5 دقائق قراءة

“إذا استمر الهدوء”: عودة تدريجية حذرة للنازحين بعد اتفاق المنطقة العازلة شمال غربي سوريا

غارات جوية ضربت اللطامنة في أوائل أيلول. تصوير: الدفاع المدني […]


غارات جوية ضربت اللطامنة في أوائل أيلول. تصوير: الدفاع المدني السوري في حماة الحرة.

عندما دخل بشير الأحمد مسقط رأسه اللطامنة في محافظة حماة، شمال غرب سوريا، يوم الجمعة الماضي، كان يحدق في الشارع الرئيسي في الحي الجنوبي، حيث كان منزله السابق وغيره من المنازل، قد سويت على الأرض.

وفرت عائلة الأحمد لأول مرة، قبل حوالي خمس سنوات، إلا أن أحدث جولة من عمليات القصف التي شنتها الحكومة، في وقت سابق من هذا الشهر، تركت الحي الذي نشأ فيه الأحمد في حالة يرثى لها.

وقال الأحمد لسوريا على طول “وجدت المدينة مدمرة تماما”، واصفاً كيف لجأ المدنيون إلى شبكات من الكهوف كمأوى لهم بدلاً من المنازل التي ما زالت قائمة، مضيفا أن “معظم عائلات اللطامنة تعيش الآن في الكهوف وتحت الأرض”.

وقال الرجل البالغ من العمر ٤٧ عاما، والذي يقضي أيامه في كهف أسفل منزل الجيران مع زوجته وابنته الأرملة وحفيده، أنه عاد إلى مسقط رأسه بعد الوعود التي نص عليها الاتفاق الروسي- التركي مؤخرا بإنشاء منطقة عازلة مؤقتة على طول الخطوط الأمامية التي تفصل بين القوات الموالية للحكومة وفصائل المعارضة حول محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة.

وتم الإعلان عن المنطقة العازلة التي تمتد من ١٥ إلى ٢٠ كم، الأسبوع الماضي، بعد قمة دبلوماسية دامت ١١ساعة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مدينة سوتشي الروسية السياحية، بذلك تم تجنب هجوم حكومي كان يلوح في الأفق، حيث توقع العديد من المراقبين أنه سيضرب آخر معاقل سيطرة المعارضة في سوريا.

وتقع اللطامنة، في الطرف الشمالي لمحافظة حماة، وسط هذه المنطقة المحظورة.

وقال الأحمد، لسوريا على طول “إن فرض المنطقة العازلة والتوقف الفعلي للقصف على المنطقة … شجعني على العودة”، واصفاً كيف عادت عائلته بعد يومين فقط من إعلان الاتفاق.

وبالرغم من التعقيدات التي تهدد استمرار الاتفاقية- بما في ذلك مجموعة من المعارضة المتشددة التي تميل إلى إفشال أي اتفاق، وكذلك المصالح الجيوسياسية المتنافسة حول إدلب- فإن النازحين السوريين يعودون بالفعل عبر خطوط ترسيم الحدود التي لا تزال موجودة إلى حد كبير افتراضيا فقط. وقال العديد من المدنيين النازحين لسوريا على طول إنهم عائدون إلى مدنهم وقراهم على أمل استعادة المنازل المهجورة طول سنوات القصف، على الرغم من حقيقة أن العديد منهم يعودون ويكتشفون المدن التي دمرت فيها البنية التحتية كليا بسبب القصف.

وحتى ذلك الحين، ليس من الواضح بعد ما إذا كان الاتفاق الروسي- التركي سيصمد أم لا.

العودة… ولكن إلى بنية تحتية “مفقودة”

فرّ عبد الحي المناف من اللطامنة منذ عدة أسابيع، خلال موجة القصف الأخيرة، حيث أخذ زوجته وأطفاله الثلاثة معه ولجأوا إلى منزل أحد الأصدقاء على بعد ٨٠ كم في مدينة إدلب.

وقال “إن حملة القصف الوحشي الأخيرة جعلت جميع المستشفيات خارج الخدمة، وروّعت الصغار والكبار على حد سواء. “شعر أطفالي بالرعب، وهذا ما دفعني إلى الفرار”.

وقد يكون القصف قد توقف في الوقت الحالي، لكن الظروف المعيشية في مسقط رأسه ستستغرق وقتا طويلا للتحسن، بحسب ما قاله المناف- بعد أن عاد إلى اللطامنة لوحده، يوم الاثنين، لتفقد ما تبقى من منزل العائلة.

وتابع قائلا “اللطامنة ليست صالحة للعيش بنسبة ١٠٠٪ في الوقت الحالي. الخدمات الأساسية غير موجودة تقريبا”.

وأضاف “لكنني أعتقد أنه إذا استمر الهدوء، ستعود الحياة تدريجيا- وهذا ما نأمله على الأقل”.

ومن الصعب إحصاء عمليات العودة إلى البلدات والقرى داخل المنطقة العازلة. وقدر أحد أفراد الدفاع المدني السوري في جسر الشغور، وهي مدينة مهمة استراتيجيا تقع إلى الشمال مباشرة من المنطقة العازلة المقترحة، أن حوالي ٧٥٪ من العائلات قد عادت منذ اتفاق سوتشي- رغم أن المدينة كانت مهجورة فعليا أثناء القصف في الشهر الماضي.

