6 دقائق قراءة

أكثر من ثلاثين مرة آخرها بنسبة 100%: ما تأثير رفع أسعار الإسمنت على السوريين؟

منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 حتى نيسان/ أبريل 2021، رفعت حكومة دمشق أسعار الإسمنت ثلاثين مرة، مقابل مائة مرة للحديد المستخدم في البناء، ليصل سعر الطن الواحد من الحديد إلى سبعة ملايين ليرة (1,770 دولاراً).


26 مايو 2022

عمان- استيقظ أبو رائد مبكراً على رنين هاتفه، الأسبوع الماضي، كان المتصل متعهد البناء المسؤول عن ترميم منزله، الذي خيّره بين “زيادة المبلغ المتفق للترميم بعد رفع أسعار الإسمنت، أو التوقف عن العمل”.

في 11 أيار/ مايو الحالي، أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري قراراً برفع أسعار الإسمنت في سوريا، بنسبة وصلت إلى 100%، حيث ارتفع سعر الطن الواحد من الإسمنت البورتلاندي، عيار 32.5، إلى 397,760 ليرة سورية (100 دولار أميركي تقريباً بحسب سعر الصرف في السوق الموازية، البالغ 3955 ليرة للدولار)، بعد أن كان 216,000 (54 دولاراً).

وبموجب القرار، ارتفع سعر الطن الواحد من الإسمنت البوزلاني إلى 301,670 ليرة (76 دولاراً)، وإسمنت آبار النفط إلى 458,450 ليرة (116 دولاراً)، والإسمنت المقاوم للكبريتات إلى 436,860 ليرة (110 دولارات)، والبورتلاندي، عيار 42.5، إلى 413,490 ليرة (105 دولارات).

ترميم مؤجل

بعد نزوح لأربع سنوات في حي الوعر، غرب مدينة حمص، قرر أبو رائد العودة رفقة زوجته وأطفاله الثلاثة إلى حي القرابيص، شمالي المدينة، أملاً بالاستقرار في حيّ طفولته ونشأته “بين الأهل والجيران، بعد سنوات من الشتات”.

ومنذ عودته، في شباط/ فبراير 2021، بدأ أبو رائد، 45 عاماً، في ترميم منزله، حيث طال الدمار سقفه وجدرانه، إضافة إلى وجود أعطال في تمديدات الكهرباء والمياه، واتفق مع أحد متعهدي البناء ليباشر الترميم “على أن يبدأ بالأعطال الأساسية، وترقيع ما انهار من البيت، إلى الحدّ الذي يجعله صالحاً للسكن”، كما قال لـ”سوريا على طول”. 

أنفق أبو رائد ثلاثة ملايين ليرة سورية (760 دولاراً)، حتى نهاية العام الماضي، الذي سجّل ارتفاعاً في أسعار الإسمنت ثلاثة مرات متتالية، في الأول من نيسان/أبريل، وفي 18 من الشهر ذاته، وفي 22 أيلول/ سبتمبر.

وبعد قرار رفع الأسعار الأخير “لم أعد قادراً على استكمال ترميم منزلي”، بحسب أبو رائد، الذي يعمل في محل لبيع الأدوات المنزلية بحمص، بدخل شهري لا يتجاوز 700 ألف ليرة (177 دولاراً)، يدفع منه 100 ألف ليرة أجرة منزل بالقرب من منزله الذي يرممه، وباقي دخله بالكاد يكفي المصاريف الشهرية الأساسية.

وعليه، فقد أبو رائد الأمل في السكن بمنزله قريباً، مشيراً إلى أن المشكلة أكبر من رفع سعر الإسمنت، وإنما تنسحب على ارتفاع أسعار مواد البناء الأخرى وأجور العمال. وتوقع أن يتخطى إجمالي تكاليف الترميم “العشرة ملايين ليرة بعد أن كانت لا تتجاوز السبعة ملايين”، أي 2,528 دولاراً بدلاً من 1,770.

منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 حتى نيسان/ أبريل 2021، رفعت حكومة دمشق أسعار الإسمنت ثلاثين مرة، مقابل مائة مرة للحديد المستخدم في البناء، ليصل سعر الطن الواحد من الحديد إلى سبعة ملايين ليرة (1,770 دولاراً).

التداعيات على سوق العقار

يعد المستهلك الحلقة الأضعف والأخيرة المتأثرة في ارتفاع الأسعار في سوريا، لكن “وضعي ليس أفضل من وضع الزبائن”، قال أبو جابر، متعهد البناء المسؤول عن ترميم منزل أبو رائد، موضحاً لـ”سوريا على طول” أن سعر كيس الإسمنت، وزن 50 كيلوغراماً، قفز من 7 آلاف ليرة (1.75 دولاراً)، في مطلع عام 2021، إلى 37 ألف ليرة (9.3 دولاراً) حالياً، وكذلك ارتفع الحديد أضعاف سعره، متسائلاً “من يغطي هذه الفروقات؟!”.

وفي وقت “بالكاد يؤمن المواطن مصاريف طعامه وشرابه” تراجع قطاع الإنشاءات في سوريا، بحسب أبو جابر، مشيراً إلى “توقف مشاريع إنشاء الوحدات السكنية تماماً”، وانحسر عمله في “ترميم المنازل وصيانة الأعطال الأساسية فيه”.

وسبق قرار رفع أسعار الإسمنت الأخير فقدان هذه المادة في الأسواق، نتيجة تخفيض شركات الإسمنت الكميات الموزعة على متعهدي المحاضر النظامية، كما فعلت شركة عمران للإسمنت (الحكومية)، التي خفضت الكميات المطروحة في السوق، قبل صدور قرار رفع الأسعار الأخير، إلى أكثر من 90%، وهو ما زاد سعر الكيس، وزن 50 كيلوغراماً، إلى 50 ألف ليرة (12.70 دولاراً)، وانعكس على عمل المتعهدين، كما في حالة أبو جابر.

وعادة، يعتمد أبو جابر على معامل تصنيع الطوب في تأمين مادة الإسمنت، حيث تطرح هذه المعامل كميات من حصتها “النظامية” في السوق السوداء، بأسعار أغلى من التسعيرة الحكومية، مستغلة “الطلب على الإسمنت وعدم توفره في المنافذ الرسمية”.

ورغم أن الشخص الذي يمتلك رخصة يمكنه الحصول على الإسمنت مع المعامل والشركات التابعة للمؤسسة العامة للإسمنت، إلا أن “فترة الانتظار الطويلة على الدور من أجل الحصول على مخصصاته”، تدفعه إلى شراء المادة من السوق السوداء، كما قال الخبير الاقتصادي محمد الجلالي في تصريح صحفي لصحيفة الوطن السورية الموالية للحكومة.

وفسّر المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، صعوبة حصول الأشخاص على الاسمنت بالطرق الرسمية إلى “استهلاك القطاع العسكري وكبار المسؤولين للإسمنت الحكومي”، هذا إلى جانب أولوية منحها “لأصحاب المشاريع من تجار و أمراء الحرب”، في إشارة إلى مشاريع مثل: مشروع باسيليا سيتي، وماروتا سيتي، الذي تنفذه محافظة دمشق وشركة شام القابضة.

وتبلغ حاجة السوق المحلية من الأسمنت نحو 20 مليون طن سنوياً، في الوقت الذي لا تنتج معامل القطاعين العام والخاص سوى أربعة ملايين طن تقريباً، بحسب تصريح وزير الصناعة في حكومة النظام، زياد صباغ، نهاية العام الماضي.

وفيما قللت مصادر تابعة للنظام أو موالية له من تأثير رفع الإسمنت على سعر العقار، كون أسعاره مرتفعة قبل القرار، أكد متعهدو بناء في حديثهم لـ”سوريا على طول” أن سوق العقارات “متجمدة” وتعاني “ركوداً غير مسبوق”، بحسب وصفهم.

وفي ذلك، قال الباحث خالد التركاوي، المستشار الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا، أن ارتفاع أسعار مادتي الإسمنت والحديد بشكل خاص “يرافقه حالة من الركود في سوق العقار”، مشيراً إلى أن بعض شركات الإنشاءات تعمد إلى “تأجيل مشاريعها بالتزامن مع تسريبات رفع الأسعار، حتى تستفيد من فرق الأسعار الجديدة”.

من أزمة إلى أخرى

بعد أن ضاقت به الحياة في لبنان، التي تعاني من أزمة اقتصادية منذ عام 2019، قرر أبو سعاد العودة إلى سوريا، مطلع العام الماضي، بعد رحلة لجوء امتدت لثماني سنوات، لكنه اصطدم بأن بيته في ضواحي دمشق “يحتاج إلى إعادة بناء لشدة الدمار”، حيث يقع منزله في منطقة كانت تحت سيطرة المعارضة السورية قبل أن يسيطر النظام عليها في ربيع 2018. 

