5 دقائق قراءة

إدلب: كارثة كبرى وعجز استجابة إنسانية أكبر 

عمان- غرفة من أربعة جدران خلت من النوافذ، وليس يعلوها، فوق ذلك، سقف يقي قاطنيها، اتخذتها منيرة مأوى لها ولأفراد عائلتها في بلدة أطمة القريبة من الحدودية مع تركيا، نازحة من مسكنها الأصلي في معرّة النعمان بريف إدلب الجنوبي.


25 أغسطس 2019

عمان- غرفة من أربعة جدران خلت من النوافذ، وليس يعلوها، فوق ذلك، سقف يقي قاطنيها، اتخذتها منيرة مأوى لها ولأفراد عائلتها في بلدة أطمة القريبة من الحدود مع تركيا، نازحة من مسكنها الأصلي في معرّة النعمان بريف إدلب الجنوبي.

منيرة واحدة من بين 197 ألف مدني نزحوا في الفترة بين 11 و21 آب/أغسطس الحالي، بحسب ما ذكر فريق “منسقو الاستجابة” في بيان، نشر الأربعاء الماضي، نتيجة تصعيد عسكري حكومي وروسي بهدف إجبار المدنيين على إخلاء ما يسمى، بحسب اتفاقات أستانة لخفض التصعيد، المنطقة “منزوعة السلاح”. فيما وثق الفريق ذاته نزوح مليون شخص منذ نيسان/ أبريل الماضي.

الغرفة غير المسقوفة التي لا تصلها مياه وكهرباء، وتشاركها منيرة مع ابنتها المتزوجة وأولادها، كانت الخيار الوحيد المتاح، إذ وسط هذه الموجة من النزوح “لم نجد خيمة تأوينا، وليس لدينا القدرة على استئجار بيت هنا”، كما قالت لـ””سوريا على طول”.

فوق ذلك، يعاني زوجها من الزهايمر و”يحتاج حفاضات يومياً”، فيما تعاني ابنتها من “ضمور في الدماغ منذ ولادتها”، إضافة إلى طفلين صغيرين آخرين تتولى رعايتهما.

رغم ذلك، قد تكون عائلة منيرة أفضل حالاً من سواها بين جدران لا تحجب عنها أشعة الشمس، ولن تقيها برد الشتاء الذي يطرق الأبواب، حصلوا عليها بعد قضاء يوم كامل في العراء. ذلك أن آلاف النازحين من ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي يفترشون الأراضي الزراعية، فوق خسارة كثيرين منهم المساعدات الإنسانية التي كانوا يحصلون عليها من منظمات محلية.

في حالة منيرة، كما قالت: “كنا نحصل على مواد غذائية وأدوية ومناديل صحية لزوجي. لكن منذ نزوحنا لم نحصل على أي مساعدة”.

الدفاع المدني السوري، أو ما يعرف بـ”الخوذ البيضاء”، كان قد  حذر في بيان نشره الأربعاء الماضي على “فيسبوك”، من استمرار القصف الجوي والعمليات العسكرية على طول الأطراف الشمالية والشمالية الغربية من محافظة حماة، إضافة إلى ريفي حلب وإدلب الجنوبيين، كونها تعج بالنازحين المدنيين الذين يعيشون في العراء تحت الأشجار، مطالباً بسرعة التدخل “لحماية نحو 3 ملايين شخص عالقين تحت القصف ومتروكين لمصير مجهول”.

الوضع الإنساني في إدلب دفع فرق “الخوذ البيضاء” إلى “المشاركة في الأعمال الخدمية؛ كإزالة ركام المباني المهدمة وفتح الطرقات، وتمهيد بعض الأراضي واستصلاحها من أجل نصب الخيام عليها. عدا عن عمليات الإنقاذ والإخلاء”، بحسب ما قال مدير الدفاع المدني في إدلب، أحمد الشيخو، لـ”سوريا على طول”.

وإذا كانت منيرة قد تركت منزلاً بسيطاً في معرة النعمان، فإن معتز حمو (39 عاماً) نزح من مدينة مورك بريف حماة الشمالي قبل شهر تقريباً، تاركاً وراءه بيته وأرضاً مزروعة بـ”الفستق الحلبي” سيطر عليها النظام قبل جني ثمارها.

وحالياً، يعيش حمو مع عائلته المكونة من 8 أفراد في مدرسة إعدادية ببلدة كفرديان بريف إدلب الجنوبي، إذ يقف عاجزاً، كما ذكر لـ”سوريا على طول”، عن تأمين “أجرة منزل بقيمة 100 دولار شهرياً، [عدا عن] اكتظاظ المخيمات الحدودية بالنازحين”.

عجز المنظمات الإنسانية

وسط ضعف دور المنظمات الدولية، تسعى المنظمات المحلية في شمال غرب سوريا إلى تخفيف تبعات النزوح عن المتضررين. لكنها لا تلبي في أحسن الأحوال “30 بالمائة من احتياجات النازحين”، بحسب ما ذكر مدير فريق “منسقو الاستجابة”، محمد حلاج، لـ”سوريا على طول”. محذراً من أنه “لا يمكن تلبية احتياجات الموجة الأخيرة من النازحين قبل شهرين”.

في هذا السياق، تقوم منظمة “بنفسج”، وهي منظمة محلية تعمل بدعم دولي، بتقديم خدمات الإسعاف والإخلاء لأكثر من 100 شخص يومياً. كما تقدم الطعام والشراب لأكثر من 1200 شخص، هذا عدا عن تقديم 700 منحة مالية رمزية طارئة متعددة الاستخدامات خلال اليومين الماضيين، بحسب ما كشف مدير المكتب الإعلامي في “بنفسج”، مسلم عيسى، لـ”سوريا على طول”.

لكن حجم الكارثة الإنسانية تحول دون إمكانية تقديم المساعدات مستقبلاً. وهو ما يلخصه عيسى بقوله إن “الوضع الإنساني في إدلب لا يمكن لميزانيات دول تحمله”، في الوقت الذي يشارف “معظم المواد الاحتياطية في مستودعاتنا على النفاد”، بالتزامن مع “نقص حاد في التمويل الدولي”.

من جانبه، وثق فريق “منسقو الاستجابة”، بحسب حلاج “وجود 60 ألف نازح يعيشون في العراء، [حيث] ينصبون أغطية على الشجر لتقيهم حرّ الشمس، فيما يتخذ بعضهم مركباتهم مأوى لهم”. فوق كل ذلك “يصطدم مفترشو الأراضي الزراعية بطلب بعض ملّاك الأراضي إيجاراً لأرضهم من النازحين” بحسب قوله.

وإلى جانب الحملة العسكرية للقوات الحكومية، وجّهت أصابع الإتهام في وقت سابق إلى هيئة تحرير الشام بكونها تسهم أيضاً في مفاقمة الكارثة الإنسانية نتيجة تنامي دور الهيئة المصنفة إرهابية في إدارة شمال غرب سوريا على حساب فصائل المعارضة، ما أدى إلى إيقاف جهات مانحة تمويل الاستجابة الطارئة في تلك المنطقة.

عدا عن ممارسة حكومة الإنقاذ، التي تتبع للهيئة ضغوطاً على المنظمات العاملة في المنطقة، واتهام محسوبين على الهيئة باعتقال عاملين في المجال الإنساني لقاء الحصول على فدية من الجهات المانحة من أجل إطلاق سراحهم.

ورغم المناشدات لدعم المدنيين في شمال غرب سوريا، لم تُدخل الأمم المتحدة سوى  قافلة مساعدات إنسانية واحدة، نهاية تموز/يوليو الماضي، مؤلفة من 19 شاحنة، قادمة من الأراضي التركية، لتوزيعها في محافظة إدلب. وهي القافلة الإنسانية الأممية الوحيدة منذ بدء الحملة العسكرية في نيسان/ أبريل الماضي.

حكومتان عاجزتان

تتنازع التمثيل والإدارة، المفترضين، في شمال غرب سوريا حكومتان محليتان، هما “حكومة الإنقاذ” التابعة لهيئة تحرير الشام، و”الحكومة السورية المؤقتة” التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة. ورغم أن الأولى تفرض إدارتها بسطوة هيئة تحرير الشام الفصيل العسكري الأقوى في المنطقة، فإن كلتا الحكومتين تبدوان عاجزتان أمام ما يحدث في إدلب.

وبحسب تصريح لرئيس مجلس الوزراء في حكومة الإنقاذ فواز هلال لـ”سوريا على طول”، فإن “وزارة التنمية والشؤون الإنسانية افتتحت أكثر من مخيم إيواء جماعي لاستقبال المهجرين، كخطوة مؤقتة، موزعة على أربع دوائر: مخيمات قاح، سرمدا، أطمة، ودائرة المخيمات الغربية. واستوعبت تلك المراكز نحو 27 ألف عائلة طوال فترة موجات النزوح”.

كما عملت حكومة الإنقاذ على “إيواء نازحين آخرين في المدارس، عدا عن نقل مؤسسات خدمية تابعة لها إلى أماكن قريبة من النازحين، تسهيلاً لوصول الخدمات المطلوبة إليهم”.

في المقابل، اقتصر دور الحكومة السورية المؤقتة على عمليات التواصل مع منظمات دولية، ونقل واقع النزوح إلى الجهات المانحة. وبحسب ما ذكر وزير الصحة، فراس الجندي، لـ”سوريا على طول” فقد “تواصلت الحكومة من منظمات الاتحاد الأوروبي، وعرضت عليهم واقع النزوح”. مضيفاً: “لا نملك سوى تحديد أماكن النزوح وأعداد النازحين وتقديمها للمنظمات، مع بعض الجهود الفردية للحصول على دعم ممن يحاولون تقديم المساعدة”.

مناطق النفوذ التركي السورية

مع تفاقم الوضع الإنساني تعمل منظمات محلية ومبادرات شبابية في مناطق ما يسمى “درع الفرات” بريف حلب الشمالي، والخاضعة لفصائل من المعارضة السورية مدعومة من تركيا، إلى تكثيف جهودها لاستقبال النازحين من إدلب المجاورة.

إذ قام أحمد العبد (35 عاماً) من سكان مدينة اعزاز بإفراغ ثلاث غرف من أصل أربع لاستضافة ثلاث عائلات نازحة من دون مقابل، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”.

وكانت جمعية ساعد الخيرية المدعومة من منظمة الهجرة الدولية (IOM)، أعلنت عن جاهزيتها التامة لاستقبال النازحين القادمين إلي ريف حلب، عبر تقديم خدمات الإيواء والإطعام والخدمات العامة في عدة مراكز منها مركز شبيران.

وبحسب ما ذكر مسؤول في الجمعية، “يحتوي مركز شبيران خيماً مجهزة. وهو مخيم إقامة مؤقت، تبلغ قدرته الاستيعابية نحو 2080 شخصاً”. 

لكن، كما كشف المسؤول لـ”سوريا على طول”، فإنه “لم يصلنا إلى الآن سوى 43 نازحاً”.

إذ رغم الأجواء الآمنة نسبياً في مناطق “درع الفرات”، وشبيهتها “مناطق غصن الزيتون” الخاضعة للنفوذ تركي، لم يصل نازحو إدلب إلى تلك المناطق خوفا من عدم السماح لهم بدخولها كما حدث خلال بداية الحملة العسكرية الحالية. إذ قال معتز حمو، النازح في بلدة كفرديان لـ”سوريا على طول”: “لم أفكر بالنزوح إلى ريف حلب، لأن أصدقائي حاولوا دخولها سابقاً ولكن تم منعهم”، مستنكراً “يخافون على مناطقهم ونحن أبناء بلد واحد!”.

لكن مسؤولاً في الشرطة الحرة لمدينة الباب، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم ذكر اسمه، نفى ما يشاع حول منع دخول النازحين إلى “درع الفرات”، مشيراً إلى أنه “تم إدخال معظم النازحين الذين قصدوا ريف حلب الشمالي، فلم يمنع أحد من دخولها خلال موجة النزوح الأخيرة”.

أما بالنسبة لمنيرة، فتشدد: “لا أفكر بالخروج من ريف إدلب، وعندي أمل بالعودة القريبة”.

شارك هذا المقال