4 دقائق قراءة

أم جوزيف: العيد في سوريا عزاء لكل من فقد حبيبا

كانت أم جوزيف جالسة في منزلها الكائن في مدينة حماة، […]


12 يوليو 2016

كانت أم جوزيف جالسة في منزلها الكائن في مدينة حماة، الواقعة تحت سيطرة النظام، مساء يوم 15 تموز عام 2013، عندما تلقت مكالمة هاتفية من ابنها البالغ من العمر 18 عاما، الذي ذهب إلى ريف حماة، في اليوم السابق، لمحاربة النظام مع أحد ألوية الجيش  الحر.

وانضم جوزيف للجيش الحر في أوائل شهر تموز، وذلك بعد اعتقالة مرتين من قبل قوات الأمن والمخابرات، في السنة ذاتها. في المرة الأولى، اتهمته قوات الأمن بالمشاركة بمظاهرة ضد النظام، ودام اعتقاله لمدة أسبوع، وافرج عنه بعدما دفعت أم جوزيف 50 ألف ليرة سورية.

وبعد مرور شهر، اعتقلت المخابرات الجوية جوزيف، واحتجزته لمدة عشرة أيام، بتهمة تسليم مساعدات ومواد أولية للنازحين من مدينة حمص. ولجأت أمه إلى الدين لتأمين مئة ألف ليرة، لإطلاق سراحه.

وقرر جوزيف، الذي كان يعمل في محل لبيع الحلويات (البيتفور والمعجنات)، الانضمام للجيش الحر بعد تعرضه لـ”الذل والتعذيب” الذي واجهه داخل السجن.

وقال جوزيف بمكالمته الأخيرة مع والدته ذات الثلاث وأربعين عاما “ماما الجنة إلنا، كملوا انتوا لوحدكن (…) تحاصرنا ياماما وماتنسي العهد يلي بيننا”.

وانقطع الاتصال، وبعد 20 دقيقة تلقت أم جوزيف مكالمة أخرى من أحد الشبيحة التابعين للنظام، قال لها “ماتوا (…) كلن ماتوا”.

صورة لجوزيف من الفيديو الذي قدمه لوالدته عندما رآها في المرة الأخيرة. الصورة غير واضحة عمدا، لأن والدته تعيش في مناطق سيطرة النظام.

وقبل ذهاب جوزيف للقتال، صمم لوالدته فيديو مؤلف من مجموعة من صوره، وأخبرها بأن تبقى قوية إذا قتل، وأن ترحب وتفرح بخبر موته كما وعدته.

وقالت أم جوزيف “وكأنه كان يعرف بأنني لن أستطع بعد وفاته أن أزره في قبره”.

وبعد ثلاثة سنوات، وصفت أم جوزيف العيد في غياب ابنها الوحيد على أنه “عزاء لكل شخص فقد حبيبا”.

هل لك أن تصفي لنا كيف تلقيت خبر مقتله؟

اتصل بي جوزيف من جواله الساعة 7:23 مساء يوم 15\7\2013، وقال بالحرف “ماما الجنة النا وكملو انتوا لوحدكن، تحاصرنا ياماما وماتنسي العهد يلي بيننا”.

انقطع الاتصال، وبعد حوالي 20 دقيقة، اتصل الشبيحة بي من هاتفه الخلوي وضحكاتهم تصدح في أذني وهم يقولون: فطسوا، كلن ماتوا، هي آخرة كل حدا بيوقف ضدنا.

ماذا كان الوعد الذي وعدته لجوزيف؟

قبل خروجه من حماة تعاهدنا على أن نبقى معا دائما، وإن استشهد ألا أضعف في غيابه، وأن أستقبل خبر استشهاده بالزغاريد وأكمل في طريق الثورة حتى ألحق به ليكون ملتقانا في الجنة.

استقبلت خبر استشهاد جوزيف بغصة كبيرة، فهو ابني الوحيد، ولكنني لم أستطع إلا أن أسجد شكرا لله، فالله عادل والحياة عنده أجمل، وقمت أزغرد كما عاهدته وبإذن الله سأحذو حذوه.

جوزيف كان لديه إحساس بأنه سيستشهد، حتى أنه صمم فيديو يجمع صوره، وقال احتفظي بهذا الفيديو لي فسيأتي يوم لن تريني أو حتى تستطيعين زيارتي، وكأنه كان يعرف بأنني لن أستطيع بعد وفاته أن أزوره في قبره.

هل لديك تفاصيل أكثر عن مقتله؟

بعد عدة أيام وبعد أن هدأ الوضع في الريف، نزلت إلى نفس المكان الذي استشهد فيه جوزيف ورفاقه، الدماء كانت تملأ المكان،  لم أجد جثته لكني وجدت حبات العقد الذي كان في رقبته، مرمية على التراب ومحروقة، أخدتها لأحتفظ بها.

وعند سؤالي أهالي الحي عما فعله الشبيحة بجثة ابني قالوا لي انتشلوا عيونه ومشت المدرعات فوق جثته.

صف لنا العيد من دون ابنك الوحيد؟

سماعي لتكبيرات هذا العيد هيّج في قلبي المواجع، تذكرت جوزيف والأكلات التي كان يحبها، تذكرت كيف هناك أمهات كثر يعيشن نفس إحساسي ودموعهن المفجوعة تملؤ وجنتاهن.

حسيت انو مافي عيد لأنو البدر مات، لأنو هلال عمري اختفى ومابعرف قبرو، ريحة عطرو لسا بأنفاسي، لسا حاسة بلمسة ايدو صباح العيد، كان شعلة نشاط وحنان، الله بيحبو أخدو لعندو ليكون ملاك بالسما، ملاك بالجنة لأنو الدنيا ما بتستحق يكون فيها.

هل لك أن تصفي لنا كيف كانت أجواء العيد بشكل عام في المدينة؟

أجواء العيد في حماه لها غصة؛ فكل بيت فيه معتقل أو شهيد أو غائب، تدخلين إلى بيت تجدين فيه دمعة أم أو دمعة يتيم أو دمعة زوجه فقدت زوجها وهي في ريعان شبابها.

ليس لدينا عيد أصبح عيدنا عزاء لكل شخص فقد حبيبا أو قريبا أو ابنا، هذا هو العيد في حماة.

 ما الكلمة التي توجهيها لأمهات الشهداء في العيد؟ وماهي أمنياتك؟

إلى كل أم شهيد، إلى كل أم بطل، إياك أن تنسي وجعك أو تكوني جبانة، نحن سنأخذ حق أبنائنا من كل ظالم.

والله لو تعود بي الأيام ويعود ابني للحياة سأعاود وأطلب منه ألا يتردد في مواجهة الظلم.

أمنيتي بالعيد ألا تنسوا أمهات الشهداء الثكالى وسيروا على العهد لندحر الظلّام عن بلادنا، عيدنا الحقيقي عندما نحيا بسوريا محررة من الظلم وأن يعود الفرح والضحكات التي كانت تخرج بصدق من قلوب الأمهات وقلوبكم أنتم.

 

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال