3 دقائق قراءة

أخصائي تخدير يتحول للعمل كمزارع بإدلب في ظل تكرار استهداف المشافي

يقضي أبو مصطفى وقته متنقلا، معظم الأحيان، بين مكانين: إما […]


26 أبريل 2017

يقضي أبو مصطفى وقته متنقلا، معظم الأحيان، بين مكانين: إما الكهف الذي يستخدمه هو وزوجته وطفليه كملجأ مؤقت من القصف، أو في أحد حقول ريف إدلب، حيث يعمل كمزارع.

أبو مصطفى، أخصائي تخدير، خريج المعهد التقاني الطبي في دمشق، ولد وترعرع في حلب الشرقية، وعالج المئات من الجرحى، أثناء اجتياح الحرب لمدينته حلب، العام الماضي.

وفي حلب، أدى اتفاق وقف إطلاق النار، بين قوات النظام والمعارضة، في كانون الأول، إلى وضع حد للمعارك، وتم إجلاء عشرات الآلاف من المدنيين الذين عاشوا تحت الحصار، في القسم الشرقي من المدينة.

حينها واجه أخصائي التخدير خيارا صعبا: فإما ترك النصف الشرقي المدمر كليا من المدينة والتوجه على متن حافلات الإجلاء الخضراء، التابعة للنظام، إلى أطراف حلب، أو التوجه أبعد من ذلك، إما شمالا إلى المخيمات على طول الحدود السورية التركية، أو غربا إلى محافظة إدلب المجاورة.

يقول أبو مصطفى، الذي طلب عدم ذكر اسمه الصريح خوفا من الاعتقالات التي قد تطال أفراد عائلته ممن يعيشون في مناطق سيطرة النظام، لمراسلة سوريا على طول، بهيرة الزرير “قرر العديد من أقاربي الخروج إلى معرة النعمان، فقررت الذهاب مع عائلتي إلى المعرة”.

لكنه لم يتمكن من العثور على عمل هناك. فعندما كان يحاول البحث عن عمل “كانوا يردون بالاعتذار وبأن العديد من الأشخاص لا يجدون عملا بسبب كثرة الطلبات واستهداف المشافي المتكرر”.

صف لنا ما حدث معك ومع عائلتك منذ خروجكم من حلب؟

بعد التوصل لاتفاق إخلاء مدينة حلب، في منتصف شهر كانون الأول، آواخر العام الماضي، كانت أمامنا خيارات إما إدلب أو ريفها أو ريف حلب أو المخيمات الحدودية، فاستبعدنا الذهاب إلى المخيمات بسبب خوفي على أطفالي.

وقررت الخروج الى ريف إدلب، لأن الآجارات في إدلب كانت مرتفعة جداً، وقرر العديد من أقاربي الخروج إلى معرة النعمان، فقررت الذهاب مع عائلتي إلى المعرة (بلدة في ريف إدلب)، واستأجرت منزلا بمبلغ ثمانية آلاف ليرة سورية، كان يوجد معنا بعض الذهب لزوجتي قمنا ببيعه لدفع الآجار وإحضار المستلزمات الأساسية للمنزل.

وبعدها بدأت معاناتي في البحث عن عمل ضمن اختصاص دراستي، فقدمت العديد من الطلبات في المشافي والنقاط الطبية الموجودة في المعرة، ولكن دون أمل بسبب استهداف العديد من النقاط الطبية وخروجها عن الخدمة، وكانوا يردون بالاعتذار وبأن العديد من الأشخاص لا يجدون عملا بسبب كثرة الطلبات واستهداف المشافي المتكرر، فهذا الأمر يعاني منه العديد من زملائي ومن الكوادر الطبية التي خرجت من حلب.

وبعد مرور شهرين على بحثي فقدت الأمل وكل المال الذي معنا تم استهلاكه، فقال لي أحد المزارعين أنه بحاجة إلى فلاح ليساعده مقابل أجرة يومية بمبلغ 3000 ليرة سوريا يوميا فكانت هذه فرصة لي لأسد بها احتياجات أبنائي وزوجتي.

والقصف المستمر جعل العديد من الأهالي يقضون معظم وقتهم في المغارات لتفادي الإصابة أو الموت.

بعد أربعة أشهر من مغادرتك حلب، هل هناك أي جزء من حياتك في معرة النعمان يشبه حياتك في حلب؟ وما الذي تغير؟

التوافق فقط بالقصف والخوف، الذي خرجنا خوفاً منه، فالخوف ما زال يلازمنا في كل دقيقة تمر على وجودنا في المعرة، إضافة إلى ثقل الأعباء المادية التي باتت مترتبة علينا.

والاختلاف شاسع من كل النواحي بين وضعنا في حلب ووضعنا في إدلب، ففي حلب العمل متوفر وكنا هناك معروفين من قبل إدارة المشافي الأخرى إضافة إلى وجودنا في بيوتنا وبين أقاربنا، فمثلا الآن أنا لا أستطيع ترك زوجتي وأطفالي في مغارة لوحدهم على عكس حلب كنت أتركهم في ملجأ فهذا واحد من الاختلافات، إضافة الى الظروف المعيشية التي نعاني منها (في معرة النعمان) فالراتب الذي أحصل عليه بالعمل كفلاح لا يسد أي شيء من احتياجاتي الأساسية.

وأكبر اختلاف أن حلب مدينتي التي ولدت ونشأت فيها وأعرف كل أماكنها أما هنا أشعر أنني غريب في كل شيء.

ما الذي تشعر به عندما تفكر بما آلت إليه حياتك، من أخصائي تخدير إلى مزارع؟ هل لديك أية خطط مستقبلية، كالعودة إلى حلب مثلا؟

أشعر بالخذلان الآن لأنني كنت أتوقع أن يكون الوضع في إدلب أفضل بقليل عما هو في حلب، ففي حلب كنا فعالين أما هنا في إدلب أصبحنا فقط نركض وراء تأمين احتياجاتنا دون أي هدف وهذا الأمر الذي جعلني أشعر بالخذلان أمام نفسي وأمام أبناء وطني خاصة في ظل الحرب والقصف.

نعم أفكر بالخروج إلى تركيا ولكن الخروج بحاجة إلى مال وهذا غير متوفر لدي للأسف، فالوضع في المناطق المحررة بات سيئا من كافة النواحي سواء كانت نفسية أو عملية.

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال