6 دقائق قراءة

آمال وطموحات فتاة قاصر تنتهي عند عتبة الزواج المبكر

منذ سنة ونصف، تزوجت غالية في مخيم الزعتري للاجئين السوريين […]


24 يناير 2017

منذ سنة ونصف، تزوجت غالية في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في شمال الأردن. وكانت في السنة الخامسة عشرة وهو في الثانية والثلاثين. وبالعودة إلى الوراء، وفي يوم صيفي حار، أتى عريسها المستقبلي إلى منزلها في المخيم حيث تعيش مع زوجة أبيها ووالدها وأشقائها الخمسة منذ غادروا جنوب سوريا في عام 2013. وتقدم لخطبتها، إذ كان يعيش بجوارها في مخيم الزعتري. وعلمت غالية بالأمر حين عادت من مدرستها.

وفي بادئ الأمر، رفضت غالية فكرة الزواج. وتقول وهي تسرد حكايتها من كرفانة صغيرة تتشاركها مع زوجها في الزعتري، لمراسلة سوريا على طول خلود أحمد، “أصبت بالفزع”.

ومن ثم ما لبثت أن غيرت رأيها أملاً “بتخفيف العبء عن والدي”، المسؤول أيضاً عن أشقائها معتمداً على راتب هزيل يتقضاه من متجر يعمل به، والذي أخبرها “لقد كبرتِ يا ابنتي الصغيرة وأنا أحاول أن أجعلكِ تعيشين حياة أفضل”.

غالية، واحدة من آلاف اللاجئات السوريات في الأردن اللاتي تزوجن برجال أكبر منهن وهن دون سن الثامنة عشر، في السنوات الأخيرة.

ووفقاً لدائرة قاضي القضاة الأردنية فإن نسبة زواج القاصرات (15-18 سنة) بين اللاجئات السوريات في الأردن تُقدر بنحو 35 في المئة في عام 2015، في مقابل 18% في عام 2012. وتضمنت أغلب حالات القران فتيات مابين الـ15-17ورجال يكبرونهن بسنوات عديدة.

في حين تقدر نسبة زواج القاصرات بين الأردنيين، بنسبة 13%، وفق ما ذكرت صحيفة جوردان تايمز، الأردنية الناطقة باللغة الانجليزية، في حزيران 2016. ووفقاً لدراسة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) فإن الضغوط الاقتصادية التي يقاسيها اللاجئون السوريون والهواجس العائلية فيما يتعلق بأمن وسلامة بناتهن تكمن وراء التزايد في الزيجات المبكرة.

الآن غالية، باتت في السادسة عشرة، متزوجة وخارج المدرسة، وانحصر كل روتينها اليومي في الأعمال المنزلية وخدمة زوجها. “كنت أحلم أن أصبح محامية أدافع عن الناس المظلومين وخاصة النساء”، وفق ما قالت غالية. “ولكن هذا الحلم انتهى الآن. فأنا زوجة”.

ماهو شعورك عندما أخبرك أهلك بقرار الزواج؟ وهل تم أخذ موافقتك عليه؟ ما كان جوابك حينها؟

لقد أخبرتني زوجة والدي أن هناك شابا تقدم لخطبتي فأنا كنت أعيش مع والدي وزوجته؛ لأن أمي كانت قد توفيت في الحرب، ووالدي مسؤول عن خمسة أطفال غيري مع زوجته الجديدة، صراحة عندما أخبرتني بذلك ظننتها تمزح وأصبت بالفزع عندما شعرت أنها تتكلم بجدية. سألتني عن رأيي بالموضوع فأجبتها أنه لا رغبة لي بالزواج الآن، فأنا أرغب بإكمال دراستي ولا نية لي بالزواج؛ لأنه غير مفهوم بالنسبة لي.

“أنا إنسان”، كتب على لوحة لمحمد علي أبو حمزة على كارفان في مخيم الزعتري. حقوق نشر الصورة لـ أصوات الزعتري

كيف اقتنعتِ بالزواج وهل هناك من ضغط عليك؟ وكيف تم الزواج؟

أذكر أنني كنت عائدة من المدرسة في ذلك اليوم الصيفي الحار وكان والدي يلهث من المرض، حينها قمت بوضع الكمادات على جبهته والاعتناء به، وأمسك بيدي وقال لقد كبرتِ يا ابنتي الصغيرة وأنا أحاول أن أجعلكِ تعيشين حياة أفضل، لذلك عليكِ أن توافقي على هذا الزواج؛ لأن زوجك سيحميكِ ويؤمن لكِ حياة أفضل، ربما حالفكم الحظ وغادرتم المخيم وتوفرت لكم ظروف معيشية أفضل والفتاة في نهاية المطاف ليس لها سوى بيت زوجها، شعرت حينها بالحزن لما قاله لأنّ زواجي أصبح على وشك الوقوع.

حمّلني بهذا الكلام مسؤولية كبيرة؛ فهو يعمل ضمن المخيم ويحاول تلبية كافة احتياجاتنا قدر المستطاع، وزوجته متطلبة ودائماً تشعره بالتقصير والنقص.

فكرت حينها بتخفيف العبء عن والدي والموافقة لعلني أحظى بحياة أفضل بعيداً عمّا أعانيه من زوجة والدي، التي لايعجبها العجب، وبعد الموافقة تم عقد القران عن طريق أحد المشايخ وبحضور بعض الأقارب، ولم يتم توثيق الزواج، وبعد ثلاثة أشهر تم الزفاف بعد تركي للمدرسة إلى كرفانة.

ماذا كنتِ تفعلين قبل الزواج وماذا كنتِ تخططين لمستقبلك؟

قبل الزواج كنت أرتاد المدرسة الموجودة في المخيم وهي تابعة لليونيسيف، وكنت فرحة جداً وقتها بارتياد المدرسة وتكوين صداقات جديدة وصديقات من عمري أتبادل معهن الأحاديث، كنتُ أشكو لهن ما يحصل معي، كنت أحلم أن أصبح محامية أدافع عن الناس المظلومين وخاصة النساء لأنني كنت أرى قصصاً كثيرة مشابهة لحالتي، ولكن هذا الحلم انتهى الآن، فأنا زوجة ومسؤولة عن حياة أسرية وزوج.

الآن وبعد الزواج هل تشعرين بالرضا عن حياتك الجديدة كزوجة وهل أنت سعيدة؟

لقد تزوجت بعمر الخامسة عشر وأنا الآن تجاوزت السادسة عشرة، إن أخبرتك أنني راضية عن هذا الزواج، فأنا لست صادقة، الزواج حمّلني مسؤولية أكبر من عمري وجعل حياتي مجرد روتين، أعمال منزلية وواجبات زوجية لا أكثر، وأنا غير راضية عن ذلك، كنت آمل أن أكمل طريقي وأحظى بفرصة إكمال دراستي، وأن أكون امرأة فاعلة في المجتمع، الزواج خلصني من تسلط زوجة والدي وهذا أمر إيجابي بالنسبة لي ولكنه سلبني حياة كنت آمل بتحقيقها.

أشعر أيضاً بفارق العمر بيني وبين زوجي كثيراً، حتى أن تفكيره يختلف تماما عن طريقة تفكيري وفي كثير من الأحيان يقول لي أنني أفكر مثل الأطفال الصغار وأنه يتوجب علي أن أكبر وأفكر مثل الكبار.

هل هناك من منع هذا الزواج وقدم لك النصح لكِ ولأهلكِ؟ وهل هناك قوانين رادعة تحميكِ من هذا الزواج؟

إن مشكلتي هي مشكلة الكثير من الفتيات سواء في المخيم أو خارجه، وكانت هذه الظاهرة موجودة من قبل، وخاصة في مجتمعاتنا الريفية، التي تعتبر أن الفتاة عندما تتجاوز العشرين تكون قد كبرت بنظرهم  وأنّ فرصها بالزواج باتت محدودة، ولكن بعد ما جرى في الحرب وقصة اللجوء والتشرد التي حصلت أدت إلى ازدياد هذه الظاهرة وارتفاع نسبتها كثيرا، ولقد أخبرتني معلمتي في المدرسة أن القانون الأردني يمنع زواج القاصرات تحت سن الثامنة عشر ويجرمه ويعاقب عليه بإستثناء بعض الحالات، ولكن ما يحصل أن الزواج يتم شرعاً دون توثيقه، وقد أخبروني أنه عند عودتنا إلى سورية سوف يتم تثبيت الزواج في المحكمة.

