5 دقائق قراءة

إدلب بين مقايضات جديدة ومعارضة غارقة بمشاكلها الداخلية

لا يبدو خيار المقايضة بالملفات معقولاً ما لم تحصل تسوية شاملة على أساس مفاوضات السلّة الواحدة، على أقل تقدير بشأن القضايا الخلافية في سوريا


28 سبتمبر 2020

عمّان – لم تكد تمضي أيام على تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بانتهاء الحرب في سوريا، بعد توصل الجانبين الروسي والتركي إلى اتفاق وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا، في آذار/مارس الماضي، حتى اشتعلت الحرب بين أرمينيا حليفة روسيا، وأذربيجان حليفة تركيا. وهو ما يعني مزيداً من التعقيد في ملف إدلب، مع خضوعه لمقايضات دولية جديدة. لاسيما وأن وسائل إعلام تتحدث عن نقل مقاتلين سوريين إلى ساحات الحرب الجديدة، على غرار ما حصل في ليبيا حينما نقل الجانبان الروسي والتركي مقاتلين سوريين إلى هناك، للانخراط في الحرب إلى جانب حليف كل منهما.

 هل انتهت الحرب فعلاً؟

وفقاً للافروف، فإن “المواجهة العسكرية بين حكومة البلاد والمعارضة انتهت“. مضيفاً أن إدلب تخضع “لسيطرة تنظيم هيئة تحرير الشام، لكن هذه المنطقة يجري تضييقها”؛ إذ “يواصل زملاؤنا الأتراك، بناء على المذكرة الروسية التركية، محاربة الإرهابيين وفصل المعارضة المعتدلة عنهم. ونحن نؤيدهم في هذا الشأن”.

ومن ثم، اعتبر وزير الخارجية الروسي أن “لا ضرورة لشن الجيش السوري وحلفائه أي هجوم على إدلب. من الضروري فقط استهداف مواقع الإرهابيين والقضاء على بؤرتهم الوحيدة المتبقية في الأراضي السورية”. موضحاً أن “المسؤولية الأساسية عن هذا الأمر تقع، بموجب المذكرة، على عاتق الطرف التركي”.

لكن هذا التصريح جاء عقب تصعيد جوي من المقاتلات الروسية، رافقته محاولات اقتحام مستمرة على الأرض لمناطق المعارضة شمال غرب سوريا. كذلك، سبقت كلام لافروف أنباء عن عدم توصل وفدي الخبراء العسكريين الروس والأترك الذين التقوا في العاصمة أنقرة منتصف الشهر الحالي إلى اتفاق بشأن صيغة موحدة لتنفيذ الاتفاقات المتعلقة بمنطقة شمال غرب سوريا. وهو الأمر الذي دفع بوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إلى التحذير من إمكانية انتهاء العملية السياسية في إدلب.

التناقض في المواقف الروسية والتركية، على امتداد الأسابيع الماضية، يفسره الباحث في مركز جسور للدراسات، عبد الوهاب عاصي، بأنه “لا يوجد استعداد لدى أي طرف لتقديم تنازلات مجانية تتعلق بالقضايا الخلافية حول منطقة خفض التصعيد [شمال غرب سوريا]، وهي: مكافحة الإرهاب، وحدود المنطقة، وعودة النازحين، ومصير الحركة التجارية، وتواجد تركيا العسكري [هناك]”، وذلك على الرغم من “حرص روسيا وتركيا على استمرار التعاون الثنائي”.

و”كان اتفاقا إطلاق النار في أيلول/سبتمبر 2018 وآذار/ مارس 2020″، كما أضاف عاصي لـ”سوريا على طول”، عبارة عن “وثيقة لمنع الاشتباك وبناء الثقة. لكن التشكيك المستمر بالنوايا تسبّب في انهيار التهدئة”.

نتيجة لذلك، “لم تعد تُخفي تركيا أنّ استمرار تقويض نظام وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا سيؤدي لانهيار مسار أستانا [ككل] وانتهاء العملية السياسية. وهو تحذير كررته مراراً بما يعكس الجدية في ذلك”، بحسب عاصي. موضحاً أن أنقرة “لن تقبل تحويل المنطقة الآمنة إلى [منطقة] أمنية ضمن شريط حدودي ضيق وفق مقاربة روسيا وحتى إيران، والتي تعني التخلي عن تواجد تركيا العسكري في سوريا لحماية مصالحها لصالح النظام السوري”.

في السياق ذاته، عبر قيادي عسكري في أحد فصائل المعارضة بإدلب عن اعتقاده بأن “العمليات العسكرية الروسية تجاه إدلب لن تنتهي، [وإنما] ستكون مؤجلة بحسب ما تقتضيه الحاجة وأوراق الضغط الروسي في الملفات الدولية الأخرى المتنازع عليها مع تركيا”.

وأضاف عبر الهاتف لـ”سوريا على طول”، مشترطاً عدم الكشف عن هويته، أنه “بحسب معطيات الحرب الجديدة الآن بين أذربيجان وأرمينيا، ستكون المعارك في إدلب مؤجلة عدة أشهر أخرى”. مستدركاً بأنه “إذا اقتضت الحاجة عكس ذلك، سنشاهد حملات روسية جديدة، الهدف منها توسيع سيطرة النظام في المنطقة وربما تصل في أقصى حد إلى تأمين طريق M4 [حلب-اللاذقية] عبر السيطرة على المدن والبلدات الواقعة على الطريق”.

مقايضة جديدة

بعد اجتماع وفدي الخبراء العسكريين الروس والأترك في أنقرة، حذر “معهد دراسات الحرب” الأميركي من هجوم وشيك لقوات النظام السوري على محافظة إدلب، نتيجة صفقة روسية تركية يعتقد أنها تمت.

وأوضح المعهد أن هناك احتمالاً بوجود “موافقة تركية على التنازل عن مناطق تسيطر عليها المعارضة جنوب إدلب لصالح القوات الموالية للأسد”، لاسيما مع موافقة تركيا على “تخفيض عدد قواتها الموجودة في إدلب وسحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة” بحسب ما كانت قد ذكرت وكالة “سبوتنيك” الروسية، فيما لم تعلق تركيا على ذلك.

ورجح المعهد أن تكون المناطق الواقعة جنوب طريق M4 هي المناطق التي سيتم التنازل عنها لصالح النظام السوري. مرجحاً أن يكون موقف المعارضة من “التنازل” التركي، متمثلاً في أنه “ربما تقاتل فصائل المعارضة المدعومة تركياً والعناصر المرتبطين بالقاعدة ضد قوات النظام حتى لو امتنعت تركيا عن تقديم الدعم العسكري”.

لكن القيادي العسكري استبعد أن تكون هناك “معارك حقيقية” في إدلب من قبل فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام لصد هجوم قوات النظام في حال كان هناك تنازلات تركية، مضيفاً: “لم يتبقَ فصائل قادرة على صد هجوم النظام والروس خارج سيطرة النفوذ التركي، فما تبقى هي فصائل صغيرة، ولا أعتقد أن الجيش الوطني المدعوم تركياً وحتى تحرير الشام سيقفان بوجه الرغبة التركية حتى وإن كانت لا تتوافق مع رغباتهم”.

فوق ذلك، و”بما أن الصفقة ما تزال غامضة”، بحسب القيادي، فإنه “لا يمكن تحديد هل المقايضة داخل الملف السوري نفسه في منطقتي منبج وتل رفعت شمال حلب [اللتين تسيطر عليهما قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتريد أنقرة إخضاعهما لنفوذها]، أو مقايضة بملفات خارجية متعلقة بليبيا وأذربيجان”.

في المقابل، رأى الباحث عاصي أنه “لا يبدو خيار المقايضة بالملفات معقولاً ما لم تحصل تسوية شاملة على أساس مفاوضات السلّة الواحدة، على أقل تقدير بشأن القضايا الخلافية في سوريا”. معتبراً أنه “لا توجد مؤشرات على ذلك حالياً”. 

وبحسب عاصي، فإنه لا بد أيضاً “من ربط مفاوضات التسوية بين تركيا وروسيا حول سوريا، مع المساعي التي تبذلها الولايات المتّحدة لتقويض قدرة الطرفين على إيجاد حلول مشتركة ومرضية”، مشيراً في هذا السياق إلى الرعاية الأميركية لمساعي “تشكيل مرجعية سياسية كردية”، ما يعني “عملياً تقويض مذكرة سوتشي التي تم توقيعها بين روسيا وتركيا في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لصالح وثيقة أنقرة التي تم توقيعها بين الولايات المتحدة وتركيا في السابع عشر من الشهر ذاته”.

ومنذ أشهر تنشط الولايات المتحدة في محاولة انجاز اتفاق كردي-كردي، بين المجلس الوطني الكردي، الذي يضم 13 حزباً، وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على “قسد”. وقد راجت أنباء عن أن زيارة المبعوث الأمريكي، جيمس جيفري، إلى شمال شرق سوريا، الأسبوع الماضي، هي للإعلان عن هكذا الاتفاق. وهو ما لم يتم.

معارضة غارقة بالمشاكل الداخلية

بالتزامن مع الغموض الذي يحدق بمصير إدلب وسكانها الذين يقارب عددهم أربعة ملايين نسمة، تواصل المعارضة السياسية السورية التخبط بمشاكلها الداخلية، المزمنة والمتجددة في آن، والتي كان آخرها تنامي “أزمة المستقلين” في هيئة التفاوض السورية. 

بدأت الأزمة الأخيرة حينما استضافت العاصمة السعودية الرياض عدداً من المعارضين السوريين نهاية العام الماضي، لأجل إحداث تغيير في تركيبة “هيئة التفاوض” بهدف تقليص النفوذ التركي فيها، الأمر الذي لم يلقَ ترحيباً من رئيس “الهيئة” حينها، نصر الحريري، الذي خرج في مؤتمر صحافي من مقر إقامته في تركيا معاتباً السعودية على ذلك.

تالياً، أعلنت منصتا “القاهرة” و”موسكو” و”هيئة التنسيق الوطنية”، في رسالة إلى “هيئة التفاوض”، رفضها المشاركة في اجتماع الهيئة الدوري الذي عقد في 21 أيلول/سبتمبر الحالي، بحسب ما ذكرت عضو هيئة التفاوض السورية، أليس مفرج، لصحيفة “عنب بلدي” المعارضة.

وقالت مفرج إن المنصتين و”هيئة التنسيق” أوضحت في رسالتها رفضها الاجتماع قبل “إيجاد حل شامل لجميع القضايا الخلافية، ومنها إشكالية المستقلين”.

شارك هذا المقال