8 دقائق قراءة

أكراد سوريا بين نهج البرزاني وفلسفة أوجلان

إن التقارب بين "الاتحاد الديمقراطي" و"الوطني الكردي" بعد عملية "نبع السلام التركية" أوجد أرضية لطيّ الخلافات الخلافات المتراكمة على مدار السنوات التسع، وسعي الطرفين إلى إيجاد حلول لها.


23 يناير 2020

عمان- بعد سنوات من الخلاف بين قطبي الصراع الكردي-الكردي في سوريا، ممثلين بالمجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا الخاضعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، خرج أهالي مدينة القامشلي في محافظة الحسكة السورية، في 16 كانون الثاني/يناير الحالي، في تظاهرة تطالب الأحزاب الكردية بوحدة الصف، وكأن “الأكراد استيقظوا أخيراً من نومهم واكتشفوا أنهم منقسمون”، كما أشار ناشطون أكراد على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقاً على المظاهرة.

هدف المشاركون، وفق دعوات التظاهر، إلى تحريك “المبادرة الوطنية” التي كان أطلقها القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وأعلن من خلالها استعداد “قسد” للعب دور “وطني” في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الكردية في روجافا (الاسم الكردي للمناطق الكردية في سوريا)، ومناقشة أسس الوحدة الوطنية، وصولاً إلى موقف موحد يساعد على “تجاوز المرحلة المصيرية من حياة شعبنا”. 

إذ جاءت المبادرة في أعقاب إطلاق تركيا عملية “نبع السلام” العسكرية، بمساعدة الجيش الوطني السوري “المعارض”، في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شرق الفرات، باعتبار هذه الأخيرة امتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تدرجه تركيا على لوائح الإرهاب.

وقد أوجدت “نبع السلام” فرصة لالتقاء الفرقاء الأكراد، لا سيما أن المجلس الوطني الكردي اتخذ موقفاً معارضاً للعملية التركية، إذ أصدر بياناً يستنكر العملية كما يستنكر تأييد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة لها، كون هذا التأييد “يتناقض مع التفاهم حول خصوصية المناطق الكردية”، كما “تتجاهل الوثيقة الموقعة مع المجلس [أي بين الائتلاف والمجلس الوطني الكردي]”. تالياً، علق “الوطني الكردي” مشاركة ممثليه في اجتماعات الائتلاف.

في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، التقى عبدي وفداً من المجلس الوطني الكردي، حيث تمت مناقشة “سياسة الإدارة الذاتية ومصير قوات بيشمركة روجافا والمعتقلين السياسيين في سجون الإدارة”، بحسب ما كشف لـ”سوريا على طول” عضو في المجلس الوطني الكردي، طالباً عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية. لافتاً إلى أن الإدارة الذاتية اشترطت انسحاب المجلس من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، مقابل إشراك المجلس الوطني الكردي في الإدارة الذاتية.

وتأتي أهمية مبادرة عبدي من وجود “تقلبات سياسية، وخريطة طريق ترسم من جديد”، برأي عضو المجلس العام في حزب الاتحاد الديمقراطي عبد الكريم ساروخان. معتبراً في تصريح لـ”سوريا على طول” أن هذه التقلبات “فرصة لتوحيد الصف الكردي، والخروج بموقف موحد تجاه هذه التغيرات التي تحصل على أرض الواقع”.

ورغم أن عبدي تسلم من المجلس الوطني الكردي، في كانون الأول/ ديسمبر 2019، قائمة بأسماء معتقلين ومفقودين لنشطاء وسياسيين يُتهم حزب الاتحاد الديمقراطي بالمسؤولية عن اختفائهم، والمطالبة بالإفراج عنهم كبادرة حسن نية ولتعزيز الثقة بين الطرفين، فإن المبادرة تبدو على المحك بعد أن خلصت تحقيقات “قسد” المبدئية إلى أن مصير ثمانية من العشرة الموجودين في القائمة السابقة ما يزال مجهولاً، الأمر الذي رفضه المجلس الوطني الكردي.

