5 دقائق قراءة

“أفضل الموت على المغادرة”: معاناة طالبي اللجوء السوريين المقرر ترحيلهم من بريطانيا إلى رواندا

يفضل طالبا لجوء سوريان محتجزان في أحد مراكز الترحيل ببريطانيا الموت على الصعود إلى الطائرة لنقلهما إلى رواندا، وهما اثنين من 17 سورياً مهدداً بالترحيل.


10 يونيو 2022

بيروت- فور وصوله إلى شواطئ بريطانيا قادماً من فرنسا في قارب عبر بحر المانش، قبل بضعة أسابيع، ألقى حرس الحدود البريطاني القبض على شاب سوري وأودعه في أحد مراكز احتجاز المهاجرين، ومن المقرر ترحيله إلى رواندا.

“أخبرتهم أني سأقتل نفسي، ولن أذهب إلى رواندا”، قال (ي.س)، لـ”سوريا على طول” من مكان احتجازه، طالباً عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، وهو واحد من طالبي اللجوء السبعة عشر الذين تأثروا بالصفقة “الجدلية” المبرمة بين بريطانيا ورواندا، في نيسان الماضي، التي تقضي بترحيل طالبي اللجوء الذين دخلوا الأراضي البريطانية بطريقة غير نظامية، بعد كانون الثاني/ يناير 2022 إلى رواندا، التي تملك سجلاً تاريخياً يفتقر إلى الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان.

يُقدّر عدد المحتجزين الذين تلقوا إشعاراً بالترحيل 82 شخصاً، بحسب منظمات غير حكومية، معظمهم من السودان وسوريا وألبانيا، غير أنّ هناك جنسيات أخرى من مصر وإيران وإريتريا وأفغانستان والجزائر وتشاد وتركيا.

“يهدم [هذا الاتفاق] فعلياً الركن الأساسي الذي تقوم عليه الاتفاقية الخاصة باللاجئين وحقوقهم التي عُقدت بعد الحرب العالمية الثانية”، كما قالت ياسمين أحمد، مديرة منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بريطانيا، التي تعنى بمراقبة حقوق الإنسان، وكذلك “يقوّض أساس المسؤولية الجماعية؛ فغالبية دول العالم المستضيفة للاجئين حالياً هي من بين تلك الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي الأدنى”. إذ تستضيف البلدان النامية نحو 85% من لاجئي العالم.

ولجأت عدد من المنظمات البريطانية إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد الاتفاقية لانتهاكها القانون الدولي للاجئين، وقد تُوقف الطعون القضائية المقدمة إلى المحكمة رحلة الترحيل الأولى المقررة بتاريخ 14 حزيران/ يونيو.

اعتقال في ليبيا وبريطانيا

ليست المرة الأولى التي يحتجز فيها ي.س، إذ بعد دخوله الأراضي الليبية هارباً من جنوب سوريا، اعتقل فيها 40 يوماً، ووقع كما غيره من المهاجرين وطالبي اللجوء فريسة الابتزاز والإيذاء على يد سماسرة السجون في بلد استشرت فيها الفوضى خلال العقد الماضي، وتعد ليبيا محطة رئيسية في طريق الهجرة إلى أوروبا. 

وعقب خروجه من سجون ليبيا مقابل رشوة، ركب زورقاً في مياه البحر المتوسط قاصداً أوروبا، وهو مسار الهجرة الأكثر فتكاً في العالم، حيث لقي 23,939 شخصاً حتفهم منذ عام 2014، بحسب مشروع المهاجرين المفقودين

نزل على شواطئ إيطاليا، وتوجه مباشرة إلى فرنسا ومنها إلى بريطانيا أملاً بتأسيس حياة جديدة هناك، ولمّ شمل زوجته المقيمة في سوريا.

قرار ي.س اللجوء إلى بريطانيا كونها “دولة عظيمة تحترم حقوق الإنسان، كما سمعنا، ولديّ فيها أصدقاء وأقرباء، لذا كانت خياري”، على حد قوله، غير أن خطة الحكومة البريطانية قتلت أحلامه، وبدلاً من “الترحيب بي أودعوني في السجن، كما لو أنني مجرم!”.

ولم يحدد تاريخ ترحيل ي.س إلى الآن، وهذا ينطبق أيضاً على س.ر، وهو طالب لجوء آخر محتجزٌ معه في مركز الاعتقال ذاته، وقد وصل إلى بريطانيا الشهر الماضي على أمل أن يجتمع بأخيه المقيم في لندن.

وكان س.ر ينوي إحضار زوجته وأطفاله من سوريا، لكنه الآن أمام مستقبل مجهول “إنهم يدمرون حياتنا بإرسالنا إلى رواندا، بلدٌ لا يربطني بها شيء”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وتعرض س.ر للاعتقال والتعذيب مرتين في سوريا، لفترات قصيرة، قبل أن يتمكن من الفرار من بلده، واعتقل أيضاً في ليبيا قبل أن يواصل رحلته إلى أوروبا، معبراً عن حالته: “أنا مستنزف نفسياً، فكل بلد أدخل إليه أودع في سجونه!”.

وعبر مكالمة هاتفية من مركز احتجازه في بريطانيا، أبدى س.ر تمسكه برأيه واستحالة ركوبه على متن طائرة الترحيل إلى رواندا، قائلاً: “أفضل الموت على المغادرة”.