(وفقاً لقانون الأحوال الشخصية في الأردن، فإن الحد الادنى للزواج هو 18سنة. إلا في حالات معيّنة يُترك تقديرها للقاضي الشرعي. وفي حالة زواج غالية غير الرسمي، فهو خارج نطاق القوانين الأردنية. على أية حال فإن المشايخ الذين يجرون إجراءات الزواج خارج إطار النظام القضائي الشرعي للبلد يغرمون في حال تم الإمساك بهم).

حقيقةً الكلام الأول والأخير لوالدي فهو يعلم مصلحتي، والحقيقة أن هناك بعض المخاتير والمشايخ جاؤوا لوالدي ونصحوه بعدم إتمام الزواج ولكن دون جدوى.

أنتِ تعيشين في مخيم هل سبق أن سمعتِ بحملات توعية حول مسألة الزواج المبكر وهل تعتقدين أنها ذات فائدة؟

نعم لقد سمعت كثيرًا عن وجود حملات توعية بهذا الشأن وأذكر أن زميلاتي وبعض أهاليهن ذهبوا لحضور ندوات توعوية نظمتها منظمة “انقذوا الأطفال” وكان هدفها الحدَ من زواج القاصرات، وركزوا أيضاً على موضوع الأثر النفسي للفتاة وعلى حقها بممارسة حياتها الطبيعية دون إقحامها في زواج غير متكافىء ولا يناسب مشاعرها وعمرها، وبينوا أن الفتاة تحت 18 لا تكون جاهزة بعد للزواج لا نفسياً ولا جسدياً ولا اجتماعياً وأن هناك خطورة كبيرة على حياة القاصر إذا تزوجت وحملت لأن فرص حصول مضاعفات الحمل والموت بسبب الولادة تكون مضاعفة قبل سن الـ18، كما أنّ المفوضية في المخيم عندما تعلم بنية حدوث هكذا زواج تحاول تقديم مشورة للأهل والمقبلين على الزواج وإقناعهم بتبعات حدوث هكذا أمر ولكن معظم الذين ينوون الزواج ويملكون القبول لا يغيرون رأيهم، فالشاب الذي كان لا يستطيع الزواج من قبل بسبب تكلفة الزواج والمهور وما إلى ذلك لم يعد مطالب الآن بهذه التكاليف وإنما يكفي توفير سكن في المخيم (كرفانة) وبعض التكاليف البسيطة، والأهل يسارعون لتزويج بناتهن لحمايتهن ووضع مسؤوليتهن على عاتق رجال آخرين، والفتاة ترضخ لأمر ولي أمرها في النهاية أو تكون يتيمة وتهرب من حياة اليتم التي تعيشها عند الأقارب.

والآن هل أنتِ نادمة على الزواج؟ وكيف تخططين لمستقبلك وهل هناك نية للإنجاب لديكِ؟

الآن بعدما حصل ما حصل، أحاول تجنب التفكير فيما جرى، وأركز على ماهو آتٍ، هدفي الآن إيجاد بديل عن الدراسة لأن زوجي لن يسمح لي بإكمال دراستي، ومن الصعب الدراسة لوحدي، لذلك فكرت بالإنضمام لإحدى الدورات التعليمية في المخيم وتعلم الأعمال الفنية اليدوية، فهي من الأعمال التي أحبها وتستهويني كثيراً، ومن الممكن أن أعمل بها مستقبلا، بالنسبة لي الإنجاب لا يعني لي كثيرا وحتى أنني أخاف من هذه الفكرة، فلا أم لي لتقف بجانبي وتعلمني كيفية الإعتناء بطفلي، على عكس زوجي وأسرته الذين يلحون علي وتأخذني حماتي الى العيادة النسائية في المخيم، بهدف تسريع عملية الحمل ومعرفة سبب التأخر، وللآن لم يتم الحمل.

(مضاعفات الحمل والولادة هي ثاني أعلى سبب لوفاة الفتيات مابين الـ15 إلى 19سنة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وتزيد معدلات وفيات الأطفال ضمن نفس هذه الفئة العمرية).

ماهو الحل برأيك لمنع حدوث مثل هذه الزيجات؟

أعتقد أنه يجب التركيز على محاربة الجهل، وزيادة مستوى الوعي والتفكير، وخلق فرص تعليمية مناسبةللفتيات، والأهم إيجاد منظمة تقوم بحماية الفتيات اللواتي يرفضن هذا الزواج وتحسين الظروف المعيشيةللاجئين.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال