5 دقائق قراءة

أميركا وروسيا شرق سوريا: صراع على النفوذ والنفط

أحصت "سوريا على طول" قرابة ثلاثين حادثة مواجهة بين الدوريات الأميركية والروسية، منذ مطلع العام الحالي، في شمال شرق سوريا


7 سبتمبر 2020

عمان- فيما كان الصراع الأميركي-الروسي في شمال شرق سوريا مقتصراً على مدينة تل تمر بريف محافظة الحسكة الغربي، حتى مطلع العام الحالي، توسع هذا الصراع إلى محيط مدينة المالكية (ديريك)، بريف مدينة القامشلي الشرقي، أقصى شمال شرق سوريا، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). إذ شهد شهر آب/أغسطس الماضي عدة مطاردات بين الدوريات الروسية والأميركية، ما دفع الأخيرة إلى تسيير دورية، في 2 أيلول/سبتمبر الحالي، برفقة قوات “قسد”، في محيط المالكية، منعاً لمحاولات القوات الروسية إيجاد موطئ قدم لها في منطقة تعد ضمن النفوذ الأميركي.

الحادثة الأخيرة التي وقعت بالقرب من منطقة المالكية في 25 آب/أغسطس الماضي، والتي تأتي في إطار سباق محتدم لبسط النفوذ شرق سوريا، أدت إلى إصابة عدد من جنود القوات الأميركية، نتيجة تصادم مع مركبة عسكرية روسية، في أول حادثة تتسبب في “إصابة القوات الأميركية”، بحسب النقيب خوسيه ف.أوريارت، نائب المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة داعش. مضيفاً في تصريح لـ”سوريا على طول” بأن التحالف الدولي يجري “اتصالات مباشرة مع الجيش الروسي لمنع أي نزاع جوي وبري”. 

وأحصت “سوريا على طول” قرابة ثلاثين حادثة مواجهة بين الدوريات الأميركية والروسية، منذ مطلع العام الحالي، في شمال شرق سوريا، تنوعت بين مشادات كلامية وعراك بالأيدي، وإشهار السلاح وإطلاق الرصاص في الهواء، إضافة إلى مطاردات ومنع تسيير الدوريات بين الجانبين أو إغلاق الطرق، قامت بمعظمها الدوريات الأميركية. ومنعاً لتكرار مثل هذه الحوادث “تواصل الولايات المتحدة حث روسيا وجميع الأطراف الأخرى على الالتزام بعمليات فض النزاع المتبادلة وعدم اتخاذ أي إجراء استفزازي”، وفقاً لأوريارت.

في المقابل، قلل الخبير السياسي، وعضو المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف، من خطورة المواجهات الحاصلة بين الدوريات الروسية-الأميركية، معتبراً في حديثه إلى “سوريا على طول”، أن “الإثارة المحيطة بها مبالغ فيها إلى حد كبير”. إذ إن “كل الأحداث التي وقعت هناك بين الروس والأميركيين لم تشكل خطراً على حياة أو صحة العسكريين”.

وكانت مناطق سيطرة “قسد” في شمال شرق سوريا حكراً على الوجود الأميركي، حتى اطلاق تركيا عملية “نبع السلام” العسكرية في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019. ففيما سبق العملية قرار الرئيس الأميركي بسحب قوات بلاده من سوريا، قبل أن يتراجع عنه لاحقاً، أدت العملية التركية أيضاً إلى اتفاق روسي مع “قسد” سمح للقوات الروسية والقوات الحكومية السورية بالانتشار على الحدود السورية-التركية.

الصراع على الطرق الدولية

يفسر الصراع على الطرق الدولية، لاسيما طريق اللاذقية-حلب الدولي الذي يعرف بطريق M4، في محافظة الحسكة، المواجهات الروسية-الأميركية الأخيرة.

وكانت روسيا وتركيا وقعتا، في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اتفاقاً في مدينة سوتشي الروسية، يقضي بإنشاء منطقة خالية من السلاح على امتداد الحدود التركية-السورية شمال شرق سوريا بعمق عشرة كيلومترات، وسحب “قسد” لقواتها من هناك، مقابل تعليق تركيا عملية “نبع السلام” العسكرية. 

وتقع مدينة المالكية، التي شهدت حادثة الاصطدام الأخيرة بين القوات الأميركية والروسية، ضمن منطقة الـ10 كيلومترات تلك، حيث يفترض تسيير دوريات تركية-روسية مشتركة. لكن تراجع الولايات المتحدة عن قرار الانسحاب من سوريا، أدى إلى تغير الوضع؛ إذ “أصبح واضحاً بأن الأميركيين باقون في المنطقة”، بحسب سيمينوف.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي الكردي نور الدين عمر، أن روسيا “تتجاوز حدودها وتحاول توسيع نفوذها على حساب المناطق الخاضعة لنفوذ القوات الأميركية”. مضيفاً لـ”سوريا على طول”، أنه “يسمح للقوات الروسية بتسيير دورياتها في المناطق الحدودية، فيما تحاول الانتشار على الطريق الدولي (M4) الممتد من المالكية أقصى شرق سوريا، مروراً بمدينتي القامشلي وتل تمر غرب محافظة الحسكة”.

وبحسب عمر، فإن “هذا الطريق -وهو امتداد لطريق اللاذقية-حلب، يعد ممراً مهماً للقوات الأميركية والتحالف الدولي، كونه طريق الإمدادات العسكرية لتلك القوات، كما إنه الشريان الاقتصادي لمناطق الإدارة الذاتية، باعتباره نافذ على معبر سيمالكا النهري مع كردستان العراق”.

لذا، وفي سياق أطماعها بالسيطرة على الطريقين الدوليين اللاذقية-حلب (M4)، ودمشق- حلب (M5)، حاولت روسيا عدة مرات الوصول إلى معبر سيمالكا على طريق (M4) والتابعة إدارياً لمدينة المالكية، من دون طائل نتيجة اعتراضها من قبل الدوريات العسكرية الأميركية.

كذلك، سعت القوات الروسية إلى إنشاء نقطة عسكرية في محيط مدينة المالكية، الواقعة خارج منطقة الـ10 كيلومترات، إلا أن الرفض الشعبي أجبرها على الإنسحاب. تبع ذلك إرسال القوات الأميركية وفداً للقاء الأهالي لكسب ولائهم.

صراع لأجل النفط

ترجع أطماع روسيا في الموارد السورية إلى ما قبل اندلاع الثورة السورية بعقود. إذ خلفت روسيا الاتحاد السوفيتي بعد انهياره في العام 1991 في الاستفادة من مياه المتوسط الدافئة، من خلال قاعدتها العسكرية في مرفأ طرطوس التي تم بناؤها في العام 1971. لكن هذه الأطماع عادت لتبرز بشكل أوضح من خلال عقود استثمارية وقعتها دمشق مع موسكو، لقاء تدخل الأخيرة عسكرياً، منذ أيلول/سبتمبر 2015، لحماية نظام الأسد من السقوط في مواجهة الثورة السورية.

في السياق ذاته، ومع وصولها إلى شرق سوريا عبر الاتفاق مع تركيا، حاولت الدوريات الروسية الوصول إلى حقول النفط في منطقة رميلان النفطية بريف القامشلي الشرقي، عدة مرات، لكن الدوريات الأميركية في المنطقة تصدت لها، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بابقاء القوات الأميركية لحماية المنشآت النفطية في سوريا.

وفيما أكد المحلل السياسي نور الدين عمر أن إصرار روسيا على دخول منطقة المالكية، وتسيير الدوريات فيها، مرتبط بمطامعها في النفط السوري هناك؛ فإنه حمّل الولايات المتحدة مسؤولية هذا التوغل الروسي، لأن “الولايات المتحدة هي التي انسحبت من المنطقة سابقاً وأعطت المجال للقوات الروسية والتركية”. 

لكن منذ ذلك الحين عززت الولايات المتحدة سيطرتها على المنشآت النفطية من خلال الاتفاقية المبرمة مؤخراً بين “قسد” وشركة دلتا كريسنت للطاقة (Delta Crescent Energy LLC) الأميركية لتحديث آبار النفط شرق سوريا واستثمارها، وسط رفض روسي للاتفاقية، باعتبارها “انتهاكات منهجية للمعايير القانونية الدولية والقانون الإنساني الدولي من قبل واشنطن، والتزاماتها كقوة احتلال”، وفقاً لما جاء في بيان الخارجية الروسية، متهمة الولايات المتحدة بـ “النهب والاتجار غير المشروع في الموارد الطبيعية للبلاد التي هي أصول جميع السوريين”.

وكانت روسيا “توقعت في وقت سابق أنه بعد رحيل الأميركيين ستكون قوات سوريا الديمقراطية تحت تصرف موسكو، لكن ذلك أصبح صعباً”، بحسب سيمينوف. معتبراً أن ذلك “يصعّب وفاء روسيا بالتزاماتها تجاه تركيا بإنشاء منطقة 10 كيلومترات خالية من تشكيلات قوات سوريا الديمقراطية”، متهماً القوات الأميركية بـ”احتكار طريق M4 لصالحها فقط”.

ومع أن النقيب خوسيه ف.أوريارت نفى “وجود أي انتهاكات لبروتوكولات حل النزاع في ديريك”، إلا أن ذلك لا ينفي تكرار الاصطدامات بين القوات الأميركية والروسية، وخاصة في ظل “عدم وجود اتفاق واضح ورسمي [بين الطرفين] بشأن توزيع مناطق النفوذ” بحسب عمر.

ورغم أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تحاول “لعب دور الممانع لتصادم القوات الروسي والأميركية”، فإن روسيا ستشجع أي خطوة من شأنها إخراج القوات الأميركية من سوريا، حتى لو كان “دعم العمليات الإرهابية من قبل مجموعات مدعومة من أنقرة ودمشق”، كما رأى عمر.

شارك هذا المقال