7 دقائق قراءة

أهالي مخيم دير بلوط: السلطات التركية لا تستجيب وتقيد جهودنا الهزيلة في مواجهة الشتاء

أحد سكان دير بلوط يقيم الضرر الذي لحق بالمخيم بعد […]


15 نوفمبر 2018

أحد سكان دير بلوط يقيم الضرر الذي لحق بالمخيم بعد عاصفة في ٢٥ تشرين الأول. تصوير: رامي السيد.

استيقظ أكرم على صوت زخات المطر فوق خيمته القماشية في مخيم دير بلوط، في شمال سوريا.

وخلال ثوان، خرج الشاب البالغ من العمر ٢٥ عاما ليجد أمطارا غزيرة وفوضى تخيم على المكان من حوله: خيام بيضاء متهالكة تميل ذهابا وإيابا مع الريح، وبرك من الوحل تملأ الطرق الترابية ويصاحب المشهد صراخ النساء والأطفال الذين باغتتهم العاصفة وهم نيام بشكل مفاجيء.

قال أكرم لسوريا على طول من مخيم دير بلوط، الذي يقع بالقرب من الحدود السورية التركية في منطقة عفرين التي تسيطر عليها المعارضة في محافظة حلب “أصيب الناس بالجنون. فمن الصعب معرفة ما يجب القيام به في مثل هذا الموقف”.

وكان أكرم ينتقل من خيمة إلى خيمة مع مجموعة أخرى من الناس لمساعدة ذوي الإعاقة والأطفال والمسنين على الخروج من منازلهم المؤقتة بينما تتسرب المياه إليها، وتغمر الطعام والملابس والمفروشات في الداخل.

وقال أكرم، وهو أحد أبناء مخيم اليرموك في جنوب دمشق، وكان يعمل مصمما “لا يستطيع بعض الناس التحرك بمفردهم. لذا كان علينا مساعدتهم”.

“كان الماء يغمر كل شيء”.

وضربت العاصفة مخيم دير بلوط أواخر الشهر الماضي، وكانت تلك أولى عواصف فصل الشتاء في عفرين. وتصاعدت الأمور بشكل سريع نسبياً- حيث استمرت الأمطار لأكثر من ساعة أو ساعتين، حسب قول أكرم، لكن آثارها كانت مدمرة بالنسبة لسكان المخيم الذين تم إجلاؤهم إلى الشمال الغربي في الربيع الماضي مع القليل من ممتلكاتهم.

وفي الأيام التي تلت عاصفة الشهر الماضي، تكرر المشهد ذاته مع موجات لاحقة من البرد والمطر، وكانت الأحدث صباح يوم الأربعاء. وفي أعقاب كل عاصفة، يهرع السكان لتصريف المياه من الملاجئ، وإعادة تثبيت خيامهم وإخراج الفرش لتجف من المياه تحت أشعة الشمس.

فرش مصفوفة خارج الخيم لتجف في أعقاب العاصفة، ٢٥ تشرين الأول. تصوير: رامي السيد.

وأظهر الطقس القاسي في شمال غرب سوريا ضعف وقلة حيلة أهالي مخيم دير بلوط، الذي يدار مباشرة من قبل  الحكومة التركية ويجعله موقعه في الوادي عرضة للفيضانات بشكل خاص.

ولم يستجب ممثلون من هيئة إدارة الكوارث والطوارئ في تركيا، وهي الوكالة الحكومية المسؤولة عن المخيم مع منظمة الهلال الأحمر التركي الشريكة لها، لطلب التعليق بشأن ما يحدث.

لكن السكان أخبروا سوريا على طول أن سلطات المخيم التي تقودها تركيا والمنظمات الإغاثية لم تستجيب بدرجة كبيرة لحاجة الأهالي الملحة إلى إمدادات الشتاء، حتى بعد المخاطر التي ظهرت مع أول عاصفة لهذا الموسم.

وقال أبو عيسى “يقول لك مسؤول المخيم: لا أستطيع فعل أي شيء حيال ذلك، ويرسلك إلى الإدارة. والإدارة تقول لك: لا يمكنني تقديم أي شيء في الوقت الحالي”.

وأضاف الشاب البالغ من العمر ٢٥ عاما “لم نستلم سوى البطانيات منذ العاصفة الأولى”.

من الحصار إلى البؤس

إن الظروف الصعبة ليست جديدة على دير بلوط أو سكانه، الذين هُجر معظمهم قسرا من مخيم اليرموك الذي كان خاضعا لسيطرة تنظيم الدولة، في وقت سابق، ومن المناطق المجاورة لريف دمشق الجنوبي التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، في الربيع الماضي، ضمن سلسلة من اتفاقيات التسوية والإجلاء. وانضموا إلى عدد أقل من أهالي القلمون الشرقي، وهي منطقة أخرى بالقرب من العاصمة تخلت المعارضة عن سيطرتها في وقت سابق من هذا العام.

وبعد إجلاء سكان المناطق الفقيرة التي رزحت لسنوات تحت الحصار والقصف من قبل الحكومة السورية وحلفائها، قطع النازحون مئات الأميال ليجدوا ظروفا مزرية مماثلة بانتظارهم في دير بلوط: فليس هناك شبكة كهرباء، وإمدادات المياه شحيحة والرعاية الصحية في حدها الأدنى.

اثنان من سكان المخيم يستخدمان قاربا يدوي الصنع للتنقل مع سوء الأحوال الجوية. تصوير: رامي السيد.

وقد ساءت ظروف المخيم مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وساقت معها موجة من الأمراض، بما في ذلك الإسهال والجفاف، وهو ما تسبب باستنزاف الإمدادات الطبية وجمد حركة العشرات من الأشخاص.

ومع اقتراب فصل الشتاء، أصبحت الاحتياجات أكثر إلحاحا بالنسبة إلى ٤٥٠ عائلة تقريبا تقيم في مخيم دير بلوط، المجاور لمخيم آخر هو المحمدية، و يضم مئات النازحين في ظروف مماثلة أيضا.

وقال أبو عيسى إن البطانيات التي تم توزيعها عليهم- واحدة لكل شخص- بعيدة كل البعد عن أن تكون كافية لأول شتاء في المخيم منذ تأسيسه في نيسان، بعد أن قام مقاتلو الجيش السوري الحر المدعوم من قبل تركيا بالتقدم في المنطقة المعزولة وانتزاع السيطرة عليها من الأكراد، ضمن عملية غصن الزيتون التي قادتها أنقرة.

وتابع لسوريا على طول “بطانية واحدة لا تكفي داخل خيمة. وأنا لا أبالغ أبدا. نحتاج إلى ثلاث بطانيات لكي نشعر بالدفء أثناء الليل”.

وذكر أبو عيسى إن السكان طلبوا من مسؤولي المخيم تأمين مدافئ وأخشاب لحرقها، لكن الإجابة كانت “يوك”- بمعنى “لا” باللغة التركية. وبحسب اعتقاده فإن المسؤولين في المخيم قلقين من أن تطال النار الخيام.

وفي الوقت الحالي، يركز أبو عيسى على تأمين المال للقيام برحلة إلى أقرب بلدة- جندريس- من أجل شراء بعض الملابس الشتوية لعائلته. حيث قال “نحن بحاجة لثياب تبقينا دافئين. لقد غادرنا مخيم اليرموك بقليل من الملابس الصيفية”.

أما مجموعة أخرى من سكان المخيم كانت تعمل ببساطة على تحصين المخيم نفسه- في ظل غياب جهود مماثلة من قبل السلطات المسؤولة عنه – وذلك بوضع الحجارة حول حواف الخيام لمنع اقتلاعها، وتقوية الهياكل بأقمشة إضافية وحفر قنوات صغيرة في الأرض لتوجيه المياه بعيدا عن ممتلكاتهم باتجاه بساتين الزيتون التي تحيط بالمخيم.

وحاول بعض السكان بناء جدران منخفضة من الطوب حول خيامهم لمنع دخول المياه، لكنهم واجهوا “يوك” آخر من سلطات المخيم- حيث يحظر بناء أي شيء دائم في دير بلوط، ووفقا للسكان- ووردت أنباء بأن الأشخاص الذين خالفوا القوانين أصبحوا هدفا للهجمات الأخيرة من قبل المعارضة المحلية والشرطة.

سكان يحفرون قنوات مؤقتة لتصريف المياه من مخيم دير بلوط في ٢٥ تشرين الأول. تصوير: رامي السيد.

وفي ظل الظروف الصحية والإنسانية الصعبة التي تواجه سكان مخيم دير بلوط، اتهم سكان المخيم السلطات التركية مرارا وتكرارا بتفاقم الوضع في المخيم بسبب تقييد وصول المنظمات الإغاثية الموجودة في المنطقة الشمالية الغربية التي تسيطر عليها المعارضة.

وتعمل أكثر من ٥٠ منظمة غير حكومية ووكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى في شمال سوريا تحت مظلة مجموعة تنسيق وإدارة المخيمات، وتسهل تقديم المساعدة إلى مئات المواقع في كل من محافظتي إدلب وحلب، حسب المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ديفيد سوانسون.

وتشمل تلك المواقع المخيمات والتجمعات العشوائية ومراكز الاستقبال وأماكن أخرى لجأ إليها النازحون السوريون، مثل المدارس والمستودعات.

لكن المخيمات التي تديرها تركيا في منطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية- المنطقة التي تم الاستيلاء عليها أثناء عملية غصن الزيتون- مغيبة بشكل ملحوظ عن مجموعة تنسيق وإدارة المخيمات، وكذلك التقييمات الأخيرة للوضع الإنساني في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، مما يجعل عفرين إلى حد ما منطقة رمادية بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني.

وعندما سُئل عن الأوضاع في دير بلوط، قال سوانسون إن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ليس لديه إمكانية “وصول سهلة” إلى المخيم من أجل تقييم الاحتياجات، لكنه لم يقدم المزيد من التفاصيل.

في الوقت نفسه، تم إبعاد المسؤولين السوريين في المنطقة التي يتوسع فيها التأثير التركي بشكل متزايد.

في السياق، قال آزاد عثمان، عضو المجلس المدني في عفرين، لسوريا على طول، حزيران الماضي “لا علاقة لنا بالخدمات داخل المخيم. وتقع المسؤولية بشكل رئيسي على الجانب التركي”.

السكان يتجمعون حول النار في دير بلوط في السابع من تشرين الثاني. تصوير: رامي السيد.

“لا يوجد رد من المسؤولين”

أصاب الإحباط واليأس سكان مخيم دير بلوط بعد أن سئموا العيش تحت رحمة الظروف المناخية المتغيرة والسلطات غير المتجاوبة.

ونظم المتظاهرون في المخيم، كل يوم تقريبا على مدار الأسابيع الأخيرة، احتجاجات تدعو إلى المساعدة الدولية- في حين يطالب البعض بالمساعدة في مغادرة دير بلوط، وسوريا كليا.

وقال أحد المتظاهرين في فيديو نشر على موقع فيسبوك في أواخر تشرين الأول “كنا نعتقد بأن وضعنا سيتحسن عندما غادرنا مخيم اليرموك. لكن الأمر أصبح أكثر سوءا… بدنا نعيش مثل البشر”.

وقال وسام أبو سطيف، عضو اللجنة التي تمثل اللاجئين الفلسطينيين النازحين في دير بلوط، إنه حتى الآن لا يرى أي مؤشر على أن تغييرا سيحدث في الوقت القريب.

وأوضح قائلا “ليس هناك أي رد من أي مسؤول”، مضيفا أن لجنته أوصلت طلبات السكان إلى السلطات التركية قبل أشهر.

وفي الوقت ذاته، يتخوف الفلسطينيون الذين ولدوا في اليرموك من تدهور الوضع بشكل أكبر مع فصل الشتاء الطويل.

وقال أبو سطيف “ما زلنا في الخريف، والظروف على هذا النحو، كيف ستبدو الأمور في الأشهر القادمة؟”

طلب سكان المخيم الذين تحدثوا إلى سوريا على طول حجب أسمائهم بالكامل في هذا التقرير، خوفا من الانتقام من قبل السلطات المحلية بسبب التحدث إلى وسائل الإعلام.

 

ترجمة: سما محمد

شارك هذا المقال