4 دقائق قراءة

أفقر من أن يهربوا.. مدنيون قرب جبهات الغوطة الشرقية: لا أحد يسمع صراخنا

ما يزال ألفان من أفقر سكان ضواحي دمشق الشرقية المنهكة […]


18 أغسطس 2017

ما يزال ألفان من أفقر سكان ضواحي دمشق الشرقية المنهكة بالحرب يمكثون في منازلهم التي باتت خطوط جبهات رغم الظروف “الكارثية” التي يعيشون تحت وطأتها، مع دك قوات النظام لبلدتهم بنيران المدفعية  للأسبوع الخامس.

ولم يبق سوى أقل من نصف السكان الأصليين البالغ تعدادهم 4,800 نسمة في عين ترما، شرقي العاصمة دمشق، وفق ما قال إعلامي مدني على الأرض لسوريا على طول. وفرّ الآلاف خلال الأسابيع الماضية حينما وجدوا أنفسهم عالقين على خط الجبهة في حرب دموية بين المعارضة وقوات النظام.

أولئك الذين بقوا هم من يعيشون في فقر مدقع. وليس لديهم أقارب لينتقلوا للإقامة معهم بعيداً عن البلدة المنكوبة، وفق ماقال عدنان الشامي، ناشط إعلامي من عين ترما.

وقال الشامي “إن غالبية الناس التي آثرت البقاء في البلدة رغم شدة القصف كل ما يبقيها هو الأعباء المادية التي ستترتب عليهم في ظل النزوح من إيجارات البيت وغيرها”.

والشامي ذو الخامسة والعشرين عاماً هو واحد من بين 2000 شخص ممن اختاروا البقاء بسبب العجز المالي، فمحل بيع الهواتف الذي كان مصدر رزقه، توقف عن العمل في الشهر الماضي بسبب القصف. وقبل ذلك كان يعمل في محل لبيع الألبسة ودمر كلياً بالحملة “الشرسة” للنظام، الأمر الذي ترك العائلة في ضائقة مالية شديدة.

وقال الشامي حتى لو أراد الرحيل، فإن “الخروج من البلدة سيكون صعباً علينا”.

هنا، “لا أحد يسمع صرخاتنا”، أب لخمسة أطفال في عين ترما. حقوق نشر الصورة لـ شبكة الإعلام الحربي السوري

رغم أن موجة الغارات الجوية الأخيرة اكتسحت البلدة في حزيران، إلا أن القصف الذي يتضمن صواريخ أرض-أرض بات “مستمراً وممنهجاً” في الشهر الماضي، وفق ما قال سراج محمود، الناطق باسم الدفاع المدني في ريف دمشق، لسوريا على طول أنذاك.

واستهدفت عشرات الصواريخ عين ترما في يوم الخميس، مما أسفر عن أضرار مادية جسيمة في البلدة، وفق ما ذكر الدفاع المدني السوري.

واستخدمت قوات النظام، وفق ما تواردت الأنباء، الأسلحة الكيماوية لمرتين على الأقل في البلدة خلال الشهر الماضي، في ظل اشتباكها مع الثوار على جبهة عين ترما، بحسب تقرير أصدره مرصد الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

“نفتقد لكل شيء هنا”

كان تأثيرالمعارك البرية بالإضافة إلى الغارات الجوية للنظام والقصف المدفعي مدمراً للأهالي الذين بقوا في البلدة والبالغ عددهم 2000نسمة.

وقال الشامي، ناشط إعلامي “إن الوضع المعيشي كان جيدا قبل الحرب من حيث الخدمات لقرب البلدة من العاصمة دمشق”.

ومع اندلاع الثورة الشعبية في سوريا عام 2011، انضم أهالي عين ترما، ومعظمهم من العاملين في البناء والزراعة، إلى المظاهرات المناهضة للحكومة.

وذكر الشامي أن “الحراك الشعبي الثوري والمظاهرات كانت سلمية لما رآه الأهالي من بطش النظام بالمدن الثائرة المجاورة لبلدة عين ترما”.

ولكن عين ترما التي كانت تعرف بتطور أبنيتها، وحداثة أسواقها وتصنيع الجلد، قبل سبع سنوات فقط ، تحولت اليوم إلى قرية أشباح، ومدينة طمست معالمها وملامح أبنيتها، فما أشبهها بمنطقة شرقي حلب بعد أن سيطر النظام عليها في كانون الأول الماضي.

وقال أبو محمد، 40عاماً، وأب لخمسة أطفال، لسوريا على طول من عين ترما، الخميس “نفتقد لكل شيء هنا، حتى الشمس نكاد لانراها في مرقدنا تحت الأرض”.

وأضاف “كانت بلدتي من أجمل الأماكن في عيني ماقبل الحربمازلت أراها كذلك، رغم وصول يد الغدر إليها لقتل كل ماهو جميل فيها”. 

وكان أبو محمد كغيره من أهالي البلدة يمتلك مزرعة صغيرة في أطراف عين ترما. ولكن قطعة الأرض هذه أصبحت الآن ساحة صراع تحت أقدام فيلق الرحمن التابع للجيش السوري الحر والميليشيا الموالية للأسد في معاركهم الدموية.

ولايمكنه إيجاد عمل في مكان آخر، فعين ترما في حالة ركود بسبب الاشتباكات.

انهيار اتفاق وقف إطلاق النار

وتأتي هذه الاشتباكات بعد أقل من شهر على دخول اتفاق وقف التصعيد، الذي توسطته مصر وروسيا بين المعارضة والنظام، في الغوطة الشرقية، حيز التنفيذ.

ووفقاً لبيان صادر عن تاس وكالة الأنباء الروسية الشهر الماضي، فإن بنود اتفاق وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية تشمل فتح الحواجز من وإلى الجيب الثوري المجوّع المحاصر وتسهيل إرسال الشحنات الإنسانية إلى داخل الغوطة الشرقية.

وترتبط معركة عين ترما بحملة أكبر لقوات النظام تهدف إلى السيطرة على حي جوبر المجاور، ذي الموقع الاستراتيجي، الذي يبعد 2كم فقط عن مدينة دمشق القديمة.

ويفصل حي جوبر حالياً بين مناطق سيطرة النظام وتلك التي تسيطر عليها المعارضة، وهو البوابة الغربية لغوطة دمشق الشرقية المحاصرة. ولطالما كان الحي نقطة تركيز المعارك، وذلك منذ شن الثوار هجومهم البري منه في آذار الماضي، وفق ما ذكرت سوريا على طول آنذاك.

ولكن مالبثت الاشتباكات أن اندلعت مجدداً في حزيران، مع تركز المعارك الآن ليس على جوبر وإنما على بلدة عين ترما المجاورة، جنوباً.

وقال وائل علوان المتحدث الرسمي باسم فيلق الرحمن، لسوريا على طول الشهر الماضي. علماً أن الفيلق منخرط في قتال قوات النظام في البلدة حالياً، أن السيطرة على عين ترما ستمنح قوات النظام مدخلاً إلى جوبر، وهو الهدف من الحملة.

وفي محاولة منه للصمود وسط المعارك، يغامر أبو محمد، وهو أب لخمسة أطفال بالخروج من عين ترما “كل 3-4 أيام”، لشراء الطعام لأطفاله وزوجه. ولكنه عادة ما يعود فارغ اليدين مع تقلص النقود التي يحملها.

ولم يفكر أبو محمد في خيار النزوح “لأني لا أملك ما أسد به رمق عائلتي لأدفع أجار منزل يأويني أنا وعائلتي”، وفق ما قال.

وليس لديه أقارب خارج عين ترما، في أي من البلدات والقرى المحاصرة في الغوطة الشرقية لينضم للسكن معهم.

في دمشق الخاضعة لسيطرة النظام التي كانت تبعد عن عين ترما مسافة دقائق معدودة فقط بالسيارة قبل الحرب، ما يزال الدمشقيون يعيشون تحت حكم الأسد حياة طبيعية نسبياً، وإن كانت غالية ومقيدة، إلا أنها بمنأى عن جبهات الغوطة الشرقية. علماً أن مدينة دمشق القديمة لا تبعد سوى 3كم عن أبو محمد.

وختم أبو محمد، “هنا( في عين ترما) نحن نعيش حياة مأساوية… وكأننا في كوكب مستقل من هذا العالم، لا أحد يسمع صرخاتنا وبكاء أطفالنا”.

ترجمة: فاطمة عاشور

 

شارك هذا المقال