التوافق والتصادم بين “البرزانيين” و”الأوجلانيين”

يضاف إلى اختلاف الأحزاب الكردية السورية في أيديولوجيتها وأهدافها، انقسامها إلى تيارين بمنهجين متعارضين، هما: المنهج البرزاني، نسبة إلى الزعيم الكردي الراحل ملا مصطفى البرزاني، والقائم على الانتقال من حكم العشيرة إلى حكم دولة بفكر قومي ليبرالي؛ في مقابل منهج عبد الله أوجلان، أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني (التركي)، والمعتقل في تركيا منذ عام 1999، والذي يرتكز على الفكر الماركسي، وإنشاء كانتونات لامركزية لإدارة المدن داخل الدولة. وهو الاختلاف الذي امتد ليؤثر على موقفهما من الثورة السورية التي اندلعت شرارتها في آذار/مارس 2011.

إذ شهدت بداية الثورة توافقاً، من خلال إطلاق الأحزاب الكردية في سوريا (البرزانية والأوجلانية، عموماً)، في أيار/ مايو 2011، “مبادرة الحركة الوطنية”، والتي طالبت بـ”حل عادل” للقضية الكردية، والاعتراف بالقومية الكردية في الدستور السوري كثاني أكبر قومية في البلاد. وكذلك إعادة الجنسية لـ”مكتومي القيد”، أي من تم تجريدهم من الجنسية السورية وإنكار حقوقهم في المواطنة عقب إحصاء سكاني استثنائي في آب/ أغسطس 1962 جرد بموجبه أكثر من 120 ألف كردي من الجنسية السورية، وإلغاء كافة القوانين والسياسات التمييزية بحق الشعب الكردي، وتجنب القتل والعنف والسماح بالتظاهر السلمي. 

لكن  دعوة بشار الأسد لإثني عشر حزباً كردياً في 6 حزيران/ يونيو 2011، أثارت الخلاف في أوساط الأحزاب الكردية التي انقسمت بين مؤيد للدعوة ورافض لها، وصولاً بالتالي إلى عدم عقد اللقاء مع الأسد. وليتصاعد الخلاف بعد اغتيال رئيس تيار المستقبل الكردي مشعل تمو، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2011، في مدينة القامشلي، وما تبعها من اتهام لحزب الاتحاد الديمقراطي بالوقوف وراء الجريمة. 

الانقسام بين “البرزانيين” و”الأوجلانيين” تجلى بشكل أوضح بعد إعلان تشكيل المجلس الوطني الكردي في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، من 11 حزباً ليصبح فيما بعد 15 حزباً قبل أن يعود إلى 13 حزباً، بدعم من مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق وقتها. إذ رفضت أحزاب وشخصيات كردية تتبنى فلسفة أوجلان الانضمام في الكيان الجديد، ثم أعلنت في 16 كانون الأول/ديسمبر 2011 عن تشكيل كيان منافس حمل اسم مجلس غربي كردستان، وتحول الصراع بين الطرفين إلى التنافس على من يمثل الأكراد في سوريا ويدير مناطقهم.

وعلى عكس “الوطني الكردي” الذي انضم إلى المجلس الوطني السوري (المعارض)، ومن ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي نأى بنفسه عن التشكيلات المعارضة للأسد، باستثناء انضمامه في تموز/ يوليو 2011 إلى هيئة التنسيق الوطنية والتي تمثل معارضة الداخل، وانسحب منها في كانون الثاني/يناير 2016 على خلفية مشاركة الهيئة في مؤتمر الرياض، الذي عقد في كانون الأول/ديسمبر 2015، بسبب عدم دعوة “الاتحاد الديمقراطي” إلى المؤتمر، وكذلك عدم دفاع الهيئة عن مطالب الحزب في المؤتمر. 

فوق ذلك، اتهم “الاتحاد الديمقراطي” بالتنسيق والتعامل مع حكومة دمشق. وهي اتهامات تعززت بعد انسحاب القوات الحكومية من مناطق كردية في شمال شرق سوريا وتسليمها إلى الحزب في 2012، واعتقال نشطاء وأكراد مؤيدين للثورة السورية. وكذلك مواجهة التظاهرات الداعمة للثورة واستخدام العنف ضدها. 

لكن هذه الاتهامات ما نفاها القيادي في “الاتحاد الديمقراطي” ساروخان، معتبراً أن “تلك الفترة كانت تشهد فوضى عارمة. بالإضافة إلى وجود جبهة النصرة [التي تسمى حالياً هيئة تحرير الشام ]، وقوات الأمن العسكري وأمن الدولة والأمن السياسي التابعين للدولة السورية”.

رغم ذلك، عاد التياران إلى محاولة الالتقاء مع اقتراب موعد محادثات جنيف1، والتي دعا إليها مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا آنذاك كوفي عنان بهدف إيجاد حل للأزمة السورية. إذ اجتمع الطرفان، في 11 حزيران/ يونيو 2012، بدعوة من حكومة إقليم كردستان العراق، تحت اسم مؤتمر هولير (أربيل)، بهدف تقريب وجهات النظر وتشكيل لجان مشتركة لرسم السياسة العامة وقيادة الحراك الكردي. وقد تمخض عن المؤتمر تشكيل الهيئة الكردية العليا، والتي انسحب منها المجلس الوطني الكردي على خلفية الأحداث التي شهدتها مدينة عامودا في ريف محافظة الحسكة، في 27 حزيران/يونيو 2013، إذ وقع 6 قتلى وأصيب 30 آخرون بجروح، إضافة إلى اعتقال 70 شخصاً، خلال مواجهة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، لتظاهرة منددة بسياسات الحزب في المدينة.

لكن مرة أخرى، تقارب الطرفان مجدداً، حين وقعا في 8 أيلول/سبتمبر 2013، اتفاقاً مشتركاً يقضي بتشكيل إدارة محلية مشتركة في المناطق الكردية، كنواة للإدارة الذاتية التي تدير شمال شرق سوريا حالياً. غير أن الإعلان الأحادي لمجلس غربي كردستان (حركة المجتمع الديمقراطي لاحقاً)، في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، عن نيته الشروع في تأسيس “الإدارة الذاتية”، حال دون انضمام  المجلس الوطني الكردي. 

إذ اعترف القيادي في “الاتحاد الديمقراطي” ساروخان في حديثه لـ”سوريا على طول” بأن “المجلس الوطني الكردي شارك في مشروع الإدارة الذاتية إلى أن انسحبوا قبل ليلة واحدة من الإعلان بحجة تهرب حزب الاتحاد الديمقراطي وحركة المجتمع الديمقراطي [التي تضم أحزاباً ومنظمات سياسية أخرى تتبع فكر أوجلان] من التفاهمات وعدم تنفيذها على أرض الواقع”. معتبراً أن “هذه الادعاءات لا حقيقة لها”.

دور الأطراف الإقليمية

لعبت الأطراف الإقليمية دوراً بارزاً في تحديد العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، منذ وقت مبكر. 

إذ دعت رئاسة إقليم كردستان العراق الطرفين إلى مؤتمري هولير (أربيل) 1 و2 في 24 تموز/ يوليو 2012، و 17 كانون الأول/ديسمبر 2013. وما ميّز “هولير 2” حضور رئيس بلدية ديار بكر، أكبر مدن تركيا من حيث تواجد الأكراد. وكذلك السياسية التركية الكردية ليلى زانا. وقد توافق المجتمعون على تشكيل وفد كردي مشترك للمشاركة في مؤتمر “جنيف 2″، ووقف الحرب الإعلامية بين الطرفين، وتشكيل لجنة لإطلاق سراح المعتقلين لدى “الاتحاد الديمقراطي”.

لكن كما في السابق، انتهى العمل بمخرجات “هولير 2” بعد إعلان مجلس غربي كردستان، في 21 كانون الثاني/ يناير 2014، عن “الإدارة الذاتية” بشكل رسمي، وهو ما رفضه المجلس الوطني الكردي.

تعارض سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي مع سياسة إقليم كردستان العراق، ومن يتبعه من أحزاب كردية سورية، لم يمنع زعيم الإقليم من دعوة الأطراف الكردية إلى اجتماع في مدينة دهوك في كردستان العراق، نتج عنه “اتفاقية دهوك” التي وقعت بين الطرفين في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2014، وتضمنت ثلاثة بنود تتعلق بمشاركة المجلس الوطني الكردي في الإدارة الذاتية، وتشكيل مرجعية سياسية كردية، وتشكيل هيئة عسكرية متخصصة تقوم على التنسيق مع وحدات حماية الشعب من أجل الدفاع عن “روجافا”. وهي الاتفاقية التي وصلت بموجبها قوات بيشمركة كردستان العراق عبر الأراضي التركية إلى مدينة عين العرب (كوباني) السورية  لمحاربة تنظيم داعش الذي سيطر على معظم المدينة. 

