الاتفاقية بالضبط، وقال أحد قادة المعارضة المحليين لسوريا على طول، يوم الثلاثاء، أن عمليات الانسحاب لم تبدأ بعد.

كما تم تعليق عمليات الإجلاء المقررة إلى ادلب، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، التي كان من المقرر أن تبدأ يوم الأحد الماضي، وذلك بسبب “تبادل إطلاق النار” بين فصائل المعارضة وقوات النظام، وفقاً لما ذكره موقع العربي الجديد، يوم الأحد، نقلاً عن متحدث باسم المعارضة.

في الوقت الراهن، لا يستطيع النازحون والعائدون على حد سواء في جميع أنحاء درعا والقنيطرة، الذين ينامون تحت الأقمشة أو في البلدات التي تم قصفها، فعل أي شيء آخر سوى الانتظار.

و قال الشامي لسوريا على طول من منزله في بصرى الشام “نحن لا نزال ننتظر لمعرفة مصيرنا”، مؤكداً أنه لم يسمع عن تشكيل أي لجنة حتى الآن من أجل “تنفيذ شروط المصالحة”.

وختم “لا نعرف بيد من سيكون مصيرنا”.

 

ترجمة: بتول حجار

 

شارك هذا المقال