وقال “إن المجالس المحلية والجهات الفاعلة المدنية تعمل على تشجيع الناس على التوجه إلى قراهم من خلال توفير بعض الخدمات مثل ضخ المياه وتنظيف الشوارع” وطلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول له بالتحدث إلى الصحافة. 

في الوقت نفسه يقدر مسؤولون محليون آخرون يتمركزون في البلدات الواقعة ضمن المنطقة المنزوعة السلاح المقترحة وحولها، أن عدد المدنيين العائدين يقدر بالآلاف. 

وذكر علي هواري، رئيس المجلس المحلي في اللطامنة، أن حوالي 600 أسرة عادت إلى المدينة والمناطق الريفية النائية منذ الإعلان عن اتفاقية إقامة منطقة منزوعة السلاح. وعلى الرغم من أن تزايد تدفق المدنيين العائدين يشجعه على العودة، إلا أن الظروف المعيشية لا تزال سيئة هناك، على حد قوله. 

وقال “في المدينة أينما نظرت سترى الموت والحرمان، نحن يائسون، لا يوجد ماء ولا كهرباء ولا مدارس”. 

وبعد أسابيع من القصف الذي قامت به القوات الموالية للحكومة، أطلق المجلس المحلي، الأسبوع الماضي، نداءات يائسة على وسائل التواصل الاجتماعية لتقديم المساعدة للأهالي، حيث قام بتوفير السكن المجاني للمنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني الراغبة في التوجه إلى اللطامنة للمساعدة في جهود الإغاثة. وقال البيان أن القلق الكبير يكمن في النقص الشديد في المياه الصالحة للشرب. 

الإسلاميون المتشددون ” يرسخون أنفسهم”

وفي الأسابيع التي سبقت الاتفاقية، شنت الحكومة السورية وحلفائها قصفاً استمر لمدة أسبوع على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في محافظتي إدلب وحماة. وخلال القصف، نزح ما يقدر ب 40 ألف شخصاً من المدنيين وانتشروا عبر الأراضي الزراعية والأرياف، فضلاً عن سلسلة ممتدة من مخيمات النزوح على طول الحدود مع تركيا. 

وعلى الرغم من الهدوء الذي حل في الشمال الغربي لسوريا، الأسبوع الماضي، بعد أن تم تعليق الهجوم الشامل في الوقت الراهن، إلا أن البنود الفعلية للاتفاقية تركت بعض الشكوك حول مدتها. 

وقبل الموعد النهائي المحدد في 15 تشرين الأول، فإنه من المتوقع أن تخرج جماعات المعارضة جميع الأسلحة الثقيلة من كامل المنطقة المعلنة، بينما يجب على الجماعات الاسلامية المتشددة- بما فيها هيئة تحرير الشام- الانسحاب وتسليم أسلحتهم إلى جبهة التحرير الوطنية، وهي مجموعة من المعارضة في الشمال الغربي مدعومة من الأتراك. ويقع عبء هذه العملية المعقدة بشكل كبير على عاتق الحكومة التركية. 

وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة مع رويترز، يوم الثلاثاء أن “هذا الجزء من سوريا سيكون منطقة منزوعة السلاح” مضيفاً أن انسحاب “الجماعات المتطرفة” من المنطقة قد بدأ بالفعل دون أن يقدم أي تفاصيل. 

وفي جسر الشغور، قرب الحافة الشمالية للمنطقة العازلة في محافظة إدلب، لا تزال هيئة تحرير الشام تتمركز وتسيطر على المنطقة. وعلى الرغم من أن التحالف المتشدد لم يصدر بياناً يشير إلى موقفه من الاتفاقية وتوقعاته حول سحب أسلحته بعد، إلا أن كبار أعضاء الهيئة نشروا إشارات عبر تطبيق تلغرام معربين بوضوح عن استعدادهم للقتال. 

وقال نيكولاس هيراس، وهو زميل بمركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن “من الصعب أن نرى كيف أن هيئة تحرير الشام ستسمح بخسارة قوتها العلنية أمام المجتمع المدني في إدلب”. 

وأضاف “أن الصورة العامة في إدلب تظهر أن منظمات مثل هيئة تحرير الشام، التي كانت لها علاقات قوية مع تنظيم القاعدة، تقوم بترسيخ نفسها بشكل أكبر”.

وقال مناف، وهو أب لثلاثة أطفال، أن حياة أسرته في المنفى لم تعد مقبولة ولايمكن أن تستمر. 

وأخبر سوريا على طول “لقد سئمنا من النزوح والتحرك”. 

وأضاف ” أتمنى أن يبقى الوضع كما هو، لأعود وأستقر مع أسرتي هنا إن شاء الله”.

 

شارك في إعداد هذا التقرير بشير البرّي وعبد الله الحسن.

 

هذه التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول لأوضاع النازحين في سوريا بالتعاون مع منظمة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض في سوريا. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

شارك هذا المقال