طعون قضائية قد تبطل الصفقة

تقدمت ثلاث منظمات غير حكومية ونقابة عمالية في بريطانيا بطعنين قضائيين ضد الاتفاق المبرم، وطالبوا الحكومة بتوضيح المعايير والإجراءات القانونية المعتمدة للترحيل.

يمكن لهذه الإجراءات القانونية أن تحول دون ترحيل الدفعة الأولى المقررة خلال أقل من أسبوع، إذ بحسب ياسمين أحمد، مديرة “هيومن رايتس ووتش “انطلاق رحلة الرابع عشر من هذا الشهر احتمال ضعيف جداً، لأنه من المرجّح الشروع في إجراءاتٍ قانونية”، مشيرة إلى أن وجود إنذار قضائي، هو أمر تقييدي أو ما يعرف قانونياً بـ”الأمر الزجري”، أي تجبر المحكمة طرف ما على الامتناع عن القيام بفعل محدد، وعليه قد توقف الرحلة.

ومن شأن أي إنذار قضائي أن “يستمر حتى الفروغ من الإجراءات القضائية التي يمكن أن تسير حتى تبلغ المحكمة العليا لبريطانيا، وربما تستغرق هذه العملية عامين”، وفقاً لياسمين أحمد. 

حتى إن أيدت المحكمة العليا البريطانية اتفاقية الترحيل، “ما يزال هنالك فرصة أمام هؤلاء الأفراد بتقديم طلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، وفق ما أوضحت أحمد. ويتسنى للمحكمة الأوروبية تقديم إنذارٍ قضائيٍ أيضاً، تمنع بموجبه الحكومة البريطانية من تنفيذ عمليات الترحيل “إلى أن يتم البت في القضية”.

لكن ما مصير 82 محتجزاً لدى وزارة الداخلية، وهي السلطة الإدارية المخولة باحتجاز الرعايا الأجانب في أي مرحلةٍ من مراحل هجرتهم، خاصة أن بريطانيا، خلافاً للدول الأوروبية، “ليس لديها حداً تشريعياً يحدد الوقت الذي يُمكن فيه احتجاز الشخص في مراكز اعتقال المهاجرين، وعليه قد يُحتجز الناس إلى أجلٍ غير مسمى”، بحسب إميلي ماكدونيل، منسقة الاتصالات في “هيومن رايتس ووتش”. ويوجد في بريطانيا ستة مراكز ترحيل مخصصة للمهاجرين، إضافة إلى منشآت احتجاز لفترات قصيرة وسجون

وتتوقف مسألة إبقاء المواطن الأجنبي قيد الاعتقال أو إطلاق سراحه على ميعاد ترحيله، فإذا “كان ميعاد طردهم وشيكاً، يمكن إبقاءهم رهن الاحتجاز”، كما قالت ماكدونيل، مشيرة إلى أنه “يمكن للمحامين المحاججة أمام المحكمة بأن موعد ترحيلهم ليس قريباً، وبهذه الحالة يمكن إطلاق سراحهم بكفالة”.

في عام 2019، رحّلت بريطانيا 30٪ من المهاجرين المحتجزين لديها، وما يزال 70٪ رهن الاحتجاز، بحسب بيانات جمعية زوار محتجزي الهجرة (AVID)

الاستعمار المبطن

بموجب مذكرة التفاهم المبرمة بين الحكومتين البريطانية والرواندية، تتلقى الأخيرة مبلغ 120 مليون جنيه إسترليني (157 مليون دولار) من بريطانيا مقابل قبول طالبي اللجوء، ويكمن في هذا “شيء من الاستعمار المبطن، الذي يدعوك إلى درجة تغوي فيها الدول لأخذ اللاجئين مقابل منحهم المال واستغلال هذا [التوزيع] غير المنصف بين الدول”، بحسب أحمد.

وأضافت أن هذه الاتفاقية جاءت في اتساقٍ مع “التوجه العالمي الذي شهدناه بإخراج وطرد أولئك الذين يلتمسون الحماية، ولاسيما في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وأستراليا”.

يمكن أيضا ربط توقيت الاتفاقية بالأحداث السياسية المحلية، صوّت نواب حزب رئيس الوزراء بوريس جونسون، يوم الإثنين، على حجب الثقة عنه لمخالفته القواعد المتخذة لمواجهة جائحة كوفيد-19، ورغم فوزه بالتصويت، إلا أن 41٪ من أعضاء حزبه صوتوا ضده. 

ويرتبط إعلان الاتفاقية “ارتباطاً وثيقاً باضطرابات جونسون في تولي زمام القيادة”، وفقاً لأحمد، واصفة الصفقة مع رواندا بأنها “تكتيك لتحويل المسار”، ويقصد منها “توجيه الخطاب إلى بعض ممن هم في دائرته الانتخابية”. 

بغياب وجود الإنترنت، وصعوبة إجراء مكالمات هاتفية، ينتظر 17 سورياً محتجزاً في بريطانيا رؤية مستقبل رحلة الفرار من سوريا، وإن كان سينتهي بهم المطاف في رواندا، وفي هذه الأثناء تمنى ي.س في رسالة وجهها إلى الحكومة البريطانية “أن تقبل طلبات لجوئنا وتتركنا نعيش كما يعيش غيرنا”.

تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين

شارك هذا المقال