اصطدم أبو سعاد، 39 عاماً، الأب لطفلين، من حجم الدمار في منزله وسوء الخدمات في مدينته، واصفاً عودته كالهارب من أزمة إلى أخرى، كما قال لـ”سوريا على طول”، ووجد نفسه عاجزاً أمام تأمين تكاليف ترميم البيت التي “قد تتجاوز ثلاثين مليون ليرة [7,585 دولاراً]”، بحسب تقديرات متعهد البناء، “وهو مبلغ لا يمكن تأمينه”، في وقت يبلغ متوسط دخل الشخص في سوريا 92 ألف ليرة (23 دولاراً).

وأشار المتعهد على أبو سعاد “بناء غرفة صغيرة ومنافعها بدلاً من ترميم البيت كاملاً”، وقد فعل ذلك “بتكلفة وصلت إلى مليوني ونصف المليون ليرة”، أي 632 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي، واقتصر البناء على “إنشاء السقف والأعمدة والجدران”.

وقدّر الخبير الاقتصادي محمد الجلالي، في حديثه لصحيفة الوطن الموالية، تكلفة بناء وإكساء المتر المربع الواحد بحوالي مليون ليرة سورية (253 دولاراً)، مشيراً إلى أن ارتفاع تكاليف البناء والإكساء جعل أسعار العقارات أقل من التكاليف المدفوعة، إذ لا يصل سعر بيع المتر المربع إلى 900 ألف ليرة (227 دولاراً). 

من جهته قدّر المتعهد أبو جابر تكلفة بناء سعر المتر المربع، من دون إكساء، بعد ارتفاع أسعار الإسمنت والحديد الأخيرة، بحوالي 750 ألف ليرة (190 دولاراً)، فيما تراوحت التكاليف العام الماضي بين 200 و250 ألف ليرة (50 و63 دولاراً)، بحسب تقديرات رئيس نقابة عمال البناء إحسان قنايا.

وكحال أبو سعاد، يصطدم اللاجئون السوريون العائدون إلى بلادهم بحقيقة أن تكاليف إصلاح منازلهم المتضررة تفوق قدراتهم المالية. أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقريرها الصادر أواخر العام الماضي، إلى صعوبات اقتصادية شديدة واجهت أغلب العائدين إلى سوريا، حيث وجدوا منازلهم مدمرة كلياً أو جزئياً، ولم يتمكنوا من تحمّل تكاليف إصلاحها.

“لا مفر من الخسارة”

في عام 2000، قرر محمد الحمصي الاستكتاب على شقة سكنية في إحدى الجمعيات السكنية التابعة لمديرية الأوقاف في مدينة حمص، أملاً بتحقيق حلمه “في امتلاك شقة خاصة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

التزم الحمصي، الذي كان يعمل في محل لبيع الألبسة مع والده وأعمامه، بقسط شهري مقداره 1500 ليرة سورية (30 دولاراً بحسب سعر الصرف آنذاك)، لكنها تعادل اليوم 0.38 سنتاً، ومع نهاية عام 2010 بلغ المبلغ الإجمالي للجمعية كدفعة أولى وأقساط شهرية 450 ألف ليرة، أي تسعة آلاف دولار بحسب سعر الصرف في حينها.

وأبلغت الجمعية الحمصي “موقع الشقة، وأخبرتني بأنها في الطابق السابع من البناء”، لتدخل بعد ذلك “في إجازة قسرية نتيجة اندلاع الثورة في عام 2011″، وفقاً للحمصي.

وبعد سيطرة النظام السوري على كامل مدينة حمص، في عام 2018، استأنفت الجمعية عملها، لكنها طالبت الحمصي بدفع 30 مليون ليرة (7,585 دولاراً) “بدل فرق العملة وتكاليف الإنتاج وأسعار مواد البناء”، كما قال الحمصي، ما اضطره إلى “بيع حصتي مقابل 10 مليون ليرة[2,528 دولاراً]” بعد أن عجز عن تأمين المبلغ المطلوب وأملاً “بتقليل خسارتي”.

الحمصي، صاحب 48 عاماً، واحد من مئات المكتتبين لدى الجمعيات السكنية، الذين اضطروا بيع حصصهم إلى المغتربين والمقاولين وميسوري الحال، بعد أن فقدوا الأمل في الحصول على شققهم، نظراً لعجزهم عن دفع الأقساط الشهرية البالغة مئات الآلاف، فيما لا يتجاوز سقف رواتبهم 100 ألف ليرة (25 دولاراً).

وببيع حصته، استرد الحمصي أقل من 30% من قيمة المبلغ الذي دفعه، بحسب سعر صرف الدولار مقارنة بين الفترتين. وعليه “خسرت حلمي وأموالي”، قال الحمصي، معتبراً أنه وأمثاله دفعوا فاتورة الحرب وما نتج عنها من ارتفاع في أسعار المواد وتدهور قيمة العملة الوطنية.

شارك هذا المقال