لكن توقف العمل باتفاقية دهوك في 13 آذار/ مارس 2015، بعد فرض الإدارة الذاتية للتجنيد الإجباري في مناطقها في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، ومن ثم  تنظيمها للانتخابات البلدية في محافظة الحسكة في 1 آذار/مارس 2015، وهو ما اعتبره إقليم كردستان العراق معارضاً للاتفاقية، باعتبار أن الإجراء منفرد من دون الشركاء في المجلس الوطني الكردي. 

وفي المقابل تبنى المجلس الوطني الكردي قوات بيشمركة روجافا، في 1 تموز/يوليو 2015، وهي قوات عسكرية كانت قد أشرفت على تشكيلها حكومة كردستان العراق، وتتألف من ضباط ومجندين سوريين أكراد انشقوا عن الجيش السوري. واصطدم “الوطني الكردي” مع الإدارة الذاتية التي رفضت دخول هذه القوات إلى سوريا ككيان عسكري مستقل عنها. إذ اقترح عبدي “علينا دخول بيشمركة روجافا تحت راية “قسد”. الأمر الذي رفضناه”، كما ذكر العضو في المجلس الوطني الكردي لـ”سوريا على طول”.

بدوره، تدخل التحالف الدولي عبر دعم العمليات العسكرية لوحدات حماية الشعب الكردية (YPG) ضد تنظيم داعش في عين العرب (كوباني)، وتالياً دعمه لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي تشكل وحدات الحماية أهم أركانها، في قتال التنظيم بمناطق شمال شرق سوريا. 

أما تركيا، فقد دخلت على الخط الكردي مبكراً، بمحاولة استقطاب المجلس الوطني الكردي. إذ في 4 آب/أغسطس 2012، التقى وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في مدينة أربيل العراقية، بأعضاء من المجلس، ما أثار خلافاً بين أعضاء الهيئة الكردية العليا، المشكلة من “الوطني الكردي” ومجلس غربي كردستان.

كذلك بعد لقاء المجلس الوطني الكردي مع عبدي في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، “دعت الحكومة التركية قيادة المجلس إلى اسطنبول”، كما كشف المصدر من المجلس لـ”سوريا على طول”. مرجحاً أن “تركيا تهدف إلى منع أي تقارب أو وحدة مع الإدارة الذاتية”.

هل يثمر التقارب ؟

بعد فشل سلسلة من الاتفاقات بين “الاتحاد الديمقراطي” و”الوطني الكردي” أو نقضها، وصل الطرفان إلى طريق مسدود انتهى بالقطيعة. إلا من بعض المضايقات التي مارستها “الإدارة الذاتية” ضد أعضاء المجلس الوطني، من مثل حادثة اعتقال إبراهيم برو، في 13/آب أغسطس 2016، والذي كان يشغل منصب رئيس المجلس الوطني الكردي. تالياً تم نفيه إلى كردستان العراق. 

وكذلك أغلقت الإدارة الذاتية مكاتب أحزاب المجلس الوطني الكردي، في 13 آذار/مارس 2017، بذريعة أنها غير مرخصة. وجاءت الحادثة كردّ على تجديد “الوطني الكردي” رفض الاعتراف بالإدارة الذاتية آنذاك.

ولكن، التقارب بين “الاتحاد الديمقراطي” و”الوطني الكردي” بعد عملية “نبع السلام التركية” أوجد أرضية لطيّ الخلافات الخلافات المتراكمة على مدار السنوات التسع، وسعي الطرفين إلى إيجاد حلول لها. تجلى ذلك في رفض “الوطني الكردي” العملية التركية، وتجميد عضويته، مقابل ذلك قرار الإدارة الذاتية في 5 كانون الثاني/ يناير الحالي، الذي يسمح لأحزاب المجلس الوطني الكردي بفتح مكاتبها، استجابة لمبادرة “عبدي” المسماة بـ”المبادرة الوطنية”.

لكن نتائج التحقيقات الصادرة عن قسد بشأن مصير المعتقلين والمختطفين المدرجين على القائمة التي سلمها المجلس الوطني، والتي تعدّ هي بادرة حسن نية بين الطرفين، تشير إلى أن مصير ثمانية من أصل عشرة معتقلين مجهولي المصير،  وهو ما رفضه المجلس الكردي، كما عبّر العضو في المجلس لـ”سوريا على طول” بأن الوضع “أصبح معقداً للغاية”. رغم ذلك فإن “عدم قبول المجلس بنتائج التحقيق لا يعني بأننا سنغلق الأبواب” بحسب القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي ساروخان.

 

شارك هذا المقال